هذا المسجد من أهم المساجد العثمانية بالقاهرة، ويعد ثالث مسجد يقام بها على طراز المساجد العثمانية ذات القبة المركزية بعد جامع سليمان الخادم «سارية الجبل» بالقلعة، وجامع سنان ببولاق.
ويوجد هذا المسجد بالداودية قرب شارع محمد علي
وهو من المساجد المعلقة إذ يرتفع البناء عن سطح الأرض بنحو أربعة أمتار
صورة للمسجد
وينسب المسجد إلي الملكة صفية إحدي زوجات السلطان العثماني مراد الثالث وإبنة أحد أمراء أسرة «بافو» في البندقية «فينسيا»، قد تولى أبوها حكم جزيرة «كورفو» بالبحر المتوسط باعتبارها محطة تجارية وإستراتيجية لتجار البندقية واختطفت صفية مع أخريات من نساء البلاط في عملية قرصنة بحرية، وبيعت كجارية إلى أن انتهى بها المطاف في قصر السلطان العثماني مراد الثالث باستانبول.
وقام علي تشييد هذا المسجد «عثمان أغا بن عبد الله» أغا دار السعادة مملوك الملكة صفية، ويظهر أنها أعتقته بعد خدمته في بلاط الحريم، باعتباره خصياً «أغا» فحضر إلى مصر وشرع في تشييد المسجد عام «1019هـ / 1610م»،
لكن عثمان أغا توفي قبل أن يكتمل البناء، فعهدت الملكة إلى «عبد الرزاق أغا بن عبد الحليم أغاة دار السعادة» برفع دعوى أمام القاضي بزعم أن عثمان أغا كان عبداً لها ومملوكاً ولم تعتقه، وليس مأذوناً ببناء جامع أو وقف أرض، وبالفعل صدر حكم شرعي بتمكينها من المسجد فعينت «إسماعيل أغا» ناظراً شرعياً على أوقاف المسجد، وكلفته بإتمام البناء، فقام بذلك ووضع اللوحة التأسيسية التي تخبر زوار المسجد بأنه من تشييد الملكة صفية، تحت إشراف إسماعيل أغا.
عينت صفية للمسجد عالماً زاهداً وخطيباً كريم الخلق يخطب فيه على منوال الشرع في الجمع والأعياد، خطبة تناسب الأيام والفصول، وليس له أن ينيب عنه بلا عذر شرعي
، كما عينت للمسجد خدماً يتولون حفظ المصاحف ونظافة المسجد ومنهم من اختص بالبخور والتعمير والزراعة، بل وهناك أيضاً من عهدت إليهم بتحفيظ قراءات القرآن الكريم، فضلاً عن قراء يقومون بتلاوة القرآن والدعاء لها بطول العمر.
يرتفع بناء المسجد عن سطح الأرض بنحو أربعة أمتار ويتم الصعود إلى أبوابه الثلاثة بواسطة درج دائري من 16 درجة.
ويحتل المسجد مساحة مستطيلة مقسمة إلى قسمين يعرف الخارجي منهما باسم الحرم، وهو يستخدم كمسجد صيفي بالأساس، أما القسم الثاني فيعرف بالمصلى أو المسجد. والحرم يتألف من صحن أوسط مكشوف يحيط به رواق حملت عقوده على أعمدة من الحجر والرخام، وقد غطي الرواق بقباب ضحلة مشابهة لما هو قائم بجامع محمد علي، وكل منهما يستمد تخطيطه من جامع السلطان أحمد الثالث في استانبول. أما المصلى الذي يحتل الجانب الشرقي من البناء فهو مربع الشكل وبوسطه ستة أعمدة من الجرانيت يبدو أنها نقلت من عمارة سابقة على الإسلام وهي تحمل عقوداً حجرية شيدت فوقها القبة المركزية التي تغطي بيت الصلاة وهي من القباب الكبيرة والنادرة إذ يصل ارتفاعها إلى 17.6 متر وتحيط بالقبة المركزية أربع قباب صغيرة محمولة هي أيضاً على عقود حجرية.
ويحيط بدائر رقبة القبة الرئيسة شرفة لها درابزين من الخشب الخرط، وفتحت برقبة القبة شبابيك من الجص المفرغ والمعشق بالزجاج الملون يصل عددها إلى 24 شباكاً.
وبوسط الضلع الشرقي للمصلى محراب غشيت حنيته بالرخام، وإلى جواره منبر من الرخام أيضاً وزين بزخارف نباتية وهندسية نفذت بأسلوب التفريغ ويتم الوصول إلى المصلى من الحرم بالجانب الغربي عبر ثلاثة أبواب بالجدار الغربي أهمها وأوسعها المدخل الأوسط وهو متوج بعقد مقرنص، وعليه لوح رخامي نقش به النص التأسيسي الذي يشير لقيام الملكة صفية بتشييد المسجد.
وتتسم واجهة المسجد بشكل عام بالبساطة والبعد عن الزخرفة، حيث تقتصر زخارفها على النوافذ المعقودة بعقود نصف دائرية والشرافات العلوية التي تتوج الجدران الخارجية.
مئذنة المسجد من الطراز العثماني:لمسجد الملكة صفية مئذنة أسطوانية الشكل على غرار المآذن العثمانية
ويزين بدنها المسلوب الرشيق خطوط رأسية بارزة
ولها شرفة آذان واحدة محمولة على صفوف من المقرنصات الحجرية الدقيقة.
أما قمتها فلها شكل مخروطي يشبه رأس القلم الرصاص وهي من بواكير المآذن العثمانية المشيدة بمصر.
المصدر:
مقال للدكتور أحمد الصاوي بجريدة الاتحاد ،بتاريخ 23-8-2011 ورابطه هو :
http://www.alittihad.ae/details.php?id=78256&y=2011&article=fullوقد قال د . الصاوي عن سبب إنشاء المسجد بمصر أن السلطانة صفية ظلت تتحكم بأمور الدولة العثمانية وتسيرها كيفما شاءت طيلة فترة حكم السلطان محمد الثالث، وعندما توفي حاولت أن تهيمن على حفيدها «أحمد» الثالث، ولكن الأخير أبعدها عن البلاط وعزلها في قصر منيف شيده لها على البسفور.
وحين عزلت، شرعت صفية في البحث عن وسيلة لتخليد ذكراها بعد أن غلت يدها عن كل سلطة، ووجدت ضالتها في إنشاء هذا المسجد
ـــــــــــــــــــــــــ