جون ملك إنجلترا (1199-1216)
يروي المؤرخ ديورانت قصة جون ملك انجلترا للفترة (1199-1216) مايلي :
مقدمة عن الملك ريتشارد الأول شقيق جون :
لقد ورث ريتشارد الأول الملقب بلقب الأسد عرش أبيه دون أن ينازعه منازع، وكان ريتشارد ابن إليانور المغامرة المتهورة التي لا تغلب، ولقد تتبع خطاها ولم يتبع خطا هنري القدير النكد. وولد ريتشارد في أكسفورد 1157 وانتدبته أمه ليصرف شئون أملاكها في أكتين، وفيها أشربت نفسه بثقافة بروفانس المتشككة، و"بعلوم" الشعراء الغزليين "المرحة" ولم يعد قط رجلاً إنجليزياً. وكان حبه للمغامرات والغناء أكثر من حبه للسياسة والإدارة، وامتلأت الاثنتان والأربعون سنة التي عاشها بحوادث روائية تكفي لأن تملأ مائة عام، وكان لشعراء زمانه مثالاً يحتذونه ونصيراً يلقون منه التشجيع. وقد قضي الخمسة الشهور الأولى من حكمه في جمع المال اللازم لحرب صليبية؛ فخص بهذا الغرض جميع الأموال التي خلفها وراءه هنري الثاني، وأقصى آلافاً من الموظفين ثم أعاد تعيينهم نظير جعل يتقاضاه منهم، وباع صكوكاً بالحرية للمدن التي تستطيع أداء ثمنها، واعترف باستقلال اسكتلندة نظير 15.000 مارك، ولم يقبل هذا الثمن القليل لأنه يزهد في المال بل لأنه شديد الحب للمغامرات. ولم يمض على اعتلائه العرش نصف عام حتى أبحر إلى فلسطين، ولم يكن حرصه على سلامته أكثر من حرصه على حقوق غيره؛ وقد أثقل كاهل البلاد بالضرائب إلى أقصى طاقتها، وبدد ما جمعه من المال في الترف، والولائم، والمظاهر الكاذبة، واندفع في العمل خلال العقد الأخير من القرن الثاني عشر بجرأة وتهور جعلا زملاءه الشعراء يضعونه في صف الإسكندر، وآرثر، وشارلمان.
وحارب صلاح الدين وأحبه، وعجز عن هزيمته وأقسم أن يهزمه، وقفل راجعاً إلى بلاده في سنة1192 ولكن في طريق عودته إلي انجلترا وقع أسيراً في أيدي ( ليوبولد ) دوق النمسا، وكان ريتشارد قد أساء إليه في آسيا
و في بداية سنة 1193قام ليوبولد بتسليم ريتشارد إلى الإمبراطور هنري السادس. وكان لهنري هذا ثأر قديم عند هنري الثاني وريتشارد
واحتفظ هنري السادس بملك إنجلترا سجيناً في حصن ببلدة درنشتين ) على نهر الدانوب على الرغم من القانون الذي كان معترفاً به في )أوربا بوجه عام والذي يحرم اعتقال رجال الحروب الصليبية؛
وطلب من إنجلترا دفع فدية قدرها 150000 مارك (15.000.000 دولار أمريكي) أي نصف الإيراد السنوي لأملاك التاج البريطاني.
وكان جون أخو ريتشارد وقتئذ يحاول اغتصاب العرش، فلما لقي مقاومة فر إلى فرنسا وانضم إلى فيليب أغسطس في هجومه على إنجلترا. ونكث فيليب بعهد قطعه على نفسه بالمحافظة على السلم، فهاجم الأملاك الإنجليزية في فرنسا واستولى عليها، وعرض رشاوي كبيرة على هنري السادس ليبقى ريتشارد أسيراً. وضاقت نفس ريتشارد بسجنه المريح، وكتب قصيدة من الشعر الممتاز، يطلب فيها إلى بلاده أن تفتديه من الأسر.
وكانت (إليانور ) في أثناء هذه الأحداث المضطربة تحكم إنجلترا حكماً ناجحاً بوصفها نائبة عن الملك معتمدة على النصائح الحكيمة التي يقدمها لها القاضي الأكبر (هيوبرت والتر ) كبير أساقفة كنتربري، ولكنهما وجدا من العسير عليهما جمع الفدية المطلوبة. ولما أطلق سراح ريتشارد آخر الأمر سنة 1194 أسرع إلى إنجلترا، وجبى الضرائب وجمع الجند وقاد بنفسه جيشاً عبر به القناة الإنجليزية ليثأر لنفسه ولإنجلترا من فيليب.
وتقول الرواية المأثورة إنه ظل عدة سنين يرفض القداس لئلا يطلب إليه أن يصفح عن عدوه الغادر، فلما تم له استعادة جميع الأملاك التي استولى عليها فيليب ركن إلى السلام التي أمكنت فيليب من أن يعيش.
وتنازع في هذه الأثناء مع أحد أتباعه الإقطاعيين وهو (أدهمار) كونت (مدينة ليموج )، وكان قد وجد كنزاً من الذهب مخبوءاً في أرضه، وأراد أن يأخذه كله، وحاصر ريتشارد أدهمار. وأصيب ريتشارد بسهم انطلق من قصر أدهمار الحصين فقتل ريتشارد " وهكذا مات ريتشارد "قلب الأسد"في الثالثة والأربعين من عمره علي أثر نزاع قام على كومة من الذهب.
----------------------------------------------------------------------
تتويج جون:
في العام 1199 صعد جون خلفاً لريتشارد علي عرش إنجلترا بعد أن لقي بعض المقاومة وعدم الثقة بشخصه ، وبعد أن اضطره ولتر كبير الأساقفة أن يقسم حين تتويجه أنه قد نال عرشه منتخباً من الأمة (أي الأعيان والمطارنة) وبنعمة الله. ولكن جون الذي خان أباه، وأخاه، وزوجه، لم تكن تقف في وجهه يمين أخرى بعد أيمانه الماضية أو يهتم كثيراً بهذه اليمين، ولم يكن يبدو عليه شيء من التمسك بالعقائد الدينية شأنه في هذا شأن هنري الثاني وريتشارد الأول، حتى ليقال إنه لم يتناول قط القربان المقدس بعد أن بلغ سن الرشد، بل لم يتناوله أيضاً في يوم تتويجه. واتهمه الرهبان بالكفر وقالوا إنه اقتنص مرة وعلاً سميناً وقال: "ما أسمن هذا الحيوان وما أحسن طعامه! ولكني أقسم أنه لم يسمع قط بالقداس" وغضب الرهبان من قوله هذا لأنه رأوا فيه سخرية من بدانتهم).
وكان جون رجلاً حاد الذهن مجرداً من الضمير، وكان إدارياً حازماً ممتازاً ولم يكن صديقاً حميماً لرجال الدين، ولهذا افتري عليه بعض الافتراء المؤرخون الإخباريون من رجال الأديرة كما يقول هولنشد ؛ ولم يكن مخطئاً على الدوام، ولكنه كثيراً ما أغضب الناس بمزاجه الحاد، وملحه، وفكاهاته البذيئة الشائنة، واستبداده وغطرسته، وما فرضه من الضرائب الفادحة التي يحس أنه مضطر إليها للدفاع عن الأملاك الإنجليزية في القارة ضد فيليب أغسطس.
---------------------------------------------
الصراع مع فرنسا والبابا :
في عام 1199 تمكن الملك جون من الحصول علي إذن البابا إنوسنت الثالث له بتطليق إيزابل أميرة جلوسستر ، ولم يلبث بعد طلاقها أن تزوج بإزابيلا أميرة أنجوليم التي كانت مخطوبة لكونت لوزنيان . وغضب الأشراف في كلا البلدين لهذا العمل واستنجد الكونت بفيليب ليأخذ له بحقه. واحتج في الوقت نفسه بارونات أنجو، وتورين، وبواتو ، ومين لدى فيليب قائلين إن جون يستبد بأقاليمهم. وكانت فروض الطاعة الإقطاعية التي ترجع إلى عهد تسليم نورمانديا إلى رولو تقضي بأن يعترف الأعيان الإقطاعيون في فرنسا، حتى في المقاطعات التي تملكها إنجلترا، بملك فرنسا سيداً إقطاعياً عليهم؛ وكان جون حسب قانون الإقطاع، بوصفه دوق نورمانديا ، تابعاً لملك فرنسا، وأمر فيليب تابعه الملكي بالقدوم إلى باريس، ليبرئ نفسه من عدة تهم وادعاءات، وأبى جون أن يطيع الأمر، فقضت محكمة الإقطاع الفرنسية بمصادرة أملاكه في فرنسا، ومنحت نورمانديا، وأنجو، وبواتو إلي (آرثر ) كونت بريلتاني وحفيد هنري الثاني.
وطالب آرثر بعرش إنجلترا، وحشد لذلك جيشاً، وحاصر الملكة ( إليانور ) في ميرابو ، فقادت الملكة بنفسها، وهي في الثمانين من عمرها، قوة للدفاع عن ولدها المشاكس.
وأنقذها جون من عدوها، وقبض على آرثر، ويبدو أنه أمر بقتله، فما كان من فيليب إلا أن غزا نورمانديا وكان جون وقتئذ يقضي شهر العسل في رون وفي شغل شاغل عن قيادة جنده، فمنوا بالهزيمة. وفرّ جون إلى إنجلترا، وانتقلت نورمانديا ومين، وأنجو، وتورين إلى التاج الفرنسي.
وبذل البابا إنوسنت الثالث، ولم يكن على وئام مع فيليب، كل ما في وسعه لمساعدة جون، ثم دب النزاع بينه وبين جون. وكان سبب هذا النزاع أنه على أثر وفاة (هيوبرت ولتر ) في العام1205 حمل الملك كبار الرهبان في كنتربري على أن يختاروا جون ده جراي ، أسقف نوروك للمنصب الشاغر، ولكن طائفة من الرهبان الشبان اختارت ريجينالد نائب رئيس ديرهم ليكون كبيراً للأساقفة. وأسرع المرشحان المتنافسان إلى رومة يطلب كل منهما تأييد البابا؛ ولكن إنوسنت رفض أن يؤيدهما جميعاً، وعين في المنصب الشاغر (ستيفن لانجتن، )وهو مطران إنجليزي قضى الخمس والعشرين سنة الأخيرة مقيماً في باريس، وكان وقت اختياره أستاذاً للاهوت في جامعتها.
واحتج جون على هذا الاختيار وقال إن لانجتن ليس لديه ما يؤهله لأن يشغل أكبر منصب ديني في إنجلترا، وهو منصب يجمع بين الوظائف السياسية والدينية.
وتجاهل إنوسنت احتجاج جون، وفي سنة1207 دشن ستيفن كبيراً لأساقفة كنتربري (في فيتربو من أعمال إيطاليا.
وهنا تحدى جون لانجتن أن يطأ بقدمه أرض إنجلترا، وأنذر رهبان كنتربري العصاة بحرق الأديرة فوق رؤوسهم، وأقسم بأن ينفي كل قس كاثوليكي من إنجلترا إذا أصدر البابا قراراً بحرمانها، ويسمل أعين بعضهم ويجدع أنوفهم جزاء وفاقاً لهم على فعل رئيسهم.
وكرد فعل أصدر البابا قرار الحرمان له سنة 1208، وامتنعت كل الخدمات الدينية في إنجلترا ما عدا التعميد والمسح وقت الوفاة. وأغلق القساوسة الكنائس، وسكنت الأجراس، ودفن الموتى في أرض لم تدشن.
ورد جون على أعمال القساوسة بمصادرة جميع أملاك الكنائس والأديرة وأعطاها لغير رجال الدين!
وحرم إنوسنت الملك من حظيرة المسيحية
ولكن الملك جون لم يعبأ بقرار الحرمان، وانتصر في عدة وقائع حربية أيرلندة، واسكتلندة، وويلز.
ووجفت قلوب الشعب من قرار حرمان مليكهم ، ولكن الأشراف رضوا بانتهاب أملاك الكنيسة لأن ذلك الانتهاب يحول نهم الملك جون إلى حين بعيداً عن أملاكهم هم.
واختال جون عجباً بانتصاره المؤقت، وأساء إلى الكثيرين بتطرفه وعنته؛ فقد هجر زوجته الثانية ليلد أطفالاً غير شرعيين من عشيقات مستهترات، وزج اليهود في السجن لينتزع منهم أموالهم، وترك بعض المطارنة السجناء
يموتون من فرط المشقة، وأغضب الأشراف بأن أضاف الإهانات إلى الضرائب الفادحة، وتشدد في تنفيذ قانون الغابات البغيض.
وفي عام 1213لجأ إنوسنت إلى آخر ملجأ له، فأصدر مرسوماً بخلع الملك الإنجليزي عن العرش، وأعفي رعايا جون من يمين الطاعة التي أقسموها له، وأعلن أن أملاك الملك أضحت غنيمة مشروعة لكل من يستطيع انتزاعها من يديه النجستين.
وقبل فيليب أغسطس الدعوة، وحشد جيشاً رهيباً، وزحف به على شاطئ القناة الإنجليزية. واستعد جون لصد الغزو، ولكنه تبين وقتئذ أن أعيان البلاد لن يساعدوه في حرب ضد بابا مسلح بقوة مادية ودينية معاً. واستشاط الملك غضباً من فعلتهم، ورأى في الوقت نفسه خطر الهزيمة محدقاً به. فعقد اتفاقاً مع بندلف ، مبعوث البابا مضمونه أنه إذا ألغى إنوسنت قرار الحرمان الصادر على الملك وعلى إنجلترا، وقرار الخلع، واستحال من عدو إلى صديق، فإن جون يتعهد بأن يرد إلى الكنيسة كل ما صادره من أملاكها، وأن يضع تاجه ومملكته تحت سيادة البابا الإقطاعية. واتفق الطرفان سنة 1213 على هذا، وأسلم جون إنجلترا كلها للبابا، ثم استعادها منه بعد خمسة أيام بوصفها إقطاعية بابوية تدين للبابا بالولاء وتؤتى الجزية عن يد وهي صاغرة
وأقلع جون إلى بواتو ليهاجم فيليب، وأمر بارونات إنجلترا أن يتبعوه بالسلاح والرجال، ولكنهم لم يطيعوا أمره.
وأدت هزيمة جون عند بوفين إلى حرمانه من الألمان وغيرهم من أحلافه الذين كان يتطلع إلى معونتهم ضد توسع فرنسا، فعاد إلى إنجلترا ليواجه الأشراف الحانقين.
واستاء النبلاء من فدح الضرائب المفروضة عليهم لتمويل حروبه المخربة، ومن خروجه على السوابق القديمة والقوانين المرعية، وتسليمه إنجلترا ليشتري به عفو البابا وتأييده.
وأراد جون أن يحسم الأمر فيما بينه وبينهم فطلب إليهم أن يؤدوا له قدراً من المال بدل الخدمة العسكرية، ولكنهم بعثوا إليه بدلاً من هذا المال بوفد يطلب إليه العودة إلى قوانين هنري الأول، التي حمت حقوق الأشراف وحددت سلطات الملك. فلما لم يتلق الأشراف جواباً مرضياً حشدوا قواتهم المسلحة عند استامفورد بينما كان جون يتلكأ في أكسفورد
الماجنا كارتا :
من جون ملك إنجلترا بعناية الله تعالى.... إلى كبار أساقفته، وأساقفته، ورؤساء أديرته، وحملة ألقاب إيرل وبارون... وجميع رعاياه الأوفياء. تحية. اعلموا أننا بهذا العهد الحاضر نؤكد عنا وعن ورثتنا إلى أبد الدهر:
1- أن ستكون كنيسة إنجلترا حرة لا يعتدي على شيء من حقوقها وحرياتها...
2- أننا نمنح جميع الأحرار في مملكتنا، عنا وعن ورثتنا إلى أبد الدهر، جميع الحريات المدونة فيما بعد...
12- ألا يفرض بدل خدمة أو معونة.. إي المجلس العام لمملكتنا.
14- لكي يجتمع المجلس العام المختص بتقدير المعونات وبدل الخدمات.. سنأمر باستدعاء كبار الأساقفة، والأساقفة، ورؤساء الأديرة، وحملة ألقاب إيرل، وكبار البارونات في البلاد ... وغيرهم ممن هم تحت رياستنا.
15- لن نجيز في المستقبل لكائن من كان أن يأخذ معونة من مستأجريه الأحرار (غير الأرقاء)، إلا إذا كان ذلك لافتدائه، أو تنصيب ابنه الأكبر فارساً، أو مرة واحدة لزواج ابنته الكبرى؛ ولن تكون المعونة في هذه الحالة إلا معونة معقولة...
17- لن تعرض الشكاوي العادية على محكمتنا، بل ينظر فيها في مكان محدد.
36- لن يعطى أو يؤخذ بعد الآن شيء نظير أمر يطلبه شخص ببحث حاله... بل يجب أن يعطى هذا الأمر بغير مقابل (أي أنه يجب ألا يطول حبس إنسان من غير محاكمة).
39- لا يقبض على رجل حر، أو يسجن، أو ينزع ملكه، أو يخرج من حماية القانون، أو ينفى، أو يؤذي بأي نوع من الإيذاء... إلا بناء على محاكمة قانونية أمام أقرانيه (أي المساوين له في المدينة) أو بمقتضى قانون البلاد.
40- لن نبيع العدالة أو حقاً من الحقوق لإنسان ما ولن نحرم منها إنساناً ما.
41- يتمتع جميع التجار بحق الدخول في إنجلترا والإقامة فيها والمرور بها براً أو بحراً سالمين مؤمنين للشراء والبيع دون أن تفرض عليهم ضرائب غير عادلة.
60- كل العادات والحريات السالفة الذكر... يجب أن يراعيها أهل مملكتنا كلهم، سواء منهم رجال الدين وغير رجال الدين، كل فيما يخصه، نحو أتباعهم.
وقعناه بيدنا بحضور الشهود، في المرج المعروف باسم ريمنيد في اليوم الخامس عشر من شهر يونيه من السنة السابعة عشرة من حكمنا.
---------------------
والعهد الأعظم أساس الحريات التي يتمتع بها العالم الناطق باللغة الإنجليزية في هذه الأيام، والحق أنه خليق بهذه الشهرة. نعم إنه مقيد ببعض القيود، فهو ينص على حقوق النبلاء ورجال الدين أكثر مما ينص على حقوق الشعب كله، ولم تبين فيه الوسائل الكفيلة بتنفيذ الإشارة الدالة على التقي والصلاح الواردة في المادة رقم 60 من العهد؛ ولقد كان العهد انتصاراً للإقطاع لا للديمقراطية.
كل هذا صحيح ولكنه نص على الحقوق الأساسية وحماها، وقرر عدم إطاعة حبس إنسان بلا محاكمة، كما أقر نظام المحلفين، وأعطى البرلمان الناشئ سلطة على المال اتخذتها الأمة فيما بعد سلاحاً لمقاومة الاستبداد، وبدل الملكية المطلقة ملكية دستورية مقيدة.
بيد أن جون لم يفكر قط في أنه قد خلد اسمه بالنزول عن سلطاته ومطالبه الاستبدادية، فقد وقع العهد وهو مرغم، وأخذ منذ توقيعه يتآمر لإلغائه.
------------------------
إخضاع النبلاء :
لجأ الملك جون إلي البابا إنوسنت الثالث وطلب إعفاءه من الماجنا كارتا
وكانت سياسة إنوسنت الثالث وقتئذ تهدف إلى استعانة إنجلترا على فرنسا، فخف لمعونة تابعه جون الذليل المهان بأن أعلن أن هذا العهد باطل لا قيمة له، وأمر جون ألا يخضع لشروطه،
كما أمر البابا نبلاء انجلترا ألا ينفذوا الماجنا كارتا
رفض البارونات إطاعة أمر البابا ، فأصدر قراراً بحرمانهم هم وأهل لندن والثغور الخمسة؛ لكن (ستيفن لانجتن )الذي كانت له اليد الطولى في صياغة العهد أبى أن ينشر قرار الحرمان
؛ وهنا قرر مبعوثو البابا في إنجلترا وقف لانجتن عن العمل، وأذاعوا قرار البابا، وجندوا جيشاً من المرتزقة في فلاندزر وفرنسا، وهاجموا النبلاء الإنجليز، وأعملوا فيهم النار والسيف، والسلب والقتل والفسق.
ويبدو أن الأشراف لم يلقوا من الشعب معونة خليقة بأن يعتمدوا عليها؛ ولهذا فإنهم بدل أن يقاوموا الغزاة بقواهم الإقطاعية، دعوا لويس ابن ملك فرنسا ليغزو إنجلترا، ويدافع عنهم، ويستولي على عرش البلاد جزاء له على عمله
ولو نجحت هذه الخطة لأصبحت إنجلترا جزءاً من فرنسا.
وحذر مبعوثو البابا لويس من عبور القناة، فلما خالف أمرهم حرموه هو وجميع أتباعه من دينهم !
ووصل لويس إلى لندن، وتقبل ولاء البارونات وخضوعهم، ولكن جون انتصر في كل مكان وخارج عن مدينة لندن التجارية، وكان حين ينتصر يصير قاسياً مجرداً من الرحمة،
----------------------------------------
موت الملك جون وتتويج إبنه :
سنة 1216 وبينما جون وقتها في عنفوان نشاطه وانتصاراته أصيب بزحار البطن، واتخذ طريقه وهو في شدة الألم إلى أحد الأديرة، ومات في (نيوارك ) في التاسعة والأربعين من عمره.
ومالبث أن قام قاصد رسولي بتتويج ابن لجون لا يتجاوز السادسة من عمره ملكاً على إنجلترا باسم هنري الثالث (1216-1272)؛ وعين له مجلس وصاية برياسة إيرل بمبروك . وشجع الأشراف ارتقاء واحد منهم إلى هذا المنصب، فانحازوا إلى هنري وأرجعوا لويس إلى فرنسا.