أجواء معاهدة كامب ديفد بين مصر وإسرائيل
نص وثيقة بتاريخ 31 أغسطس 1978
موجهة من الاستخبارات المركزية علي سبيل النصح أو التوصية بالطرق الاستراتيجية عند التفاوض في قمة كامب ديفد
إلى الرئيس الأميركي جيمي كارتر وزيباغو بريجنسكي مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي،
تخاطب الوثيقة (الرئيس كارتر) قائلة :
«لكي تنجح محادثات كامب ديفد عليك أن تسيطر على الإجراءات من البداية واتباع استراتيجية سياسية متعمدة، تهدف إلى إحداث تغييرات في كل من المواقف المصرية والإسرائيلية.. وأقترح بشدة أن تأخذ في الاعتبار الآتي:
- السادات لا يستطيع تحمل ثمن الفشل وهو يدرك ذلك، وكل من السادات وبيغن يعتقد أنك لا تستطيع تحمل ثمن الفشل، لكن بيغن يعتقد أن فشل كامب ديفد سوف يضرك (الرئيس كارتر) ويضر السادات، لكنه لن يضره، وهو قد يرغب في أن يرى السادات قليل المصداقية ويراك (كارتر) في موقف ضعيف، لذا تركه في هذه الحالة أفضل من محاولة تغيير معتقداته التي كونها على مدى حياته حول يهودا والسامرة.
- سيكون عليك إقناع القادة المصريين والإسرائيليين، لكن بشكل خاص بيغن، بأن الفشل في كامب ديفد ستكون له عواقب سلبية مباشرة في علاقاتنا الثنائية؛ إضافة إلى النفوذ السوفياتي في المنطقة.
- تعريف السادات للنجاح سيكون في إطار الجوهر، وبصفة خاصة في التزام إسرائيلي لمبدأ الانسحاب من كل الجبهات. بيغن سيعرف النجاح اعتمادا بشكل كبير على الترتيبات الإجرائية. وسيبدي بيغن مقاومة كبيرة تجاه أي ضغوط لدفعه لتقديم تنازلات جوهرية.
- سيكون عليك إقناع بيغن بالقيام ببعض التنازلات، وفي الوقت نفسه، إقناع السادات بالموافقة على تسوية أقل من التزام إسرائيلي صريح بانسحاب كامل وبحق تقرير المصير للفلسطينيين.
- أهم الاجتماعات هي التي ستعقدها مع كل قائد على انفراد، وليست الاجتماعات التي تضم الطرفين. لا يمكنك أن تتوقع أن السادات وبيغن سيكشفان عن مواقفهما الكاملة بعضهما أمام بعض؛ لكن في الاجتماعات المنفردة قد تكون قادرا على دفعهم لأخذ مواقف أكثر مرونة.
- خلال الجولة الأولى من الاجتماعات، سوف تحتاج إلى ترسيخ علاقة شخصية من كل من الزعيمين، وأن تعرب عن فهمك لهمومهم وإعجابك بقدراتهم في إدارة بلادهم. وخلال اليوم الثاني والثالث، عليك أن تكون واضحا ومباشرا في مناقشة النقاط الجوهرية. بيغن بصفة خاصة، سيحتاج وقتا للتفكير فيما تقول، وستكون هناك فترات استراحة في المحادثات يوم السبت.. وسيكون على بيغن أن يفهم أنك ستضغط عليه لاتخاذ القرارات بحلول يوم الأحد.
- يجب أن يدرك السادات وبيغن بشكل صارخ عواقب النجاح والفشل عندما يتخذون قراراتهم، وأن الفشل الناجم عن تعنت السادات سيجلب نهاية للعلاقات الخاصة بين مصر والولايات المتحدة. وحتى إذا لم يكن السادات مسؤولا عن انهيار المفاوضات، فإننا سنجد صعوبة بالغة في الحفاظ على العلاقات الوثيقة التي نمت في السنوات الماضية، وسيجد الاتحاد السوفياتي فرصا لإعادة تقوية موقعه في المنطقة على حساب السادات وعلى حسابنا (الولايات المتحدة).
- يجب إبلاغ السادات أننا لا يمكننا تحمل المزيد من التحركات المفاجئة من جانبه؛ إذا أردنا أن نعمل معا بشكل فعال للتوصل إلى اتفاق سلام، ونتوقع أن يجرى استشارتنا (أجهزة الاستخبارات الأميركية) قبل أن يأخذ السادات أي مبادرات جديدة.
- لا بد من إبلاغ بيغن أن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، وأن التزامنا أمن إسرائيل وسلامتها يجب أن يقابله تفهم إسرائيلي لمصالحنا القومية. وإذا كان الجانب الإسرائيلي هو المسؤول عن عرقلة التقدم نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط؛ فإنه لا بد من إبلاغ بيغن بوضوح أنك (كارتر) ستتخذ الخطوات التالية التي قد تؤثر على العلاقة بين الولايات المتحد وإسرائيل:
أ- أنك ستذهب إلى الرأي العام الأميركي وتشرح له مصالح الولايات المتحدة القومية في الشرق الأوسط والعلاقات الاستراتيجية مع السوفيات والمصالح الاقتصادية والنفط والفحم والتعامل مع الأنظمة المعتدلة.
ب- اشرح له حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل (10 مليارات دولار منذ عام 1971؛ أي ما يقرب من 4 آلاف دولار لكل مواطن إسرائيلي)، وأنه رغم ذلك فإن إسرائيل ليست راغبة في الرد بالمثل وإظهار مرونة في المفاوضات.
ت- توضح له أننا سنكون على استعداد للتوضيح علنا رؤيتنا حول تسوية عادلة.
ث- وأننا سنكون عاجزين عن الدفاع عن موقف إسرائيل إذا جرى تحويل المفاوضات إلى الأمم المتحدة أو جنيف.
ج- كل من السادات وبيغن يجب أن يتأكد أن التقدم نحو السلام يعني وجود علاقة قوية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والأمنية وتعزيز القدرة على السيطرة على التطورات في المنطقة، بطرق من شأنها أن تخدم المصالح المتبادلة لدينا.
الحد الأدنى الذي تريده من كل زعيم هو الآتى:
* من السادات - - قبول وجود أمني إسرائيلي طويل المدى في الضفة الغربية وقطاع غزة.
- - حكومة مؤقتة لمدة خمس سنوات في الضفة الغربية-غزة.
- - لا دولة فلسطينية مستقلة.
- - تأجيل المفاوضات حول الحدود والسيادة حتى نهاية فترة الخمس سنوات.
- - القبول بأقل من التزام إسرائيلي كامل لمبدأ حق تقرير المصير للفلسطينيين كخط استرشادي للمفاوضات.
- - الاستعداد للتفاوض على الخطوط الاسترشادية للضفة الغربية - غزة، حتى لو لم يحضر الملك حسين.
- - تكرار لتعهد أنه «لا مزيد من الحرب»، والاستعداد لتجديد مهمة قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة بسيناء في أكتوبر (تشرين الأول)، واحترام مبادئ «سيناء 2» التي تشمل الالتزام بحلول سلمية للخلافات والاستعداد للتفاوض بجدية إذا جرى التوصل إلى اتفاق للمبادئ.
* من بيغن - - قبول جميع مبادئ قرار الأمم المتحدة رقم 242، بما في ذلك الانسحاب وعدم جواز الاستيلاء على أراض عن طريق الحرب، وتطبيقه على جميع الجبهات.
- - إجراء تعديلات في مقترح الحكم الذاتي من أجل جعله جذابا بما فيه الكفاية للفلسطينيين المعتدلين وجلبهم كمشاركين، وزيادة آفاق قبول الخطوط الأساسية المتعلقة بفتح الحدود وبعض الوجود الأمني الإسرائيلي وبعض الحقوق الإسرائيلية للعيش في الضفة الغربية والحكم الذاتي بعد خمس سنوات. هذه التعديلات تتطلب قبول إسرائيل مبدأ الانسحاب، وتحجيم النشاط الاستيطاني المنظم في مقابل حق الإفراج في الحصول على أراض على أساس المعاملة بالمثل، وإنهاء الاحتلال العسكري الواضح في بداية فترة الخمس سنوات، ونقل السلطة لنظام جديد بعد اتفاق بين إسرائيل ومصر والأردن وتحقيق حكم ذاتي حقيقي للفلسطينيين.
- - المرونة بشأن القضايا المتبقية حول المستوطنات والقواعد الجوية في سيناء.
– سيحاول بيغن والسادات تحويل المناقشات بتقديم مقترحات جديدة من جانبهم، بيغن قد يركز على التفاصيل لتحويل الانتباه عن القضايا الكبيرة. السادات قد يحاول الحصول على دعمك باتخاذ خطوة جريئة من جانبه؛ مما سيضع بيغن في الزاوية (مأزق). الخطر، أنك قد تفقد القدرة على السيطرة على المحادثات، وأن تخرج عن القضايا الأساسية إما بسبب حرفية بيغن أو عدم دقة السادات، لذا عليك إبقاء التركيز على الصورة الكبيرة والخيارات الاستراتيجية، وتحويل المقترحات الجديدة في لغة نصية إلى وزراء الخارجية ووزير الخارجية الأميركية سايرس فنيس.
مع السادات، سوف تضطر إلى الاستماع لمقترحاته واستراتيجيته الجديدة؛ دون أن يبدو أنك تتواطأ معه ضد بيغن.
- سيحاول كلا الزعيمين باستمرار جذبك (كارتر) إلى صفهم في نقاط معينة، ولن يترددا في تذكيرك بما قلناه في السابق معهم. بيغن سوف يتذكر أننا قلنا على خطته للحكم الذاتي إنها أساس عادل للمفاوضات، والسادات سيتذكر الكثير في ذهنه من العهود التي أبرمت في كامب ديفيد. أفضل أسلوب دفاعي لك في مواجهة تلك الجهود الخداعية، هو التركيز على الخيارات في المستقبل والعواقب الاستراتيجية للنجاح أو الفشل، والحاجة من كل جانب لتجاوز المواقف السابقة.
- من المرجح جدا أن يرغب السادات في استكشاف إمكانية التوصل إلى تفاهمات سرية معك ومع بيغن حول بعض النقاط في التسوية، وهذا يبدو أنه أكثر أهمية له من إعلان المبادئ. هناك مخاطر واضحة في الاعتماد على اتفاقات سرية، لكن رغبة السادات في الذهاب والرجوع حول بعض القضايا ستتوقف على قدراتنا - وأيضا قدرات بيغن - في التأكيد للسادات أنه لن يتعرض لموقف محرج بسبب التسريبات.
- إذا أظهر السادات مرونة أكثر من بيغن، قد ينظر إلينا من الإسرائيليين وأنصارهم أننا نتواطأ مع المصريين، وهذا يمكن أن يكون محرجا سياسيا. ويمكنك الاقتراح على السادات بشكل سري ألا يتسرع في قبول أي مقترحات نضعها أمامه بشكل علني. سيكون مفيدا لمصداقيتنا أن نظهر أننا نضغط على الجانبين ليقدموا تنازلات، وبينما نريد أن يوافق السادات على أفكارنا، فإن التوقيت والظروف التي يقوم فيها بالموافقة لا بد أن تكون مهيأة بعناية.
- الرقم قد يكون رمزا؛ فإذا انتهت الاجتماعات بلا اتفاق، فلا يجب عليك التغطية على الخلافات. وأن تعلن أسباب وتداعيات الفشل بشكل علني، وتوضح أن على السادات وبيغن أن يفهما من البداية أن هذا سيكون هو الحال، بما فيه التفاصيل في النقطة الثامنة (التي ذكرت سابقا).
أخيرا، أود تلخيص ما أعده الحد الأدنى المقبول الذي يجب أن نهدف إلى تحقيقه في القضايا المركزية:
1- الانسحاب - الأمن في الضفة الغربية وغزة. السادات يجب أن يوافق على وجود أمني إسرائيلي خلال فترة الخمس سنوات في الفترة الانتقالية، ولفترة غير محددة بعدها، وعليه أن يوافق على تأجيل اتخاذ قرارات بشأن الموقع الدقيق للمنطقة «ج» الحدودية وحول السيادة حتى انتهاء الفترة الانتقالية. وفي المقابل، يمكنه (السادات) أن ينسب لنفسه فضل إنهاء الاحتلال العسكري للضفة الغربية وغزة، وترسيخ مبدأ الانسحاب الذي سيجرى تطبيقه في اتفاق السلام النهائي الذي يتعامل مع تلك المناطق.
2 - وعلى بيغن الموافقة على أن مبدأ الانسحاب سيجرى تطبيقه على كل الجبهات، بما فيها الضفة الغربية وغزة، بشرط أن يأخذ التطبيق في الاعتبار الاحتياجات الأمنية لإسرائيل على المدى الطويل في المنطقة. وستبقى قضية السيادة معلقة حتى يجرى التوصل لاتفاق سلام نهائي، يجرى التوصل إليه في نهاية فترة الخمس سنوات. وهذا سيسمح لبيغن بأن ينسب لنفسه أنه قام بحماية المصالح الأمنية الأساسية لإسرائيل، في حين لا يتطلب ذلك أن يعلن تخليه صراحة عن السيادة على هذه المناطق.
- المستوطنات:
ينبغي وقف كافة الأنشطة الاستيطانية المنظمة، وأن يتفق الطرفان على أحكام تسمح للمواطن الإسرائيلي والفلسطيني بالقيام بأعمال تجارية والعيش في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، في روح من الحدود المفتوحة والحركة الحرة للشعوب وسلمية العلاقات الطبيعية.
- القرار 242:
ينبغي لكلا الطرفين تجديد التزامهما جميع مبادئ القرار 242 كأساس لمعاهدات السلام على جميع الجبهات، وبالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتفق الطرفان على لغة اتفاقية أسوان حول حقوق الفلسطينيين، وأن يلتزم الطرفان مبدأ السلام الكامل والعلاقات الطبيعية. على السادات أن يكرر تعهده بأنه لا مزيد من الحرب، وأن يوافق على تجديد عمل بعثة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر. ومرفق تعليق للسفير حول محادثته الأخيرة مع الرئيس السادات، وهي تستحق القراءة، ويبدو أن السادات مستعد لمزيد من المفاجآت. المصدر:
صحيفةالشرق الأوسط - مقال ل (هبة القدسي ) عن افراج جهاز الاستخبارات الأميركية عن عدد كبير من الوثائق السرية المتعلقة بأجواء معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وردود الفعل العربية تجاهها، والنصائح التي قدمتها أجهزة الاستخبارات للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لكيفية التعامل مع مفاجآت الرئيس المصري أنور السادات، ومحاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن لتشتيت التركيز على القضايا الأساسية.
ويوجد بالمقال العديد من نصوص الوثائق المترجمة وأنصح بالذهاب للموقع ،والرابط لقراءتها هو :
http://aawsat.com/details.asp?issueno=12771&article=750236 ====================
صورة بتاريخ 26-3-1979 بعد نجاح الرئيس كارتر في استحداث اتفاق وتوقيعه بين المصريين والاسرائيليين
الرؤساء:الأميركي جيمي كارتر والمصري أنور السادات و الإسرائيلي مناحم بيجين يشبكون أياديهم في سعادة عقب التوقيع النهائي على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في البيت الأبيض يوم 26-3-1979 (أ.ب)