تل سكا في غوطة دمشق
إعداد :محمود حمود و أحمد طرقجي
المديرية العامة للآثار والمتاحف بسوريا
موقع تل سكا الأثري بدمشقيقع تل سكا في غوطة دمشق على بعد 20 كم جنوب شرقي مدينة دمشق و5كم على يسار مطار دمشق الدولي«الجسر السابع»، في قرية سكا التي أخذ اسمه منها والتي تتبع لناحية الغزلانية، منطقة دوما،
موقع تل سكا الأثري بدمشقوهو مؤلف من مدينة مرتفعة «أكروبول» يزيد ارتفاعها عن 10م، وأخرى منخفضة.
لكن أعمال البناء والمشاريع التي جرت في محيط الموقع قبل عدة عقود أدت إلى إزالة قسم كبير من التل ولم يبق إلا الجزء المرتفع الذي تعرض لبعض الضرر الناجم عن شق طريق عبره، واستخدام ذروته لبناء خزان ماء ومقبرة حديثة للأهالي، وقد سجل التل على لائحة المواقع الأثرية الوطنية بالقرار الوزاري رقم 119/أ، تاريخ 26/ 6/ 1973.
نقبت في الموقع بعثة آثارية سورية منذ عام 1989-2011 برئاسة أحمد فرزة طرقجي، تمكنت من كشف عدة طبقات أثرية يعود أقدمها لبداية الألف الثاني ق.م، ضمت العديد من البقايا المعمارية، و قبر صغير من النمط الصندوقي احتوى هيكلين عظميين لامرأتين وطفل، وبعض الأثاث الجنائزي كالأواني الفخارية «صحون وأباريق»، وبعض الحلي ومنها قلادتان فضيتان، تعود كلها إلى عصر البرونز الوسيط الأول«2000-1800ق.م».
موقع تل سكا الأثري بدمشقأما طبقة عصر البرونز الوسيط الثاني«1800- 1600ق.م»، فهي الأهم في الموقع عثر فيها على القصر الذي بدا واضحاً أنه قد تعرض للتخريب إثر غزو أو هجوم عسكري، انتهى بإشعال النار فيه، ولكن البعثة تمكنت من تمييز الكثير من معالمه ومعرفة مخططه، وهو بناء كبير شُيد من اللبن تراوح عرض جدرانه بين 140- 180سم، وتكوّن من فناء مستطيل الشكل يطل عليه رواق عرضه 3.5م يقوم على ستة أعمدة خشبية ترتكز على قواعد حجرية، تلتف حوله سبع غرف وقاعات مختلفة الأبعاد كسيت بطبقة من الكلس عليها رسوم جدارية ملونة «فريسك»، عثر فيها على العديد من جرار التخزين الكبيرة الحجم والتي أحيطت بعدة مداميك من اللبن للحماية، وقد تميزت الغرفة 5 برسومها التي تعرضت للتحطم والسقوط قرب الجدران، فعملت البعثة على جمع الكثير منها وإعادة تركيبها لتظهر بعض مشاهد الحياة اليومية لدى الطبقة الحاكمة ومشاهد دينية وميثولوجيه ومشاهد لأشخاص من الإناث بثيابهن المزركشة، والذكور كالأمير الذي يعتمر قلنسوة وهو مشهد مألوف في الفن المصري، كما عثر على جدار في نفس الغرفة عليه لوحة أبعادها 60×80سم تضمنت صورة ماعز يتسلق الأشجار ليقتات منها، وهو مشهد متأثر بالفن السومري.
أما الأواني الفخارية فقد تنوعت وتكونت من جرار تخزين وجرار ثنائية اللون ومشربيات بسيطة، وهناك أوانٍ من النمط الأسود الملمع، أو المنقط المعروف في كثير من المواقع السورية والفلسطينية والأردنية خلال هذه الحقبة وكذلك في بعض مواقع الدلتا في مصر مثل تل اليهودية.
ولعل الاكتشاف الأكثر أهمية في هذه الطبقة هو الرقيمين المسماريين :
الرقيم المسماري الأول هو صغير الحجم «4×4سم» عثر عليه عام 2008 فوق أرضية إحدى غرف القصر، وهو رسالة ملكية، موجهة من ملك ترقا «تل العشارة» على الفرات الأوسط، إلى ملك دمشق، ويتبين من الدراسة الأولية لهذا النص، أن هذه الرسالة هي الأولى والوحيدة التي يعثر عليها في منطقة دمشق بشكل خاص، والجنوب السوري بشكل عام، وإن هذا الاكتشاف قد أدخل دمشق في عالم النصوص المسمارية. ويدل نمط الكتابة والعبارات الواردة فيه على تشابه مع نصوص ماري مما يؤكد معاصرة الرقيم لها.
أما الرقيم المسماري الثاني فقد كشف عنه عام 2010 وكان محفوظاً ضمن غلاف طيني، أبعاده«4,5× 9,5سم»، وهو نص قضائي، يشير إلى حكم صدر بحق مالك عقار تخلف عن دفع الضريبة لسفره، وهذه الوثيقة لا تدع مجالاً للشك في أنها كتبت في نفس الموقع، وأنها تخصه.
أما طبقة العصر البرونزي المتأخر«1600-1200ق.م» فقد تم فيها الكشف عن عدد من المساكن الصغيرة الحجم تألف كل بيت من غرفتين أو ثلاث، أبعاد كل منها نحو 4×4.5م وكانت تطل على باحة مكشوفة مبلطة بالحجارة، بنيت من اللبن ارتفعت سقوفها على دعائم خشبية وضعت في المنتصف،وترتبط هذه المنازل بمشاغل مجاورة لصناعة الفخار والنسيج التي عثر على كميات كبيرة محترقة منه ترافقت مع أعداد كبيرة من الثقالات الطينية المستخدمة في الأنوال النسيجية، وقد وجد فوق أرضيات هذه المنازل الكثير من المنتجات الفخارية المحلية والمستوردة، كما عثر على قوالب لصب المعادن، مما يدل على الأهمية الصناعية التي كان يتمتع بها موقع تل سكا خلال هذه المرحلة، الذي يبدو أنه كان، مع منطقة دمشق المحيطة به، على علاقة وثيقة مع مصر خلال هذه المرحلة وهذا ما تدل عليه الأختام المصرية «الجعلان»، وكذلك الأواني الفخارية المستوردة من مصر، والتي عثر عليها في هذه الطبقة.
ضمت الطبقة العائدة للعصور الكلاسيكية بعض القبور الرومانية والبيزنطية المبنية من اللبن أو من الفخار وبعض التوابيت، عثر فيها على عدد من اللقى، كان من ضمنها أوأن فخارية وزجاجية «بكايات»، ومسارج، وبعض قطع الحلي المصنوعة من الزجاج والبرونز وغيرها من المواد.
تعطي مكتشفات تل سكا دليلاً واضحاً على أهمية الموقع الذي كان إحدى أهم محطات طريق التجارة القديم الممتد من وادي الرافدين إلى وادي النيل، وتظهر دوره الحضاري الكبير في ربط الحضارتين الرافدية والمصرية والمساهمة في إدماجهما والتقريب بينهما على كافة الصعد الاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها، وقد أخذ هذا الدور من كونه المنفذ والجسر الذي لا بد أن تمر من عبره أي علاقة بين هذين الحوضين الحضاريين الكبيرين، دون أن ننسى تأثيره عليهما.
===========