المحاضرة الأولى (ألقيت في كلية الأركان في 5 مايس 1947):
سيدي صاحب السمو الملكي المعظم
سادتي وإخواني الضباط
كانت لدي مذكرات كنت أدونها يوميا منذ بدء الحركة العربية في أوائل العصر الحاضر ,قد تركت هذه المذكرات في دمشق عند سفري إلى باريس مع المغفور له جلالة الملك فيصل الأول ، سمو الأمير فيصل حينئذ ، ولما رجعت إلى سوريا في مايس 1919 افتقدها فلم أجدها ، وقد علمت أن ولدي صباح، الذي كان لا يتجاوز السابعة من عمره ، عثر عليها في غيابي ، فأعجبته فعبث بها وبعثرها ولم يترك لي شيئا منها وهذا هو السبب فيما ستجدونه في محاضراتي من عدم تثبيت بعض تواريخ الحوادث أو الأرقام على صورة دقيقة ، ومن إغفال بعض أسماء الأشخاص الذين اشتركوا معنا في العمل .
لقد حاولت أن أركز تفكير وأعود بالذاكرة إلى أيام الثورة العربية لأستعرض الحوادث وأدونها كما وقعت إلا أن كثرة أشغالي في أمور غير عسكرية ، كما تعلمون ، لم تمكني من تحقيق رغبتي ، فقد قدر لي أن تدفعني مصلحة الوطن التي هي فوق كل شيء ، إلى الاشتغال بأمور لا أحبها ، وصرفتني عن المهنة التي ارتضيتها لنفسي منذ نشأتي .
إنني أعتقد أن تاريخ الثورة العربية لا يكون كاملا إلا إذا دون كل من اشترك فيها مذكراته ، وأن مجموع هذه المذكرات سيكون التاريخ الكامل للثورة العربية .
لقد طلب إلى كثير من الرفاق أن أدون مذكراتي وأخر من دفعني إلى ذلك هم الذين ألحوا علي في إلقاء هذه المحاضرات وقد هيأت نفسي لإلقاء محاضرتين عن الحوادث العسكرية في الحجا ، ولما علم حضرة صاحب السمو الملكي الوصي المعظم بذلك أمرني بالعناية بهذه المحاضرات مما اضطرني إلى إعادة النظر في الموضوع والتوسع فيه ، على قدر ما يسمح به الوقت ، فاستعنت بأحد الشبان وهو صديقي خليل إبراهيم الذي كان معتزما السفر إلى مقر وظيفته في سفارتنا في لندن ، ورجوته أن يؤجل سفره وأمليت عليه هذه المحاضرات لألقيها عليكم في ثلاث مرات متوالية .
إن هذا الحشد من الشباب في قاعات الدرس يذكرني بأيام شبابي ، فقد نشأت جنديا كما نشأتم ، وترعرعت جنديا كما تترعرعون ، ولبيت نداء الوطن في مختلف الظروف وشتى الجبهات طالبا وضابطا وقائدا ، وهذا ما آمله فيكم وهو ما تنتظره البلاد منكم ، فأنتم قادة الجيش في المستقبل وعلى مبلغ ما ستبذلون وتضحون يتوقف نمو الجيش وتعزيز كيانه .
وأود أن استرعي انتباهكم إلى نقطة هامة وهي أني لم أدون تفاصيل الحركات العسكرية على صورة مفصلة إلا إني سأشرحها لكم شرحا وافيا على المخططات والخرائط وأرجو أن تضبطوها بأنفسكم .
استعراض تاريخي :
وقبل أن أتوغل في موضوع محاضرتي لهذا اليوم ، أرى من المفيد أن استعرض حالة العراق والبلاد العربية قبل اندلاع نيران الحرب العالمية الأولى 1914-1918 ثم قيام الثورة العربية وانسلاخ البلاد العربية عن الإمبراطورية العثمانية بعد ذلك .
لقد بلغت الأمة العربية أوج عزها ومجدها في الدولة العباسية ، فاتسعت رقعتها وازدهرت معاهدها وتضخمت مواردها ، ثم دب الإنحطاط الخلقي والتفرق في صفوفها وتململت عوامل الدس والفوضى ، فكانت فتن وحركات أدت إلى الإنقسام ثم الإنهيار ، ولم تقم للعرب قائمة منذ ذلك التاريخ ، حتى أوائل هذا القرن ، من الناحية السياسية .
البلاد العربية تحت النير العثماني :
لا يخفى أن البلاد العربية بقيت تحت سيطرة الدولة العثمانية قرونا عديدة وكانت هذه الدولة ، بمجموعها في تدهور مستمر في كل مناحي الحياة فساد الجهل بعد العلم ، وتفشى المرض واختل الأمن ، وعمت الرشوة والإنحلال الخلقي ، ولم يكن للحكومة من هدف غير جباية الأموال وصرفها في عاصمة الإمبراطورية ، في وجوه لا تنفع في كثير من الأحيان .
لابد وأنكم قرأتم الشيء الكثير عن المسألة الشرقية والأدوار التي مرت بها ، فقد توسعت الإمبراطورية العثمانية توسعا عظيما واحتلت جزءا كبيرا من أوروبا وآسيا وأفريقيا ، ثم استنام الخلفاء والقادة ولم يلتفتوا إلى ما يقضتيه هذا التوسع من الحيطة واليقظة .
الحركات الإنفصالية ومطامع الدول :
ولما بدأ القرن الثامن عشر ، كانت عوامل التفسخ والإنحلال بادية واضحة فقد كان الأمن مختلا في معظم أجزاء الإمبراطورية ، والرشوة متفشية وانعدم العدل وساد الظلم وخيم الجهل والمرض والفقر على تلك الربوع وبدأت الحركات الإنفصالية تنشط بين العناصر المسيحية فتكونت دول في صربيا واليونان وبلغاريا تشجعها العوامل السالف ذكرها ويلهب حماسها نشاط الدول الكبرى ، التي بدت مطامعها في التوسع على حساب الإمبراطورية العثمانية ، ولم يبق ما يحفظ هذه الإمبراطورية كيانها غير التوازن الدولي .
كانت الإمبراطورية تسيطر على جزء كبير من البلاد في القارات الثلاث الغنية بمواردها الزراعية والمعدنية ، كما كانت تسيطر على كثير من المواقع السوقية كالمضايق والجزر ، فكان طبيعيا أن تكون هذه الميزات مطمح أنظار الدول الراغبة في التوسع ، كبريطانيا وروسيا وفرنسا .
وقد شرعت هذه الدول في إقامة رؤوس جسور لها في داخل الإمبراطورية العثمانية ، فمنها من ادعت حق حماية مصالحها التجارية، ومنها من أدعت حق حماية الأقليات الدينية ، ومنها من أدعت حق حماية الأقليات العنصرية ، وهكذا أصبح لهذه الدول نفوذ وتنافس كانت كلمنها تنتظر القضاء على الرجل المريض للإستيلاء على ميراثه .
محاولات الإصلاح :يجب أن لا ننسى أن بعض المصلحين من العثمانيين حاولوا إصلاح الحال وإعادة الأمور إلى نصابها ، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك ، وكان آخر وأعظم من حاولوا الإصلاح مدحت باشا ، الذي أعلن الدستور الأول سنة 1876م .
وكان هؤلاء المصلحون مختلفين في طرق الإصلاح ، فمنهم من كان يفكر في تنظيم الدولة على أساس عنصري ، بشكل ممالك متحدة ، لكل منها استقلالها في تدوير شوؤنها الداخلية ، كالمعارف والصحة وغيرها ، على أن تربط الجميع سياسة عامة في شئون الدفاع والكمارك والمواصلات وغير ذلك ، ومن هؤلاء من فكر في إدارة البلاد التي تسكنها عناصر غير تركية ، على طريقة إدارة مستعمرات أو وفقا لإدارات خاصة ثم أعلن الدستور للمرة الثانية في سنة 1908 وكان الأمل أن يكون إعلانه بداية عهد الإصلاح والنهوض ، إلا أن السياسة التي أعلنتها الحكومة العثمانية بعد صدوره، أثارت النفور بين العرب والترك ، وقد حاول العرب الوصول إلى التفاهم إلا أنهم لم ينجحوا في مسعاهم وبقي التأزم قائما بين العنصرين حتى أعلن العرب ثورتهم في خلال الحرب العالمية الأولى .
الجمعيات العربية :
تألفت في الفترة الواقعة بين 1908 و1914 عدة جمعيات عربية غرضها الإصلاح وكان منها جمعية العهد التي ألفها الضباط ، عزيز علي المصري والمرحوم سليم الجزائري ، وطه الهاشمي ، مع أشخاص آخرين كنت أنا من ضمنهم ، وكان هدف هذه الجمعية منحصرا في إصلاح الحال على أساس النظم الاتحادي ( فيدراسيون) ،ولم يفكر أحد منا في الإنفصال عن الإمبراطورية العثمانية وإنما كان تفكيرنا منصبا على الحصول على إدارة عربية محلية ولغة عربية رسمية على أن نشترك والعنصر التركي في إدارة سياسة الدولة العامة التي مر ذكرها ، وكان بين الترك من يؤيد هذه الفكرة ويؤازرها ، كمصطفى كمال ،الزعيم التركي الذي عرف فيما بعد بأتاتورك .
ظهور الحركة القومية عند العرب :
إندفع الأتراك ، على أثر إعلان الدستور سنة 1908 في الغلو في قوميتهم مما ولد رد فعل لدى العرب جعلهم يتعصبون لقوميتهم ويطالبون بمعاملتهم ، مع الأتراك على قدم المساواة دون أن يتطرق أحد منهم إلى فكرة الإنفصال ، ومع ذلك فقد أصاب شباب العرب المناضلين عن حقوق بلادهم ، الشيء الكثير من الظلم والأذى .
وفي شهر نيسان 1914 خرج عزيز علي المصري من السجن الذي دخله نتيجة لخطة مدبرة ، بعد أن مكث فيه أكثر من شهرين ، وغادر تركيا عائدا إلى مصر ، وفي الوقت كنا مع بعض شباب العرب ،قد صممنا على الذهاب إلى الجزيرة العربية للعمل مع زعماء العرب وأمرائهم لتقوية نفوذهم داخل الجزيرة واطلاعهم على ما هو جار في العالم ، والاستعانة بآرائهم ونفوذهم الشخصي ، لتحقيق المطاليب العربية المعقولة ضمن الإمبراطورية العثمانية ، ولم يكن هدفنا حينئذ القيام بأية ثورة مسلحة ، وكنت أنا شخصيا ، ممن يرون هذا الرأي ،وكان الوسيط بينا المرحوم السيد طالب النقيب وأشخاص آخرون ،من بينهم المحامي سليمان فيضي الذي كان نائبا في مجلس النواب العثماني ، ومزاحم الباجه جي ، فسافرت أنا والدكتور عبد الله الدملوجي من الأستانة، ولما وصلنا إلى البصرة ، أصابني مرض حال دون مواصلتي السفر ، فسافر الدكتور الدملوجي بمفرده إلى مقر ابن السعود على أمل أن التحق به بعد شفائي ، غير أن نيران الحرب العالمية الأولى لم تلبث أن اندلعت واشتركت فيها الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا .
ولما احتل الإنجليز البصرة كنت لم أزال مريضا في المستشفى ، فنقلوني إلى الهند حيث بقيت مدة من الزمن ثم نقلوني إلى مصر دون أن أعلم سببا لذلك حتى الآن وكان ذلك في سنة 1915م .
المداولات في مصر :
ولما وصلت إلى مصر اتصلت ببعض الإخوان ومنهم عزيز علي المصري وشريف الفاروقي ورؤوف عبد الهادي فعلمت منهم أن حالة الدولة العثمانية غير مستقرة لا سيما بعد دخولها الحرب وأنهم يؤيدون ضرورة العمل لإنقاذ العرب وتحقيق أهدافهم وقد بلغني أن هناك مخابرات جارية مع جلالة المغفور له الملك حسين ، وأن الحكومة العثمانية في سوريا شنقت بعض شباب العرب ورجالهم ، وأن المحاكم العرفية مستمرة في محاكمة عدد غير قليل منهم ، وأن خطة حكومة الإتحاديين ترمي إلى القضاء على رجال العرب وإبادتهم بتهمة القيام بثورة ضد الخلافة والإنفصال والخيانة واتهام قسم منهم بالتآمر مع الدول الأجنبية .
لقد ألصقت حكومة الاتحاديين هذه التهم برجال العرب ظلما وعدواناً ، إذ لم يكن هدفها غير الإصلاح وتشكيل حكومات محلية أو إدارات لا مركزية ولم يخطر ببال أية جمعية عربية فكرة الإنفصال عن الدولة، وذلك لأننا كنا على علم تام بمطامع الدول في الإمبراطورية العثمانية وأنه ليس للعرب من القوة والمؤهلات ما يمكنهم من تأسيس حكومة عربية مستقلة والمحافظة على كيانها .
ولما كنا نتداول مع عزيز علي المصري في شأن البلاد العربية كنا نجهل تمام الجهل المذكرات التي كانت جارية بين جلالة المغفور له الملك حسين وبين ممثل الحكومة البريطانية ، كما كنا عاجزين عن فهم ما يراد بالبلاد العربية ، وماذا ستكون النتيجة إذا أعلن العرب الثورة على الحكومة العثمانية ، وكيف نستطيع أن نضمن مستقبل البلاد واستقلالها ونحن نعلم مطامع الدول التي لم تكن خافية منذ أمد بعيد ،وقد وصلتنا في ذلك الحين برقيتان من جلالة المغفور له الملك حسين، إحداهما إلى عزيز علي المصري والثانية إلي ، وفيهما يطلب إلينا الحضور فورا إلى مكة المكرمة مع من يرافقنا من رجال العرب .
فتداولنا في الأمر ونظرنا في وجوهه المختلفة ، وحسبنا النتائج التي ستتمخض عنها تلبية الدعوة ، وعدمها ، فاستقر الرأي على أن أسافر وحدي للإطلاع على الحالة هناك والاستماع إلى آراء المغفور له الملك حسين ، والإطلاع كذلك على المذكرات الجارية بين جلالته وبين الإنكليز ، ثم الإبراق بهذه المعلومات إلى عزيز علي المصري وإخواننا رجال العرب في مصر .
مقابلة المرحوم سعد زغلول :
وقبل مغادرتي مصر رأيت من المفيد أن أتصل بالمرحوم سعد زغلول ، وكنت من المعجبين به ، لأستمزج رأيه ، كما عرضت عليه الأمر وجدته في حيرة شديدة بالنظر للغموض والملابسات التي كانت تحيط بالموقف ، إلا أنه خرج من حيرته بقوله : ( إن وضع البلاد العربية وضع شعب محكوم لا يملك من أمره شيئا فإذا استطعتم أن تكونوا لهذا الشعب وضعا آخر ، وضعا استقلاليا فسيكون لكم الفضل في هذا وإذا خبتم فلن تضيعوا شيئا عدا أنفسكم وسمعتكم ، فأنتم لستم من المقامرين بشيء ، أنتم من المجاهدين تسعون لتحقيق شيء ، فإذا لم تتوصلوا إليه ، فلا لوم عليكم إلا بقدر ما يمسكم م كلام ونقد ، وأن الأمر يتوقف على النتائج التي ستحققونها ، فإذا كانت نتائج عظيمة فعملكم سيقاس بها ، وإذا فشلتم فلابد من أن يحكم عليكم ولا تكونوا قد أضعتم شيئا موجودا في الوقت الحاضر فليس لبلادكم كيان تجازفون به كما هو الحال بالنسبة إلى الدولة العثمانية ،فإنها إذا خسرت الحرب ستخسر شيئا كثيرا ) .
فما كان مني حين سمعت هذا الحديث من المرحوم سعد زغلول إلا أن نقلته إلى عزيز علي المصري وكان يطابق النتائج التي توصلنا إليها في مداولاتنا.
غادرت مصر ، وتشرفت بمقابلة المغفور له جلالة الملك حسين وسأحدثكم بما دار بيني وبين جلالته عند الدخول في صلب المحاضرة .
خلاصة المقدمة :
يتضح لكم من هذا العرض الموجز ، أننا حين أقدمنا على الثورة ، لم يكن لنا وضع أو كيان دولي نخشى عليه من الزوال فلم تكن البلاد العربية حكومة أو شبه حكومة حتى ولا إدارات محلية ، وهو وضع يختلف كل الإختلاف عن وضع البلاد العربية الحاضر ، كنا حينئذ إذا جازفنا فإنما كنا نجازف بأرواحنا فحسب أما الآن فيجب أن نحسب كل حساب عند القيام بأي عمل لئلا يؤدي عملنا إلى كارثة يصعب تلافيها .
ويتضح لكم كذلك ، أن عدم تحقيق الأهداف العربية بكاملها لم يكن نتيجة تفريط رجال العرب بحقوق بلادهم ، بل نتيجة لعوامل دولية كانت تتبلور من قرنين وقبل أن يخلق جيلنا والجيل الذي قبلنا .
إعلان الثورة العربية
الحركات العسكرية :
والآن ، وبعد هذه المقدمة ، سأحدثكم عن الحركات العسكرية منذ أن اطلق جلالة المغفور له الملك حسين ، أول رصاصة لإعلان الثورة في 9 شعبان سنة 1335 المصادف 10 تموز 1916 حتى يوم عقد الهدنة مع الحكومة التركية في محطة قطمة ، الواقعة في شمال حلب ، وذلك بتاريخ 1 تشرين الثاني 1918م .
تقسيم البحث :
ولأجل تسهيل البحث سأقسم محاضرتي إلى أقسام ثلاثة :
القسم الأول : الحركات العسكرية في داخل الحجاز منذ بدايتها حتى سقوط العقبة.
القسم الثاني : من سقوط العقبة حتى شهر أغسطس 1918 .
القسم الثالث : تقدم الجيش العربي من شهر أغسطس 1918 حتى يوم إعلان الهدنة . ((أكتفينا بالقسم الاول والثاني من المذكرات فقط والتي تتحدث عن الحرب في الحجاز وأغفلنا القسم الثالث لتحدثه عن الحرب في سوريا))
القسم الأول :
حدثتكم في المقدمة عن القرار الذي اتخذناه بنتيجة مداولاتنا في مصر هو تلبية دعوة جلالة الملك حسين وسفري إلى الحجاز ، وقد سافرت فعلا والتحق بي عدد من الضباط المتطوعين وهم : سعيد المدفعي ، والمرحوم السيد حلمي ، وابراهيم الراوي ، ورؤوف عبد الهادي ، والمرحوم راسم سردست ، والطبيبين المرحوم أمين المعلوف ، وأحمد القباقيبي ، كما التحق بي بضعة ضباط صف وعدد من الجنود لا يتجاوزون الأربعمائة متطوع وكان هؤلاء من الأسرى العراقيين في معتقلات الهند .
الوضع العسكري في الحجاز قبل السفر :
إن الوضع العسكري في الحجاز ، قبل سفرنا إليه ، كان يتلخص في أن جدة كانت قد سقطت بين متطوعي العشائر والآهلين وكانت الحامية التركية فيها تتألف من فوج واحد .
كما أن مكة المكرمة كانت قد سقطت بين المتطوعين من أهلها الذين استولوا على ثكناتها ، وكانت الحامية التركية فيها تتألف من فوج من المشاة وبعض المدفعية في قلعة جياد التي قاومت مدة ثلاثة أيام .
أما الطائف ، فقد كانت محاصرة من قبل قوات جلالة الملك عبد الله ، سمو الأمير عبد الله أنذاك ، المؤلفة من قوات بدوية يتراوح عددها بين 4000و5000 مقاتل وبطارية جبلية مصرية تحت قيادة اللواء السيد علي باشا ، وكان الحامية التركية فيها مؤلفة من فرقة مشاة واحدة .
أما المدينة المنورة ، فقد كانت فيها فرقة تركية واحدة ، كانت قد جلبت على جناح السرعة من الشمال على السكة الحديدية ، بقيادة فخري باشا ، وكانت هذه الحامية مهددة من الجنوب والغرب وأحيانا من الشمال وذلك من قبل العشائر الحجازية التي انضمت إلى المرحوم جلالة الملك علي ، سمو الأمير علي أنذاك ، وكان مرابطا في الجنوب ليكون حائلا بين هذه القوات وبين مكة ، وكان المرحوم جلالة الملك فيصل الأول، سمو الأمير فيصل انذاك مرابطا في الجهة الغربية مهددا مواصلات المدينة مع الشمال .
أما سلاح العشائر والمتطوعين فقد كان من البندقيات القديمة التي لا تصلح في حرب كالتي نحن بصددها .
السفر إلى الحجاز :
ولما غادرنا السويس ، أنا ومن معي ، علمنا ونحن في الباخرة بأن القيادة البريطانية كانت قد شحنت معنا سلاحا باسم الشريف حسين يحتوي على بطارية مكونة من أربعة مدافع قوس عيار 4.5 عقدة وبطارية صحراء عيار 18 رطلا وبطارية جبلية عيار 2.75 رطلا ، ونحو ثمانية رشاشات فيكرس و200 صندوق رمانات يدوية و100 صندوق من الديناميت من نوع الجلنيت ونحو 4000 بندقية مع كميات غير قليلة من العتاد .
الوصول إلى ميناء جدة :
ولما بلغنا ميناء جدة ، وجدنا أن الأسرى الأتراك الذين استسلموا في جدة ومكة يزيد عددهم على 2000 جندي ، وكانوا يمرحون ويسرحون في أسواق جدة بكل حرية ، وكانت البلدية مكلفة بأمر إعاشتهم ، وقد اتصل بي جلالة الملك حسين تلفونيا ، ساعة وصول الباخرة ، وأمرني بالسفر إلى مكة حالا ، إلا أن الصعوبات التي لاقيناها في تفريغ حمولة الباخرة من السلاح وإيجاد الوسائط لنقلها إلى مكة وعدم معرفتنا باللغة الإنكليزية لتدقيق القوائم ومعرفة محتويات الصناديق التي بلغت حوالي أربعة آلاف صندوق من أحجام مختلفة ، كل ذلك اقتضى أكثر من ثلاثة أيام إلا أن الحاح جلالته بلزوم الإسراع في السفر إلى مكة اضطرني إلى السفر مستصحبا قسما من المدافع والرشاشات والرمانات اليدوية وتاركا أمر نقل باقي المعدات إلى قائمقام جدة الذي كان عينه جلالة الملك حسين وهو الشريف محسن بن منصور ،وقد اضطرنا كذلك إلى ترك الدكتور أمين المعلوف ليساعد في نقل هذه المعدات ، بالنظر لوقوفه على اللغة الإنكليزية ، كما عينا رؤوف عبد الهادي قائدا لميناء جدة ولإدارة الشؤون العسكرية فيه والإشراف على تسفير الأسرى الأتراك إلى المعتقلات في مصر .
المثول بين يدي جلالة الملك حسين :
وصلت مكة المكرمة وتشرفت بمقابلة جلالة الملك حسين فأعلمني جلالته ، بأنه نصح الحكومة التركية بعدم دخول الحرب فلم تسمع أما وقد دخلتها ، فإن جلالته يعتقد بأن الظفر سيتحقق للحلفاء في الميادين الأوروبية ، وليس في هذه البلاد وأن الحرب ستنتهي باندحار الألمان وحلفائهم ولما كانت نوايا الترك السيئة تجاه الأمة العربية قد ظهرت بكل وضوح ، وكانوا قد شنقوا من نخبة رجال العرب ولا يزالون يطاردون الآخرين للقضاء عليهم فما على العرب إلا أن ينتهزوا هذه الفرصة لتحقيق أمانيهم ،ثم قال جلالته :هذه هي الأوراق والمخابرات أقرأوها ، فإن وجدتم فيها نقصا أكملوه ، أعملوا لتحقيق ما ترغبون فقد فتحت لكمم الباب وما عليكم إلا استغلال الموقف لتحقيق أماني الشعب العربي ، فإن انتهت الحرب بانتصار الألمان والأتراك ، فإن البلاد العربية ستعود إلى سابق عهدها دون أن تخسر شيئا سوى هؤلاء الرجال الذين نهضوا لتحقيق أمانيها القومية ، أما إذا حصل العكس وانتصر الحلفاء فمن يا ترى سيحمي البلاد العربية ؟ وماذا ستكون حجة العرب في المطالبة بحقوقهم ومطامع الدول معروفة في بلادهم ؟ لذلك فإن الواجب يحتم علينا أن نتفانى في سبيل بلادنا وأن نطالب بحقنا وسنرى ما يحققه الله لنا .
الإبراق إلى عزيز علي المصري :
ولما انتهت المقابلة خرجت من لدن جلالته وأرسلت برقية ، وبالرموز التي اتفقنا عليها ، إلى عزيز علي المصري شرحت له فيها الوضع وطلب إليه السفر حالا إلى الحجاز لتسلم قيادة الجيش العربي .
الإلتحاق بسمو الأمير علي :
بقيت في مكة المكرمة يومين وأنا أتوقع أن يصدر جلالته أمرا بالتحاقي بسمو الأمير عبد الله للقضاء على حامية الطائف واحتلالها ، إلا أن جلالته فاجأني بأمر الألتحاق بسمو الأمير علي في الشمال لنجدته فأوضحت لجلالته ضرورة تنظيم المتطوعين من العشائر والأهلين ، والذين جاؤوا معي وتدريبهم على استعمال الأسلحة الحديثة لتكوين نواة الجيش العربي ، إلا أن جلالته أصر على رايه ، وتم الاتفاق على أن يتولى عزيز علي المصري القيادة تحت إشراف جلالته وأن يلتحق سعيد المدفعي على راس بطارية مدافع القوس بسمو الأمير عبد الله لفائدة هذا النوع من المدافع في الحصار ، وأن يبقى ابراهيم الراوي في مكة للإشراف على أمر السلاح والتجهيزات التي اضطررنا إلى تركها في مكة وأن استصحب معي المرحوم السيد حلمي مع بضعة من ضباط الصف العراقيين بعض جنود المدفعية المدريبن مع بطارية مدافع جبيلة وأربعة رشاشات ومائة صندوق من الرمانات اليدوية وكمية من الديناميت وفوج واحد من المتطوعين المشاة من أهل مكة مع ضباط واحد من أهل مكة اسمه احمد كاشف ، وكان جلالته قد أعد قافلة مكونة من أربعة آلاف جمل تحمل المؤن والذخائر ومايزيد على ألف وخمسمائة بندقية وألف صندوق من عتاد الأسلحة الخفيفة وكان على رأس هذه القافلة الشريف باشا.
وتنفيذا لأمر جلالته ، تحركت الحملة متجهة إلى معسكر الأمير علي ، وكان حينئذ في وادي الأثب ، وهو يبعد حوالي خمسين كيلو مترا عن جنوب المدينة ، فسلكنا الطريق الشرقي ، ولما وصلنا السواركيه،التحق بنا الشريف شاكر ، فعدلنا عن الطريق الشرقي إلى طريق آخر كان من الوعورة بدرجة أنه كان يصعب علينا قطع أكثر من عشرين كيلومترا في اليوم الواحد مع أن معدل سيرنا اليومي كان لا يقل عن أربع عشر ساعة ليلا ونهارا .
الوصول إلى وادي الأثب :
وبعد مسير أكثر من اسبوعين وصلنا وادي الاثب ، وكنا في أثناء اليسر ندرب بعض الجنود على استعمال البندقيات الأنكليزية كما جربنا المدافع الجبلية ودربنا بعض الجنود على استعمالها .
وقد لفت نظري عند وصولنا وادي الاثب أن المواد الغذائية التي كنا نحملها قد استهلك أكثر من نصفها ، وهو أمر حيوي لا يمكن تجاهله .
مقابلة سمو الأمير علي :
ولما تشرفت بمقابلة سمو الأمير علي عند وصول الحملة ، أدرت أن استوضح منه الوضع العسكري في هذه المنطقة فأعلمني بأن القوات التركية محصنة في مضيق مجز حيث أن فيه غدير ماء وهو يبعد عنا حوالي عشرة كيلو مترات وأن سموه يجهل مقدار القوة التركية المحصنة ، وقد بحثت مع سموه مشاكل التموين وإعاشة المتطوعين الذين تحت قيادته وعددهم يتجاوز الأربعة آلاف من العشائر والمتطوعين من أهل مكة ، وكان بين هذه القوات وحدة من الهجانة بقيادة ابن دخيل ، وكان أكثرهم من المتطوعين من عقيل وكانت هذه الوحدة موجودة على عهد الأترك ثم التحقت بجلالة الملك حسين .
وإني لن أنسى مبلغ السرور الذي عم قوات الأمير علي حين وصولنا، ومعنا هذه المدافع الصغيرة والبندقيات الحديثة والرمانات اليدوية التي اطلقنا عددا منها أمامهم بشكل مظاهرة .
وقد ظلت قضية التموين والإعاشة تشغل فكري ، ذلك لأن ما بقي لدينا منها لا يكفي لأكثر من عشرين يوما على أكثر تقدير ، وأن وصول المؤن من مكة إلينا يتطلب شهرا فتداولت في الأمر مع سمو الأمير علي ، وعرضت على سموه ضرورة تنظيم المواصلات بين معسكرنا وبين مكة وفي نفس الوقت عرضت على سموه ضرورة إجراء استطلاع لمعرفة القوة التركية المحصنة في مجز ، فأمر سموه بعض أفراد حاشيته الخاصة وعددا لا يزيد على العشرين شخصا للقيام بهذه المهمة بقيادتي شخصيا، فاستصحبت معي المرحوم السيد حلمي وسبرنا غور القوة التركية بمصادمات خفيفة استطعت أن أعلم بنتيجتها بأن القوة التركية لا تزيد على فوج واحد .
القضاء على ابن مبيريك : ((ابن مبيريك من شيوخ حرب))
ولما عدنا وبدأنا نتداول في امر الجيش العربي وتنظيمه وتموينه وما يجب علينا عمله ، علمت في أثناء الحديث مع سمو الأمير ، أن الشيخ ابن مبيريك ، أمير رابغ غير منقاد للحركة العربية وأنه يخشى فيما إذا أراد الأتراك التقدم ، أن يتقدموا عن طريق رابغ إلى مكة ، وهو الطريق السلطاني للحج ، وأنه مفتوح أمامهم ، ومعنى ذلك أن لا فائدة من وجود المعسكر العربي في أثب ، تجاه فوج واحد من الجيش التركي ، لذلك استرحمت من سمو الأمير علي ، السماح بالقضاء على ابن مبيريك أولا وسد ذلك الطريق الحيوي في وجه الأتراك ، إذ لا فائدة للجيش التركي من اتباع نفس الطريق الذي سلكناه من مكة إلى أثب ، فأيد سموه هذا الرأي إلا أنه كان يشك في موافقة جلالة الملك حسين عليه ، غير أن سموه اطلعني على كتاب موجه إليه من جلالة الملك وفيه يأمره بأن يسمع كل ما أبديه له من آراء وأن ينفذ الخطط العسكرية التي اقترحها ، ثم قال لي : إذا أردت أن تنفذ هذه الخطة فما عليك إلا أن توقع على وثيقة بهذا الراي وأنا مستعد لتنفيذها على مسئوليتك . فوقعت على كتاب مطول شرحت فيه فائدة هذه الخطة ثم قمت بتنفيذها وكانت هذه الحركة مفاجأة لابن مبيريك ولم يعلم بها إلا قبيل وصولنا رابغ بساعتين ، فهرب وترك كل ما كان لديه من مؤن وذخيرة وحتى أهله ، وكان لهذه الحركة تأثير حسن ، فقد ذهب بعض رؤساء العشائر في تلك المنطقة من الموالين لابن مبيريك إلى مكة لعرض الطاعة على جلالة الملك ، فصادف وصولهم في نفس اليوم الذي وصل فيه الرسول الذي بعثنا معه الرسالة التي تتضمن عزمنا على هذه الحركة ، مما أثلج صدر جلالة الملك وسره سرورا عظيما ، وبالقضاء على ابن مبيريك ، قضينا على مشكلة التموين ، حيث بدأت التجهيزات تصلنا من جدة ورابغ عن طريق البحر ومن مكة في مدة لا تتجاوز خمسة أيام .
وصول عزيز علي المصري وبعض المتطوعين :
وبعد مرور بضعة أيام ، علما بأن عزيز علي المصري وشريف الفاروقي وصلا مكة ، ولما أطلع عزيز علي على هذه الحركة استصوبها .
وفي الوقت نفسه وصلت باخرة من الهند إلى رابغ تحمل متطوعين يزيد عددهم على ثمانمائة جندي وحوالي ثلاثين ضابطا معظمهم من العراقيين وكان بينهم ، مولود مخلص ، ورشيد معروف الأنكورلي ، وعبد الرزاق الخوجة ، وعلي جودت وشكر محمود ، وشاكر عبد الوهاب الشيخلي ، وعبد الله الدليمي ، وحميد الشالجي وعبد اللطيف نوري ، وحامد الوادي ، والمدفعي داود صبري ، وجمال علي ، وسامي عزيز المدفعي ، واحمد رشدي ، وجميل الراوي ، ورشيد المدفعي ، وحسن معروف ، ورشيد خماس ، ومصطفى الشيخلي ، وسعيد يحيى ، مصطفى التكرلي ، وثامر السعدون ، وكان بينهم من السوريين ، حسن فهمي ،واحمد توفيق الحموي ، وفائز الغصين ، وضباط آخرون ، كما وصل عن طريق البر عدد من الأطباء السوريين منهم ، الدكتور محمود حموده .
تنظيم المتطوعين :وقد قمنا فورا بتنظيم لواء مختلط من المتطوعين الذين وصلوا ، ومن متطوعينا ، وبدأنا بتحصين قرية رابغ ومينائها لتكون قاعدة لنا في الزحف على المدينة ، وفضلا عن ذلك ، فقد سير جلالة الملك أكثر من ألف متطوع بقيادة ابراهيم الراوي وأمرهم بالالتحاق بنا في رابغ ، وكان على رأسهم سمو الأمير زيد، وكان سموه حينئذ لا يتجاوز الثمانية عشرة من العمر ، ثم وافنا سمو الأمير فيصل من الشمال ، عن طريق البحر ، وعزيز علي المصري من الجنوب ، عن طريق البحر ايضا ، فعقدنا عدة اجتماعات تداولنا فيها بشأن تنظيم الجيش والعمل ووضع الخطط للزحف والقتال ، وقد اشترك معنا في ذلك ممثلون عن الحكومتين البريطانية والفرنسية ، وكنت بالإتفاق مع عزيز علي المصري مصرا على ضرورة تجهيزنا بمدافع جبلية جديدة لأنه لا فائدة لنا ، في تلك البلاد ، من المدافع الثقيلة والخيول الأوسترالية التي لا نستطيع تأمين الماء والعلف الكافيين لها على صورة منتظمة وقد حثنا عزيز علي على ضرورة تقسيم الجيش إلى قسمين القسم الأول وهو المهم ، يتكون وينمو ويحارب بصورة اعتيادية كبقية الجيوش ، والقسم الثاني يتألف من جحفل سيار مجهز بأسلحة خفيفة تكون مهمته الحركة وراء خطوط الأتراك في الجزيرة إلى القطر السوري وذلك لإلقاء الرعب والإرتباك في مواصلات الأتراك وشل حركتهم بحيث لا تستطيع القوات التركية أن تلحق به أضرارا جسيمة ، فهو يتحرك كيف يشاء إلى الشمال أو الجنوب ويعود إلى قواعده ليستريح ويتزود بما يحتاج إليه وقد استحسن الأمير فيصل هذه الفكرة وطلب أن يكون هذا الجحفل تحت قيادته وأن تبقى القوة الأصلية تحت قيادة أخيه علي ، ولتحقيق هذه الفكرة تقرر أن يكون مولود مخلص ، مشاورا عسكريا لسمو الأمير فيصل ، وأن يلتحق بسموه عبد الله الدليمي مع أربعة رشاشات وأن يكون الدكتور شرف ، السوري طبيبا لنواة هذا الجحفل وعلى ذلك عاد سمو الأمير فيصل مع هذه القوة إلى قاعدته في ينبع النخل .
سقوط الطائف :
وبينما نحن منهمكون في هذا التنظيم ، وصلتنا أخبار سقوط الطائف بيد الأمير عبد الله ،((شارك أغلب عتيبه في الحجاز في فتح الطايف مع عبد الله بن الحسين كما أخبر عبدالله بنفسه في مذكراته))واستسلام القوات التركية مع جميع معداتها إلى سموه ، وكانت هذه القوات تحت قيادة اللواء على غالب باشا ، فتفرغت قوات الأمير عبد الله وحضر سموه إلى رابغ ، فتداول مع سمو أخيه الأمير علي ، وتقرر أن نتعاون معا في حصار المدينة من جهة الشرق في موقع يسمى الحناكية ، على أن تعود المدفعية التي كانت مع سموه على رابغ ، وقد سميت هذه القيادة بالقيادة الشرقية .
ثم وصلتنا إلى رابغ نجدة مصرية مؤلفة من فوج من المشاة وسرية رشاشات وبطارية جبلية وكانت هذه القوة بقيادة اللواء السيد على باشا ووصلتنا كذلك بطارية جبلية فرنسية بقيادة الكولونيل قاضي المغربي ، وكان جنودها من المغاربة ووصلنا ايضا رف من الطائرات البريطانية بقيادة الميجر روس .
وصول نجدات تركية إلى المدينة :
وفي شهر تشرين الأول سنة 1916، وصلت إلى المدينة نجدات تركية قوية تقدر بأكثر من فرقة ، فقررت القيادة التركية الزحف على مكة ، فخرج رتلان من المدينة فاندحرت أمامهما قوات الأمير فيصل في ينبع النخل ، وتوجه الجيش التركي من جهة أخرى نحو طريق الحج السلطاني إلى الجنوب باتجاه رابغ وبناء على أمر جلالة الملك حسين ن زحفت القوات العربية بقيادة الأمير علي من رابغ إلى الشمال ، وكانت مؤلفة من أربعة أفواج من المشاة ونحو 16 رشاشة وبطارية صحراء عيار 18 رطلا وبطارتين جبلتين إحداهما عيار 2.75 والثانية تركية من مخلفات الأتراك ، وبيرق هجانة ابن دخيل المؤلف من ثمانمائة متطوع ، وقوة عشائرية تتراوح بين الفين وثلاثة آلاف من الهجانة وقد تركنا في رابغ القوات الأجنبية ،فوصلت هذه القوة إلى آبار ابن حصاني ، الواقعة على هذا الطريق ، وكان بيننا وبين القوات التركية الزاحفة 30 كيلومترا وكنا مصممين على الزحف في اليوم الثاني للإتصال بالقوات التركية وقد أعددنا الخطة لذلك ، وكان الفرح يملأ صدورنا للقاء الجيش التركي ، وقد التحق بنا عزيز علي المصري ليشرف على سير القتال ، وبينما نحن في هذا إذ برسول يأتي من سمو الأمير علي يطلب مني الحضور أمامه ولما قابلته أعلمني بأن العشائر المحلية قد لا يؤمن جانبها ، وعليه فإن الأوفق أن تعود القوات إلى قاعدتها في رابغ ، وعبثا حاولت اقناع سموه بتغيير رايه لأن العشائر ستنحاز إلينا إذا رأت إننا انتصرنا على القوات التركية ، ولما لم أوفق في مسعاي ، أضطررنا إلى العودة إلى رابغ ، وكان لهذا التراجع تأثير سيء في نفسية الجيش ومعنوياته .
ولا اريد أن اكتم عنكم الحقيقة في سبب إصرار سمو الأمير علي على رجوع الجيش إلى رابغ كما أطلعنا عليها فيما بعد وهو أن أحد الضباط دس إلى سموه خبرا مفاده أن عزيز علي المصري كان متآمرا مع القائد التركي وأن في نيته أن يضرب المتطوعين من أهل الحجاز بهه القوة والقوة التركية الزاحفة للقضاء على الحركة، ولما علمنا بهذه الدسيسة أضطررنا إلى أبعاد ذلك الضابط ولكن هذا الإجراء لم يزل الأثر السيء الذي تركته هذه الدسيسة والذي كان بعيد المدى بحيث ترك عزيز علي المصري الجيش وعاد إلى مصر .
أما الجيش التركي ، فقد واصل زحفه ووصل إلى آبار ابن حصاني ، وأن العشائر الحجازية ، ومنها فرع الأحامدة من عشيرة حرب ، ثارت وراء خطوطه وعرقلت المواصلات ونهبت القوافل مما أضطر القائد التركي إلى وقف الزحف والمرابطة في المواقع التي وصل إليها ، وعبثا حاول الأتراك حفظ خطوط مواصلاتهم مع المدينة ، وكانت العشائر تأتي بالغنائم والأسرى الأتراك إلى رابغ لتسلمها إلى الأمير علي ، وأحيانا تذهب إلى ينبع لتسلمها إلى الأمير فيصل .
وبعد مرور حوالي الشهرين ،اضطرت القوات التركية إلى الانسحاب من مواضعها بصورة تدريجية ،وذلك ليأسها من التغلب على العشائر وتأمين مواصلاتها .
وقد وصلنا ونحن في رابغ بعض الضباط المتطوعين ، الذين كانوا قد أسروا في جبهة القفقاس من قبل الجيش الروسي ، ومنهم توفيق الدملوجي، وشكري الشوربجي من سوريا .
سفر سمو الأمير زيد :
وفي كانون الأول 1916 وردنا أمر من جلالة الملك حسين يقضي بسفر الأمير زيد وبأمرته ألف من العشائر وفوج من المشاة في الطريق الفرعي إلى الشمال متجها نحو غدير مجزان ، فأحببت مرافقة سموه لاستطلاع ذلك الطريق وجمع المعلومات عن القوات التركية في هذه المنطقة ، ومن طريف ما أتذكره عن هذه الرحلة أن البرد كان قارصا وكان سمو الأمير لا يرتدي غير ثوب من القطن وعباءة صوف شتائية ، ولم يكن سموه يستطيع أن يرتدي أكثر من ذلك خشية أن يصل الخبر إلى جلالة والده ، فكان يأمر بعض الأفراد بأن يناموا في خيمته ليلا لتدفئتها بطريقة التنفس ، فما كان مني إلا أن قدمت لسموه قميصا من الصوف وجوربان والححت عليه بارتدائهما ، فقبل بعد تردد شديد وتخلص من هؤلاء الذين كانوا ينامون في خيمته .
بقيت مع سموه بضعة أيام ، وكانت الأخبار التي وصلتنا خلالها تدل على أن الأتراك قد توقفوا توقفا تاما عن الزحف إلى الجنوب .
الزحف على بدر ووادي الصفراء :
ولما عدت إلى رابغ وجدت استعدادات الأمير علي قائمة على قدم وساق للزحف على بدر ووادي الصفراء وفي الوقت نفسه كنا قد تسلمنا البطارية الجبلية المصرية .
وبعد بضعة أيام زحفنا في هذا الاتجاه وقد دلت استطلاعاتنا على أن الجيش التركي يخندق في طرفي الطريق وفي طرف بئر درويش ، وأن قوته في هذه المنطقة لا تزيد على ثلاثة أفواج من المشاة وبطارية مدفعية مع بضع رشاشات ، فقررنا الإجهاز على المعسكر التركي بهجوم مباغت .
معركة بئر درويش :
وبعد بضعة أيام زحفنا نحو بئر درويش ، وبعد الاستطلاع وجدنا أن الأتراك يحتلون موضعا دفاعياً على طرفي المضيق بفوج مشاة واحد وأنهم أقاموا عددا من الربايا على القمم الكائنة على جانبيه ، وتركوا فوجين آخرين وراءهم في بئر درويش مع بطارية وبضع رشاشات وكانت رباياهم مسيطرة على المضيق والطريق بنفس الوقت وقد حصنوها بالحجارة .
أما قوات الجيش العربي ، فكانت تتألف من كتيبة هجانة آمرها حميد الشالجي ، وثلاثة أفواج مشاة وبطارية صحراء أمرها ابراهيم الراوي ، وبطارية جبلية مصرية آمرها داود صبري ، وبطارية أخرى هندية وهي من طراز قديم بطيئة الرمي غير مجهزة بالدرع وكنا نسمي مدافعها بمدافع فكتوريا لقدمها ، وثلاثة آلاف متطوع من العشائر بينهم قسم من عشيرة بني سعد القاطنة بأطراف المضيق((كان أغلب قبيلة الثبته الشجاعه المشتركه في الثوره العربيه في جيش علي بن الحسين بقيادة أمراءها)) ، وقسم من ثقيف والباقون من حرب .
ذهبت للإستطلاع للوقوف على موقف الأتراك وقواتهم في وادي الصفراء لمسافة 20 أو 30 ميلا من قمة تشرف على مواضعهم وعلى خيامهم ، فقدرت قواتهم ورجعنا مساء وأخبرت سمو الأمير علي بذلك ، وكان معي ضابط الركن علي جودت ، وصممنا على أن تهاجم العشائر المضيق والجبل (آ) وتقوم القوة النظامية بالتفاف من جهة اليسار لأن الأرض أسهل ونهاجم العدو بعد نجاح العشائر في هجومها وقد أوضحنا لسمو الأمير علي أنه إذا لم تنجح العشائر في هجومها ، فإن القوة النظامية قد لا تستطيع الرجوع ، وأنها تكون معرضة للخطر ، فالحركة تنطوي على مغامرة ونجاح القوة النظامية متوقف تمام على نجاح العشائر .
لذلك اهتم سمو الأمير علي بهذه القضية ، وجمع رؤساء العشائر وشيوخهم وبسط لهم الموقف وبين لهم خطورة مهمتهم ، وأخبرهم بأن نجاح القوة النظامية متوقف على نجاحهم وذلك بثباتهم واستيلائهم على القمة اليسرى (ب) على الأقل لتتمكن القوة النظامية من الرجوع في حال الفشل ، لاحظ المخطط .
زحفت قوات العشائر ليلا ، ثم زحفت القوات النظامية من الوادي ، وتجمعنا في محل كنا نخمن أنه جنوب غربي التحكيمات التركية خارج مدى تأثير نيران البندقيات وعند الفجر سمعنا أزيز الرصاص مما دلنا على اشتباك العشائر بالأتراك فتهيأنا للتقدم ، وفعلا تقدمنا مسافة ثم توقفنا منتظرين المعلومات عن مدى نجاح العشائر ، وقد تأخر الخبر إلى حوالي الساعة 1000 فذهبت بنفسي لأرى جلية الأمر فرأيت آخر ربيئة تركية تسقط بيد العشائر وكان رجال العشائر يستخدمون طريقة خاصة للتخفي وذلك باستخدام عمة جسيمة وعالية لحمل الجنود الأتراك على فتح النار ظنا منهم أنها رؤوس العرب ثم أتاني مراسل موفد من سمو الأمير علي وأخبرني بأن المضيق بحوزتنا فتقدمت بالقوة الأصلية وهكذا أصبح بإمكاننا التقدم من أي اتجاه كان وقررنا القيام بالهجوم في صباح اليوم التالي ، وفي الصباح وجدنا الأتراك قد أنسحبوا ليلا ، ولم تستطيع قواتنا التماس إلا مع مؤخرتهم ودخلنا بئر درويش في اليوم التالي .
كانت خسائرنا 10 قتلى و20 جريحا من العشائر و3 جرى من القوة النظامية ، أما خسائر الأتراك في المضيق فكانت لا تقل عن 300 قتيل وأسرنا حوالي 200أسير وغنمنا عتادا وبندقيات وتجهيزات تركوها في معسكراتهم وبينها أدوات الطبخ .
كان بين الجرحى الأتراك نحو 20 جريحا مصابين بجروح خطيرة بينهم 8 أو 9 ضباط ، فقررنا إعادتهم إلى القيادة التركية للإعتناء بهم نظرا لطول خطوط مواصلاتنا واحتمال موتهم أثناء النقل .
لقد كان لنجاح معركة بئر درويش تأثير كبير في نتيجة الحرب في الحجاز ، وفضلا عن ذلك ، فقد جعل للمتطوعين العرب النظاميين مركزا كبيرا في نظر العشائر وأهالي الحجاز وزاد في احترامهم وتقديرهم للضباط ، وجعل جلالة الملك حسين يفكر في إحداث وسام النهضة على أثر هذه المعركة .
تطبيق ميثاق الهلال الأحمر :
وكان تأثير هذه المعركة في نفسية الأتراك عظيما جدا وذلك لأننا أعدنا إليهم ما يزيد على العشرين جريحا من أسراهم الذين كانت جروحهم خطرة ولا يمكن نقلهم إلى المستشفيات في مصر ، وفي الوقت نفسه وجهنا رسالة إلى القائد التركي نبلغه فيها بأن أمامه جيشا نظاميا ونطلب منه أن يكون التعامل بيننا بشأن الأسرى والجرحى على أساس ميثاق الهلال الأحمر ، هذا بالإضافة إلى مطالبتنا بانسحابهم من البلاد العربية وإخلائها وتسليم إداراتها إلى شريف مكة وقيادة الجيش العربي ، وحصر قتالهم في التخوف التركية ، وقد أرسلنا إلى بعض الضباط الأتراك من رفقائنا ، الذين سمعنا بوجودهم هناك ، بكميات من السكاير والحلوى ، ثم جاءنا جواب القائد التركي وفيه يرفض الإعتراف بنا كجيش نظامي واعتبرنا من العصاة فكان جوابنا على ذلك هو أن كل معاملة يعامل بها الأسرى العرب خلافا لميثاق الهلال الأحمر ستقابل منا بمثلها لا سيما وقد تجمع لدينا من الأسرى الأتراك ما يزيد على أربعمائة ضابط وأكثر من عشرة آلاف جندي في ذلك الحين .
معركة آبار الماشي :
وبعد سقوط بئر درويش بثلاثة أسابيع زحفنا على آبار الماشي ، وطلبنا من سمو الأمير زيد أن يلتقي بنا ويكون على ميمتنا تبعد عن تلك الآبار بنحو أربعة عشر كيلومترا ، وكانت قوة سمو الأمير زيد تتألف من نحو ألف من رجال العشائر وفوج من المتطوعين .
استطلعنا قوة الأتراك ووجدنا أن الأتراك قد حصنوا مواضعهم على الجبل (1) بدقة تزيد على دقتهم في تحصين بئر درويش وبلغنا وجود ألغام في الوادي ، وكانت قوة الأتراك تقدر بلواء ، وكان في إمكانهم جلب احتياط من المدينة وكان الماء متيسرا للقوات المعسكرة هنا أكثر منه في بئر درويش حيث يوجد في بئر درويش بئر واحد ، وكان للأتراك مخفر على التل الجنوبي المنفرد ( التل 1) ترابط فيه قوة تقدر بفصيل واحد .
وعليه قررنا أن يزحف سمو الأمير زيد من الجنوب ، بقواته النظامية والعشائرية وسمو الأمير علي من الغرب وكانت الخطة كما يلي :
أ. تهجم العشائر من قوات الأمير زيد من الجنوب إلى الأمام ، نحو مواضع القوات النظامية في الخلف احتياطا لها .
ب. تهجم العشائر من قوات الأمير علي من الشمال الغربي نحو مواضع العدو وتهجم القوات النظامية من جنوبي الطريق .
فتقدمنا وفقا لهذه الخطة واستولينا على المخفر ، وانتخبت مواضع المدفعية وراء الجبل وحصلت في اليوم الأول مناوشات بسيطة ، وفي المساء وصلت قواتنا إلى مسافة 400 -500 متر من حامية بئر الماشي وسمعنا صوت انفجار الغام أمام جنودنا فظننا في بادئ الأمر أنها أصوات مدافع تركية ، وكانت مدفعية الأتراك تشاغلنا ، غير أن رمي مدفعيتنا كان أدق ، وكان المقرر إنهاء المعركة في اليوم التالي .
ولم ننجح في تحقيق ما كنا نتوقعه وذلك بالنظر إلى وصول نجدة قوية للأتراك في اليوم التالي . وقد فوجئنا بانصياب نار مدفعية تركية قوية على مدفعيتنا ، وكان من تأثير النيران المنصبة من الجبهة والجناح الشمالي أن بدأت العشائر تشعر بضعفها فلم تجرؤ على التقدم وأذكر أن المرحوم داود صبري كان آمرا للبطارية المصرية وكانت أحسن من البطارية الجبلية الموجودة لدينا ولم يكن مداها المؤثر يزيد عن 2000 متر ، ولما بدأت المدفعية التركية تصيب مدفعيتنا رأيت داود صبري يأمر بقطع النار ويخرج منديله ويضعه على وجهه وينام . فظننت في بادئ الأمر أنه يريد أن يثبت للجنود برودة دمه ، ولكن لم ألبث أن تبينت أنه نام من التعب والإعياء .
وبقينا إلى الظهر ننتظر هجوم العشائر ، غير أنه لم يتقدم منها أحد ، نظرا لتضعضع معنوياتها ، وجاءني آمر بطارية الصحراء ابراهيم الراوي يخبرني بأنه لم يبق لديه إلا 30 طلقة أما البطارية المصرية فكان عتادها كافيا ، بينما البطارية الجبلية الثانية لم يبق لديها إلا القليل من العتاد ، وكان أمامنا ما لا يقل عن 6 بطاريات تركية ، ثلاث منها صحراوية ، ونظرا لتعذر إجبار العشائر على الهجوم ، كما ظهر ، قرر سمو الأمير علي الإنسحاب إلى المضيق للمداولة ، حيث تذاكر مع رؤساء العشائر وقرروا الإنسحاب إلى بئر درويش انتظارا للحصول على مدافع إضافية وعتاد كاف نظرا لما شاهده من تأثير نار المدفعية على معنويات العشائر .
ولم نتمكن من أخذ أكثر من بضعة أسرى وجرح منا عدد يسير جدا .
وبعد معركة آبار الماشي انتقل سمو الأمير عبد الله من الحناكية إلى وادي العيص((كما أخبرنا كبار السن كان أغلب القوه المشتركه في الثوره العربيه من قبيلة الجعده بقيادة الامير حريبيش بن شرير وغيره من أمراء الجعده في جيش عبد الله بن الحسين المعروف بالجيش الشرقي وهذا هو الجيش الذي خاض معركة تربه لذلك شارك الجعده في معركة تربه)) وطلب أن نرسل إليه ضابطا فارسلت السيد حلمي وضابطا آخر معه.
القيسوني وكيلا للحربية :
ثم حصل توقف في الحركات ، وجاءنا خبر من مكة مفاده أن ضابطا مصريا برتبة يوزباشي تسلم وكالة الحربية في مكة بدلا من عزيز علي المصري ، فأثار هذا التعيين تذمر واشمئزاز جميع الضباط العرب مما دفعني إلى توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى ذلك الضابط المسمى قيسوني ، فما كان منه إلا أن رفع رسالتي إلى جلالة الملك حسين فاستاء منها وأمر الأمير علي بأن يرسلني مكة للمثول بين يديه ، وقد تردد سمو الأمير في تنفيذ أمر والده إلا انني أصررت على الذهاب إلى مكة لحل هذه المشكلة بالنظر لما أحدثته من أثر سيء في نفوس كافة الضباط العرب المتطوعين .
مقابلة جلالة الملك :
ولما وصلت إلى مكة قابلت جلالة الملك فوجدته متأثرا أكثر مما كنا نتصوره ، لأنه اعتبر رسالتي الموجهة إلى القيسوني تحديا لأوامر جلالته ، وقد حاولت أن أبسط لجلالته ما أحدثه هذا التعيين من نفور وألم في نفوس الضباط المتطوعين من العرب ، ذلك لأنهم لم يلبوا دعوة جلالته ليكون على رأسهم ضابط بعيد عن الشعور العربي ، فضلا عن أنه أقل منهم قدما وخبرة في الشئون العسكرية .
وقد اكتفى جلالته بأن نقلني من محلي وألحقني بسمو الأمير عبد الله وأني عطف أصحاب السمو الأمراء ، علي وعبد الله وفيصل ، الذين كتبوا إلى جلالة والدهم بضرورة رعايتي لأني لم أكن إلا ممثلا لرأي كافة الضباط العرب الذين تأثروا تأثيرا عظيما من أبعاد عزيز علي المصري وتعيين القيسوني بدلا منه .
وصدوعا بأمر جلالة الملك سافرت إلى ينبع للالتحاق بسمو الأمير عبد الله في وادي العيص ،(( عين الامير حريبيش بن شرير أمير للعيص بعد أنتهاء الثوره العربيه من لدن الملك حسين بن علي ملك الحجاز)) ولما وصلتها تشرفت بمقابلة سموه وتداولت معه في ضرورة تكوين جيش نظامي له يتألف من بطارتين أو ثلاث ولواء من المشاة وسرية من الهندسة وكتيبة من الهجانة .
زحف الأمير فيصل :
(في الصورة الى اليمين الملك فيضل الاول، وخلفه من جهة