الولايات المتحدة تعاني من ورطة سياسية بعد ثورة25 يناير لأنها فوجئت بأوضاع جديدة سوف تؤدي إلي سياسة خارجية تدار بقواعد مختلفة عن القواعد التي اعتادت عليها مع الحكام الديكتاتوريين, والتي كانت تقوم علي أن الولايات المتحدة هي صاحبة المبادرة في توجيه السياسة الخارجية لمثل هذه الدول والتي كان يحكمها فرد ليست لديه مؤسسات تشريعية يمكن أن تراجعه أو تحاسبه. كما أن الولايات المتحدة كانت لديها القدرة علي السيطرة علي قراراته
كل هذا لم يعد شيئا متوقعا بعد أن أصبح الرأي العام في مصر عنصرا مؤثرا علي السياسة الخارجية في بلده وأنه سيكون أكثر تأثيرا في حالة إجراء الانتخابات القادمة في مصر ومجيء برلمان ورئيس وحكومة يديرون السياسة الخارجية بشكل جديد عما كان.
وبسبب هذه الورطة فإن كثيرا من مسئولي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة يفكرون الآن في الكيفية التي يتم بها تغيير السياسة الخارجية الأمريكية لكي تتعامل مع هذا الواقع الجديد وبما يحافظ علي المصالح الأمريكية في المنطقة.
من بين الشخصيات التي دارت معها حوارات حول ثورة مصر المفكر الأمريكي البروفيسور (نعوم تشومسكي) فقد ظهر في برنامج تليفزيوني علي شبكة تليفزيون' بريس تي في' حيث أكد أن مصر دولة مهمة للغاية ولها تاريخ طويل ومثير للاهتمام, وكان يمكن لمصر أن تشهد ثورة صناعية في القرن التاسع عشر يجعلها في مصاف الدول المتقدمة, لكن الظروف الدولية المحيطة بها وسيطرة بريطانيا عليها حال دون حدوث ذلك.
وفي رأي تشومسكي أن الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيون سوف يبذلون كل ما في وسعهم لمنع ازدهار ديمقراطية حقيقية في مصر يمكن أن تصل بها إلي مصاف الدول المتقدة صناعيا.
.
وتحدث تشومسكي عن الفترة القصيرة التي سبقت ثورة25 يناير ودور القوي السياسية في دفع الأحداث في اتجاه الثورة إبتداء من عام2008, وبالرغم من حملة الاضطهاد التي قامت بها حكومة مبارك ضد القوي السياسية إلا أنها لم تنكسر واستطاعت مع مجموعات أخري من الشباب أن تشغل الثورة في مصر.
ويقول تشومسكي عن موقف الولايات المتحدة أن الحكومة الأمريكية ظلت تساند ديكتاتورية مبارك حتي أخر لحظة إلي أن تأكد سقوط النظام ونجاح الثورة.
وتحدث تشومسكي عن النظرية التي كانت تروج لها الولايات المتحدة وهي أنها تفضل الاستقرار في البلاد العربية, وفي رأيه أن الاستقرار الذي كانت تقصده كان يعني الخضوع للسيطرة الأمريكية وهو ما كان يمثله بقوة نظام حكم مبارك.
وأشار إلي التعبير الذي استخدمه هنري كسينجر في تأكيد أن السياسة الأمريكية تقوم علي المحافظة علي الاستقرار في الدول الأخري, وقال أن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من أن تعمل علي زعزعة الاستقرار في شيلي بأمريكا الجنوبية من أجل إيجاد نظام يحافظ لها علي مصالحها, ومعني ذلك أن الولايات المتحدة حسب منطق كسينجر تعمل علي تقويض الحكومات البرلمانية في الدول الأخري حتي ولو كان ذلك سيؤدي إلي إيجاد ديكتاتورية, وهو ما كان يعنيه كسينجر بكلمة الإستقرار.
وسئل تشومسكي أثناء الحوار عما إذا كان صحيحا أن مدير المخابرات القومية الأمريكية (جيمس كلابر ) قد انتقد أجهزة المخابرات الأمريكية لأنه قد فاتها أن تتنبه إلي العلامات التي تشير إلي اضطرابات مقبلة في مصر,
فقال تشومسكي : إن الأمريكيين كان لديهم إحساس بأن شيئا ما سوف يقع وكانوا يتوقعون نوعا من الاحتجاج والانتفاضة مثل الحركات الإحتجاجية للعمال ثم إتخاذ إجراءات قمعية ضدها, لكنهم لم يتوقعوا أن تحدث ثورة بالشكل الذي وقعت به والذي كانت بدايته في تونس.
###################
سيرة نعوم تشومسكي :
-----------------------------------
اسمه الكامل : أفرام نعوم تشومسكي (Avram Noam Chomsky)
ولد في 7-12- 1928 فيلادلفيا، پنسلفانيا
هو أستاذ جامعي مدى الحياة في اللغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. و
هو صاحب نظرية النحو التوليدي، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللغويات النظرية في القرن العشرين.
وقد أسهم كذلك في إشعال شرارة الثورة الإدراكية في علم النفس من خلال مراجعته للسلوك الفعلي لـ ب.ف. سكينر، والذي تحدى المقاربة السلوكية لدراسة العقل واللغة والتي كانت سائدة في الخمسينات.
مقاربته الطبيعية لدراسة اللغة أثّرت كذلك على فلسفة اللغة والعقل (انظر هارمان وفودور). ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف بـ تراتب تشومسكي، وهي تصنيف للغات الشكلية حسب قدرتها التوليدية.
و يعتبر أحد أكثر العلماء تأثيرًا في علم اللغويات الحديث. وتستخدم نظريات تشومسكي اللغوية بكثرة في علوم الاتصالات وعلوم الحاسب الآلي. بيد أن هذا الجانب العلمي لا يمثل الجانب الأهم في تشومسكي؛ فيكفي أن نعرف أنه أهم "المنشقين" في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد نعتته منظمة "بناي بريث" (أبناء العهد) اليهودية ذات الميول الصهيونية- بأنه أشد مواطني الولايات المتحدة الأمريكية عداءً لإسرائيل. ووصفه البعض بأنه يهودي يكره ذاته.
واعتبرته محطة "سي إن إن" الإخبارية العالمية - أهم نقاد السياسة الأمريكية. واختير ضمن أحد الاستفتاءات الثقافية في الولايات المتحدة ليكون ضمن أهم ثلاث شخصيات ثقافية على قيد الحياة في هذا القرن.
ولد نعوم إفرام تشومسكي عام 1928 وحصل على درجته العلمية في اللغويات عام 1951 من جامعة بنسلفانيا. بعدئذ في بداية الخمسينات سافر إلى إسرائيل ليعيش لفترة في أحد الكيوبوتزات حيث اعتقد في الطبيعة الاشتراكية والإنسانية لحركة الكيبوتز. بيد أن الغشاوة انقشعت بسرعة عن عينيه وترك إسرائيل وعاد إلى الولايات المتحدة؛ حيث عمل عام 1955 في جامعة هارفارد، ثم انتقل ليعمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجياM .I.T وما زال يعمل به حتى الآن.
في عام 1957 نشر مؤلفه الهام "البناء السياقي" الذي أحدث ثورة في علم اللغويات الحديث، واعتبر التجاوز الأساسي للبنيوية في مجال اللغويات. ومن أهم أعماله الأخرى في هذا المجال سنجد "اللغة والعقل" و "بعض جوانب نظرية السياق" و"القواعد والتمثيلات" و"دراسات سيمانطيقية في النحو التوليدي".
وتتسم نظرية تشومسكي اللغوية المعروفة باسم النحو التوليدي التوليدي أو التحويلي أو الكوني بعدة سمات أهمها: أن النحو عند تشومسكي هو مجموعة القواعد التي تُمكِّن الإنسان من توليد مجموعة من الجمل المفهومة ذات البناء الصحيح. وينتقد تشومسكي عملية الكفاءة الرصدية التي اتسم بها النحو التقليدي؛ أي القدرة على الرصد الكمي للبيانات دون محاولة تقديم نموذج تفسيري يفسر قدرة المتكلم مستخدم اللغة وحدسه اللغوي. فتشومسكي يفرق بين القدرة التي هي ملكة معرفة اللغة؛ حيث يمكن للفرد إنتاج وفهم عدد غير محدود من الجمل، وتحديد الخطأ، وتلمس الغموض الكامن في الناتج اللغوي، وبين الأداء الذي هو عملية استخدام هذه القدرة في نسق محدد. وينعي تشومسكي على التقليديين اهتمامهم بالأداء وانصرافهم عن القدرة.
بيد أن أهم سمات نظرية تشومسكي اللغوية هي "الداخلية" Innateness حيث يرى تشومسكي أن الإدراك اللغوي والقدرة اللغوية هي صفات إنسانية أساسية تكمن في النوع البشري وليست مكتسبة.
ويشابه تشومسكي هنا اللغويين الإسلاميين في صدر الإسلام مثل: ابن جنى والعسكري والجرجاني في رؤيتهم للغة على أنها هبة من الله للإنسان، حيث يرى تشومسكي أن لغة الفرد العادية هي عملية إبداعية، وأن كل كلام هو تجديد في ذاته، فاللغة ملكة إنسانية وهي ملكة تؤنس الإنسان أيضًا.
بيد أن الجانب الأهم بالنسبة لنا كعرب ومسلمين فيما يخص تشومسكي هو بالإضافة إلى عمله في اللغويات، أنه من أشد المدافعين عن القضايا العربية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أشد نقاد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وهو يصف هذه السياسة بأنها ضالة ومضللة، وخادمة وتكيل بمكيالين، وقد تؤدي بالعالم إلى الدمار الكوني؛ لأن الشرق الأوسط من المناطق شديدة الالتهاب في العالم.
ولتشومسكي عدة كتب تنتقد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منها "السلام في الشرق الأوسط" و "مثلث المقادير" و "قراصنة وقياصرة" و "ثقافة الإرهاب" و "أوهام ضرورية" و "الديمقراطية المعوَّقة" وغيرها.
وتشومسكي من المفكرين الذين يعيشون فكرهم، وتتطابق الأفعال عندهم مع الأقوال ، فقد كان عضوًا نشطًا في حركة "قاوم" Resist الراديكالية التي لعبت دورًا هامًا في معارضة التدخل الأمريكي في فيتنام.
وكان من قيادات هذه الحركة التي أدت إلى تعبئة الرأي العام الأمريكي ضد الحرب؛ ومن ثم أُجبرت الحكومة الأمريكية مع توالي انتصارات الشعب الفيتنامي على الانسحاب.
بيد أن ثمة نقطة هامة ينبغي ملاحظتها في كتابات تشومسكي السياسية، تلك النقطة هي تشاؤمه الشديد رغم إيمانه الهائل بقدرات الإنسان الإبداعية الهائلة.
لقد كتب تشومسكي: "أعتقد أنه لا أمل على الإطلاق في مستقبل أفضل للبشرية، وخاصة مع ازدياد اكتساح النموذج الأمريكي المادي الاستهلاكي على مستوى العالم".
كيف يمكننا أن نفهم هذا القول؟ وكيف يمكن رؤية هذا مع أنه قال أيضًا: "إن اللغة البشرية العادية المستخدمة في الحياة اليومية عملية إبداع مستمر تعكس قدرات الإنسان المذهلة؟!!"
إن النظرة الإنسانية العلمانية تفتقد الأساس الإيماني الذي يؤدي إلى أمل المؤمنين، حيث إن يقين المؤمن في الله سبحانه وتعالى، يعطيه القدرة على رؤية مستقبل أفضل دائمًا.
بينما تتعدد إحباطات العلماني، ولا يرى في الجنس البشري الذي يحبه ويؤمن بقدراته إلا دمارًا وكراهية وهزائم متكررة، ولا يجد منبعًا يستمد منه الإيمان، ومن ثم لا مناص من إحساسه بالفشل والإحباط رغم استمراره في العمل الدؤوب لتغيير هذا.
إن تشومسكي مثال لهذا المثقف الإنساني العلماني الذي يحب الإنسانية، ولكنه لا يجد القدرة على الأمل؛ لافتقاد الإيمان.
فتشومسكي معروف على نطاق واسع كناشط سياسي، وبانتقاده للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والحكومات الأخرى. ويصف تشومسكي نفسه بأنه اشتراكي تحرري، وكمتعاطف مع التضأمنية اللاسلطوية (وهو عضو في نقابة عمال العالم الصناعيين) وكثيراً ما يُعتبر منظراً رئيسياً للجناح اليساري في السياسة الأمريكية.
وحسب فهرس مراجع الفنون والإنسانيات، بين 1980 و 1992 ذكر اسم شومسكي كمرجع أكثر من أي شخص آخر حي، وكثامن شخص على الإطلاق
####################################
المصادر:
* مقال لشريف الغمري بعنوان (تشومسكي: ورطة أمريكية في مواجهة الثورة المصرية ) -صحيفة الأهرام عدد 17-9-2011
نقلاُ عن برنامج علي شبكة تليفزيون' بريس تي في'
* مقال بتاريخ 16-7-2007 علي الرابط :
http://www.islamonline.net/i3/ContentServer?pagename=IslamOnline/i3LayoutA&c=OldArticle&cid=1183484336771*
#############################################################
صور نعوم تشومسكي :
http://kassioun.org/user_files/news/photo/060406noam_chomsky.jpghttp://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/6/6e/Chomsky.jpg/250px-Chomsky.jpghttp://www.ahram.org.eg/MediaFiles//2011/9/17/re3-main_16_9_2011_56_11.jpg