أما الصحافي ( أشرف أبوالهول) فتساءل :هل يملك الإيرانيون حقا القدرة علي التغيير في دولة التي يهيمن عليها نظام سياسي ديني ليس له نظير في العالم.
من يتابع السجالات حامية الوطيس التي تدور بين المرشحين لرئاسة إيران, خاصة في القضايا التي تثير الرأي العام الداخلي والخارجي مثل السياسات النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة يتصور وللوهلة الأولي أن أي رئيس إيراني يملك سلطة حقيقية لرسم سياسات البلاد مادام يجري انتخابه عن طريق الاقتراع الحرالمباشركما يحدث في الأنظمة الديمقراطية, أو علي الأقل يملك سلطة استشارية مكملة للسلطة البرلمانية حيث يجري أيضا انتخاب مجلس الشوري( البرلمان الايراني).
1- لا الرئيس المنتخب في إيران ولاحتي البرلمان المنتخب يرسم سياسات البلاد, ولكن الذي يتحكم في تلك السياسات هو مرشد الجمهورية وهو منصب يشغله رجل دين غير منتخب شعبيا.
الدليل : تصريحات مهدي كلهور المستشار الاعلامي لنجاد التي قال فيها إن الزعيم الايراني الأعلي آية الله علي خامنئي هو صاحب القرار في السياسات الاساسية للبلاد أيا كان الفائز في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم الجمعة المقبل.
ولتأكيد كلامه ضرب مهدي كلهور مثالا بما حدث في عام2005 عندما كان رجل الدين المعتدل محمد خاتمي يرأس البلاد حيث أصدر مرشد الجمهورية علي خامنئي قرارا بفض أختام منشأة اصفهان النووية وهو القرار الذي ادي إلي توتر العلاقات مع الغرب والذي لم يهدأ حتي الآن خاصة بعد انتهاء ولاية خاتمي وانتخاب الرئيس المتشدد أحمدي نجاد بدعم مطلق من خامنئي.
2- لو عدنا إلي الوراء قليلا فسنكتشف أن المرشد خامنئي لم يكتف بالدعم المعنوي لنجاد الذي كان يواجه الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني ولكنه أوعز إلي أنصاره خاصة من عناصر قوات التعبئة( الباسيج) التابعة للحرس الثوري والمؤلفة من نحو13 مليون ناخب يشكلون ثلث القوة الانتخابية تقريبا, بالتصويت جماعة وأفرادا وعن بكرة أبيهم لنجاد الذي كان الناس لايعرفون شيئا عنه سوي أنه كان رئيس بلدية طهران الذي يطيع المرشد طاعة عمياء, ولم لا والمرشد في الفكر الايراني هو ظل الله علي الأرض ولذا لم يكن غريبا أن نري أحد المرشحين في الانتخابات الحالية وهو يدعو لابعاد الباسيج عن الانتخابات.
ولأن أحمدي نجاد مازال هو الابن المدلل لمرشد الجمهورية الاسلامية رغم أن احد منافسيه وهو مير حسين موسوي يتمتع بتقدير كبير بين أفراد الشعب لادارته الناجحة لاقتصاد ايران عندما تولي رئاسة الحكومة خلال الحرب مع العراق بين عامي1980 و1988 فان المتوقع أن يواصل المرشد علي خامنئي دعمه له, خاصة أن علاقته بموسوي سبق أن سادها التوتر, ويتضح هذا الموقف من تجاهل خامنئي فشل الرئيس الحالي اقتصاديا في استغلال العائدات الضخمة للبلاد خلال فترة الطفرة البترولية والتي وصل خلالها سعر برميل البترول لما يزيد علي150 دولارا وارتفاع معدل التضخم إلي قرابة30% خلال العام الماضي ووصول معدل البطالة لما يزيد علي10% في دولة تحتل المرتبة الخامسة بين أكبر مصدري البترول في العالم. فخلال تلك الفترة وقبلها لجأ نجاد إلي مايسميه خصومه اقتصاد الإحسان فأخذ يوزع قدرا كبيرا من العائدات كمعونات علي الفقراء بدلا من أن يقيم لهم مشروعات وجعل الإنفاق الحكومي حرا بلا قيود وهو ماأدي إلي عدم وجود فائض مالي من تلك الفترة
والحقيقة الواضحة أن الرئيس المحافظ كان يهدف وبموافقة المرشد إلي استمالة الناخبين الفقراء ليضمن البقاء لفترة ولاية ثانية يقضيها في طاعة مرشد الجمهورية وتنفيذ سياساته وان كانت فاشلة وعدائية.
3- المادة110 من الدستور الايراني تنص علي مهام القائد( المرشد) وصلاحياته بما نصه:
تحديد السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام. والإشراف علي حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام. وإصدار الأمر بالإستفتاء العام. والقيادة العامة للقوات المسلحة. وإعلان الحرب والسلام والنفير العام.
تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من: فقهاء مجلس صيانة الدستور, أعلي مسئول في السلطة القضائية, رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية, رئيس أركان الجيش, القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية, والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوي الأمن الداخلي.
حل الإختلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث. حل مشاكل النظام ـ التي لايمكن حلها بالطرق المتعارفة ـ من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام. والتصديق علي تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توفر الشروط المدرجة في هذا الدستور فيهم, فيجب أن تنال موافقة مجلس صيانة الدستور قبل الانتخابات, وموافقة القيادة( المرشد) في الدورة الأولي. وعزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد, وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن مهامه القانونية أو بعد رأي مجلس الشوري الإسلامي بعدم كفاءته علي أساس المادة التاسعة والثمانين.
العفو عن المحكوم عليهم أو التخفيف من عقوباتهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح من رئيس السلطة القضائية.
وتعني المادة السابقة بوضوح ان منصب الرئاسة في إيران بلا قيمة, فالمرشد هو الذي يحدد السياسات ويحل البرلمان ويعزل الرئيس ويعين ويعزل كبار المسئولين والقادة ويصدر قرار الحرب والسلم.
========================
أما الصحافي ( شـريف طــه) فيري ما يقلل فرص محمود أحمدي نجاد في إعادة انتخابه لرئاسة ولاية ثانية سياساته الداخلية والخارجية التي أدت إلي عزلة إيران خارجيا وزيادة الأوضاع الاقتصادية سوءا. ومع ذلك ليس من المؤكد أن يستطيع منافسوه من معسكر الإصلاحيين إقناع الجمهور ببرامجهم الانتخابية. لكن ما زاد من سخط الايرانيين ضد إنجازات أحمدي نجاد حتي الآن هو التضخم المالي والبطالة وتبديد إيرادات البترول التي سجلت رقما قياسيا. علاوة علي ذلك أظهر الرئيس بحضوره مؤتمر مناهضة العنصرية في جنيف أنه أيضا علي المستوي العالمي لا يبحر في مياه هادئة.. علي ضوء ذلك هل يستطيع أحمدي نجاد أن يصل للرئاسة لولاية ثانية؟ يري المنافسون أن الوقت قد حان للتغيير, وعللوا ترشيحهم علي مستوي كل الاتجاهات السياسية بـ'الحرص علي مصلحة الأمة'.
اما علي الجانب الأخر فيري تيار السلطة او التيار المحافظ, ان الانتخابات المرتقبة لن تذهب الي دورة اقتراع ثانية, وان احمدي نجاد سيكون الفائز بها من الدورة الاولي, معتمدين في ذلك علي الارباك في التيار الاصلاحي الذي يري هذه الانتخابات بانها مصيرية ومسألة حياة او موت سياسي بالنسبة له, خصوصا بعد انسحاب مرشحه الابرز محمد خاتمي الذي عقدت عليه الآمال بإزاحة احمدي نجاد.
وقد شكل إعلان خاتمي الدخول في السباق الرئاسي ثم عزوفه عن هذه المشاركة الاعتقاد بأن التيار الإصلاحي غير قادر علي تجديد نفسه او تقديم مرشح قادر علي اقناع الناخب الايراني لاتخاذ خطوة تغييرية مما جعله يختار خاتمي الذي استجاب لما يمثله من نقطة متقدمة توفر علي الإصلاحيين عناء المواجهة في هذه المعركة السياسية خاصة انه لن يكون محتاجا جهد اكبيرا لمخاطبة الشارع الايراني, مما يزيد فرص الاصلاحيين في الفوز بالانتخابات وابعاد نجاد. وعلي الرغم من شعور خاتمي بمأزق التيار الاصلاحي, الا انه ومن منطلق الارث السياسي والشعبي الذي حققه خلال رئاسته لايران التي امتدت8 سنوات حاول الدفع بمرشح اخر للدخول في هذا السباق يغنيه عن دفع ضريبة الهزيمه خاصة انها ليست بعيدة عن تصوره, خصوصا وان تجربة هاشمي رفسنجاني احد ابرز اركان الثورة والنظام مازالت حاضرة بعد خسارته امام مرشح مغمور لكنه كان مدعوما من تيار السلطة الخفية في ايران.
وقد لجأ الاصلاحيون لوسائل مختلفة لتحريك الشارع المؤيد والمحايد ودفعه للانخراط في العملية الانتخابية انطلاقا من ان ارتفاع نسبة المشاركة وتجاوزها نسبة50% تصب في صالحهم, اما اذا وقفت هذه النسبة عند50% او اقل فان المنتصر الوحيد في صناديق الاقتراع سيكون مرشح التيار المحافظ الرئيس احمدي نجاد.
لكن اذا استطاع الاصلاحيون فرض النتيجة التي يريدونها وايصال مرشحهم ـ موسوي ـ الي الرئاسة ومنع نجاد من تجديد رئاسته لولاية ثانية, فان ذلك سيشكل سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الايرانية منذ انتصار الثورة, خاصة ان نجاد سيكون اول رئيس يتولي المنصب لدورة واحدة.
دخول موسوي السباق الرئاسي بشخصيته الاشكالية وضع التيار المحافظ وقيادة النظام امام تحد واحراج لم تكن محبذة له, فالخطاب السياسي والثوري لموسوي لا يختلف بمنطلقاته عن المنطق الذي يتبناه هذا التيار, وهو قادر علي مخاطبة الاصوات الصامتة في قاعدته الشعبية المتذمرة من تصرفات وتجربة احمدي نجاد في السنوات الاربع الماضية, ومن الممكن ان تتبني الخطاب الذي يقدمه وان تقترع له. من هنا يمكن قراءة ترشح القائد الاسبق لحرس الثورة الاسلامية وسكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي الذي يعتبر صوتا معتدلا ومقربا من جناح الاعتدال داخل التيار المحافظ الذي يضمه الي جانب رئيس البرلمان علي لاريجاني وعمدة طهران الجنرال (محمد باقر قاليباف), وان هذا الترشيح هدفه كسب اصوات هذه الشريحة المترددة بين القاعدة الشعبية المحافظة ومنعها من الاقتراع لموسوي لتشكل له رافدا مهما في ظل عدم تمكنه حتي الان من توحيد الشارع الاصلاحي خلفه, من الواضح ان التنافس الابرز سيكون بين قطبي التيارين الاصلاحي موسوي والمحافظ احمدي نجاد, والمرشحان الاخران يشكلان عامل دعم لترجيح فوز احمدي نجاد, لان كلاهما سيأخذ من موسوي.