منتدي لآلـــئ

التاريخ والجغرافيا وتحليل الأحداث
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله    الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:33 pm

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله

=========================================



الآمر بأحكام الله ابن المستعلى بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد



ولد ضحى يوم الثلاثاء الثالث عشر من المحرم سنة تسعين وأربعمائة



وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبوه وهو طفل له من العمر خمس سنين وشهر أيام في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين‏.‏

أحضره الأفضل وبايع له ونصبه مكان أبيه ونعته بالآمر بأحكام الله‏.‏

وكتب ابن الصيرفي سجلاً عظيما أبدع فيه ما شاء بانتقال الإمام المستعلى إلى رحمة الله وولاية ابنه الآمر وقرئ على رءوس الكافة من الأمراء والأجناد وغيرهم‏.‏

وأنشد ابن مؤمن الشاعر قصيدة طنانة يمدح الآمر‏.‏

وركب الأفضل فرساً وجعل في السرج شيئاً أركب الآمر عليه لينموا شخص الآمر وصار ظهره في حجر الأفضل‏.‏

سنة ست وتسعين وأربعمائة

فيها ندب الأفضل مملوك أبيه سعد الدولة ويعرف بالطواشي على عسكر لقتال الفرنج فلقيهم بغدوين على تبنا فكسرت عساكر الأفضل وتقنطر سعد الدولة فمات وأخذ الفرنج خيمه فانهزم أصحابه‏.‏

وبلغ الأفضل ذلك فجرد في أول شهر رمضان عسكراً قدم عليه ابنه شف المعالي سماء الملك حسيناً وسير الأسطول في البحر فاجتمعت العساكر بيازور من بلاد الرملة وخرج إليهم الفرنج فكانت بينهما حروب هزمهم الله فيها بعد مقتلة عظيمة‏.‏

ونزل شرف المعالي على قصر كان قد بناه الفرنج قريباً من الرملة وسبعمائة قومص من وجوه الفرنج فقاتلوه خمسة عشر يوماً فملكهم وضرب رقاب أربعمائة وبعث إلى القاهرة ثلثمائة‏.‏

وكان أصحاب شرف المعالي قد رأى بعضهم أن يمضوا إلى يافا ويملكوها ورأى بعضهم أن يسيروا إلى القدس‏.‏

فبينا هم في ذلك وصل مركب من الفرنج لزيارة قمامة فندبهم بغدوين للغزو معه فساروا إلى عسقلان وقد نزلها شرف المعالي وامتنع بها وكانت حصينة فتركها الفرنج ومضوا إلى يافا‏.‏

وعاد شرف المعالي إلى القاهرة بعد ما كتب إلى شمس الملوك دقاق صاحب دمشق يستنجده لقتال الفرنج فتقاعد عن المسير واعتذر‏.‏

فجرد الأفضل أربعة آلاف فارس وعليهم تاج العجم بمن معه عسقلان ونزل ابن قادوس على يافا وبعث يستدعي تاج العجم ليتفقا على الحرب فلم يجبه وتنافرا‏.‏

فلما بلغ ذلك الأفضل بعث يقبض على تاج العجم وولى تاج الملك رضوان تقدمة العسكر وسيره إلى عسقلان فأقام عليها إلى آخر سنة سبع وتسعين حتى قدم شرف المعالي بعساكر مصر‏.‏

وفيها مات تنكري ملك الفرنج بالساحل فقام بعده سرجار ابن أخيه‏.‏

فيها نازل بغدوين ملك الفرنج وصاحب القدس ثغر عكا وحاصر أهله وألح عليهم حتى ملكه‏.‏

وكان فيه من قبل الأفضل يومئذ زهر الدولة بنا الجيوشي ففر إلى دمشق وصار إلى ظهير الدين أتابك فأكرمه وأحسن إليه ثم جهزه إلى الأفضل فأنكر عليه وهدده على تضييع الثغر‏.‏

ولم تعد بعدها عكا إلى المسلمين‏.‏

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

فيها جمع الأفضل جموعاً كثيرة من العربان وأنفق فيهم أموالا عظيمة وجهزهم صحبة العساكر مع ابنه شرف المعالي وكتب لظهير الدين أتابك صاحب دمشق بمعاونته ومعاضدته على محاربة الفرنج فاعتذر عن حضوره بما هو مشغول به من مضايقة بصرى فإن أرتاش بن تاج الدولة صاحب بصرى كاتب الفرنج وأغراهم بقتال المسلمين وأطمعهم في البلاد‏.‏

فسار أتابك من دمشق وحاصر بصرى وجهز عسكراً إلى شرف المعالي تقويةً له على الفرنج وقدم عليه إصبهبذ صبا وجهارتكين وعدته ألف وثلثمائة فارس من الأتراك وعدة عسكر مصر خمسة آلاف فارس‏.‏

وأتاهم بغدوين في ألف وثلثمائة فارس وثمانية آلاف راجل‏.‏

فاجتمعت عساكر المسلمين بظاهر عسقلان ودارت بينهم وبين الفرنج حروب كان ابتداؤها في الرابع عشر من ذي الحجة فيما بين عسقلان ويافا فانكسرت عساكر المسلمين واستشهد فوق الألف من المسلمين منهم جمال الملك صنيع الإسلام والي عسقلان وأخذ الفرنج رايته وأسر الفرنج زهر الدولة بنا الجيوشي‏.‏

وقتل ألف ومائتان من الفرنج ورجعوا وقد كانت الكرة لهم على المسلمين‏.‏

وعاد عسكر دمشق إلى أتابك وهو على بصرى‏.‏

وفيها مات كنز الدولة محمد في ثامن شعبان وقام من بعده أخوه فخر العرب هبة الله‏.‏

سنة تسع وتسعين وأربعمائة

في سادس عشر رجب قتل خلف بن ملاعب صاحب فامية قتله طائفة من الباطنية وملك الفرنج عكا عنوةً في سلخ شعبان من زهور الدولة بنا الجيوشي فسار إلى دمشق ثم قدم مصر‏.‏

---------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله    الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:43 pm

سنة خمسمائة

أهلت والخليفة بمصر الآمر بأحكام الله ومدبر سلطنة مصر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي وليس للآمر معه حل ولا ربط وليس له من الأمر سوى اسم الخلافة والذي في وفيها بنى الأفضل دار الملك بشاطىء النيل من لدن مصر‏.‏

وفيها سار متولي صور فأوقع بالفرنج على تبنين فقتل واسر جماعة وعاد إلى صور فسار بغدوين إليه من طبرية فركب طغتكين من دمشق وأخذ الفرنج حصناً بالقرب من طبرية وأسر من كان فيه منهم‏.‏

وفيها ملك قلج بن أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أرسلان بيغو بن سلجوق صاحب قونية الموصل في شهر رجب فقتل في ذي القعدة منها وقام بعده بقونية وأقصرا ابنه مسعود‏.‏

سنة إحدى وخمسمائة

فيها نزل بغدوين على ثغر صور وعمر حصناً مقابل حصن صور على تل المعشوقة‏.‏

وكان على ولاية صور من قبل الأفضل سعد الملك كمشتكين أحد المماليك الأفضلية فصانع بغدوين على سبعة آلاف دينار وخرج من صور‏.‏

وفيها أحضر إلى القاهرة أهل فخر الدولة أبي علي عمار بن محمد بن عمار من طرابلس وكثير من أمواله وذخائره‏.‏

وذلك أن فخر الدولة حاصره الفرنج وأطالوا منازلته حتى ضاق ذرعه وعجز عن مقاومتهم فخرج من طرابلس في سنة خمسمائة ومعه هدايا جليلة فلقى ظهير الدين طغتكين أتابك بدمشق فأكرمه ووافقه على السير معه إلى بغداد ليستنجد بالسلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه فسارا‏.‏

ثم إن أتابك تركه وعاد إلى دمشق فثار في هذه المدة أبو المناقب ابن عمار على ابن عمه فخر الدولة ونادى بشعار الأفضل وأرسل يطلب منه من يتسلم منه طرابلس‏.‏

فبعث إليه الأفضل بالأمير مشير الدولة ابن أبي الطيب فدخل إلى طرابلس ونقل منها حريم فخر الدولة وأمواله ففت ذلك في عضد فخر الدولة‏.‏

وفيها اتصل أبو عبد الله محمد بن الأمير نور الدين أبي شجاع فاتك بن الأمير مجد الدولة أبي الحسن مختار بن الأمير أمين الدولة أبي علي حسن بن تمام المستنصري الأحول الإمامي الشيعي المعروف بالمأمون ابن البطائحي بخدمة الأفضل أبي القاسم شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر المستنصري‏.‏

وسبب ذلك تغير الأفضل على تاج المعالي مختار الذي كان اصطنعه وفخم أمره وسلم إليه خزائن أمواله وكسواته فسلم لأخويه ما يتولاه واستعان بهما فيه فحصل لهم من الإدلال على الأفضل ما حملهم على مد أيديهم إلى أمواله وذخائره وشاع أمرهم وكتب إلى الأفضل بسببهم فتغير عليهم وأخرج مختاراً إلى الولاية الغربية وخلع عليه‏.‏

فلما انحدروا إليها سير صاحب بابه سيف الملك خطلخ ويعرف بالبغل وكان من غلمان أبيه فقبض عليه وعلى إخوته من العشارى وكبل بالحديد ورمى بالاعتقال وأشيع أن مختاراً كاتب الفرنج وجعل فلما جرى لمختار وإخوته ما جرى ألزم الأفضل أبا عبد الله بن فاتك يتسلم ما كان بيد مختار من الخدمة فتصرف فيها‏.‏

وقرر له الأفضل ما كان باسم مختار من العين خاصةً دون الإقطاع وهو مائة دينار في كل شهر وثلاثون ديناراً عن جارى الخزائن مضافا إلى الأصناف الراتبة مياومة ومشاهرة ومسانهةً وحسن عند الأفضل موقع خدمته فسلم له جميع أموره وصرفه في كل أحواله‏.‏

ولما كثر الشغل عليه استعان بأخويه أبي تراب حيدرة وأبي الفضل جعفر فأطلق لهما الأفضل ما وسع به عليهما ونعت الأفضل أبا محمد ابن فاتك بالقائد‏.‏

فيها فتح ديوان سمي بديوان التحقيق تولاه أبو البركات يوحنا بن أبي الليث النصراني‏.‏

وكان يتولى ديوان المجلس رجل يعرف بابن الأسقف وكان قد كبر وضعف فتحدث ابن أبي الليث مع القائد أبي عبد الله في الدواوين والأموال والمصالح وفاوض في ذلك الأفضل‏.‏

واتفق موت ابن الأسقف فتسلم ابن أبي الليث الدواوين واستمر فيها حتى قتل في سنة ثمان عشرة وخمسمائة‏.‏

وفيها تحدث ابن أبي الليث في نقل السنة الشمسية إلى العربية وكان قد حصل بينهما تفاوت أربع سنين فأجاب الأفضل إليه وخرج أمره إلى الشيخ أبي القاسم ابن الصيرفي بإنشاء سجل به ثم رأى اختلال أحوال الرجال العسكرية والمقطعين وتضررهم من حسبة ارتفاع إقطاعاتهم وسوء حالهم لقلة المتحصل منها ولأن إقطاعات الأمراء قد تضاعف ارتفاعها وزادت عن غيرها وصار في كل ناحية للديوان جملة تجبى بالعسف وتتردد الرسل بين الديوان بسببها‏.‏

فحملت الإقطاعات كلها على أملاك البلاد وامر ضعفاء الجند بلزيادة في الاقطاعات التي للاقوياء فتزايد والى ان انتهت الزيارة فكتبت السجلات بأنها باقية في أيديهم مدة ثلاثين سنة ما يقبل منهم فيها زائد‏.‏

وأمر الأقوياء أن يبذلوا في الإقطاعات التي كانت بيد الأجناد ما تحتمله كل ناحية فتزايدوا فيها حتى بلغت إلى الحد الذي رغب كل منهم فيه فكتبت لهم السجلات على الحكم المتقدم فشملت المصلحة الفريقين وطابت نفوسهم وحصل للديوان بلاد مفردة بما كان مفرقا في الإقطاعات بما مبلغه خمسون ألف دينار‏.‏

وفيها فرغ بناء دار الملك وكان الأفضل يسكن القاهرة فتحول إلى مصر وسكن دار الملك على النيل واستقر بها فقال الشعراء فيها عدة قصائد‏.‏

وفيها بانت كراهة الأفضل لأولاده واحتجب عنهم أكثر الأوقات فانقطعوا عنه واستقروا بالقاهرة في دار القباب التي كانت سكن أبيهم الأفضل وهي الدار التي عرفت بدار الوزارة ولم يبق من أولاده من يتردد إليه سوى سماء الملك فإنه كان يؤثره ويميل إليه‏.‏

وأفرد الأفضل للقائد أبي عبد الله بن فاتك الموضع المعروف باللؤلؤة‏.‏

وفيها وردت الأخبار بأن متملك النوبة قد تجهز براً وبحراً وعول على قصد البلاد القبلية فسير الأفضل عسكراً إلى قوص وتقدم إلى والي قوص بأن يسير بنفسه إلى أطراف بلاد النوبة فورد الخبر بوثوب أخير الملك عليه وقتله‏.‏

واشتدت الفتنة بينهم حتى باد أهل بيت المملكة وأجلس صبي في الملك فأرسلت أمه تستجير بعفو الأفضل وتسأله ألا يسير إليهم من يغزوهم‏.‏

فكتب لوالي الصعيد الأعلى بأن يسير عسكراً إلى أطراف بلاد النوبة ويبعث إليهم رسولاً يجدد عليهم القطيعة الجاري بها العادة وهي كل سنة ثلثمائة وستون رأساً رقيقاً بعد أن يستخلص منهم ما يجب عليهم في السنين المتقدمة‏.‏

فلما دخلت العساكر نحوهم دخلوا تحت الطاعة وكتبوا المواضعات وسألوا في الإعفاء عما يخص السنين وحملوا ما تيسر لهم وعادت العساكر كاسبة‏.‏

وفيها كثر خوض الناس في القرآن هل هو محدث أو قديم وتفاقم الأمر فعرف الأفضل فأمر بإنشاء سجل بالتحذير من الخوض في ذلك وركب بنفسه إلى الجامع بمصر وجلس في المحراب بجوار المنبر وصعد الخطيب أربع درجات منه وقرأ السجل على الناس‏.‏

وفيها مات مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان صاحب قونية وأقصرا فقام بعده ابنه قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان وقسم أعماله بين أولاده‏.‏

في رمضان ورد الخبر بأن أهل مدينة طرابلس الشام نادوا بشعار الدولة عند خروج فخر الملك أبي علي عمار بن محمد بن الحسين بن قندس بن عبد الله بن إدريس بن أبي يوسف الطائي منها وقصده بغداد لطلب النجدة لما اشتد حصار الفرنج لها وغلا السعر بها‏.‏

وكان سماء الملك حسين بن الأفضل عند ما كان بالشام في السنة التي كسر الفرنج فيها قد سام ابن عمار تسليمها إليه فامتنع وغلق الباب في وجهه وأقام سماء الملك عليها مدةً بالعساكر إلى أن نازلها الفرنج ورحلوه عنها إلى عسقلان‏.‏

فلما سمع الأفضل أن أهل الثغر نادوا بشعاره سير إليهم شرف الدولة ابن أبي الطيب ومقدم الأسطول وأمره يأخذ المراكب التي على دمياط وعسقلان وصور معه إلى الثغر المذكور نصرةً للمسلمين‏.‏

فلما وصل إليه وجد الفرنج قد ملكوا الجوسق وأمهلوا المسلمين فأنفذ من كان بها وحمل في المراكب من أراد الخروج منهم بأهاليهم وأموالهم وفيهم صالح بن علاق الطائر بعد هروبه من الأفضل وحمل من دار ابن عمار ذخائره ومصاغه وكان بقيمة كبيرة‏.‏

وحمل أخا ابن عمار المعروف بفخر الدولة وأهله إلى مصر فأكرمهم الأفضل واعتقل صالح بن علاق بخزانة البنود‏.‏

وفي العشرين من شوال كانت ريح سوداء من صلاة العصر إلى المغرب‏.‏

وفيها جدد حفر خليج القاهرة فإن المراكب كانت لا تدخل فيه إلا بمشقة وجعل حفره بأبقار البساتين التي عليه فيحفر بأبقار كل بستان ما يحاذيه فإذا أنتهى أمر البساتين عمل في البلاد كذلك وأقيم له وال مفرد بجامكية ومنع الناس أن يطرحوا فيه شيئاً‏.‏

ولما تكاثرت الأموال عند ابن أبي الليث صاحب الديوان وحدث أن تبجح على الأفضل بخدمته وكان سبعمائة ألف دينار خارجاً عما أنفق في الرجال فجعل في صناديق بمجلس الجلوس‏.‏

فلما شاهد الأفضل المال قال‏:‏ يا شيخ تفرحني بالمال وتريد أمير الجيوش أن يلقى بئرا معطلة أو أرضاً بائرةً أو بلداً خراباً لأضربن رقبتك‏.‏

فقال‏:‏ وحق نعمتك لقد حاشا الله أيامك فيها بلد خراب أو بئر معطلة‏.‏

فتوسط القائد له بخلع فقال‏:‏ لا والله حتى أكشف عما ذكر‏.‏

وفيها وصل بغدوين إلى صيدا ونصب عليها البرج الخشب فوصل الأسطول من مصر للدفع عنهم وقاتلوا الفرنج فظهروا في مراكب الجنوية فبلغهم أن عسكر دمشق خارج في نجدة صيدا فرحل الأسطول عائداً إلى مصر‏.‏

وفي شعبان منها نزل الفرنج على طرابلس وقاتلوا أهلها من أول شعبان إلى حادي عشر ذي الحجة ومقدمهم ريمند بن صنجيل وأسندوا أبراجهم إلى السور فضعفت نفوس المسلمين لتأخر أسطول مصر عنهم فكان قد سار من مصر إليها بالميرة والنجدة فردته الريح لأمر قدره الله‏.‏

فشد الفرنج في قتالهم وهجموا من الأبراج فملكوها بالسيف في يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي الحجة ونهبوا ما فيها وأسروا رجالها وسبوا نساءها وأطفالها فحازوا من الأمتعة والذخائر ودفاتر دار العلم وما كان في خزائن أربابها ما لا يحد عدده ولا يحصى فيذكر‏.‏

وسلم الوالي لها في جماعة من جندها كانوا قد طلبوا الأمان قبل ذلك وعوقب أهلها واستصفيت أموالهم واستقهرت ذخائرهم ونزل بهم أشد العذاب‏.‏

وتقرر بين الفرنج والجنويين الثلث من البلد وما نهب منه للجنويين والثلثان لريمند ابن صنجيل وأفردوا للملك بغدوين ما رضى به‏.‏

ثم وصل أسطول مصر ولم يكن خرج فيما تقدم معه كثرة رحال ومراكب وعدد وغلال لحماية طرابلس فأرسى على صور في اليوم الثامن من أخذ طرابلس وقد فات الأمر فيها فأقام مدة وفرقت الغلة في جهاتها‏.‏

وتمسك أهل صور وصيدا وبيروت به لضعفهم عن مقاومة الفرنج فلم تمكنه الإقامة وعاد إلى مصر‏.‏

سنة ثلاث وخمسمائة

فيها سار الفرنج نحو بيروت وعملوا عليها برجاً من الخشب وزحفوا فكسره أهل بيروت‏.‏

وقدم الخبر بذلك على الأفضل فجهز تسعة عشر مركباً حربية فوصلت سالمةً إلى بيروت وقويت على مراكب الفرنج وغنيمت ودخلت إلى بيروت بالميرة والنجدة فقوي أهلها بذلك‏.‏

وبلغ بغدوين الخبر فاستنجد بالجنوبية فأتاهم منهم أربعون مركباً مشحونة بالمقاتلة فزحف على بيروت في البر والبحر ونصب عليها برجين وقاتل أهلها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال فعظمت الحرب وقتل مقدم الأسطول وكثير من المسلمين ولم ير للفرنج فيما تقدم أشد من حرب هذا اليوم‏.‏

فانخذل المسلمون في البلد وهجم الفرنج من آخر النهار فملكوه بالسيف قهراً وخرج متولى بيروت في أصحابه وحمل في الفرنج فقتل من كان معه وغنم الفرنج ما معهم من المال ونهبوا البلد وسبوا من فيه وأسروا واستصفوا الأموال والذخائر‏.‏

فوصل عقب ذلك من مصر نجدة فيها ثلثمائة فارس إلى الأردن تريد بيروت فخرج عليها طائفة من الفرنج فانهزموا إلى الجبال فهلك منهم جماعة‏.‏

وفيها سار الأسطول من مصر إلى صور ليقيم بها فاتفق وصول ابن كند ملك الفرنج في عدة مراكب لزيارة القدس والجهاد في المسلمين فزار القدس وسار هو وبغدوين إلى صيدا فنازلاها بجمعهما وعملا عليها برجاً من خشب وزحفا عليها فلم يتمكن الأسطول من الوصول إليها‏.‏

في ثالث ربيع الآخر اشتد الحصار على أهل صيدا ويئسوا من النجدة فبعثوا قاضي البلد في عدة من شيوخها إلى بغدوين يطلبون الأمان فأجابهم وأمنهم على أنفسهم وأموالهم وإطلاق من أراد الخروج منها إلى دمشق وحلف على ذلك‏.‏

فخرج الوالي والزمام وجميع الأجناد والعسكرية وخلق كثير من الناس وتوجهوا إلى دمشق لعشر بقين من جمادى الآخرة‏.‏

وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يوماً‏.‏

وفيها خرج جماعة من التجار والمسافرين من تنيس ودمياط ومصر وأقلعوا في البحر فأخذهم الفرنج وغنموا منهم ما يزيد على مائة ألف دينار وعاقبوهم حتى افتدوا أنفسهم بما بقي لهم من الذخائر في دمشق وغيرها‏.‏

وفيها أغار بغدوين بعد عوده من صيدا على عسقلان فراسله أميرها شمس الخلافة أسد حتى استقر الحال على مال يحمله إليه ويرحل عنه‏.‏

وقرر على أهل صور سبعة آلاف دينار تحمل إليه في مدة سنة وثلاثة أشهر‏.‏

فقدم الخبر بذلك في شوال على الأفضل فأنكر ذلك وكتمه عن كل أحد وجهز عسكراً كثيفاً إلى عسقلان وقدم إليه عز الملك الأعز ليكون مكان شمس الخلافة وندب معه مؤيد الملك رزيق وأظهر أن هذا العسكر سار بدلاً‏.‏

فسار إلى قريب عسقلان وبلغ ذلك شمس الخلافة فأظهر الخلاف على الأفضل وكتب إلى بغدوين يطلب منه أن يمده بالرجال ويعده بتسليم عسقلان وأن يعوضه عنها‏.‏

فبلغ ذلك الأفضل‏.‏

فكتب إليه يطيب قلبه ويغالطه وأقطعه عسقلان وأقر عليه إقطاعه بمصر وأزال الإعتراض عما له بمصر من خيل وتجارة وأثاث‏.‏

فخاف شمس الخلافة على نفسه ولم يطمئن إلى أهل البلد واستدعى جماعة من الأرمن وأقرهم عنده‏.‏

وفي يوم الأحد العشرين من شوال حدثت ريح حمراء بالقاهرة‏.‏

وفيها أمر أمير المؤمنين الآمر بأحكام الله أن يبعث جليسه أبو الفتح عبد الجبار ابن إسماعيل المعروف بابن عبد القوي لعماد الدولة زيادة على إخوته‏.‏

وفيها هبت بمصر وأعمالها في هذه الأيام ريح سوداء مظلمة وطلع سحاب أسود أظلمت منه الدنيا حتى لم يبصر أحد يده وسفت رماداً حتى ظن الناس أنها القيامة ويئسوا من الحياة وأيقنوا بالبوار لهول ما عاينوه ولم يزل ذلك من وقت العصر إلى غروب الشمس‏.‏

ثم انجلى ذلك السواد وعاد إلى الصفرة والريح بحالها ثم انجلت الصفرة وظهرت الكواكب وقد خرج الناس من الأسواق والدور إلى الصحراء‏.‏

ثم ركدت الريح وأقلع السحاب فعاد الناس إلى منازلهم‏.‏

سنة خمس وخمسمائة

في يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الآخر نزل بغدوين على صور وبها عز الملك أنوشتكين الأفضلي وبنى عليها أبرجة خشب طول البرج سبعون ذراعاً يسع كل برج ألف رجل وهو موضوع على شيء يسمى اسقلوس وهو فخذان ملقيان على الأرض وفي كل برج من أسفله عشرون فرنجياً يصيح أحدهم بالفرنجية‏:‏ صند ماريا فيصيح الباقون كذلك ويدفعونه بأجمعهم فيسبح على ألواح عظيمة تجعل بين يديه وكانت ستائر كل برج ومناجيقه كأنها بلد يزحف‏.‏

فخرج من أهل صور ألف رجل وحملوا على البرج وطرحوا فيه النار فعلقت بالخشب فلم يتمكن الفرنج من إطفائه وهربوا منه واحترق فتناول المسلمون بالكلاليب ما قدروا عليه من سلاحهم فوصل إليهم ثلاثمائة درع‏.‏

وكان هذا البرج كبشا من حديد وزنة رأسه مائة وخمسون رطلاً فظفر به المسلمون‏.‏

وكانت الريح على المسلمين ثم صارت معهم وملأوا جراراً بالعذرة ورموها على الفرنج فصاحوا وذلوا ورحلوا فعاثوا ثم عادوا وقد قطعوا النخل أنابيب ورموا بها في الخندق‏.‏

وسار طغتكين من دمشق لإعانة أهل صور فنزل على يوم منهم لجولة بانياس وأنفذ إليهم مائتي غلام تركي عليهم جليل من الأتراك فقاتل الفرنج وقتل منهم ألفاً وخمسمائة وأكثر النكاية فيهم‏.‏

وأغار طغتكين على بلاد الفرنج فأخذ لهم موضعاً فرجعوا عن صور بغير شيء‏.‏

وخرج أهل صور إلى أصحاب طغتكين فخلعوا عليهم وأعادوهم إليه في أحسن زي وأخذ أهل صور في رم ما شعثه الفرنج في البلد‏.‏



وفيها حدث بمصر وباء مفرط هلك به تقدير ستين ألف نفس‏.‏



-----------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله    الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:45 pm

سنة ست وخمسمائة

فيها حفر البحر المعروف ببحر أبي المنجا فابتدئ في حفره في يوم الثلاثاء السادس من شعبان وأقام الحفر فيه سنتين‏.‏

وكان أبو المنجا يهوديا وكان يشارف على الأعمال الشرقية فلما عرض على الأفضل ما أنفقه فيه استعظمه وقال‏:‏ غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبي المنجا‏.‏

فغير اسمه ودعي بالبحر الأفضلي فلم يتم ذلك ولا عرف إلا بأبي المنجا‏.‏

وفيها أعلن شمس الخلافة أسد والي عسقلان بالخلاف فعهد إلى صاحب الترتيب والقاضي فأخرجهما على أنه يرسلهما إلى الباب في خدمة عرضت له وإلى العسكر الذي كان يخاف شوكته فأوهمهم أنه يسيرهم إلى بلاد العدو‏.‏

فلما حصلوا خارج الثغر أمرهم بالمسير إلى باب سلطانهم وكان قد سير قبل ذلك العسكر من الباب على جهة البدل‏.‏

فلما علم أسد المذكور بوصولهم إلى مدينة الفرما أنفذ إليهم يخيفهم ويشعرهم أن العدو قد تعداهم فامتنعوا من التوجه فلما بلغ الأفضل ذلك عزم على أن يسير بنفسه إليه‏.‏

ثم رأى أن إعمال الحيلة أنجع فخادعه وأنفذ الكتب إليه يطمئنه ويصوب رأيه فيما فعله في صاحب الترتيب والبدل ولم يغير مكاتبته عن حالها ولا تعرض لإقطاعاته ورسومه وأصحابه وسير في الباطن من يستفسد الكنانية والرجال المذكورة ويبذل لهم الأموال في أخذه‏.‏

ولم يزل يدبر عليه حتى اقتنصت المنية مهجته وذلك أن أهل بيروت أنكروا أمره فوثب عليه طائفة وهو راكب فجرحوه وانهزم إلى داره فتبعوه وأجهزوا عليه ونهبوا داره وماله وتخطفوا بعض دور الشهود والعامة‏.‏

فبادر صاحب السيارة إلى البلد وملكه وبعث برأس شمس الخلافة إلى الأفضل فسر بذلك وأحسن إلى القادمين به‏.‏

وكان قدوم الرأس في يوم الأربعاء رابع المحرم صحبة ثلاثة من الكنانية فخلع عليهم وطيف بالرأس وزينت البلد سبعة أيام‏.‏

وفيه خلع على ولده مختار ولقب شمس الخلافة وأنعم عليه بجميع مال أبيه‏.‏

وسير بدله مؤيد الملك خطلخ المعروف برزيق والياً على الثغر‏.‏

وفيها وصل يانس الناسخ من الشام فاستخدم في خزانة الكتب الأفضلية بعشرة دنانير في الشهر وثلاث رزم كسوة في السنة والهبات والرسوم‏.‏

وفيها كتب إلى عسقلان بمطالبة من نهب دار شمس الخلافة وماله بما أخذه فقبض على جماعة وحملوا إلى مصر فاعتقلوا بها‏.‏

وفيها تسلم نواب طغتكين صور من عز الملك أنوشتكين الأفضلي خوفاً من بغدوين أن يأخذها وقام بأمرها مسعود فاستقرت بيد الأتراك وأقروا بها الدعوة المصرية والسكة على حالها‏.‏

وكتب طغتكين إلى الأفضل بأن بغدوين قد جمع لينزل على صور وأن أهلها استنجدوني فبادرت لحمايتها ومتى وصل من مصر أحد سلمتها إليه‏.‏

فكتب يشكره على ما فعل‏.‏

وتقدم بتجهيز الأسطول إلى صور بالغلة معونة لها‏.‏

سنة سبع وخمسمائة

في أولها خرج الأسطول من مصر بالغلات والرجال إلى صور وعليه شرف الدولة بدر بن أبي طالب الدمشقي وكان متولى طرابلس عند أخذ الفرنج لها فوصل إلى صور سالماً ورخصت بها الأسعار واستقام أمرها‏.‏

وأنفذ معه بخلع جليلة إلى ظهير الدين طغتكين وولده تاج الملوك وخواصه ولمسعود متولى صور‏.‏

ثم أقلع في آخر شهر ربيع الأول‏.‏

فبعث بغدوين يطلب المهادنة من مسعود فأجابه وانعقد الأمر بينهما‏.‏

في ذي القعدة قفز على الأفضل عند باب الزهومة من دكان صيرفي يعرف بالغار وسلم فأخرجت الصدقات بسبب سلامته وقتل الصيرفي وصلب على دكانه‏.‏

وورد الخبر بأن بغدوين ملك الفرنج وصل إلى الفرما فسير الراجل من العطوفية وسير إلى والي الشرقية بأن يسير المركزية والمقطعين إليها ويتقدم إلى العربان بأسرهم أن يكونوا في الطوالع ويطاردوا الفرنج ويشارفوهم بالليل قبل وصول العساكر وأن يسير بنفسه فاعتد ذلك ثم أمر بإخراج الخيام وتجهيز الأصحاب والحواشي‏.‏

فوصلت العربان والعساكر فطاردوا الفرنج فخاف بغدوين من يلاحق العساكر فنهب الفرما وأخربها وألقى فيها النيران وهدم المساجد وعزم على الرجوع فأدركته المنية ومات‏.‏

فأخفى أصحابه موته وساروا وقد شقوا بطنه وحشوه ملحاً وشنت العساكر الإسلامية الغارات على بلاد العدو وخيموا على ظاهر عسقلان ثم عادوا‏.‏

وكانت الكتب قد نفذت من الأفضل إلى الأمير ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق بعتبه ويقول له‏:‏ لا في حق الإسلام ولا في حق الدولة التي ترغب في خدمتها والانحياز إليها أن يتوجه الفرنج بجملتها إلى الديار المصرية ولا يتبين لك فيها أثر ولا تتبعهم ولو كان وراءهم مثل ما كان أمامهم ما عاد منهم أحد‏.‏

فلما وصل إليه الكتاب سار بعسكره إلى عسقلان فتلقاه المقدمون ونزل أعظم منزل وحملت إليه الضيافات‏.‏

وحمل إليه من مصر الخيام وعدة وافرة من الخيل والكسوات والبنود والأعلام وسيف ذهب ومنطقة ذهب وطوق ذهب وبدنة طميم وخيمة كبيرة معلمة ومرتبة ملوكية وفرشها وجميع آلاتها وسائر ما تحتاج إليه من آلات الفضة‏.‏

وجهز لشمس الخواص وهو مقدم كبير كان معه على عدة كثيرة من العسكر خلعه مذهبة ومنطقة ذهب وسيف ذهب وجهز برسم المتميزين من الواصلين خلع مذهبة وحريرية وسيوف مغموسة بالذهب‏.‏

فتواصلت الغارات على بلاد العدو وقتل منهم وأسر عدد كبير‏.‏

فلما دخل الشتاء وتفرق العسكر والعربان استأذن ظهير الدين على الإنصراف فأذن له وسيرت إليه وإلى من معه الخلع ثانياً فحصل لشمس الخواص خاصة في هذه السفرة ما مقداره عشرة آلاف دينار وتسلم الأمير ظهير الدين الخيمة الكبيرة بفرشها وجميع آلاتها وكان مقدار ما حصل له ولأصحابه ثلاثين ألف دينار‏.‏

وذكر أن المنفق في هذه الحركة على ركاب بغدوين مائة ألف دينار‏.‏

ورعشت يد الأفضل وصعب عليه إمساك القلم والعلامة على الكتب فأقر أخاه أبا محمد جعفر المظفر في العلامة وجعل له خمسمائة دينار في الشهر مضافاً إلى رسمه فعلم عنه‏.‏

واستهل شهر رمضان فجرى الأمر في نيابة الأجل سماء الملك ولد الأفضل عنه في جلوسه بمحل الشباك وقرر له على هذه النيابة في هذا الشهر خمسمائة دينار وبذلة مذهبة ورزمة كسوة فيها شقق حرير وغيرها‏.‏

ولم يزل هذا الرسم مستقراً إلى أن أخذه عباس بن تميم في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة عند توليته حجبة بابه‏.‏

والبذلة وحدها تساوي خمسمائة دينار‏.‏

وفيها استخدم ذخيرة الملك جعفر في ولاية القاهرة والحسبة فظلم وعسف وبنى مسجداً عرف بمسجد لا بالله‏.‏



.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله    الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:47 pm

سنة عشر وخمسمائة

سنة إحدى عشرة وخمسمائة

في ذي الحجة خرج أمر الآمر بأحكام الله بنفي بني عبد القوى فنفوا إلى الأندلس بأهاليهم‏.‏

وفيها وصل بغدوين إلى الفرما وأحرق جامعها وأبواب المدينة ومساجدها وقتل بها رجلا مقعدا وابنة له ذبحها على صدره ورحل وهو مثخن مرضا فمات قبل العريش فشق بطنه ورمى ما فيه هناك فهو يرجم إلى اليوم ويعرف مكانه بسبخة بردويل ودفنت رمته بقمامة من القدس‏.‏

وقام من بعده بملك القدس القمص صاحب الرها بعهده إليه‏.‏

وفيها خرج محمد بن تومرت من مصر في زي الفقهاء ومضى إلى بجاية‏.‏

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

فيها مات الأمير نور الدولة أبو شجاع فاتك والد القائد أبي عبد الله بن فاتك فأخرج له الأفضل من ثيابه بذلة حريرية وقارورة كافور وشققا مزيدي دبيقي ونصافي وطيباً وبخورا وشمعاً وحمل له من القصر أضعاف ذلك‏.‏

وخرج الأفضل والأمراء وجميع حاشية القصر إلى الإيوان فخرج الخليفة وصلى عليه ثم أخرج فدفن‏.‏

وتردد الناس إلى التربة‏.‏

وفرقت الصدقات إلى تمام الشهر‏.‏

وكان بيد نور الدين زمر الضاحكية والفراشين وصبيان الركاب والسلاح الخاص بجار ثقيل ورسوم كثيرة‏.‏

وهؤلاء الضاحكية كانوا يعرفون بهذه الرسوم قديماً عند وصولهم مع المعز إلى مصر وهم يلبسون المناديل ويرخون العذب ويلبسون الثياب بالأكمام الواسعة وفي أرجلهم الصاجات وفي الأعياد يشدون أوساطهم بالعراضى الدبيقي ولا يتقدمهم أحد إلى الخليفة على ما جرت به عادتهم في المغرب‏.‏

وفيها قفز على الأفضل ثانيا وخرج عليه ثلاثة نفر بالسكاكين فقتلوا وعاد سالما فاتهم أولاده وصرح بالقول فيهم وأخذ دوابهم وأبعد حواشيهم ومنعهم من التصرف وبالغ في الاحتراز والتحفظ‏.‏

وفيها وردت التجار من عيذاب ذاكرين أنه خرج عليهم في مراكب شنها قاسم بن أبي هاشم صاحب مكة فقطعت عليهم الطريق وأخذ جميع ما كان معهم‏.‏

فغضب الأفضل وقال‏:‏ صاحب مكة يأخذ تجاراً من بلادي أنا أسير إليه بنفسي بأسطول أوله عيذاب وآخره جدة‏.‏

ثم تقرر الحال على مكاتبة الأشراف بمكة وإعلامهم ما فعله أمير مكة وأقسم فيه أنه لا يصل إلى مكة من أعمال الدولة تاجر ولا حاج إلى أن يقوم بجميع ما أخذه من أموال التجار‏.‏

وكتب إلى والي قوص بأن يسير بنفسه أو من يقوم مقامه إلى عيذاب ومهما وصل من جدة من الجلاب لا يمكن أحداً من الركوب فيها وأن يتشوف ما يدخل عيذاب من الشواني والحراريق فمهما كان يحتاج إلى إصلاح ومرمة ينجز الأمر فيه ويشعر أهل البلاد بوصول الرجال والأموال لغزو البلاد الحجازية‏.‏

وتقدم إلى المستخدمين بصناعة مصر بتقديم خمسة حراريق وتكميلها ليسيروا إلى الحجاز‏.‏

فلما وردت المكاتبة على الأشراف بمكة ولم يصل إليها أحد اشتد الأمر عندهم وتحرك السعر فبعثوا رسولا من أميرهم فلما وصل ساحل مصر لم يؤبه له ولا أجرى عليه ضيافة وقيل له‏:‏ ما يقرأ لك الكتاب ولا يسمع منك خطاب دون إعادة المأخوذ من التجار إليهم‏.‏

وشاهد مع ذلك الجد والاهتمام بأمر الأساطيل وتجهيز العساكر إلى صاحبه فالتزم بإحضار جميع أموال التجار وسأل التوقف قبل الإسراع بما عول عليه من قصد صاحبه وأجل لعوده أجلا قريباً‏.‏

فأجيب إلى ذلك وسار‏.‏

فلم ينقض الأجل حتى عاد وصحبته جميع ما أخذ من التجار من البضائع والأموال فحملت إلى الجامع العتيق بمصر بمحضر من الرعايا وهم يعلنون بالشكر والدعاء‏.‏

واحتاط متولى الحكم عليه إلى أن تحضر جماعة التجار ويجري الأمر على ما توجبه الشريعة‏.‏

وخلع على الرسول وأحسن إليه ووصل‏.‏

ومرض الأفضل بحمى حادة ثم عوفي فدفع للطبيب ثلثمائة دينار‏.

-------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: الدولة الفاطمية سنة 515 هـ   الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:50 pm

سنة خمس عشرة وخمسمائة

فيها قتل الأفضل بن أمير الجيوش يوم الأحد سلخ شهر رمضان وعمره سبع وخمسون سنة لأن مولده بعكا سنة ثمان وخمسين وأربعمائة‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما كان ليلة عيد الفطر جهز ما جرت العادة بتجهيزه من الدواب والآلات لركوب الخليفة وجلس بين يديه إلى أن عرضت الطبول على العادة كل سنة والدواب والسلاح ثم عاد وأدى ما يجب من سلام الخليفة فتقدم إلى القائد أبي عبد الله بن فاتك بأن يأمر صاحب السير أن يصف العساكر إلى صوب باب الخوخة‏.‏

وركب الأفضل من مكانه والناس على طبقاتهم وخرج من باب الخوخة قاصداً دار الذهب فلما حصل بها وقع التعجب من الناس في نزوله ليلة الموسم ولم يعلم أحد ما قصد وكان قصده أن يكمل تعليق المجلس الذي يجلس فيه‏.‏

فصلى بدار الذهب الظهر فلما قرب العصر ركب منها وقد انصرف أكثر المستخدمين ظنا منهم أنه يبيت فيها‏.‏

فسار إلى الزهري فإذا الأمراء والأجناد والمستخدمون والرهجية قد اتجهوا لخدمته وكان قد ضجر وتغير خلقه ولا سيما في الصيام‏.‏

فلما رأى اجتماع الناس وكثرتهم أبعدهم فتقدموا ووقفوا عند باب الساحل فأنفذ أيضا يخرج من أبعدهم وبقى في عدة يسيرة وأبعد صبيان السلاح من ورائه فوثب عليه من دكان دقاق بالملاحين أربعة نفر متتابعين كلما اشتغل من حوله واحد خرج غيره فرمى من الفرس إلى الأرض وضربوه ثمان ضربات‏.‏

وكان القائد بعيدا منه لأخذ رقاع الناس وسماع تظلمهم وتفريق الصدقات على الفقراء بالطريق فلما سمع الضوضاء أسرع إليه ورمى نفسه إلى الأرض عليه فوجده قد قضى نحبه‏.‏

وحمل على أيدي مقدمي ركابه والقائد راجل وهم يبشرون الناس بالسلامة‏.‏

وقتل من الذين خرجوا عليه ثلاثة وقطعوا وأحرقوا وسلم الرابع وكان اسمه سالماً ولم يعلم به إلا لما ظفر به مع غيره بعد مدة‏.‏

ولم يزل الأفضل محمولا ولا يمكن أحد من الوصول إليه إلى أن دخل به على مرتبته التي كان يجلس عليها أو يمطى‏.‏

وقال القائد للخليفة أدركني وتسلم ملكك لئلا أغلب عليه‏.‏

وصار أي من لقيه يهنئه بسلامة السلطان ويوهم أهله أن الطبيب عنده ويأمرهم بتهيئة الفراريج والفواكه‏.‏

وعاد إلى قاعة الجلوس فوجدها قد غصت بالناس فرد عليهم السلام وهنأهم وأظهر قوة عزم ثم عاد إلى القاعة الكبيرة وقد حضر إليه متولى المائدة الأفضلية واستأذنه على السماط المختص بالعيد فقال له اذبح ووسع فالسلطان بكل نعمة وهو الذي يجلس على السماط في غد ومع ذلك فكان في قلق وخوف شديد من أن يبلغ أولاد الأفضل فيجري عنهم ما لا يستدرك وتنهب الدار‏.‏

فلما أصبح الصباح وركب الخليفة ودخل إلى الدهليز الذي كان يركب منه الأفضل ومعه الأستاذون المحنكون قال القائد أبو عبد الله للخليفة‏:‏ عن إذن مولانا أفتح الباب وكان قد منع من الدخول إلى الدار فقال الخليفة‏:‏ نعم ففتح على الأفضل وقال له القائد‏:‏ الله يطيل عمر أمير المؤمنين ويفسح في مدته ويورثه أعمار مماليكه هذا وزيره قد صار إلى الله تعالى وهذا ملكه يتسلمه‏.‏

ثم ضربت للوقت المقرمة على الأفضل وأمر الخليفة بإحضار من بالقاعة من الأمراء والأجناد فدخل الناس على غير طبقاتهم إلى أن مثلوا بين يدي الخليفة وهو قاعد على الحصير عند المقرمة فقال الخليفة للأمراء‏:‏ هذا وزيري قد صار إلى الله تعالى ومنكم إلي ومني إليكم وقد كان القائد واسطته إليكم وهو اليوم واسطتي إليكم‏.‏

فشكر الحاضرون ذلك هذا والقائد وولده مشدودو الأوساط بالمناطق وصاحب الباب على ما كانوا عليه‏.‏

وتقدم إلى الشيخ أبي الحسن بن أبي أسامة أن يكتب إلى الأعمال بذلكن وأمر الأمراء بالانصراف‏.‏

ثم قال القائد‏:‏ يا مولانا الأموال والجواهر على اختلافها في الخزائن الكبار عنده وهي مقفلة ومفاتيحها عندي وختم عليها وهي في بيت المال المصون وكذلك المفضض التي عند المستخدمين برسم الاستعمال والميناء الذهب المرصعة والتي بغير ترصيع والبلور التي برسم استعماله جميع ذلك مثبت عند متولي دفتر المجلس إلا خزانة الكسوة التي برسم ملبوسه ما عندي منها خبر فأمر من يدخل ويختم عليها‏.‏

فأمر متولي الخزائن الخاص وكان سيف الأستاذين ومتولي بيت المال ومتولي الدفتر وهم كبار الأستاذين المحنكين بأن يدخلوا ويجتمعوا ولا يعترض غيرها لا لولده ولا لجهته ولا لبناته ولا لأحد من عياله‏.‏

فتوجهوا وقرعوا الباب‏.‏

فلما شاهدهم النساء تحققوا الوفاة وقام الصراخ من جميع جوانب المواضع وكانت ساعة أزعجت كل من بمصر والجيزة والجزيرة ثم أسكتوا‏.‏

وأنفذت الرسل لختم الخزائن التي بمصر‏.‏

فبينما هم على ذلك في الليل إذ وصل إلى الخليفة رقعتان على يد أستاذ من القاهرة من رجلين من جملة الحاشية يذكران فيها أن أولاد الأفضل قد جمعوا عدة وشنعت حاشيتهم أن في بكرة هذه الليلة يستنصرون بالبساطية والأرمن ويثورون في طلب الوزارة لأخيهم الأكبر فامتعض الخليفة لذلك وهم بالإرسال إليهم وقتلهم ثم تقرر الأمر على أن يودعوا الخزانة من غير إهانة ولا قيود فتوجه إليهم فإذا جميع حاشيتهم وغيرها عندهم والخيل قد شدت فأودعوا الخزانة‏.‏

فلما أصبح الصباح كان قد حمل من القصر في الليل طوافير فيها عدة موائد للفطر في يوم العيد وحمل برسم فطر الخليفة الصواني الذهب وعليها اللفائف الشرب المذهبة‏.‏

وكان قد هيئ للخليفة من الليل موضع للمبيت بحيث يبعد عن الأفضل وعين من وقع الاختيار عليه لقراءة القرآن عند الأفضل‏.‏

فلما كان السحر من عيد الفطر جئ بين يدي الخليفة بما أحضر من قصوره في مواعينه الذهب المرصعة وعليها المناديل المذهبة من التمر المحشو والجوارشيات بأنواع الطيب وغير ذلك فاستدعى الخليفة القائد وأمره بالمضي إلى باب الحرم لإحضار الأجل المرتضى ابن الأفضل فمضى لذلك فأبت أمه من تمكنهم منه فما زال بها حتى أسلمته إليه بعد جهد‏.‏

فأتى به الخليفة فسلم به وضمه الخليفة إليه وقبله بين عينيه وأجلسه عن يمينه والقائد عن شماله وبقية ثم كبر مؤذنو القصر فسمى الخليفة وأخذ تمرة وأكل بعضها وناولها للقائد ثم ناول الثانية لولد الأفضل فقام كل منهما وقبل الأرض ولم يجلس‏.‏

وتقدم كل من الحاضرين فأخذ من يد الخليفة من التمر ووقف‏.‏

فاستدعى القائد الفراش الذي معه الصينيتان النحاس وأمر فراشي الأسمطة بنقل ما في الأواني التي بين يدي الخليفة في الصواني لتفرق في الأمراء الذين بالقاعة والدهاليز فنقلت إليها وحملت إلى المقرمة التي الأفضل وراءها وختم المقرئون‏.‏

ثم أظهر الخليفة الحزن على فقد وزيره فتلثم وتلثم جميع المحنكين والحاشية وجلس الخليفة على المخدة عند المقرمة وأمر حسام الملك حاجب الباب بإحضار القاضي والداعي والأمراء فدخل الناس على طبقاتهم‏.‏

فلما رأوا زي الخليفة اشتد البكاء والعويل وخرق كل أحد ما عليه ورميت المناديل يعني العمائم إلى الأرض وبكى الخليفة وحاشيته ساعة‏.‏

ثم سأل القائد الخليفة أن يفطر على ثمرة بحيث يشاهده جميع من حضر ففعل ذلك‏.‏

ثم أشار الخليفة إلى القائد أن يكلم الناس عنه‏:‏ فقال‏:‏ أمير المؤمنين يرد السلام عليكم وقد شاهدتم فعله وكونه لم يشغله مصابه بوزيره ومدبر دولته ودولة آبائه عن قضاء فرض هذا اليوم وقد أفطر بمشاهدتكم وأمركم بالإفطار‏.‏

فمسح الخليفة بيده على الصواني وتقدم القائد إلى الخليفة وصار يناوله من الصواني بيده فأول ما مد إلى القاضي ثم الداعي ونزل الناس للأكل‏.‏

ورفعت الصواني فأخذ القائد يد الداعي وقربه من الخليفة فناوله الخليفة الخطبة وكانت على يساره ملفوفة في منديل شرب بياض مذهب فقبلها الداعي وجعلها على رأسه وضمها إلى صدره‏.‏

وتقدم القائد لحسام الملك بأن يأخذ الأمراء جميعهم ويطلعون إلى المصلى بالقاهرة لقضاء الصلاة فتوجهوا في زي الحزن والمؤذنون بين أيديهم‏.‏

فصلى الداعي بالناس ثم صعد المنبر فوقف على الدرجة الثالثة منه وخطب‏.‏

وكانت الخطبة مبيتة فيها الدعاء للأفضل والترحم عليه وعندما توجه الناس إلى المصلى أمر ولد الأفضل بالمضي إلى أمه وإخوته وجهات أبيه ليرد عليهم السلام من أمير المؤمنين ويفطرهم‏.‏

وخلا الخليفة بالقائد وأمره بإخراج جميع الجواهر فقام إلى خزانة كانت قد بنيت برسم الأفضل فوجد بها خيمة ففتحها وأخرج قمطرين عليهما حلية ذهب مملوءين جواهر ما بين عقود مفصلة بياقوت وزمرد وسبح وقمطرا فيه إحدى عشرة شرابة طول كل شرابة شبران بجواهر ما يقع عليها نظر وصناديق فضة مملوءة مضافات ما بين عصائب وتيجان ذهب مرصعة بجواهر نفيسة‏.‏

ففتحت كلها فشاهد الخليفة منها ما لا يوصف فسر بذلك سرورا كبيرا وشكر القائد وقال‏:‏ والله إنك المأمون حقاً مالك في هذا النعت شريك‏.‏

فقبل الأرض ويديه‏.‏

ولهذا النعت قضية‏.‏

وذلك أنه لما كان في الأيام المستنصرية وعمر القائد يومئذ اثنتا عشرة سنة وكان من جملة خاصة المستنصر يرسله إلى بيت المال وخزانة الصاغة في مهماته فيجد منه النهضة والأمانة فيقول هذا المأمون دون الجماعة‏.‏

ودرجت السنون فذكرها الخليفة الآمر في ذلك الوقت فقال له‏:‏ أنت المأمون على الحقيقة لأجل ذلك‏.‏

ثم عاد حسام الملك أفتكين صاحب الباب والداعي وجميع الأمراء من المصلى ومثلوا بين يدي الخليفة‏.‏

ووقع حينئذ الاهتمام بتجهيز الأفضل وتقدم إلى زمام القصور بإخراج ما قد مازجه عرف الأئمة وتقدم إلى ريحان متولى بيت المال بإخراج ما يجب إخراجه برسم المأتم فمضيا‏.‏

وتقدم إلى حسام الملك بإعلام الأمراء والاجناد والشهود والقضاة والمتصدرين والمقربين وبنى الجوهري الوعاظ وغيرهم لحضور الجنازة وتلاوة القرآن‏.‏

فعاد زمام القصور ومتولى بيت المال ومعهما عشرون صينية ملفوفة في عراض دبيقي بياض مملوءة صندلا مطحونا ومسكا وكافورا وحنوطا وقطنا وفي صدر الآخر منديل ديباج فيه ما رسم بإحضاره من ملابس الخلفاء وطيالسهم‏.‏

ووصلت أيضا الموائد على رءوس الفراشين وهي مائة شدة صحبة متولى المائدة الآمرية فمد السماط بين يدي الخليفة ومد سماطان أحدهما بالقاعة وهو برسم الأمراء والآخر برسم القاضي والداعي والشهود والمقربين والوعاظ والمؤمنين وحمل إلى الجهات فلما انقضى الأكل عاد الجميع بالقاعة وذكر أنه ختم على الأفضل في هاتين الليلتين واليوم نيف وخمسون ختمة‏.‏

فلما انقضى معظم الليلة الثاني من شوال تقدم الخليفة بإحضار داعي الدعاة ولي الدولة ابن عبد الحقيق وأمره بغسل الأفضل على ما يقتضيه مذهبه وكفن بما حضر من القصر وأخرج للداعي بذلتان مكملتان مذهبة وحرير عوضا عما كان على الأفضل من ثياب الدم فإنها لم تنزع عنه وعند كمال غسله دفع للداعي ألف دينار‏.‏

فلما كان في الثالثة من نهار يوم الثلاثاء ثاني شوال خرج التابوت بالجمع الذي لا يحصى والناس بأجمعهم رجالة وليس وراءهم راكب إلا الخليفة بمفرده وهو ملثم‏.‏

فلما خرج التابوت من بلد مصر أمر الخليفة بركوب القائد والمرتضى ولد الأفضل وذكر أن الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامة ركب حماراً فلما وصلت الجنازة إلى باب زويلة ترجل القائد والمرتضى ومشيا وبعث الخليفة خواصه إلى أخويه أبي الفضل جعفر وأبي القاسم عبد الصمد وأمرهما إذا وصل التابوت إلى باب الزهومة أن يخرجا بغير مناديل بعمائم صغار وطيالس فإذا قضيا ما يجب من حق سلام الخليفة سلما على القائد أبي عبد الله بمثل ما كانا يسلمان على الأفضل ويمشيان معه وراء التابوت‏.‏

فاعتمدا ذلك‏.‏

فاستعظم الناس هذه الحالة والمكارمة ولم يزالا مع الناس وراء التابوت إلى أن دخل من باب العيد‏.‏

فلما صار التابوت في وسط الإيوان هم الخليفة بأن يترجل فسارع إليه القائد والمرتضى وصاح الناس بأجمعهم‏:‏ العفو يا أمير المؤمنين‏.‏

عدة مرار‏.‏

فترجل الخليفة على الكرسي وصلى عليه ورفع التابوت فمشى وراءه وركب الخليفة الفرس على ما كان عليه ونزل التربة ظاهر باب النصر ووقف على شفير القبر إلى أن حضر التابوت‏.‏

واستفتح ابن القارح المغربي وقرأ‏:‏ "‏ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ ‏"‏ الآية‏.‏

فوقعت من الناس موقعا عظيما وبكوا وبكى الخليفة وهم بنزول القبر ليلحده بيده ثم أمر الداعي فنزل وألحده والخليفة قائم إلى أن كملت مواراته ثم ركب من التربة والناس بأجمعهم بين يديه إلى قصره‏.‏

وأخرج من قاعة الفضة بالقصر ثلاثون حسكة وثلاثون بخورا مكملة وخمسون مثقال ند وعود وشمع كثير فأشعلت الشموع إلى أن صلى الصبح وأطلق البخور واستقر جلوس الناس فصلى القاضي بالناس وفتح باب مجلس الأفضل المعلق بالستور الفرقوبي الذي لم يكن حظه منه إلا جوازه عليه قتيلا‏.‏

ورفعت الستور وجلس الخليفة على المخاد الطرية التي عملت في وسطه وسلم الناس على منازلهم وتلي القرآن العظيم‏.‏

وتقدمت الشعراء في رثائه إلى أن استحق الختم فختم‏.‏

ثم خرج القائد والأمراء إلى التربة فكان بها مثل ما كان بالدار من الآلات وكان عمر الأفضل يوم مات سبعاً وخمسين سنة ومدة ولايته ثمانية وعشرون عاماً ويقال إن الآمر وافق المأمون على قتله فرتب له من قتله‏.‏

ثم أمر أن يكتب سجل بتعزية الكافة في الأفضل والثناء على خصائصه ومساعيه وإشعارهم بصرف العناية إليهم ومد رواق العدل عليهم وتفريقه على نسخ تتلى على رءوس الأشهاد وبسائر البلاد‏.‏

فكتب ما مثاله‏:‏ هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي علي الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين بما رآه وأمر به من تلاوة على كافة من بمدينة مصر حرسها الله تعالى من الأشراف والأمراء ورجال العساكر المؤيدة على اختلاف طبقاتهم فارسهم ومترجلهم وراجلهم والقضاة والشهود والأماثل وجميع الرعايا بأنكم قد علمتم ما أحدثته الأيام بتصاريفها وجرت به الأقدار على عادتها ومألوفها من فقد السيد الأجل الأفضل ونعوته قدس الله روحه ونور ضريحه وحشره مع مواليه الطاهرين الذين جعلهم أعلام الهدى ومصابيحه الذي كان عماد دولة أمير المؤمنين وحمال أثقالها وعلى يديه وحسن سيرته اعتمادها ومعولها وتخطى الحمام إليه واخترام المنية إياه وتسلطها عليه وما تدارك الله الدولة به من حفظ نظامها واستتار أمورها بعد هذا الفادح العظيم والتئامها وما رآه أمير المؤمنين من تهذيبه الأمور بنظره السعيد ومباشرته إياها بعزمه الشديد ورأيه السديد واهتمامه بمصالح الكافة وإسباغ ظل الإحسان عليهم والرأفة حتى أصبحت الدولة الفاطمية بذلك ظليلة المناكب منيرة الكواكب محروسة الأرجاء والجوانب‏.‏

ولما كانت همة أمير المؤمنين مصروفة إلى الاهتمام بكم والنظر في مصالحكم والإحسان إليكم وتأمين سربكم وإعذاب شربكم ومد رواق العدل عليكم وإنصاف مظلومكم من ظالمكم وضعيفكم من قويكم ومشروفكم من شريفكم وكف عوادي المضار بأسرها عنكم وتمكينكم من التصرف في أديانكم على ما يعتقده كل منكم جارين على رسمكم وعادتكم من غير اعتراض عليكم رأى ما خرج به عالي أمره من كتب هذا السجل وتلاوته على جميعكم لتثقوا به وتسكنوا إليه وتتحققوا جميل رأى أمير المؤمنين فيكم وأنه لا يشغله عن مصالح الكافة شاغل وأن باب رحمته مفتوح لمن قصده وإحسانه عميم شامل وله إلى تأمل أحوال الصغير والكبير منكم عين ناظرة وفي إحسان سياستكم عزيمة حاضرة وأفعال ظاهرة‏.‏

والله تعالى يمده بحسن الإرشاد ويبلغه المراد في مصالح العباد والبلاد بمنه وعونه‏.‏

فاعلموا هذا من أمير المؤمنين ورسمه وانتهوا إلى موجبه وحكمه وليعتمد الأمير متولى المعونة بمصر تلاوته على منبر الجامع العتيق بمصر ليعيه كل من سمعه ويصل علم مضمونه إلى من لم يحضر قراءته ليتحققوا ما ذكر فيه وأودعه وليحمل الناس على ما أمرتهم فيه وليحذر من مجاوزته وتعديه‏.‏

ثم أمر الخليفة بإنشاء منشور يتلى مضمونه‏:‏ خرج أمر أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين بإنشاء هذا المنشور بأن يعتمد في ديوان التحقيق والمجلس وسائر دواوين الدولة قاصيها ودانيها قريبها ونائيها إمضاء ما كان السيد الأجل الأفضل قرره وخرجت به توقيعاته الثابتة عليها علامته في الأحكام والأموال بتصاريف الأحوال إذ أمر أمير المؤمنين راض بأفعاله محقق لأقواله حامد لمقاصده ممض لأحكامه عارف بسداد رأيه في نقضه وإبرامه على أوضاعها وأحكامها وتقريراته في كل منها‏.‏

فليحذر كافة الأمراء وسائر الولاة نصرهم الله وأظفرهم وجميع النواب والمستخدمين والكتاب والمتصرفين بجميع الأعمال من تأول فيه أو تعقيد بغير شيئا من أحكامها على ما قرره وأمر به‏.‏

وليجلد هذا المنشور في ديوان التحقيق والمجلس بعد ثبوته في جميع الدواوين وليصدر الإعلان به إلى كافة الجهات بهذا المرسوم تثبيتا لهذا الأمر المذكور المحتوم إن شاء الله تعالى وفي السادس والعشرين من شوال عمل تمام الشهر على تربة الأفضل كما عملت الصبحة والثالث‏.‏

فلما انقضى الختم وانصرف الناس ركب الخليفة بموكبه‏.‏

ونزل إلى التربة وترحم عليه وعاد‏.‏

ذكر هذا جمال الملك موسى بن المأمون البطائحي في تاريخه‏.‏

وقال ابن ميسر‏:‏ وأقام الخليفة في دور الأفضل وفي دار الملك بمصر ودار الوزارة بالقاهرة وغيرهما مدة أربعين يوما والكتاب بين يديه يكتبون ما ينقل إلى القصور فوجد له من الذخائر النفيسة ما لا يحصى‏.‏

فيما وجد له ستة آلاف ألف دينار عينا وفي بيت الخاصة ثلاثة آلاف ألف دينار وفي البيت البراني ثلاثة آلاف ألف ومائتا ألف وخمسون ألف دينار ومائتين وخمسين إردبا دراهم ورقاً وثلاثين راحلة من الذهب العراقي المغزول برسم الرقم وعشرة بيوت في كل بيت عشرة مسامير ذهب كل مسمار وزنه مائتا مثقال عليها العمائم المختلفة الألوان وتسعمائة ثوب ديباج ملونة وخمسمائة صندوق من دق دمياط وتنيس برسم كسوة بدنه ولعبة من عنبر على قدر جسده برسم ما يعمل عليها من ثيابه لتكتسب الرائحة ومن الطيب والآلات ما لا يحصى عدده ومن الأبقار والجاموس والأغنام والجمال ما بلغ ضمان ألبان ونتاجه في سنة نحو أربعين ألف دينار ودواية يكتب منها مرصعة بالجواهر قوم جوهرها باثني عشر ألف دينار وخمسمائة ألف مجلدة من الكتب العلمية‏.‏

قال‏:‏ وأخذ الآسر في نقل ما بدار الأفضل إلى القصر وهو يرتب ما يحمل بنفسه هو وأصحابه واستمر ذلك مدة شهرين وأيام والأموال تحمل على بغال وجمال إلى القصر والآمر وذكر متولي الخزابة بالقصر أن مما وجد في دار الأفضل ستة آلاف ألف وأربعمائة ألف دينار وورق قيمته مائتا ألف وعشرون ألف دينار وسبعمائة طوق ما بين ذهب وفضة ومن الأسطال والصحاف والشربات والأباريق والقدور والزبادي الذهب والفضة المختلفة الأجناس ما لا يحصى كثرة ومن براني الصيني الكبار المملوء بالجواهر التي بعضها منظوم كالسبح وبعضها منثور شيء كثير‏.‏

وكان الأفضل في أوقات الشرب يصف في مجلسه صواني الذهب وبينها البراني المملوءة بالجواهر فإذا أحب فرغب البرنية في الصينية فتكون ملئها‏.‏

ووجد له من أصناف الديباج وما يجري مجراه من عتابي ونحوه تسعون ألف ثوب وثلاث خزائن كبار مملوءة صناديق كلها دبيقي وشرب عمل تنيس ودمياط على كل صندوق شرح ما فيه وجنسه‏.‏

وخزانة الطيب مملوءة أسفاطا فيها العود وغيره مكتوب على كل سفط وزنه وجنسه وبراني بها المسك والكافور وشيء كثير من العنبر‏.‏

ووجد مجلس يجلس فيه للشرب فيه ثمان جوار متقابلات أربع منهن بيض من كافور وأربع سود من عنبر قيام في المجلس عليهن أفخر الثياب وأثمن الحلى بأيديهن مذاب من أعظم الجوهر فإذا دخل من باب المجلس ووطىء العتبة نكسن رءوسهن خدمة له بحركات قد أحكمت فإذا جلس في صدر المجلس ووجد له من المقاطع والستور والفرش والمطارح والمخاد والمساند الديباج والدبيقي الحريري والذهب على اختلاف الأجناس أربع حجر كل حجرة مملوءة من هذا الجنس‏.‏

ووجد له عدة صناديق ملء خزانة فيها أحقاق ذهب عراقي برسم الاستعمال‏.‏

ووجد له منقلات عدة تزيد على المائة ملبسة بالذهب والفضة مرصعة بالجوهر وثمانمائة جارية منها خمسة وستون حظية لكل واحدة حجرة وخزائن مملوءة بالكسوة والآلات الذهب والفضة من كل صنف‏.‏

وكان في مخازنه تحت يد عماله والجباة وضمان النواحي من المال والغلال والحبوب والقطن والكتان والشمع والحديد والخشب وغير ذلك ما يتعب شرحه‏.‏

وحمل من داره أربعة آلاف بساط وستون حملا طنافس وخمسمائة قطعة بلور وخمسمائة قطعة محكم برسم النقل وألف عدل من متاع اليمن والمغرب وتسعة آلاف سرج‏.‏

قال ابن ميسر‏:‏ وكان الأفضل من العدل وحسن السيرة في الرعية والتجار على صفة جميلة تجاوز ما سمع به قديماً وشوهد أخيرا ولم يعرف أحد صودر ولا ضبط عليه‏.‏

ولما حصر الاسكندرية كان به يهودي يبالغ في سبه وشتمه ولعنه فلما دخل الأفضل البلد قبض عليه وقدمه للقتل وقد عدد عليه ذنوبه فقال اليهودي‏:‏ إن معي خمسة آلاف دينار خذها مني وأعتقني واعف عني‏.‏

فقال‏:‏ والله لولا خشية أن يقال قتله حتى يأخذ ماله لقتلتك وعفا عنه ولم يأخذ منه شيئا‏.‏

وكان إذا غضب على أحد اعتقله ولم يقتله فلما مات أطلق من سجنه عشرة آلاف إنسان فإنه كان إذا اعتقل أحداً نسيه ولا يرى بإخرابه‏.‏

وكانت محاسنه كثيرة‏.‏

وهو أول من أفرد مال المواريث ومنع من أخذ شيء من التركات على العادة القديمة وأمر بحفظها لأربابها فإذا حضر من يطلبها وطالعه القاضي بثبوت استحقاقه أمره في الحال بإطلاق ما ثبت له‏.‏

واجتمع بمودع الحكم من مال المواريث التي تنتظر وصول مستحقها من شرق الدنيا وغربها مائة ألف وثلاثون ألف دينار فرفع إليه قاضي القضاة ثقة الملك أبو الفتح مسلم بن علي الرأس عيني لما ولى أن قد اعتبرت ما في مودع الحكم من مال المواريث فكان مائة ألف دينار ورفعها إلى بيت المال أولى من تركها في المودع فإن لها السيرة الطويلة لم يطلب شيء منها‏.‏

فوقع رقعته‏:‏ إنما قلدناك الحكم ولا رأي لنا فيما لا نستحقه فاتركه على حاله لمستحقيه ولا تراجع فيه‏.‏

فأخذها هذا القاضي غرفاً‏.‏

وبلغ ارتفاع خراج مصر في أيامه لسنة خمسة آلاف ألف دينار ومتحصل الأهراء ألف ألف إردب‏.‏

وبنى في أيامه من المساجد والجوامع جامع الفيلة بالجرف المعروف بالرصد والمسجد المعروف بالجيوشي على سطح الجبل‏.‏

وبنى مئذنة جامع عمرو بمصر الكبيرة والمئذنة السعيدة به أيضا والمئذنة المستجدة وجامع الجيزة‏.‏

وعمل خيمة الفرح التي سميت بالقاتول اشتملت على ألف ألف وأربعمائة ألف ذراع من الثياب وقائم ارتفاع العمود الذي لها خمسون ذراعا بذراع العمل وبلغت النفقة عليها عشرة آلاف ألف دينار‏.‏

وللشعراء فيها عدة مدائح‏.‏

وكان الأفضل يقول الشعر‏.‏

فمن شعره في غلامه تاج المعالي‏:‏

أقضيب يميس أم هو قدّ ** أو شقيق يلوح أو هو خدّ

أنا مثل الهلال خوفاً عليه ** وهو كالبدر حين وافاه سعد

وكان شديد الغيرة على نسائه‏.‏

اطلع من سطح داره فرأى جارية من جواريه متطلعة إلى الطريق فأمر بضرب عنقها‏.‏

فلما وضعت الرأس بين يديه أنشد‏:‏

نظرت إليها وهي تنظر ظلّها ** فنزّهت نفسي عن شريك مقارب

أغار على أعطافها من ثيابها ** ومن مسك لها في الذّوائب

ولي غيرةٌ لو كان للبدر مثلها ** لما كان يرضى باجتماع الكواكب

قال‏:‏ وكان عدة الوعاظ والقراء والمنشدين في عزاء الأفضل أربعمائة وعشرين شخصاً فخرج أمر الخليفة أن يعطى كل واحد منهم ثمانين دينارا الصغير مثل الكبير فقال ابن أبي قيراط‏:‏ يا مولانا هذا مال كثير‏.‏

فقال‏:‏ إنفاذ أمرنا هذا من بعض حقه علينا‏.‏

فجاء مبلغ ما دفع نحواً من أربعة وثلاثين ألف دينار‏.‏

قال‏:‏ والأفضل هو الذي أنشأ بستان البعل والمنتزه المعروف بالتاج والخمس وجوه والبستان الكبير والبستان الخاص بقيلوب وجدد بستان الأمير تميم ببركة الحبش وأنشأ الروضة بحرى الجزيرة وكان يمضي إليها في العشاريات الموكبية رحمه الله‏.‏

في مستهل ذي القعدة خلع على القائد أبي عبد الله بن فاتك بذلة مذهبة بشدة الخليفة الداعية وحلت المنطقة من وسطه وخلع على ولده بذلة مذهبة وحلت منطقته أيضا وعلى جميع إخوته بمثل ذلك‏.‏

واستمر ينفذ الأمور لا يخرج شيء عن نظره إلى مستهل ذي الحجة ففي يوم الجمعة ثانيه خلع عليه من ملابس الخاص الشريف في فرد كم مجلس العيد وطوق بطوق ذهب مرصع وسيف ذهب مرصع وسلم على الخليفة فأمر الخليفة الأمراء وكافة الأستاذين المحنكين بالخروج بين يديه وأن يركب من المكان الذي كان الأفضل يركب منه‏.‏

ومشى في ركابه القواد على عادة من تقدمه وخرج بتشريف الوزارة ودخل على باب العيد راكباً ووصل إلى داره فضاعف الرسوم وأطلق الهبات‏.‏

وفي خامسه اجتمع الأمراء واستدعى الشيخ أبو الحسن بن أبي أسامة فحضر بالسجل في لفافة خاص مذهبة فسلمه الخليفة إلى الأجل المأمون من يده فقبله وسلمه لزمام القصر وأمر الخليفة المأمون فجلس عن يمينه وقرئ السجل على باب المجلس وهو أول سجل قرئ بهذا المكان وكانت سجلات الوزراء قبل ذلك تقرأ بالإيوان‏.‏

ورسم للشيخ أبي الحسن أن ينقل نسبة الأمراء والمحنكين والناس جميعهم من الآمري إلى المأموني ولم يكن أحد قبل ذلك ينتسب للأفضل ولا لأمير الجيوش‏.‏

وقدمت للمأمون الدواة فعلم في مجلس الخليفة وتقدم للأمراء والأجناد فقبلوا الأرض وشكروا هذا الإحسان‏.‏

وأحضرت الخلع فخلع على حاجب الحجاب حسام الملك وطوق بطوق ذهب وسيف ذهب ومنطقة ذهب وخلع على الشيخ أبي الحسن بن أبي أسامة كاتب الدست وعلى الشيخ أبي البركات بن أبي الليث وعلى أبي الرضا سالم بن الشيخ أبي الحسن وعلى أبي المكارم أخيه وعلى أبي محمد أخيهما وعلى أبي الفضل يحيى بن سعيد الميمذي ووصل بدنانير كثيرة بحكم أنه قرأ السجل‏.‏

وخلع على أبي الفضائل بن أبي الليث صاحب مغفر المجلس‏.‏

ثم استدعى غذى الملك سعيد ابن عمار الضيف متولى أمور الضيافات والرسل الواصلين الحضرة من جميع الجهات وأخذ أقلامه على التوقيعات فخلع عليه‏.‏

وفي الأيام الأفضلية لم يكن أحد يدخل مجلسه ولا يصل لعتبته لا من الحجاب ولا غيرهم سوى غذى الملك هذا فإنه كان يقف من داخل العتبة وكانت هذه الخدمة إذ ذاك من أجل الخدم وأكبرها‏.‏

قالوا أتاه النّعت وهو السيد ال - - أمون حقّا والأجلّ الأشرف ومغيث أمة أحمد ومجيرها ما زادنا شيئا على ما نعرف وذلك أنه نعت في سجله المقروء على الكافة بالأجل المأمون تاج الخلافة وجيه الملك فخر الصنائع ذخر أمير المؤمنين‏.‏

ثم تجدد له في نعوته بعد ذلك الأجل المأمون تاج الخلافة عز الإسلام فخر الأنام نظام الدين والدنيا‏.‏

ثم نعت بما كان ينعت به الأفضل وهو السيد الأجل المأمون أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام كافل قضاة المسلمين وهادي رعاة المؤمنين‏.‏

ولما استمر نظر المأمون للدولة بالغ الخليفة في شكره فقال له المأمون‏:‏ ثم كلام يحتاج إلى خلوة‏.‏

فأمر بخلو المجلس‏.‏

فقال‏:‏ يا مولانا امتثال الأمر متعب ومخالفته أصعب وما تتسع خلافة قدام آمر الدولة وهو في دست خلافته ومنصب آبائه وأجداده وما في قواي ما يرومه ويكفيني هذا المقدار وهيهات أن أقوم به والأمر كبير‏.‏

فتغير الخليفة وأقسم‏:‏ إن كان لي وزير غيرك‏!‏ فقال المأمون‏:‏ لي شروط وقد كنت مع الأفضل وكان اجتهد في النعوت وحل المنطقة فلم أفعل وكان أولاده يكتبون إليه بكوني قد خنته في المال والأهل وما كان والله العظيم ذلك مني يوما قط ومع ذلك معاداة الأهل جميعهم والأجناد وأرباب الطيالس والأقلام وهو يعطيني كل ورقة تصل إليه منهم وما يسمع كلامهم‏.‏

فقال الخليفة‏:‏ فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته إيش يكون فعلي أنا فقال‏:‏ يعرفني المولى ما يأمر به فأمتثله بشرط ألا يكون عليه زائداً‏.‏

فأول ما ابتدأ به أن قال‏:‏ أريد الأموال لا تبقى إلا بالقصر ولا تصل الكسوات من الطراز والثغور إلا إليه ولا تفرق إلا منه وتكون أسمطة الأعياد فيه وتوسع في رواتب القصور من كل صنف وزيادة رسم منديل الكم‏.‏

فقال المأمون‏:‏ سمعا وطاعة أما الكسوات والجبايات والأسمطة فما تكون إلا بالقصور وأما توسعة الرواتب فما ثم من يخالف الأمر وأما منديل الكم فقد كان الرسم في كل يوم ثلاثين دينارا يكون في كل يوم مائة دينار ومولانا سلام الله عليه يشاهد ما يعمل بعد ذلك في الركوبات وأسمطة الأعياد وغيرها‏.‏

ففرح الخليفة‏.‏

وقال المأمون‏:‏ أريد بهذا مسطوراً بخط أمير المؤمنين ويقسم لي فيه ألا يلتفت لحاسد ولا ينقبض ومهما ذكر عني يطلعني عليه ولا يأمر فيّ بأمر سراً ولا جهراً يكون فيه ذهاب نفسي وانحطاط قدري وتكون هذه الأيمان باقية إلى وقت وفاتي فإذا توفيت تكون لأولادي ولمن أخلفه بعدي‏.‏

فحضرت الدواة وكتب ذلك جميعه وأشهد الله في آخرها على نفسه‏.‏

فعندما حصل الخط بيد المأمون وقف وقبل الأرض وجعله على رأسه وكان الخط نسختين فلما قبض على المأمون في رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة كما سيأتي إن شاء الله أنفذ الخليفة طلب الأمان فأنفد إليه نسخة منهما فحرقها وبقيت النسخة الأخرى فأعدمت‏.‏

في هذه السنة هبت بمصر ريح سوداء ثلاثة أيام فأهلكت شيئا كثيرا من الناس والحيوان‏.‏

----------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: الدولة الفاطمية سنة 516 هـ   الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:54 pm

سنة ست عشرة وخمسمائة

في المحرم كان المولد الآمري‏.‏

وتقرر السلام على الخليفة في يومي الاثنين والخميس فأما في يومي السبت والثلاثاء فيركب الوزير بالرهجية إلى القصر ويركب الخليفة إلى ضواحي القاهرة للنزهة وأما الأحد والأربعاء فيجلس الوزير المأمون في داره على سبيل الراحة‏.‏

في صفر سب أحد صبيان الخاص الآمري صاحب الشرع وشهد عليه فضربت عنقه وصلب‏.‏

فيه وصل فخر الملك أبو علي عمار بن محمد بن عمار صاحب طرابلس‏.‏

وكانت الدولة قد حولت الثغر في أيديهم على سبيل الولاية فلما جاءت الشدائد تغلبوا عليه ثم جاءت الدولة الجيوشية فخافوا مما قدموه فلم يرموا أيديهم في يدها ولا وثقوا بما بذل لهم من الصفح عن ولاتهم‏.‏

ومضى ذلك السلف وخلفهم القاضي فخر الملك هذا في الأيام الأفضلية فجرى على تلك الوتيرة ودفع إلى محاصرة الفرنج له مدة سبع سنين فضاق خناقه وأيس فخرج من طرابلس إلى العراق مستنجداً فلم يجد ناصراً‏.‏

واختلت أحواله وعاد إلى دمشق وقد ملك الفرنج طرابلس فسار إلى مصر‏.‏

وقال في‏:‏ كتابه والمملوك لم يصل إلى هذه الوجهة إلا وقد علم أن له من الذنوب السالفة ما يستحق به القتل وقتله بسيوف هذه الدولة عدل وإحياء له وتشريف وفخر يكفر عنه بعض ذنوبه من كفر نعمتها فإن خرج الأمر بذلك فمنة كريمة وإن خفف عنه فتخليده في السجن أحب إليه من رجوعه إلى تأميل غير هذه الدوله‏.‏

فلما عرض هذا بالحضرة أدركته الرأفة بعد أن استفظع كل من الحاضرين أمره وأشير بإيقاع الحوطة عليه وإيداعه خزانة البنود‏.‏

فقال المأمون للخليفة‏:‏ قد أجل الله عواطف مولانا ورحمته من أن يهاجر أحد إلى أبوابه ويلجأ إلى عفوه فيخيب أمله ويؤاخذ بذنبه وما بعد استسلامه إلا الشكر لله والعفو عن جرمه فإن العفو زكاة القدرة عليه ويشمله ما شمل أمثاله‏.‏

فأعجب الخليفة الآمر ذلك وخرج الأمر بأن تعدد على ابن عمار ذنوبه وذنوب أسلافه ويقال له‏:‏ قد أذهبت مهاجرتك ما كان يجب من عقوبتك‏.‏

فإذا اعترف بذنوبه وذنوب أسلافه يقال له‏:‏ قد غفر ذنبك وأنت مخير بين أمرين إما أن تعود فيصل إليك من الإنعام ما يبلغك إلى حيث تريد ويصحبك من يوصلك إلى مأمنك وإما أن تؤثر الإقامة بفناء الدولة فتقيم على أنك تلزم ما يعنيك وتقنع بما ينعم به عليك وتقبل على شأنك وتترك التعرض للمخالطات وتتجنب جميع المكروهات‏.‏

فلما خوطب بذلك قبل الأرض وأبى أن يرفع رأسه ووجهه وكلما خوطب في رفعه قال لست أرفعه حتى أتلقى كلمات العفو عن إمام زماني وتمتلئ مسامعي بألفاظ مغفرته‏.‏

فبلغته الحضرة النبوية ما تمناه وحصل له الأمن وأمر به إلى دار أعدت له وجعل فيها شهوات السمع والبصر وحملت إليه الضيافات الكثيرة وجرد برسم خدمته حاجب معه عدة مستخدمين‏.‏

فأقام أياما يسيرة ثم حملت إليه الكسوات التي لا نظير لها ووصله من المواهب ما أربى على أمله‏.‏

وقرر له راتبا في كل شهر ستون دينارا مع مياومة الدقيق واللحم والحيوان‏.‏

وصار يتعهد ما يفتقد به أعيان الضيوف من بواكير الفاكهة المستغربة وأنواع التحف المستظرفة ورسوم المواسم ورفع عنه الحاجب والمستخدمون وجعل له في المواسم والأعياد من الكسوات الفاخرة ما يميزه عن أمثاله‏.‏

ولزم طريقة حمدت منه فاستمر إليه الإحسان وصار يركب في يومي الركوب ويومي السلام وغيرهما‏.‏

وفيه أفرج عن الأمير عضب الدولة عز الملك أبي منصور بنا وكان له في الاعتقال ثلاث عشرة سنة لأنه كان والي عكا وسلمها إلى الفرنج فلما وصل رماه الأفضل في الاعتقال فلما أفرج عنه أعيد عليه نظير ما كان قبض عنه للاصطبلات والخزائن وولي البحيرة‏.‏

وأفرج عن جماعة أمراء كانوا معتقلين منهم أبو المصطفى جوهر ودخل السجن وهو شاب فيه وصل رسول الشريف قاسم أمير مكة الذي حضر في الأيام الأفضلية بسبب أموال التجار ومعه كتاب بتهنئة المأمون فجهز إلى الأعمال القوصية بالاهتمام بالجناب الديوانية وترميم ما يحتاج إلى المرمة وتجديد عوض ما تلف وأطلق له ثمانية آلاف وتسعمائة وأربعون إردباً برسم مكة وتخوت ثياب وخلع ومال وبخور‏.‏

وفيه غلا الزيت الطيب والسيرج فكتب المستخدمون في الخزائن ومشارفة الجوامع بأن يكون المطلق برسم الوقود وفي المشاهد عوضاً عن الزيت الطيب الزيت الحار فخرج الجواب بالتحذير من ذلك وبألا يطل إلا الزيت الطيب ولا يلتفت إلى غلو السعر في الخدم التي هي من حق الله تعالى فلا يجب الرخصة فيه ولا بنقص من المطلق شيء‏.‏

وبلغ المأمون أن مشارف الجوامع والمساجد اشترى من ماله صبراً وخلطه بالزيت لمنع القومة من التعرض لشيء منه فأنكر ذلك وأمر بإحضاره وأن يقوم من ماله بثمن الزيت الذي فيه الصبر ويطلق الزيت المستقر إطلاقه على تمامه‏.‏

وقيل له‏:‏ قومة الكنائس والمقيمون بها والطارقون لها لا يقتاتون إلا من فضلات وقود كنائسهم ونحن نبيح لهؤلاء الأكل ونحرم عليهم البيع‏.‏

وتقدم الأمر بعمل حساب الدولة من الهلالي والخراجي على جملتين إحداهما إلى سنة عشر وخمسمائة والثانية إلى آخر سنة خمس عشرة وخمسمائة فانعقدت على جملة كثيرة من عين وأصناف وشرحت بأسماء أربابها وتعيين بلادها‏.‏

فلما حضرت أمر بكتابة سجل بالمسامحة إلى آخر سنة عشر وخمسمائة ومبلغ ما سومح به من البواقي ألفا ألف وسبعمائة ألف وعشرون ألفا وسبعمائة وسبعة وستون دينارا ومن الورق سبعة وستون ألفا وخمسة دراهم ومن الغلة ثلاثة آلاف الف وثمانمائة ألف وعشرة آلاف ومائتان وتسعة وثلاثون إردبا ومن الأرز والكتان وحرق الصباغ وزريعة الوسمة والصباغ والفود والحديد والزفت والقطران والثياب والمآزر والغرادلي شيء كثير ومن الأغنام مائتا ألف وخمسة وثلاثون ألفا وثلثمائة وخمسة رءوس ومن البسر والنخيل والجريد والسلب والأطراف والملح والأشنان والرمان وعسل النحل والشمع وعسل القصب شيء كثير ومن الأبقار اثنان وعشرون ألفا ومائة وأربعة وستون رأسا ومن الدواب والسمن والجبن والصوف والشعر شيء كثير‏.‏

وقد تقدم ذكر نسخة هذا السجل عند ذكر الخراج من هذا الكتاب‏.‏

وقرئ منشور بالجامع الأزهر وجامع عمرو بمصر بالمنع مما يعتمد في الدواوين من قبول الزيادة وفسخ عقود الضمانات وإعفاء الكافة من المعاملين والضمناء من قبول الزيادة فيما يتصرفون فيه ما داموا قائمين بأقساطهم‏.‏

فيه تحول الخليفة الآمر إلى اللؤلؤة وأقام فيها مدة النيل على الحكم الأول وأزال ما أحدث من البناء بالقرب منها وتحول معه الوزير المأمون بن البطائحي والشيخ أبو الحسن ابن أبي أسامة كاتب الدست وحاجب الحجاب وحسام الملك ورتبت الرهجية والحرس وأطلق لهم ما يقوم بهم‏.‏

وصار الخليفة يمضي في السراديب من اللؤلؤة إلى القصر في يومي السلام فلا يراه أحد سوى الأستاذين والخواص ويحضر الوزير على عادته ويحمل الأسمطة ويحضر الناس على العادة ويركب في يومي الثلاثاء والسبت إلى المتنزهات‏.‏

فيه تقدم الوزير بتجديد المشاهد التسعة التي بين القرافة والجبل‏.‏

وكانت العادة جارية من الأيام الأفضلية في آخر جمادى الآخرة من كل سنة أن تغلق جميع قاعات الخمارين بالقاهرة ومصر وتختم ويحذر من بيع الخمر فرأى الوزير أن يكون ذلك في سائر الأعمال فكتب إلى ولاة الأعمال وأن ينادي بأن من تعرض لبيع شيء من هذين الصنفين أو لشرائهما سرا وجهراً فقد عرض نفسه لتلافها وبرئت الذمة من هلاكها‏.‏

لما كان مستهل رجب عملت الأسمطة على العادة فقال الخليفة الآمر لوزيره المأمون‏:‏ قد أعدت لدولتي بهجتها وقد أخذت الأيام نصيبها من ذلك وبقيت الليالي وقد كان بها مواسم وقد زال حكمها وهي ليالي الوقود الأربع‏.‏

فامتثل الأمر وعملت‏.‏

واستجد في كل ليلة على الاستمرار برسم الخاصين الآمري والمأموني قنطار سكر ومثقالا مسك وديناران برسم المؤن ليعمل خشكنان وتشد في قعاب وسلال صفصاف وكان يسمى بالقعبة ويحمل ثلثا ذلك إلى القصر والثلث إلى دار المأمون‏.‏

ووصلت كسوة الشتاء فكانت أربعة آلاف قطعة وثلثمائة وخمس قطع‏.‏

ووصلت كسوة عيد الفطر وتشتمل على نحو عشرين ألف دينار وكان عندهم الموسم الكبير ويسمى بعيد الحلل لأن الحلل فيه تعم الجميع وفي غيره للأعيان خاصة‏.‏

وعمل الختم في آخر شهر رمضان بالقصر وعبئ سماط الفطرة في مجلس الملك بقاعة الذهب من القصر فكان سماطاً جميعه من حلاوة الموسم‏.‏

وصلى الخليفة الآمر بالناس صلاة العيد في المصلى ظاهر باب النصر وخطب وكان ذلك قد بطل في الأيام الجيوشية والأفضلية‏.‏

وكان الذي أنفق في أسمطة شهر رمضان عن تسع وعشرين ليلة خارجاً عن التوسعة المطلقة أصنافاً برسم الخليفة وجهاته وخارجا عن العطية وخارجاً عن رسم القراء والمسحرين وخارجاً عن الأشربة والحلاوات من ألعاب ستة عشر ألف دينار وأربعمائة وستة وثلاثين دينارا‏.‏

وجملة ما قدر على المنفق في شهر رمضان بما تقدم شرحه والتوسعة والصدقات والفطرة وكسوة الغرة والعيد مائة ألف دينار عينا‏.‏

وضرب في خميس العدس ألف دينار عملت عشرين ألف خروبة وكانت العادة أن يضرب في كل سنة خمسمائة دينار‏.‏

وفي شوال هذا وصل شاور من أسر الفرنج وكان مأسوراً من الأيام الأفضلية وطالت مدة أسره وبذلت عشيرته في افتكاكه جملةً كبيرة فلم يقبل منهم وطلب فيه أسير من الفرنج فلم يجبهم الأفضل إليه لأنه كان لا يطلق أسيرا أبداً‏.‏

فلما ولي المأمون الوزارة وميز رديني مقدم العربان الجذاميين وقبيلته وشاور من بني سعد فخذ من جذام وقف مجير أخو شاور وإخوته للمأمون وما زالوا به حتى أطلق الأسير فأطلق الفرنج شاوراً في شوال وأثبت في الطائفة المأمونية وكان هذا ابتداء حديث شاور‏.‏

وفيه تنبه ذكر الطائف النزارية وقرر بين يدي الخليفة بأن يسير رسولاً إلى صاحب ألموت بعد أن جمعت فقهاء الإسماعيلية والإمامية وهم لي الدولة أبو البركات بن عبد الحقيق داعي الدعاة وجميع دعاة الإسماعيلية وأبو محمد بن آدم متولى دار العلم وأبو الثريا ابن مختار فقيه الإسماعيلية ورفيقه أبو الفخر والشريف ابن عقيل وشيوخ الشرفاء وقاضي القضاة وأولاد المستنصر وجماعة من بني عم الخليفة وأبو الحسن بن أبي أسامة كاتب الدست وجماعة من الأمراء وقال لهم المأمون‏:‏ ما لكم من الحجة في الرد على هؤلاء الخارجين على الإسماعيلية فقال كل منهم‏:‏ لم يكن لنزار إمامة ومن اعتقد هذا خرج عن المذهب وحل ووجب قتله وإن كان والده المستنصر نعته ولي عهد المسلمين ونعت إخوته منهم أبو القاسم أحمد بولي عهد وذكر حسين بن محمد الموصلي أن اليازوري لم يزل يسأل المستنصر إلى أن كتب اسمه على الدينار وهو ما مثاله‏:‏ ضربت في دولة آل الهدى ومن آل طه وآل ياسين مستنصرا باللّه جل اسمه وعبده الناصر للدّين في سنة كذا ولم يقم بعد ذلك إلا دون الشهر فاستعيدت وأمر ألا تسطر‏.‏

ودليل يعضد ذلك أنه لما جرت تلك الشدائد على الإمام المستنصر وسير أولاده وهم‏:‏ الأمير عبد الله إلى عكا إلى أمير الجيوش ثم أتبعه أبي علي والأمير أبي القاسم والد الحافظ إلى عسقلان وسير نزاراً إلى ثغر دمياط سير الأعلى إلى ولم يسمح بسفر الإمام المستعلى ولا خروجه من القصر لما أهله له من الخلافة ولا أبعده خوفاً من حضور المنية فلما وصل أمير الجيوش إلى البلاد بعد تهيئتها وتأمينها ورغب الإمام المستنصر في عقد نكاح ولده الإمام المستعلى على ابنته أخت الأفضل وعقد النكاح بنفسه سماه في كتاب الصداق مولى عهد أمير المؤمنين وعلم عليه بخطه‏.‏

ثم عند وفاة المستنصر بايع نزار الإمام المستعلى بما شاهده كل حاضر وبما ذكرته السيدة ابنة الإمام الظاهر شقيقه الإمام المستنصر في صحة إمامته‏.‏

فكتب الكتاب بجميع ذلك إلى صاحب ألموت مضناً بشهادة الجماعة بذلك‏.‏

ثم وصل في أثناء ذلك كتب من خواص الدولة تتضمن أن القوم قد قويت شوكتهم واشتدت في البلاد طمعتهم وأنهم يسيرون المال مع التجار إلى قوم يخبرون أسماءهم وأنهم سيروا لهم الآن ثلاثة آلاف دينار برسم النجوى وبرسم المؤمنين الذين ينزل الرسل عندهم ويختفون في محلهم فتقدم المأمون بالفحص عنهم والاحتراز التام على الآمر في ركوبه ومتنزهاته وحفظ الدور غيرها‏.‏

ولم يزل البحث التام في طلبهم إلى أن وجدوا عند قوم من أهل البلد فاعترفوا بأن خمسة منهم هم الرسل الواصلون بالمال من البلاد المشرقية فراموا قتلهم فأشار المأمون بتركهم‏.‏

وأحضر الشيخ أبو القاسم بن الصيرفي وأمر بكتب سجل يقرأ على رءوس الأشهاد وتفرغ منه النسخ إلى البلاد بمعنى ما ذكر من نفي نزار عن الإمامة وشهر الجماعة المقبوض عليهم وصلبوا وامتنع الآمر من قبض الألفي دينار الواصلة للنجوى وأمر بحملها إلى بيت المال وأن تنفق في السودان عبيد الشراء خاصة‏.‏

وأمر بأن يحضر من بيت المال نظير المبلغ وتقدم بأن يصاغ قنديلين ذهباً وقنديلين فضة وأن يحمل قنديلان ذهبا وفضة إلى مشهد الحسين بعسقلان وقنديلان كذلك إلى التربة‏.‏

وأطلق المأمون من ماله ألفي دينار وتقدم بأن يصاغ بها قنديل ذهب وسلسلة فضة برسمه على قياس أحضر من عسقلان وأن يصاغ على المصحف الذي بخط علي بن أبي طالب وأطلق من حاصل الصناديق التي تشتمل على مال النجاري برسم الصدقات عشرة آلاف درهم تفرق في الجوامع الثلاثة‏:‏ الأزهر بالقاهرة والعتيق بمصر وجامع القرافة وعلى فقراء المؤمنين وعلى أرباب القصور‏.‏

وأطلق من الأهراء ألفا إردب قمحاً وتصدق عدة من الجهات بجملة كثيرة‏.‏

واشتريت عدة جوار من الحجر وكتب عتقهن وأطلق سراحهن‏.‏

قال ابن ميسر وقد ذكر هذا المجلس‏:‏ وقد كانت أخت نزار في قاعة بجانب الإيوان من القصر وعلى الباب ستر وعلى الستر إخوتها وبنو عمها وكبار الأستاذين‏.‏

فلما جرى هذا الفصل قام المأمون من مكانه ووقف بإزاء الستر وقال‏:‏ من وراء هذا الستر فعرف بها إخوتها وبنو عمها وأنه ليس غيرها وراء الستر‏.‏

فلما تحقق الحاضرون ذلك قالت‏:‏ اشهدوا علي يا جماعة الحاضرين وبلغوا عني جماعة المسلمين بأن أخي شقيقي نزاراً لم يكن له إمامة وأنني بريئة من إمامته جاحدة لها لا عنة لمن يعتقدها لما علمته من والدي وسمعته من والدتي لما أمر المستنصر بمضيها هي والجهة المعظمة والدة عبد الله أخي إلى المنظرتين اللتين على القناطر المعروفتين بالحرارة والبرياصة للنزهة أيام النيل جرى بينهما مشاجرة في ولديهما فأحضرهما المستنصرين يديه وأنكر عليهما وقال‏:‏ ما يصل أحد من ولديكما إلى الأمر صاحبه معروف في وقته‏.‏

وشاهدت والدي المستنصر في مرضته التي توفى فيها وقد أحضر المستعلى وأخذه معه في فراشه وقبل بين عينيه وأسر إليه طويلاً وقد دمعت عيناه وفي اليوم الذي انتقل والدي في ليلته استدعى عمتي بنت الظاهر فأسر إليها من بيننا ومد يده إليها فقبلها وعاهدها وأشهد الله تعالى معلناً ومظهراً‏.‏

فلما انتقل في تلك الليلة حضر صبيحتها الأفضل ومعه الداعي والأمراء والأجناد ووقف بظاهر المقرمة ثم جلس وكلهم قيام وأخذ في التعزية ثم قال‏:‏ يا مولاتنا من ارتضاه للخلافة فقالت‏:‏ هي أمانة قد عاهدني عليها وأوصاني بأن الخليفة من بعده ولده أبو القاسم أحمد‏.‏

فحضر وبايعته عمتي وبايعه أخوه الأكبر عبد الله فأشار الأفضل إلى نزار فبايعه وأمر بالتوكيل على نزار وتأخيره فأخر إلى مكان لا يصلح له‏.‏

واستدعى الأفضل الداعي وأمره بأخذ البيعة من نفسه ومن الموالي والأستاذين‏.‏

وسألت عمتي الأفضل في نزار فرفع عنه التوكيل عليه بعد أن كلمه بكلام فيه غلظة ووالله ما مضى أخي نزار إلى ناصر الدولة أفتكين بالإسكندرية لطلب إمامة ولا لادعاء حق ولكن طالب بالزوال للأفضل وإبطال أمره لما فعله معه‏.‏

والله يلعن من يخالف ظاهره باطنه‏.‏

فشكرها الناس على ذلك‏.‏

وكان سبب حضور أخت نزار في هذا المجلس أن المأمون قال للآمر‏:‏ قد كشفت الغطاء وفعلت ما لا يقدر أحد على فعله وأما القصر فما لي فيه حيلة‏.‏

ولوح أن أخت نزار وأولادها لا يمكنني كشف أمرهم‏.‏

فلما بلغ أخت نزار ذلك حضرت إلى الخليفة الآمر لتبرئ نفسها ورغبت أن تخرج للناس لتقول ما سمعته من والدها وشاهدته ليكون قولها حجة على من يدعي لأخيها ما ليس له‏.‏

فاستحسن الآمر ذلك منها وأحضر المأمون وأخاه شقيقه أبا الفضل جعفر بن المستعلى واتفقوا على يوم يجتمعون فيه‏.‏

فلما كان في شوال عمل المجلس المذكور‏.‏

وأما النزارية فإنها تقول إن المستنصرمات والأفضل صاحب الأمر والمستحوذ على المملكة والجند جنده وغلمان أبيه لا يعرفون سواه وكان نزار لما يرى من غلبة الأفضل على الدولة يتكلم بما بلغه فينكره فلما مات المستنصر والأفضل متخوف من شر نزار أقام أحمد ابنه المستعلى لأنه زوج أخته ولأنه صغير‏.‏

وفيها أراد الآمر أن يحضر إلى دار الملك في يوم النوروز الكائن في جمادى الآخرة ويركب إليها في المراكب على ما كان عليه الأفضل فمنعه المأمون من ذلك وقال‏:‏ يا مولانا الأفضل لا يجري مجرى أمير المؤمنين‏.‏

وحمل إليه من الثياب الفاخرة برسم جهاته ماله قيمة جليلة‏.‏

وفي شوال بلغ المأمون أن جزيرة قويسنا ومنية زفتى ليس فيهما جامع فتقدم إلى بعض خواصه وخلع عليه فسار وبنى جامعا على شاطىء النيل بمنية زفتى وقرر فيه خطيباً وإماماً ومؤذنين وفرش وأطلق برسمه نظير ما للجوامع‏.‏

وفيه وصل الفقيه أبو بكر محمد بن محمد الفهري الطرطوشي من الإسكندرية بالكتاب الذي حمله‏:‏ سراج الملوك فأكرمه وأمر بإنزاله في المجلس المهيأ للإخوة وتقدم برفع أدوية الكتاب وأوطئة الحساب وسلام الأمراء وعمل السماط وسارع إلى البادهنج واستدعى بالفقيه‏.‏

فلما شاهده وقف ونزل عن المرتبة وجلس بين يديه ثم انصرف ومعه أخو المأمون إلى مكان أعد له وحمل إليه ما يحتاج له وأمر مشارف الجوالي أن يحمل له في كل يوم خمسة دنانير بمقتضى توقيع مقتضب فامتنع الفقيه وأبي أن يقبل غير الدينارين اللذين كانا له في الأيام الأفضلية‏.‏

وصار المأمون يستدعيه في يومي راحته ويبالغ في كرامته ويقضي شفاعاته‏.‏

وكان السبب في حضوره أنه تكلم في الأيام الأفضلية في أمور المواريث وما يأخذه أمناء الحكم من أموال الأيتام وهو ربع العشر وأمر توريث الابنة النصف فلم يقبل ذلك ففاوض المأمون فيه وقال‏:‏ هذه قضية وجدتها وما أحدثتها وهي تسمى بالمذهب الدارج ويقال إن أمير الجيوش بدر هو الذي استجدها وهي أن كل من مات يعمل في ميراثه على حكم مذهبه وقد مر على ذلك سنون وصار أمراً مشروعا فكيف يجوز تغييره‏.‏

فقال له الفقيه‏:‏ إذا علمت ما يخلصك من الله غيرها فلك أجرها‏.‏

فقال أنا نائب الخليفة ومذهبه ومذهب جميع الشيعة من الزيدي والإمامي والإسماعيلي أن الإرث جميعه للابنة خاصة بلا عصبة ولا بيت مال ويتمسكون بأنه من كتاب الله كما يتمسك غيرهم وأبو حنيفة رحمه الله يوافقهم في القضية‏.‏

فقال الفقيه‏:‏ أنا مع وجود العصبة فلا بد من عدتها‏.‏

فقال المأمون أنا لا أقدر أن أرد على الجماعة مذهبهم والخليفة لا يرى به وينقضه على من أمر به بل أرى بشفاعة الفقيه أن أرد الجميع على رأى الدولة فيرجع كل أحد على حكم رأيه في مذهبه فيما يخلصه من الله ويبطل حكم بيت المال الذي لم يذكره الله في كتابه ولا أمر به الرسول عليه السلام‏.‏

فأجاب إلى ذلك‏.‏

وأمر الوزير أن يكتب به وأن يكتب بتعويض أمناء الحكم عما يقتضونه من ربع العشر بتقرير جار لهم في كل شهر من مال الديوان على المواريث الحشرية وأخذ الفقيه في ذكر بقية حوائج أصحابه وكتب منه توقيع فرغت منه نسخ منها ما سير إلى الثغور وكبار الأعمال وشملته العلامة الآمرية وبعدها العلامة المأمونية‏.‏

ونسخته بعد البسملة‏:‏ خرج أمر أمير المؤمنين بإنشاء هذا المنشور عندما طالعه السيد الأجل المأمون أمير الجيوش ونعوته والدعاء وهو الخالصة أفعاله في حياطة المسلمين وذو المقاصد المصروفة إلى النظر في مصالح الدنيا والدين والهمة الموقوفة على الترقي إلى درجات المتقين والعزائم الكافلة بتشديد أحوال الكافة أجمعين شيمة خصه الله بفضيلتها جبلة أسعد بجلالها وشريف مزيتها‏.‏

والله سبحانه يجعل آراءه للتوفيق مقارنة وأنحاء الميامن كافلةً ضامنة من أمر المواريث وما أجراها عليه الحكام الدارجون بتغاير نظرهم وقرروه من تغيير عما كان يعهد بتغلب آرائهم وما دخل عليها منهم من الفساد والخروج بها عن المعهود المعتاد وهو أن لكل دارج من الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين مذاهبهم واعتقاداتهم تحمل ما يترك من موجوده على حكم مذهبه في حياته والمشهور من اعتقاده إلى حين وفاته فيخلص لحرم ذوي التشيع الوارثات جميع موروثهم وهو المنهج القويم لقول الله سبحانه‏:‏ "‏ وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏

ويحمل من سواهن على مذهب مخلفيهن ويشركهم بيت مال المسلمين في موجودهم ويحمل إليه جزء من أموالهم التي أحلها الله لهن بعدهم عدولاً عن محجة الدولة وخروجاً عما جاء به العباد من الأئمة الذين نزل في بيتهم الكتاب والحكمة فهم قراء القرآن وموضحو غوامضه ومشكلاته بأوضح البيان وإليهم سلم المؤمنون وعلى هديهم وإرشادهم يعول الموقنون فلم يرض أمير المؤمنين الاستمرار في ذلك على قاعدة واهية الأصول بعيدة من التحقيق خالية من المحصول ولم ير إلا العود فيه إلى عادة آبائه المطهرين وأسلافه العلماء المهديين صلوات الله عليهم أجمعين‏.‏

وخرج أمره إلى السيد الأجل المأمون بالإيعاز إلى القاضي ثقة الملك النائب في الحكم عنه بتحذيره والأمر له بتحذير جميع النواب في الأحكام بالمعزية القاهرة ومصر وسائر الأعمال دانيها وقاصيها قريبها ونائيها من الاستمرار على تلك السنة المتجددة ورفض تلك القوانين التي كانت معتمدة واستئناف العمل في ذلك بما يراه الأئمة المطهرة وأسلافه الكرام البررة وإعادة جميع مواريث الناس على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم إلى المعهود من رأي الدولة فيها والإفراج عنها برمتها لمستحقيها من غير اعتراض عليهم في قليلها ولا كثيرها وأن يضربوا عما تقدم صفحا ويطووا دونه كشحا منذ تاريخ هذا التوقيع وفيما يأتي بعده مستمرا غير مستدرك لما فات ومضى ولا متعقب لما ذهب وانقضى‏.‏

وليوف الأجل المأمون عضد الله به الدين بامتثال هذا المأمور والاعتماد على مضمون هذا المسطور وليحذر كلا من القضاة والنواب والمستخدمين في الباب وسائر الأعمال من اعتراض موجود أحد ممن يسقط الوفاة وله وارث بالغ رشيد حاضر أو غائب ذكرا كان أو أنثى من سائر الناس على اختلاف الأديان بشيء من التأولات أو تعقب ورثته بنوع من أنواع التعقبات إلا ما أوجبته بينهم المحاكمات والقوانين الشرعيات الواجبات نظراً إلى مصالح الكافة ومدا لجناح العاطفة عليهم والرأفة ومضاعفة للأنام وإبانةً عن شريف القصد إليهم والاهتمام‏.‏

فأما من يموت حشريا ولا وارث له حاضر ولا غائب فموجوده لبيت المال بأجمعه على الأوضاع السليمة والقوانين المعلومة القويمة إلا ما يستحقه خرج إن كان له أو دين عليه يثبت في جهته‏.‏

وإن سقط متوفى وله وارث غائب فليحفظ الحكام والمستخدمون على تركته احتياطاً حكميا وقانونا شرعيا مصوناً من الاصطلام محروساً من التفريط والاخترام فإن حضر وأثبت استحقاقه ذلك في مجلس الحكم بالباب على الأوضاع الشرعية الخالصة من الشبه والارتياب طولع بذلك ليخرج الأمر بتسليمه إليه والإشهاد يقبضه عليه‏.‏

وكذلك نمى إلى حضرة أمير المؤمنين أن شهود الحكم بالباب وجميع الأعمال إذا شارف أحد منهم بيع شيء مما يجري في المواريث من الترك التي يتولاها الحكام يأخذون ربع العشر من ثمن المبيع فيعود ذلك بالنقيصة في أموال الأيتام والتعرض إلى الممنوع الحرام اصطلاحاً استمروا على فعله واعتماداً لم يجر الأمر فيه على حكمه فكره ذلك وأنكره‏.‏

واستفظعه وأكبره واقتضى حسن نظره في الفريقين ما خرج به أمره من توفير مال الأيتام وتعويض من يباشر ذلك من الشهود جارياً يقام لكل منهم من الإنعام وأمر بوضع هذا الرسم وتعفيته وإبطاله وحسم مادته‏.‏

فليعتمد القاضي ثقة الملك ذلك بالباب وليصدر الإعلام إلى سائر النواب سلوكاً لمحجة الدين وعملاً بأعمال الفائزين السعداء المتقين بعد تلاوة هذا التوقيع في المسجدين الجامعين بالمعزية القاهرة المحروسة ومدينة مصر على رءوس الأشهاد ليتساوى في معرفة مضمونه كل قريب وبعيد وحاضر وباد ولتفرغ منه النسخ إلى جميع النواب عنه في الأعمال وليجلد في مجلس الحكم بعد ثبوته في ديواني المجلس والخاص الآمري وحيث يثبت مثله إن شاء الله تعالى حجة مودعة في اليوم وما بعده‏.‏

وكتب لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ست عشرة وخمسمائة‏.‏

ثم حضر الفقيه أبو بكر لوداع الوزير وعرفه ما عزم عليه من إنشاء مسجد بظاهر الثغر على البحر فكتب إلى ابن حديد بموافقة الفقيه على موضع يتخيره وأن يبالغ في إتقانه وسرعة إنجازه وتكون النفقة عليه من مال ديوانه دون مال الدولة‏.‏

وتوجه فبنى المسجد المذكور على باب البحر‏.‏

وأما المسجد الذي بالمحجة فإن المؤتمن عند مقامه بالثغر بناه‏.‏

وذكر للمأمون أيضا أن واحات البهنسا ليس بها جمعة تقام فأمر ببناء جامع بها ففرغ منه وأقيم فيه خطيب وإمام وقومة ومؤذنون وأطلق لهم ما هي عادة أمثالهم‏.‏

وقيل إن الذي أنشأه المأمون في وزارته وفي أيام الأفضل أحد وأربعون مسجداً مع ما أمر بتجديده بعد وزارته بالقاهرة ومصر وأعمالهما ما يناهز مائتي مسجد‏.‏

فيه بنيت دار ضرب بالقاهرة ودار وكالة‏.‏

وفي ذي القعدة مات الأمير السعيد محمود بن ظفر والي قوص‏.‏

وركب المأمون إلى الجامع الأزهر فلما كان وقت صلاة الصبح تقدم قاضي القضاة ثقة الملك أبو الفتح مسلم بن علي الراسعيني وصلى فلما قرأ الفاتحة لحقه زمع شديد وارتعد فلحن في الفاتحة وقرأ‏:‏ "‏ والشَّمْسِ وَضُحَاهَا ‏"‏ فلما قال‏:‏ "‏ نَاقَةَ اللّهِ وَسُقْيَاهَا ‏"‏ أرتج عليه فرد المؤتمن حيدرة أخو المأمون عليه فاشتد زمعه فكرر عليه الرد فلم يهتد وقال‏:‏ ‏"‏ وسقناها ‏"‏ بالنون‏:‏ فقرأ المأمون بقية السورة وسجد الناس‏.‏

وقام في الركعة الثانية وقد دهش فلم يفتح عليه بشيء فقرأ المأمون الفاتحة "‏ قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ ‏"‏ وقنت وهو معه يلقنه‏.‏

فلما انقضت الصلاة اشتد غضب المأمون وأمر متولى الباب بأن يختم المقرئون‏.‏

وتخيل المقام وخرج من الجامع فوكل بالقاضي من يمضي به إلى داره ويأمره بالمقام بها من غير تصرف حتى يحفظ القرآن وقرر له راتباً فيما بعد ولزم داره‏.‏

وأنفذ للوقت إلى القاضي أبي الحجاج يوسف بن أيوب المغربي من قضاة الغربية فأحضره وخلع عليه في القصر بذلة مذهبة وسلم به على الخليفة وسلم إليه السجل في لفافة مذهبة بنيابته في الكم العزيز والخطابة والصلاة وديوان الأحباس ودور الضرب بسائر أعمال المملكة ونعت فيه بالقاضي جلال الملك تاج الأحكام فقبله ووضعه على رأسه‏.‏

وتلى على منابر القاهرة ومصر‏.‏

وكان يحضر في يومي الاثنين والخميس إلى مجلس المظالم بين يدي المأمون ويستعرض القصص ويناقش فيها ويباحث مباحثة الفقهاء العلماء فزاد المأمون في إكرامه ورد إليه وكالة الخليفة وكتبت له الوكالة وشرف بالخلع‏.‏

وتولى قوص الأمير مؤيد الملك وخلع عليه وأمر أن يبنى بقوص دار ضرب وجهز معه مهندسين وضرابين وسكك العين والورق وعشرين ألف دينار وعشرين ألف درهم فضة فضربت هناك وصار ما يضرب باسم الآمر في ستة مواضع‏:‏ القاهرة ومصر وقوص وعسقلان وصور والإسكندرية‏.‏

وقرر للشيخ أبي جعفر يوسف بن أحمد بن حسديه بن يوسف الإسرائيلي الأصل لما قدم من الأندلس وصار ضيف الدولة جار وكسوة شتوية وعيدية ورسوم وأقطع داراً بالقاهرة وكتب له منشور نسخته بعد البسملة‏.‏

ولما كان من أشرف ما طرزت السيرة بقدره وأنفس ما وشحت الدول بجميل أثره تخليد الفضائل وإبداء ذكرها وإظهار المعارف وإيضاح سرها لا سيما صناعة الطب التي هي غاية الجدوى والنفع وورود الخبر بأنها قرينة إلى الشرع‏.‏

لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان خرج أمر سيدنا ومولانا لما يؤثره بعلو همته من إنماء العلوم وإشهارها واختصاص الدولة الفاطمية بإحياء الفضائل وتجديد آثارها ليبقى جمال ذلك شاهداً لها على مر الأيام متسقاً بما أفشاه لها من المآثر الجمة والمفاخر الجسام لشيخنا أبي جعفر يوسف بن أحمد بن حسديه أيده الله لصرف رعايته إلى شرح كتب أبقراط التي هي أشرف كتب الطب وأوفاها وأكثرها إغماضا وأبقاها وإلى التصنيف في غير ذلك من أنحاء العلوم مما يكون منسوباً إلى الأوامر العالية ورسم التوفر على ذلك والانتصاب له وحمل ما يكمل أولاً أولاً إلى خزائن الكتب وإقراء جميع من يحضر إليه من أهل هذه الصناعة وعرض من يدعيها واستشفافه فيما يعانيه فمن كملت عنده صناعته فليجره على رسمه ومن كان مقصراً فليستنهضه‏.‏

واعتمدنا عليه في ذلك لكونه مميزاً في البراعة في العلوم متصرفاً في فنونها مقدماً في بسطها وإظهار مكنونها ولأنه يبلغ الغرض المقصود في شرح هذه الكتب ويوفى عليه ويسلك أوضح السبل وأسدها إليه وفي جميع ما شرع له‏.‏

فليشرع في ذلك مستعيناً بالله منفسح الأمل بإنهاضنا له وجميل رأينا فيه بعد ثبوته في الدواوين إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب في ذي القعدة سنة ست عشرة وخمسمائة فانتصب لطالبي علم الطب وأقبل أطباء البلدين إليه واجتمع في أيدي الناس من أماليه كثير وجعل له يومين في الجمعة يشتغل فيهما ويتوفر في بقية الأسبوع على التصنيف وحمل ذلك إلى الخزائن واستخدم كاتبين لتبييض ما يؤلفه‏.‏

ولما أهل ذو الحجة جرى الحال في الهناء ومدائح الشعراء في القصر بين يدي الخليفة وبالدار المأمونية على الحال المستقرة واستقبله المأمون بالصيام وأخرج من ماله ما زاد عن المستقر في كل عام برسم الأطفال من الفقراء والأيتام من أهل البلدين وغيرهم ولم يتعرض لطلب ذلك من المميزين بحكم ما يعملونه من السنين المتقادمة‏.‏

ومما ابتكره ولم يسبقه إليه أحد أن استعمل ميقاط حرير فيه ثلاث جلاجل وفتح باب طاقة في الروشن من سور داره فصار إذا مضى شطر الليل وانقطع المشي طرت السلسلة ودلى الميقاط من الطاق وعلى هذا المكان جماعة مبيتون بحقه من المغاربة فمن حضر من الرجال والنساء بتظلمه سدد قصة في الميقاط بيده ويحركه بعد أن يقف من حضره على مضمون الرقعة فإن كانت مرافعةً لم يمكنوه من رفعها وإن كانت ظلامةً مكنوه من ذلك ويعوق صاحبها إلى أن يخرج الجواب‏.‏

وكان القصد بعمل ذلك أنه من حدث به ضرر من أهل الستر أو كانت امرأة من غير ذات البروز ولا تحب أن تظهر أو كانت مظلمة في الليل تتعجل مضرتها قبل النهار فلتأت لهذا الميقاط‏.‏

وحضرت كسوة عيد النحر وفرقت الرسوم على من جرت عادته بها خارجاً عما أمر به من تفرقة العين المختص بهذا العيد وأضحيته فكان منها سبعة عشر ألفا وستمائة دينار برسم القصور جميعها وجملة ما نحر وذبح الخليفة خاصة دون الوزير في ثلاثة أيام النحر ألف وتسعمائة وستة وأربعون رأساً منها نوق مائة وثلاثة عشر وبقر ثمانية عشر رأسا وجاموس خمسة عشر والبقية كباش ومبلغ المصروف على أسمطة الثلاثة أيام خارجاً عن أسمطة الوزير ألف وثلثمائة وستة وعشرون دينارا ومن السكر ثمانية وأربعون دينارا‏.‏

وعمل عيد الغدير على رسمه‏.‏

وركب الخليفة إلى قليوب ونزل بالبستان العزيزي لمشاهدة قصر الورد على العادة المستقرة والسنة المتقدمة وفرقت الصدقات في مسافة الطريق وضربت الخيم وقدمت الأسمطة‏.‏

ثم عاد في آخر النهار إلى قصره‏.‏

وفي هذه السنة سير المأمون وحشي بن طلائع إلى صور فقبض على مسعود بن سلار واليها لمخالفته وأحضره‏.‏

وفيها تجهز الأسطول وسارت المراكب فيها خمسة عشر ألف أردب قمحا وأقوات كثيرة إلى صور‏.‏

فلما وصل خرج إليه سيف الدولة مسعود واليها من جهة طغتكين فلما سلم عليهم سألوه النزول إليهم فلما حصل في المركب اعتقل وأقلع الأسطول به إلى مصر فأكرم وأنزل في دار وأطلق له ما يحتاج إليه وسبب القبض عليه كثرة شكوى أهل صور منه‏.‏

وفيها وصل البدل من ثغر عسقلان على العادة‏.‏

---------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: الدولة الفاطمية سنة 517 هـ   الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:56 pm

سنة سبع عشرة وخمسمائة

في غرتها عمل برسم أول العام ثم حزن عاشوراء فالمولد الآمري على ما جرى به الرسم‏.‏

وخلع على المؤتمن سلطان الملوك نظام الدين أبي تراب حيدرة أخي الوزير المأمون بدلة مذهبة خاص من لباس الخليفة وطوق ذهب وسيف ذهب بغير منطقة وشرف بتقبيل يد الخليفة في مجلسه وسلم إليه تقليد في لفافة مذهبة بولاية الإسكندرية والأعمال البحرية وشدت له الأعلام القصب والفضة والعماريات وحمل بين يديه الأكياس برسم التفرقة‏.‏

وحجبه الأمراء والأستاذون وقبل أبواب القصر ومضى إلى داره وأطلق له من ارتفاع ثغر الإسكندرية على الولايتين في الشهر خمسمائة دينار‏.‏

وثار اللواتيون وغيرهم بالصعيد الأدنى وقتلوا زين الدولة علي بن تراب الوالي وعاثوا في البلاد وأفسدوا‏.‏

فخرج إليهم المؤتمن أخو الوزير وتاج الدولة بهرام زنان الأرمن في عدة وافرة فانهزموا بين يديه وأحاط بما خلفوه من المواشي‏.‏

وبلغه نزول مراكب الروم والبنادقة وهي بضع وعشرون مركبا على الإسكندرية فبادر إليها المؤتمن فلما شاهده العدو أقلع فأخذ منهم عدة قطع‏.‏

وقدم على المؤتمن مشايخ اللواتيين والتزموا بحمل ثلاثين ألف دينار في نظير جنايتهم وأن يعفى عنهم فأجابهم الوزير إلى ذلك وحمل المال مع الرهائن‏.‏

وكان المؤتمن لما قدم إلى الثغر خيم بظاهره وقبل من القاضي مكين الدولة أبي طالب أحمد بن الحسن بن حديد بن أحمد بن محمد بن حمدون المعروف بابن حديد متولى الأحكام والإشراف بها ما حمله إليه على حكم الضيافة ثلاثة أيام ثم أمره بإنفاقها بعد ذلك إلا ما يقتضيه رسمه خاصة‏.‏

وأظهر كتاب أخيه الوزير بأن الغلال بالثغر وأعمال البحيرة كثيرة وكذلك الأغنام مع قطيعة العربان فمهما دعت الحاجة إليه برسم أسمطة العساكر يحمل ويساق وتكتب به الوصول على ما جرت به العادة‏.‏

وأمره ألا يقبل من أحد من التجار ضيافة ولا هدية‏.‏

وأظهر كتاباً آخر إلى مكين الدولة بأن يطلق في كل يوم من ارتفاع الثغر من العين ما يبتاع به جميع ما يحتاج إليه من الأصناف برسم الأسمطة للعساكر‏.‏

وكان يستخدم عليها من يراه من الشهود‏.‏

وكان تجار الثغر قد حملوا ثلاثة آلاف دينار فأبى المؤتمن قبولها وأمر بإعادتها إلى أربابها فأخذ مكين الدولة يتلطف في أن يكون عوض ذلك طرفاً وطيبا فأقسم أنه لا يقبل منهم شيئا‏.‏

واستمرت الأسمطة في كل يوم ولم يقبل لأحد هدية‏.‏

واتفق أن المؤتمن وصف له الطبيب دهن شمع والقاضي مكين الدولة حاضر فأمر في الحال بعض غلمانه بالمضي إلى داره ليحضر الدهن المذكور فلم يكن أكثر من مسافة الطريق حتى أحضر صراً مختوماً فك عنه فوجد فيه منديل لطيف مجاوم مذهب على مداف بللور فيه ثلاث بيوت كل بيت عليه قتد ذهب مشبكة مرصعة بياقوت وجوهر بيت دهن بمسك وبيت دهن بكافور وبيت دهن بغير طيب ولم يكن فيه شيء مصنوع لوقته‏.‏

فلما رآه المؤتمن والحاضرون عجبوا من علو قيمة القاضي وجليل رئاسته وسعة نفسه وحلف القاضي الحرام إن عاد إلى ملكه‏.‏

فقال المؤتمن قد قبلته منك ليس لحاجة إليه ولا نظر في قيمته بل لإظهار هذه الهمة وإذاعتها‏.‏

وذكر أن قيمة المداف المذكور خمسمائة دينار‏.‏

وخلع المؤتمن على القاضي بذلة مذهبة بطيلسان مقور وثياب حرير وقدم له دابة بمركب حلى ثقيل ثم خلع عليه في اليوم الثاني والثالث كذلك‏.‏

وخلع على أخيه حلتين مكللتين مذهبتين ورزمة فيها شقق حريرية مما يختص بالنساء‏.‏

وأنعم على كل من حواشيه وأصحابه‏.‏

وعاد إلى القاهرة فمدحه عدة من الشعراء‏.‏

وورد رسل ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق وآق سنقر صاحب حلب بالحث على غزو الفرنج وكبيرهم علي بن حامد الحاجب‏.‏

فلما وصلا باب الفتوح ترجلا وقبلاه ومشيا إلى أبواب القصور ففعلا مثل ذلك وأوقفا عند باب البحر قدر ما جلس الخليفة‏.‏

فجهز عسكر في البر مقدمه حسام الملك النرسي وسار الأسطول في أربعين شينياً فوصلوا إلى عسقلان وخرجت الغارات وعادت بالغنيمة‏.‏

فاجتمعت طوائف الفرنج وكتب إلى حسام الملك أن يقيم بالثغر ويلقى الفرنج عليه ولا يتعداه فخالف ذلك وتوجه مخفاً بغير ثقل ونزل على يافا فقتل وأسر‏.‏

فعندما قصده الفرنج رحل وهم يتبعونه حتى وافى تبنى فلقيهم هناك فانهزم العسكر من غير قتال وقتل الراجل بأسره وعاد من بقي مهزوما إلى عسقلان‏.‏

ووصل الخبر بذلك فأهم الآمر والمأمون واشتد الحنق على حسام الملك لسوء تدبيره فآل أمره بعد أمور إلى أن قتل‏.‏

فيها خرج أمر المأمون إلى الواليين بمصر والقاهرة بإحضار عرفاء السقائين وإلزام المتعيشين منهم بالقاهرة بحضورهم متى دعت الحاجة إليهم ليلاً ونهاراً‏.‏

ولذلك ألزم أصحاب القرب وتقرر أن يبيتوا على باب المعونة ومعهم عدة من الفعلة بالطواري والمساحي وأن يقوما لهم بالعشاء من أموالهما‏.‏

وعمل بعض التجار لابنته فرحا في إحدى الآدر المعروفة بالأفراح فتسور ملاك الدار على النساء وأشرفوا عليهن والعروس في المجلى فأنكر عليهم ذلك فأساءوا وأفسدوا على الرجل ما صنعه فخرج مستغيثا فخشوا عاقبة فعلهم فما زالوا به حتى كف عن شكواهم‏.‏

فلما حضر والي مصر بالمطالعة في الصباح إلى الوزير على عادته قيل له‏:‏ لم لا ذكرت في مطالعتك ما جرى للتاجر الذي عمل فرح ابنته فاعتذر بأن المرسوم له ألا يذكر ما يخرج عن السلامة والعافية ولم يتصل به ما جرى في الفرح‏.‏

فأسمعه ما أمضه وبين عجزه وتقصيره وقال له والسلامة والعافية فرسم بإحضار شاهدين ومهندسين وتوجهوا إلى سائر الدور المختصة بالأفراح وإحضار ملاكها فمن رغب في استمرار ملكه على حاله فليزل التطرق إليه ويكتب عليه حجة بالقسامة بذلك‏.‏

ومن لم يرغب فلتؤخذ عليه الحجة بألا يوجد ملكه للأفراح ويتصرف فيه على ما يريد‏.‏

فامتثل ذلك‏.‏

وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة‏.‏

وكتب لجميع الأعمال خلا قوص وصور وعسقلان بمطالعة كل وال منهم في مستهل كل شهر بمن حواه السجن والموجب لاعتقاله ويبين كل منهم ذلك ويعتمد فيه الحق‏.‏

وسبب ذلك أنه رفع إلى المأمون أن بعض الولاة يعتقل من لا يجب عليه اعتقال لطلب رشوة فتطول مدته‏.‏

وفيه قرر برسم رش ما بين البلدين مصر والقاهرة في كل يوم من اليومين اللذين يركب فيهما الخليفة مما يصرف للسقائين دينار واحد فاستمر ذلك يطلق لهم إلى الأيام الحافظية‏.‏

وكان سبب إطلاق هذا القدر أنه رفع للوزير المأمون أن واليي القاهرة ومصر يأخذان جميع السقائين أرباب الجمال والدواب لرش ما بين البلدين سخرةً بغير أجرة‏.‏

وفي جمادى الآخرة أعيد ثغر صور إلى ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق وكتب له بذلك وفخم فيه وعظم ونعت بسيف امير المؤمنين وجهزت إليه الخلعة وهي بدلة طميم منديلها طوله مائة ذراع شرب فيه ثمانية وعشرون ذراعا مرقومة بذهب عراقي وثوب طميم جميعه برقم ذهب عراقي سلف المنديل والثوب ألف دينار وثوب دبيقي وسطاني وثوب سقلاطون داري وثوب عتابي وشاشية دبيقي ولفافة وجميع ذلك في تخت مبطن عليه لفافة دبيقي وغير ذلك من الكساوى برسم نسائه وأصحابه‏.‏

وجهز الأمين الدولة جمشتكين صاحب صلخد بذلة مذهبة ومنديلها وعدة ثياب وغيرها‏.‏

في شعبان وصلت الأساطيل بمن فيها سالمين وقد غنموا شينيين من شواني الفرنج وبطشة كبرى وعدة من النساء والرجال‏.‏

وذكر للمأمون أن الأسرى المذكورين يؤخذ منهم في الفداء ما يزيد عن عشرين ألف دينار عينا فقال‏:‏ والله لا أبقي منهم أحدا قد قتل لنا خمسمائة رجل يساوون مائة ألف وقد أظفر الله بما يكون ديةً عنهم لا يشاع عنا أنا بعنا الفرنج وربحنا أثمانهم عوضا عن رجالنا‏.‏

وركب الخليفة بما جرت به العادة واصطفت العساكر بالعدد والأسلحة وعاد وخلع على الأمراء وعلى زمام الأسطول والرؤساء‏.‏

وحضرت الحجاب المندوبين لقتل الفرنج بأنهم لما شاهدوا الحال بذلوا في خلاص أنفسهم ثلاثين ألف دينار وأنه يرجى منهم أكثر من ذلك فكتب الجواب بالإنكار وإمضاء السيف فيهم فقتل الرجال بأسرهم وقد اجتمع الناس وضجوا بالتهليل والتكبير عند قتلهم فكان أمراً مهولاً‏.‏

وقد ذكر هذا اليوم عدة من الشعراء‏.‏

وجرى الرسم في أسمطة شهر رمضان والركوب إلى الجمع وفي كسوة غرة شهر رمضان على العادة‏.‏

وفيه سير هلال الدولة سواراً رسولاً إلى حرة اليمن وصحبته برسمها من التشريف مما لبسه الخليفة وما زج عرقه من الحلل المذهبات والملاءات الشرب المذهبة والشقق النفوسى والمغربي المقصور والإسكندراني المطرز جملة كثيرة في تخوت مدهونة مبطنة وسلال مملوءة من لحم الناقة التي نحرت بالمصلى واثنى عشر مجلساً من المساطير التي تقرأ كل خميس وعليها علامة الخليفة وكثير من النحاس القضيب والمرجان‏.‏

وكتب إليها كتابا في قطع الثلثين أوله‏:‏ من عبد الله ووليه المنصور أبي علي الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين ابن الإمام المستعلى بالله أمير المؤمنين صلى الله عليهما إلى الحرة الملكة السيدة الرضية الطاهرة الزكية وحيدة الزمن سيدة ملوك اليمن عدة الإسلام خالصة الإمام نصيرة الدين عصمة المسترشدين كهف المستجيرين ولية أمير المؤمنين وكافية أوليائه الميامين أدام الله تمكينها ونعمتها وأحسن توفيقها ومعونتها‏.‏

وفي آخره‏:‏ وأمير المؤمنين متطلع إلى علم أخبارك ومعرفة أنبائك فتواصلى بإنهاء المتجدد منها إن شاء الله‏.‏

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏

ويطوى مدوراً ويختم بحرير وأشرطة ذهب وعنبر ويجعل في خريطة‏.‏

فيه قرئ بالجامع العتيق منشور نسخته بعد التصدير‏:‏ بأننا لم نزل منذ ناطت بنا الحضرة المطهرة صلوات الله عليها الأمور وعولت على كفايتنا في سياسة الجمهور وردت إلينا النظر فيما وراء سرير خلافتها وفوضت إلى إيالتنا من مصالح دولتها وعبيدها ورعيتها في محاسن الأقعال ناظرين وعلى بسط العدل والإحسان على الكافة متوفرين وبحسن توفيق الله تعالى لنا واثقين وبمراشده الهادية مسترشدين فلا ندع وجهاً من دعوة البر إلا قصدناه ولا باباً من أبواب الخير إلا ولجناه ولا نعلم أمراً فيه قربى إلى الله سبحانه إلا وتقع المرتبة إلا أتيناه ولا شيئاً يعود بثواب الله وحسن الأحدوثة إلا اعتمدناه شيمة خصنا الله تعالى بميزتها وسجية أسبغ علينا جلاليب أمنها وسعادتها وعملاً في ذلك بشريف آراء الحضرة المطهرة صلوات الله عليها وجميل سيرتها واستمراراً على منهج الدولة الزاهرة خلد الله ملكها وكريم عادتها وذهاباً في ذلك مع سجيتها الحسنى ونشراً لأرج ذكرها في الأبعد والأدنى‏.‏

والله تعالى المسئول أن يعيننا على مصالح الدنيا والدين ويقضى لنا بالفوز المبين ويصلح لنا وبنا كل فاسد وينظم لنا عقود السعود والمحامد بمنه‏.‏

ولما كان أحسن ما تطرز به محاسن السير وتتناقل ذكره ألسنة البدو والحضر وتجنى ثمرته في الدنيا والآخرة وتحمد مغبته في العاجلة والآجلة التقرب إلى الله تعالى في كل أوان وابتغاء ثوابه في كل زمان لا سيما شهر رمضان الذي تزكوا فيه أفعال البر والصلاح وتتضاعف فيه الحسنات في الغدو والرواح رأينا ما خرج به أمرنا من كتب هذا المنشور بمسامحة كافة سكان الرباع السلطانية بالقاهرة ومصر من الأدر والحمامات والموانيت والمعاصر والأخونة والطواحين والعرس وجميع ما يجري في الرباع خارجاً من ريع الأحباس وريع المواريث المنصرف مستخرج ارتفاعها فيما يجري هذا المجرى من وجوه البر بأجرة شهر رمضان من كل سنة لاستقبال رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة وما بعدها إحسانا يسير ذكره كل مسير وتعظيماً‏.‏

لحرمة هذا الشهر العظيم الخطير الذي فضله الله على جميع الشهور وأنزل فيه قرآنه المجيد وفرض صيامه على أهل التوحيد وحضهم فيه على الأفعال المزلفة لديه ووعد من عمل فيه خيراً بمضاعفة الجزاء عليه‏.‏

فليعتمد العمل بما تضمته هذا المنشور وحطيطة أمره شهر رمضان عن جميع سكان الربع المذكور لاستقبال التاريخ المقدم منسوباً ذلك إلى القرب الصالحة والتجارة الرابحة ويفسح في جميع الدواوين حجة بمودعه وليجلد بالمسجد الجامع العتيق بمدينة مصر منعاً لمن يروم المطول فيه أو يفض شيئا فلما قرئ هذا المنشور ضج العامة بالدعاء ونظم فيه عدة من الشعراء وجرى الرسم في وصول كسوة العيد وهي العدة الكثيرة وتفريقها على العادة‏.‏

وعمل الختم في آخر الشهر بالقصر والجوامع والمساجد وحصل الاهتمام بالعيد وركب الخليفة إلى المصلى على العادة وصلى بالناس صلاة العيد وخطب وحضر السماط‏.‏

وجرى الحال في يوم عاشوراء وفي المولد الآمري على المألوف‏.‏

فيه كان المولد العيسوي ففرق ما جرت به العادة من الجامعات القاهرية والجامات السميذ وقرابات الجلاب وطيافير الزلابية والبورى على أصحاب الرسوم‏.‏

وعمل في شهر ربيع الأول المولد الكريم وفرق المال على الرسم‏.‏

وفيها وصل رسول الأمير تاج الخلافة أبي منصور حسن بن علي بن يحيى بن تميم بن معز ابن باديس صاحب المهدية يخبر بانحيازه للدولة وأن رجار بن رجار صاحب صقلية تواصلت أذيته وقد استعد لمحاربته وسأل أن يسير لرجار يمنعه من ذلك‏.‏

فسير إليه مصطنع الدولة علي بن أحمد بن زين الخد فأصلح بينهما‏.‏

وفيها نقل المأمون الرصد من الجبل المطل على راشدة إلى علو باب النصر بالقاهرة‏.‏

وفيها توفى ولي الدولة أبو البركات بن عبد الحقيق داعي الدعاة فاستقر عوضه أبو محمد حسن بن آدم وكان يدعى بالقاضي لأبوته وسنه واشتهاره بالعلم‏.‏

فبعث الآمر بأحكام الله إلى الوزير المأمون أن يستخدم أبا الفخر صالحاً فذكر المأمون أن أكثر المجالس التي كانت تعمل في أيام النعمان بخط أبيه وأن أبا الفخر حدث السن ولا يماثل المذكور في العلم وأضيف إليه الخطابة بالجامع الأزهر مع قراءته الكتب‏.‏

وورد الخبر بأن الفرنج افتدوا بغدوين رويس الملك بثمانين ألف دينار وثلاثين أسيراً من المسلمين‏.‏

وكان صاحب حلب قد أسره في وقعة له مع الفرنج‏.‏



وعمل ما جرى به الرسم في مواسم السنة‏.‏



وفيها جرت عمارة سور الإسكندرية‏.‏



وفيها حمل إلى عسقلان ثلاثة وعشرون ألفا وستمائة وأحد وثلاثون إردبا من الغلال‏.‏

--------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: الدولة الفاطمية سنة 518 هـ وسنة 519هـ   الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:59 pm

سنة ثمان عشرة وخمسمائة

فيها ملك الفرنج مدينة صور واستمرت بأيديهم حتى زالت الدولة الفاطمية‏.‏

وكان أخذهم إياها بعد محاصرتها مدة وتقاصر المأمون عن نجدتهم وأعانهم طغتكين صاحب دمشق ووصل إلى بانياس وراسل الفرنج فاستقر الأمر على أن الفرنج تستولي عليها بالأمان فخرج أهلها بما خف حمله وتفرقوا في البلاد‏.‏

وكان تملكهم لها في يوم الاثنين ثالث عشري جمادى الآخرة‏.‏

وفيها أمر ببناء دار واسعة ليتفرج الناس فيها عند كسر خليج القاهرة بالكراء‏.‏

وذلك أن الناس عند كسر الخليج كانوا يصنعون أخشاباً متراكبةً بعضها على بعض يجلسون فوقها للتفرج يوم كسر الخليج ولم يكن هناك غير دار الأمير أبي عبد الله محمد بن المستنصر ودار ابن معشر‏.‏

ولم تزل هذه الأدر الثلاثة إلى أن احترقت في نوبة شاور‏.‏

فيها مات بألموت الحسن بن صباح كبير الإسماعيلية وقد تقدم أنه ورد مصر في أيام المستنصر وسار إلى المشرق بدعوته واستولى على قلعة ألموت واعتقد إمامه نزار بن المستنصر وأنكر إمامة المستعلى وإمامة الآمر‏.‏

وانتدب عدة لقتل الأفضل ابن أمير الجيوش فلما تقلد المأمون البطائحي وزارة الآمر بعد قتل الأفضل بلغه أن ابن صباح والباطنية فرحوا بموت الأفضل وأنهم تطاولوا لقتل الآمر والمأمون وأنهم بعثوا طائفةً لأصحابهم بمصر بأموال‏.‏

فتقدم المأمون إلى والي عسقلان بصرفه وإقامة غيره وأمره بعرض أرباب الخدم بها وألا يترك فيها إلا من هو معروف من أهل البلاد وأكد عليه في الاجتهاد والكشف عن أحوال الواصلين من التجار وغيرهم وأنه لا يثق بما يذكرونه من أسمائهم وكناهم وبلادهم بل يكشف من بعضهم عن بعض ويفرق بينهم ويبالغ في الاستقصاء‏.‏

ومن يصل ممن لم تجر عادته بالمجيء إلى البلاد فليعوقه بالثغر ويطالع بحاله وما معه من البضائع ولا يمكن جمالاً من دخول مصر إلا أن يكون معروفا متردداً إلى البلاد ولا يسير قافلة إلا بعد أن يتقدم كتابه إلى الديوان بعدة من فيها وأسمائهم وأسماء غلمانهم وأسماء الجمالين وذكر أصناف البضائع ليقابل بها في مدينة بلبيس وعند وصولهم إلى الباب وأنه يكرم التجار ويكف الأذى والضرر عنهم‏.‏

ثم تقدم المأمون إلى والي مصر ووالي القاهرة بأن يصقعا البلدين شارعاً شارعاً وحارةً حارةً وزقاقاً زقاقاً وخطاً خطاً ويكتبا أسماء سكانها ولا مكنا أحداً من النقلة من منزل إلى منزل حتى يستأذناه ويخرج أمره بما يعتمد في ذلك‏.‏

فمضيا لذلك وحررا الأوراق بأسماء جميع سكان القاهرة ومصر وذكر خططهما والتعريف بكنية كل واحد وشهرته وصناعته وبلده ومن يصل إلى كل خط وحارة من الغرباء‏.‏

فلما عرف ذلك المأمون انتدب نساء من أهل الخبرة والمعرفة للدخول إلى جميع المساكن والاطلاع على أحوال ساكنيها الباطنية ومطالعته بجميع ما يشاهدنه فيها فكانت أحوال كافة الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين أجناسهم من ساكني مصر والقاهرة تعرض عليه ولا يكاد يخفى عنه منها شيء ألبتة‏.‏

فامتنع لذلك الباطنية مما كانوا قد عزموا عليه من الفتك بالآمر وبالمأمون لكفهم ثم إنه مع ذلك أركب العسكرية وفرقهم في جهات البلدين وأمرهم بالقبض على جماعة عينهم فقبض على جماعة كثيرة منهم رجل كان يقرئ أولاد الخليفة الآمر ومنهم رسل كان ابن صباح قد سيرهم بمال لينفق على من بمصر ممن يرى رأيهم‏.‏

فكان هذا معدوداً من عظيم الحزم وقوة التدبير‏.‏

ومع ذلك كان له القصاد والجواسيس وأصحاب الخبر في كل قطر فإذا خرج الباطني من قلاع ألموت لا تزال أخباره ترد عليه شيئاً بعد شيء منذ يخرج من مكانه حتى يرد بلبيس فيسير إليه من ينقض عليه في مكانه الذي نزل فيه ويأتيه به فيقتله‏.‏

وصار من أجل ذلك وبسببه يرد عليه أخبار كل جليل وحقير من سائر مملكته حتى كان يرى ويسمع كل ما يتفق في ليل أو نهار‏.‏

وامتنع من الباطنية إلى أن مات رئيسهم الحسن بن صباح بعد ما ملك من الشام جبل عاملة وحصن العليق والكهف ومصياث والخوابي وحصن الأكمة وقلعة العيدين ثم امتدت مملكته بعد موته إلى حد شرقي آذربيجان وبحر طبرستان وجرجان‏.‏

سنة تسع عشرة وخمسمائة

فيها قبض الخليفة الآمر على وزيره المأمون في ليلة السبت لأربع خلون من شهر رمضان وقبض على إخوته الخمسة مع ثلاثين رجلاً من أهله وخواصه واعتقله‏.‏

فوجد له سبعون سرجا من ذهب مرضع ومائتا صندوق مملوءة كسوة بدنه‏.‏

ووجد لأخيه المؤتمن أربعون سرجا بحلى ذهب وثلثمائة صندوق فيها كسوة بدنه ومائتا سلة ما بين بلور محكم وصيني لا يقدر على مثلها ومائة برنية مملوءة كافور قنصوري ومائة سفط مملوءة عوداً ومن ملابس النساء ما لا يحد‏.‏

حمل جميع ذلك إلى القصر وصلبه مع إخوته في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

ويقال إن سبب القبض عليه أنه بعث إلى الأمير جعفر بن المستعلى أخي الآمر يعزيه بقتل أخيه الخليفة ووعده أنه يعتمد مكانه في الخلافة فلما تعذر ذلك بينهما بلغ الشيخ الأجل أبا الحسن علي بن أبي أسامة كاتب الدست وكان خصيصا بالآمر قريبا منه وكان المأمون يؤذيه كثيرا‏.‏

فبلغ الخليفة الحال وبلغه أيضا أن بلغ نجيب الدولة أبا الحسن إلى اليمن وأمره أن يضرب السكة ويكتب عليها‏:‏ الإمام المختار محمد بن نزار‏.‏

ويقال إنه سم مبضعاً ودفعه لفصاد الخليفة فأعلم الفصاد الخليفة بالمبضع‏.‏

ومولده في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وقيل في سنة تسع‏.‏

وكان من ذوي الآراء والمعرفة التامة بتدبير الدول كريما واسع الصدر سفاكا للدماء شديد التحرز كثير التطلع إلى أحوال الناس من الجند والعامة فكثر الواشون والسعاة بالناس في أيامه ويقال إن أباه كان من جواسيس الأفضل بالعراق وأنه مات ولم يخلف شيئا فتزوجت أمه وتركته فقيرا فاتصل بإنسان يعلم البناء بمصر ثم صار يحمل الأمتعة بالسوق بمصر وأنه دخل مع الحمالين يوما إلى دار الأفضل فرآه خفيفاً رشيقاً حسن الحركة حلو الكلام فأعجب به فاستخدمه مع الفراشين بعد ما عرف بأنه ابن فلان فلم يزل يتقدم عنده حتى كبرت منزلته وعلت درجته‏.‏

وهذا ليس بصحيح فإنه من أجناد المشارقة وقد تقدم أن أباه مات في زمن الأفضل بعد ما ترقت أحول ولده وأنه كان ممن يعد من أماثل أهل الدولة‏.‏

ورثى بعدة قصائد‏.‏

وتقدم أن المأمون كان ممن يخدم المستنصر وأنه الذي لقبه بالمأمون‏.‏

على أن المشارقة زادوا في التشنيع وذكروا أنه كان يرش الماء بين القصرين وكل ذلك غير صحيح‏.‏

وكان المأمون شديد المهابة في النفوس وعنده فطنة تامة وتحرز وبحث عن أخبار الناس وأحوالهم حتى إنه لا يتحدث أحد من سكان القاهرة ومصر بحديث في ليل أو نهار إلا ويبيت خبره عند المأمون ولا سيما أخبار الولاة وعمالهم‏.‏

ومشت في أيامه أحوال البلاد وعمرت وساس الرعايا والأجناد وأحسن سياسته إلا أنه اتهم بأنه هو أقام أولئك الذين قتلوا الأفضل وأعدهم له وأمرهم بقتله ليجعل له بذلك يداً عند الخليفة الآمر ولأنه كان يخاف أن يموت الأفضل فيلقى من الآمر ما يكرهه لأنه كان أكبر الناس منزلةً عند الأفضل ومتحكما في جميع أموره‏.‏

وكان مع ذلك محببا إلى الناس لكثرة ما يقضيه من حوائجهم ويتقرب به من الإحسان إليهم ويأخذ نفسه بالتدبير الجيد والسيرة الحسنة بحيث لو قدر موته لزار الناس قبره تبركاً به‏.‏

واتهم أيضا بأنه هو الذي قتل أولاد الأفضل وأولاد أخيه الأوحد وأولاد أخيه المظفر وكانوا نحو مائة ذكر ما بين كبير وصغير فقتلوا بأجمعهم ولم يبق منهم سوى صغير نحيف يسمى أحمد أبا علي ويلقب بكتفيات فيقال إنه احتقره لما كان يرى فيه من العي والانقطاع فكان منه ما يأتي خبره إن شاء الله تعالى‏.‏

واتهم أيضاً بقتل الأمير حسام الملك أفتكين صاحب الباب في أيام الأفضل لتخوفه منه وذلك أن حسام الملك دخل مرة على الآمر للسلام فلما خرج قال الآمر‏:‏ والله إنك لأمير حسن فإنه كان جميلا تام القامة وفيه عجب وتيه‏.‏

فبلغ ذلك المأمون فقامت قيامته وأخذ في العمل عليه حتى أخرجه في العساكر التي يقال إن عدتها عشرون ألفاً فكان من خبره على عسقلان مع الفرنج ما كان وقتل من أصحابه يومئذ ما يزيد على عشرة آلاف وعاد حسام الملك فبعثه إلى الإسكندرية ودس عليه من قتله‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ ولما دفن الأفضل استعمل الآمر هذا الرجل وكان يخاطب بالقائد من خدمة الأفضل في الوساطة دون الوزارة ونعته بجلال الإسلام‏.‏

واستمر على ذلك ثم كمل له الوزارة وخلع عليه خلعة الوزارة إلا الطيلسان المقور فباشرها وكان متيقظاً قد حذق الأمور ودربها من صحبة الأفضل وطول خدمته إياه‏.‏

وكان بالدار التي بالسيوفيين بالقاهرة وهي اليوم مدرسة للحنفية وأخذ يصب على تغلب الأفضل مع الآمر فصار يتغلب على الآمر في واحدة بعد واحدة من الجفاء والإقدام والآمر يملى له ويحتمله حتى استوحش كل منهما من الآخر‏.‏

وكان له أخ ينعت بالمؤتمن أبي تراب حيدرة فرأى من الرأي أن يولي أخاه جانباً عظيما من ديار مصر ويجعل معه عسكر النجدة ردءاً إذا قصده الخليفة بضرر فإنهما دام أخوه يكون حاميا له فيكون هو من داخل وأخوه من خارج‏.‏

وجرد معه مائة فارس من شدة الأجناد وكبرائهم وأضاف إليهم أمثالهم مثل علي بن السلار وتاج الملوك قايماز وسيف الملك الجمل ودرى الحرون وحسام الملك بسيل وكل واحد من هؤلاء جيش بمفرده والخليفة يعلم ذلك ولا يرده عليه‏.‏

وزاد في معناه حتى قيل إن الخليفة اطلع على أنه ادعى الخلافة وأنه من ولد نزار من جارية خرجت من القصر وهي حامل عندما خرج نزار إلى الإسكندرية فانزعج الخليفة لذلك‏.‏

ثم إنه سير إلى اليمن الموفق علي بن نجيب الدولة وكان من أهل الأدب فصيحاً داهية ليحقق لنسبه هناك ويدعو الناس إلى بيعته فلما قيل للآمر هذا ما شك فيه وأخذ يتحيل في الإيقاع به بعد عود أخيه من ولايات الإسكندرية والغربية والبحيرة والجزيرتين والدقهلية والمرتاحية فاختلق الآمر قضية يلتمسها من الإسكندرية وهو مقيم بها فسير أستاذاً من ثقاته ظاهره فيما ندبه إليه وباطنه في العلم على المأمون وأخيه وقال له‏:‏ أحرص على اجتماعك بعلي ابن السلار في المسايرة وسلم عليه عنا وقل له وقل له إننا ما زلنا نلتفت إليه وندخره لمهماتنا ونتحقق فيه الموافاة لنا وإنا بحمد الله قادرون على المكافأة بالخير أكثر من غيرنا وقد تلونت أحوال المأمون وبالغ في عقوقنا بأشياء لا يتسع لها ذكرنا‏.‏

ومقصودنا أن تكتم عنا ما نقول لك‏.‏

فلما بلغه الأستاذ ذلك عن الآمر قال‏:‏ السمع والطاعة لمولانا وأنا مملوكه وأذل نفسي في خدمته‏.‏

فقال الأستاذ‏:‏ هكذا والله قال عنك‏.‏

قال ابن السلار‏:‏ فما يأمر به قال‏:‏ تحد رجالك بأجمعهم في الانفصال عن المؤتمن أنت ومن تثق به‏.‏

فلما تقرر ذلك اتفق علي بن السلار وهو وقايماز ودرى الحرون وكانوا أمراء الجماعة فتفرقوا عنه وتبعهم الباقون فانفرد المؤتمن واستوحش وكاتب أخاه المأمون بذلك فما اتسع له أن يتتبع الأمراء ولا ينكر عليهم ليرجعوا إلى أخيه لعلمه بتغير الخليفة عليه مخافة أن يفسد أمره ظاهرا وباطنا‏.‏

فحضر إلى الخليفة يوم سلام على عادة الوزراء وتقدم وقال‏:‏ يا مولانا صلوات الله عليك وصل كتاب أخي يتذمم من طول مقامه خارج القاهرة وأسفه على ما يفوته من خدمة مولانا بالمباشرة ويسأل الفسحة له في العودة إلى بابه الكريم فقال‏:‏ مرحبا وأهلا وهذا كان رأينا ونحن مشتاقون إليه وإنما قصدنا رضاك فيما رتبته له‏.‏

يقدم على بركة الله‏.‏

فكوتب عن الخليفة بالعود وأن يرتب في ولاياته من يرضاه‏.‏

فامتثل ذلك‏.‏

ودخل القاهرة فجلس الخليفة له في غير وقت الجلوس فمثل بين يديه وأكرمه وأدناه وخلع عليه بالتشريف المفخم‏.‏

فلما دخل شهر رمضان وفيه السماط كل ليلة بقاعة الذهب ويحضر الوزير وإخوته وأصحابه فحضر المأمون وأخوه المؤتمن السماط أول ليلة فأكرمهما الآمر بما أخرجه لهما مما كانت يده فيه وأرسل رسالة إلى المؤتمن ليستأنس بحضوره السماط مع أخيه فلم يتسع لهما مع هذه المكارمة الانقطاع‏.‏

وحضرا ثاني ليلة فزاد في إكرامهما ثم أمر بأن يدخل المأمون لمؤاكلته خاصة دون أخيه فدخل إليه ولم يتقدمه أحد من الوزراء بمثل ذلك يعنى بهذه المنزلة‏.‏

وخرج هو وأخوه وأكد عليهما ألا ينقطعا وخلع عليهما من داخل الدار من الثياب الدارية‏.‏

ثم حضرا ثالث ليلة فاستدعى المأمون إلى الخليفة فلما جلس معه على المائدة قال قد جفونا المؤتمن واستدعاه فدخل وصارا في قبضته‏.‏

وكان قد رتب لهما من يأخذهما فعند خروجهما للمضي قبض عليهما واعتقلهما عنده في خزانة وسير بالحوطة على دورهما‏.‏

ثم أمر بإحضار الشيخ الأجل أبي الحسن بن أبي أسامة كاتب الدست لينشيء شيئاً في شأنهما يقرؤه على المنبر غداً فوجد الشيخ أبو الحسن بمصر لعيادة مريض فتقدم إلى والي القاهرة في الليل بأن يمضي إلى مصر لإحضاره‏.‏

فظن والي القاهرة أنه طلب لغير ذلك وكان يقال له سعد الدولة الأحدب فمضى إليه وأزعجه من مكانه وسبه أقبح سب وأراد إحضاره إلى القاهرة ماشياً‏.‏

فأحضره إلى الخليفة وهو ميت لا حراك به فقال له ما هذا فأخبره بقضيته مع الوالي فغضب على الوالي وأمر بخلع أخفافه من رجليه وصفعه بهما حتى تقطعا على قفاه وصرفه من الولاية‏.‏

وأطلع الشيخ أبا الحسن على قضية المأمون وأخيه فقال يا مولانا‏:‏ هما نشو أيامك ومماليك دولتك‏.‏

فقال لبعض الأستاذين خذ هذا الشيخ وصوبه إلى المذكورين لينظرهما في اعتقالهما وينقطع رجاؤه منهما‏.‏

فأدخله إليهما فرآهما مكبلين في الحديد وعليهما احتياط عظيم فأنشأ للوقت سجلاً كان من استفتاحه‏:‏ أما بعد فإن محمد بن فاتك استنجح فما نجح واستصلح فما صلح وجهل رفع قدره فغدا لهبوط وقابل الإحسان إليه بدواعي القنوط‏.‏

وكل ذلك في تلك الليلة‏.‏

فلما أصبح الصباح جلس الخليفة في الشباك بالإيوان ونصب كرسي الدعوة أمامه وطلع قاضي القضاة عليه وقرأه بعد اجتماع الأمراء وأرباب الرتب والعوام فلم ينتطح فيها عنزان‏.‏

ويقال إن الخليفة كان يقول‏:‏ أعظم ذنوبه عندي ما جرى منه في حق صور وإخراجها من يد الإسلام إلى الكفر‏.‏

وبقيا في الاعتقال هما وأميران اتهما في خزانة البنود‏.‏

وسير لإحضار الذي كان أنفذه المأمون إلى اليمن ليقتلهم جميعا‏.‏

وتفرغ الآمر لنفسه ولم يبق له فعل ولا مزاج وبقي بغير وزير‏.‏

وأقيم صاحبا ديوان الاستخراج بما يجب من زكاة ومقس أحدهما مسلم يقال له جعفر بن عبد المنعم بن أبي قيراط والآخر سامري يقال له أبو يعقوب إبراهيم وأقيم معهما مستوف لهاتين المعاملتين وكان راهبا فكانوا يستخرجون ذلك من أربابه ويدخل صاحبا الديوان إلى الآمر في كل وقت ومعهما المصحف والتوراة فيحلفان له أنهما لا يتعرضان إلا لمن يجب عليه لبيت المال حق‏.‏

فيحملها في ذلك على الصدق وربما اشتطا على الناس وزاد عليهم ما لا يجب زيادته فتأذى بسببهما جماعة والآمر لا يطلع على ذلك ولا أشاربه‏.‏

واستمرا على ذلك مديدة‏.‏

----------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Empty
مُساهمةموضوع: الدولة الفاطمية في الفترة ( 520هـ - 524هـ)   الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 10:03 pm

سنة عشرين وخمسمائة

فيها جهز الآمر المنتضى بن مسافر الغنوي بخلع سنية وتحف مصرية وثلاثين ألف دينار للأمير البرسقي صاحب الموصل فلما كان في أثناء الطريق سمع بموته فرجع بما معه إلى الآمر‏.‏

وفيها قدم الأمير الرئيس مهران بن عبد الرحيم مصنف سيرة الفرنج الخارجين على بلاد الإسلام في هذه السنين برسالة من صاحب حلب‏.‏

وفي شوال كان بدء أمر الراهب‏.‏

وذلك أن راهباً من النصارى يعرف بأبي نجاح ابن فنا كتب إلى الآمر رقعة في الكتاب النصارى من الأقباط يذكر أنهم قد أخذوا أموال الدولة واستولوا عليها وضمن أنه يحقق في جهاتهم ما يملأ بيوت الأموال‏.‏

فتقدم الخليفة بأن يمكن من الدواوين ويساعد على ما يخرجه من الحسبانات ولقب بالأب القديس الروحاني النفيس أبي الآباء سيد الرؤساء مقدم دين النصرانية وسيد البطريركية ثالث عشر الحواريين‏.‏

وكان الآمر لما انفرد بالأمر بعد القبض على وزيره المأمون وبقي بغير وزير دانت له الدنيا‏.‏

وكان معظماً كثير الجود إلى الحد الذي لا مزيد عليه فكثر الخير في تلك الأيام وفرح الناس بالفوائد وتردد المسافرون والتجار وجلبت البضائع وزاد الحاصل في الخزائن من كل صنف مضافاً إلى ما كان فيها وحسنت السيرة في الرعية وأباح للناس والجنود ما كان الأفضل حظره عليهم من الملبوس والتجمل فما برح الناس في خيرات دارة ونعم متزايدة إلى أن تمكن الراهب من الدواوين واشتد في مطالبة النصارى وضمن في جهاتهم الأموال وحملها أولاً فأولاً وكان قد حصل لهم في أيام الأفضل والمأمون ما يزيد عن الوصف‏.‏

فلما تمكن الراهب من النصارى واستطاب ما فيها ركب الآمر لينظر جوسق البغدادي أبي الحسن علي بن محمد بن سعدون بالقرافة فإنه كان من أحسن جواسق القرافة وأفخرها بناء فلما قرب منه سقط عن فرسه إلى الأرض فهنئ بالسلامة وقيل في ذلك عدة أشعار‏.‏

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

فيها أحضر الموفق في الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجيب الدولة داعي اليمن الذي سيره الوزير المأمون بن البطائحي فدخل في يوم عاشوراء على جمل بطرطور ومعه مشاعلية بهيئة ملائكة وخلفه قرد يصفعه وهو يقول بقوة نفس‏:‏ والله لا ألتفت‏.‏

فأدخل خزانة البنود وسجن مع المأمون‏.‏

فيها كثرت مصادر الراهب للكتاب والعمال وتسلسل الأمر إلى التجار وأرباب الأموال وندب معه مقداد والي مصر وسعد الدولة والي القاهرة للشد منه فتنكد الناس وخرج كثير من أهل مصر إلى الآفاق‏.‏

وأخذ الراهب يحسن للآمر أن يحمل إليه مال الأيتام من مودع الحكم‏.‏

وفيها مات قاضي القضاة جلال الملك تاج الأحكام أبو الحجاج يوسف بن أيوب ابن إسماعيل المغربي الأندلسي وكان أولا قد أقرأ المؤتمن أخا المأمون القرآن والنحو فولاه قضاء الغربية ثم نقل منها إلى قضاء القضاة بعد واقعة ابن الرسعني بوساطة المؤتمن‏.‏

واستقر بعد وفاته في قضاء القضاة أبو عبد الله محمد بن هبة الله بن الميسر القيسراني‏.‏

وكان أبو الحجاج عاقلا‏.‏

عرض عليه الآمر أن يلي الدواوين مضافاً إلى ما يتولاه من قضاء القضاة والمظالم فاستشار في ذلك بعض أصحابه فأشار بالقبول فقال‏:‏ إني لا أحسن صنعة الكتابة فقال له‏:‏ تجعل بين يديك من يوضح لك الأمر والتدبير ويدلك على سر الصناعة‏.‏

فقال‏:‏ ألا ترى إلا أني قد رضيت أن أكون من الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلة وعائد واستحضرت من يدلني على ما أجهل فكيف أصنع بين يدي السلطان لقد حكمت إذاً على نفسي بحكم حيف وأوردتها خطة خسف‏.‏

وحمد الله‏.‏

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

فيها وصلت رأس بهرام الباطني‏.‏

وكان طغتكين أتابك الملقب ظهير الدين قد وهب له بانياس خوفاً من شره فأفسد جماعةً بالشام وجرت له خطوب آلت إلى قتله وحملت رأسه إلى الآمر‏.‏

وفيها رتب قاضي القضاة أبا عبيد الله محمد بن ميسر مشارفاً على ثقة الدولة ابن أبي الرداد في قياس الماء وعمارة المقياس وعمل مصالحة فاستمر إلى أن قتل ابن ميسر ثم بطل فلم ينظر أحد في هذه المشارفة‏.‏

وفي رجب عمل للآمر في الخاقانية وكانت من خاص الخليفة قصر من ورد فسار إليها وحده بضيافة عظيمة‏.‏

فلما استقر هناك خرج إليه أمير يقال له حسام الملك أحد الأمراء الذين كانوا مع المؤتمن أخي المأمون في سفره في البلاد التي كان يتولاها وتخاذل مع ابن السلار عنه وهو لابس لأمة حربه والتمس المثول بين يدي الخليفة‏.‏

فاستثقل ما جاء به في ذلك الوقت لأنه مناف لما فيه الخليفة من الراحة والنزهة فمنع من ذلك وصد عنه فقال لجماعة من حواشي الخليفة‏:‏ أنتم منافقون على الخليفة إن لم أصل إليه وهو يطالبكم بذلك ويعاقبكم عليه‏.‏

فأطلعوا الخليفة على أمره فأمر بإحضاره‏.‏

فقال‏:‏ يا مولانا لمن تركت أعداءك يعني المأمون وأخاه هذا والعهد قريب أأمنت الغدر فما أجابه إلا وهو على ظهور الرهاويج من الخيل فلم تمض ساعة إلا وهو بالقصر يمضي إلى مكان إعتقال المأمون أخيه فوجدهما على حالهما فزادهما وثاقاً وحراسة‏.‏

فلما كان في ليلة العشرين منه قتل المأمون وصالح بن الضيف وكان من نشو المأمون وقد سجن معه وعلي بن إبراهيم بن نجيب الدولة المحضر من اليمن وأخرجوا إلى سقاية ريدان في الرمل قبالة البستان الكبير خارج باب الفتوح فصلب أبدانهم بغير رءوس وفي صدر كل واحد رقعة فيها اسمه‏.‏

فبلغ الأمر الناس فشكوا فيهم وقالوا‏:‏ هم غير المذكورين‏.‏

فأمر بإخراج رءوسهم وأقيمت على أبدانهم‏.‏

فيها كانت ولاية ابن ميسر القضاء في ذي الحجة على ما ذكر بعضهم وقيل بل كانت كما تقدم ولقب بثقة الدولة القاضي الأمين سناء الملك شرف الأحكام قاضي القضاة عمدة أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن القاضي أبي الفرج هبة الله بن ميسر‏.‏

فلازم الانتصاب والجلوس واعتمد التثبت في الأحكام وعدل جماعة فبلغت عدة الشهود في أيامه مائة وعشرين شاهدا وكانوا دون الثلاثين‏.‏

ثم وردت إليه المظالم فاستوضح أحوال المعتقلين وطالع بهم الآمر وكان فيهم عدة قد يئسوا من الفرج فاستأذن الخليفة وأفرج عنهم‏.‏

وتكلم مع الآمر في أمر التجار وما نزل بهم من المصادرات فأمر الخليفة بكتابة منشورهم في معناهم قرئ على المنابر‏.‏

فيها كثرت وقائع أهل القسر على الناس وتقرب كثير من الكتاب الظلمة بعورات الناس إلى الخليفة فاشتدت مطالبات الناس بالأموال وقبل قول كل رافع شيئاً على أحد وأخذ الناس بما رموا به وضمن عدة من الناس أشياء لم تجر عادة بضمانها وأحدثت رسوم لم تكن فيما تقدم‏.‏

وذلك أنهم لم يقدروا على تصريح القول بالمصادرة فعملوا ما ذكر فحصلت الشناعة وخرج من بالبلد من التجار‏.‏

وكثرت مصادرات القاطنين بمصر والقاهرة وعظم قدر ما حمل من أموال هذه الجهات‏.‏

فاتسع عطاء الخليفة حتى وهب يوماً لغلامه برغش المنعوت بالعادل ثمانين ألف دينار ثم سأله بعد مدة يسيرة عما فعله فيما وهبه فقال‏:‏ يا مولانا تصدقت ووهبت أكثر‏.‏

فأعجب ذلك الآمر وفرح وشكره على فعله‏.‏

ووهب مرة لغلامة هزار الملك جوامرد المنعوت بالأفضل مثل ذلك‏.‏

وكانا أخص غلمانه وأقربهم منه وأشرفهم عنده منزلة وكانا أسمح خلق الله وكان الناس في أيامهما لا يوجد فيهم من يشكو الفقر لا بمصر ولا بالقاهرة فإن هزار الملوك كانت صدقته في كل يوم جمعة راتباً قد قرره بالقرافة أربعة آلاف درهم في ألف كاغدة على يد الثقة ابن الصعيدي وغزال الوكيل وكانت عطاياه من يده لا تنقص عن عشرة دنانير أبداً ولا يخلو ركوبه إلى القصر وعوده منه من أحد يقف له ويطلب منه‏.‏

وكان برغش يعطي الجمل الكبار التي يغني بها الطالب من المائة دينار إلى المائتين وأكثر‏.‏

وبلغ علم التي يقال لها جمعة مكنون الآمرية أن الآمر سيدها قد وهب لكل من غلاميه المذكورين ثمانين ألف دينار وكان الآمر يحبها وأصدقها أربعة عشر ألف دينار وولدت منه ابنة سماها ست القصور فلما دخل عليها عشية اليوم الذي وهبهما فيه هذا المال قامت وأغلقت عليها مقصورتها وقالت‏:‏ ما تدخل إلي أو تهب لي ما وهبت لكل منهما‏.‏

فقال‏:‏ الساعة‏.‏

وأحضر الفراشين وحمل كل عشرة كيساً فيه عشرة آلاف دينار عينا‏.‏

فلما صار إليها هذا المال ومبلغه مائتا ألف دينار ذهباً فتحت الباب له ودخل‏.‏

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

فيها عم البلاء بمصر جميع الرؤساء والقضاة والكتاب والسوقة من الراهب بحيث لم يبق أحد إلا وناله مه مكروه إما من ضرب أو نهب أو أخذ مال‏.‏

وكان يجلس في قاعة الخطابة من جامع عمرو بن العاص ويستدعي الناس للمصادرة‏.‏

فطلب في بعض الأيام رجلا يعرف بابن الفرس من العدول المميزين المبجلين في الناس فأهانه وأخرق به فخرج إلى الجامع في يوم جمعة وقام على رجليه وقال‏:‏ يأهل مصر انظروا عدل مولانا الآمر في تمكينه النصراني من المسلمين‏.‏

فارتج الناس لكلامه وكادت تكون فتنة فاتصل ذلك بخواص الخليفة فأبلغوه إياه وخوفوه عاقبة ذلك وطالعوه بما حل بالخلق‏.‏

وكان الراهب قد أخذ من شخص خادم يقال له جديحو سبعين ألف دينار بخرج من مائة ألف دينار فصار يشكو وكان كثير البضائع والتجارات والمقارضين فتظلم واشتهر أمره إلى أن بلغ خبره إلى أستاذ من أستاذى القصر له من العمر نحو مائة وعشرين سنة يقال له لامع وكان قد انقطع في منزله بالقصر بعد ما حج غير مرة وأنشأ جلبة بعيذاب يقال لها اللامعية تحمل الحاج فاتفق جواز الآمر على مكانه فسأل عنه فقيل له‏:‏ إنه لا يستطيع النهوض إلى خدمتك‏.‏

فدخل إليه وسأله عن حاله فقال‏:‏ شغلي بسمعة مولانا أشد علي من نفسي‏.‏

فقال له الآمر‏:‏ لأي شيء فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الناس قد تم عليهم من الشدة ما لا أحسن أصفه وربما نسب ذلك إليك‏.‏

وشرح له أمر الراهب ابن أبي نجاح وصاحبي الديوان جعفر بن عبد المنعم المعروف بابن أبي قيراط وأبي يعقوب إبراهيم السامري الكاتب وما أخذوه من هذا الخادم‏.‏

فحلف الآمر إنه ما علم أنهم بلغوا بالناس إلى هذا المبلغ وأنه يستدعي صاحبي الديوان في كل وقت ويحلفهما على المصحف وعلى التوراة وأن الراهب لم يجعل إلا مستوفياً لما يستخرج من الأموال وليس له معهما حديث ألبتة‏.‏

فقال له الخادم‏:‏ يا أمير المؤمنين إنهم قد اتفقوا على أذى الناس وقد جعلك الله خليفةً في الأرض واسترعاك على عباده وكل راع مسئول عن رعيته‏.‏

فشق على الخليفة وعمل فيه كلام الأستاذ وخرج فمات بات حتى صرف صاحبي الديوان واعتقلهما ليستعيد منهما ما أخذاه للناس ظلماً واستدعى الراهب وكان بحضرته رجل من الأشراف إنّ الذي شرّفت من أجله يزعم هذا أنّه كاذب فقال الآمر للراهب‏:‏ يا راهب ماذا تقول فسكت‏.‏

فأمر حينئذ والي مصر بأخذه إلى الشرطة وضربه بالنعال حتى يموت‏.‏

فمضى به إلى شرطة مصر وما زال يضرب بالنعال حتى مات فجر بكعبه إلى عند كرسي الجسر مسحوباً وسمر على لوح وطرح في بحر النيل فكان كلما وصل إلى ساحل من سواحل مصر وهو منحدر دفعوه إلى البحر فلم يزل حتى خرج إلى البحر الملح واشتهر ذكره وسارت الركبان بهلاكه‏.‏

وكان هذا الراهب أولا من أشمون طناح وترهب على يد أبي إسحاق بن أبي اليمن وزير ابن عبد المسيح متولى ديوان أسفل الأرض ثم قدم إلى القاهرة واتصل بخدمة ولي الدولة أبي البركات يحنا بن أبي الليث كاتب المجلس‏.‏

فلما قتل الوزير المأمون اتصل بالخليفة الآمر وبذل له في مصادرة الكتاب النصارى مائة ألف دينار فأطلق يده فيهم واسترسل أذاه حتى شملت مضرته كل أحد‏.‏

وكان يعمل له في تنيس ودمياط ملابس مخصوصة به من الصوف الأبيض المنسوج بالذهب فيلبسها ومن فوقها غفارة ديباج ويتطيب بعدة مثاقيل مسك في كل يوم فكانت رائحته تشتم من مسافة بعيدة‏.‏

وكان يركب الحمر الفارهة بالسروج المحلاة بالذهب والفضة ويجلس بقاعة ولما قتل وجد له في مقطع ثلثمائة طراحة سامان محشوة جدداً لم تستعمل قد رصت إلى قرب السقف وهذا من نوع واحد فكيف ما عداه‏!‏ ولما قتل وعرف الآمر ما كان يعمل في الناس من أنواع الأذى خشي من الله واستحيا من الناس وكره مساءلة الفقهاء من الإسماعيلية عن ذلك وعن كفارة هذا الذنب لأنه إمام وشرط الإمام أن يكون معصوماً‏.‏

فسير إلى الفقيه سلطان بن رشا شيخ الفقيه مجلى وكان خليفة الحكم مع من يثق به يستفتيه في أمر الراهب وما يكفر عنه فقال‏:‏ يرد ما صار إليه من الأموال إلى أربابها‏.‏

فرد عليه‏:‏ إني والله ما أعرفهم ولا أقدر على ذلك ولكن أعتق الرقاب وأتصدق‏.‏

فقال الفقيه‏:‏ الخليفة قادر على أن يعتق ويتصدق ولا يتأثر لذلك ولكن يصوم فإنه عبادة شاقة على مثله‏.‏

فقال‏:‏ أصوم الدهر‏.‏

فقال‏:‏ لا ولكن الصوم الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم صوم يوم وفطر يوم‏.‏

فقال‏:‏ لا أقدر على ذلك‏.‏

فقال‏:‏ يصوم رجب وشعبان ورمضان‏.‏

ففعل ذلك وتحرم في صومه وبره هذه الأشهر من كل ما ينكر في الديانة‏.‏

سنة أربع وعشرين وخمسمائة

في ربيع الأول ولد للآمر ولد سماه أبا القاسم الطيب فجعل ولي عهده وأمر فزينت القاهرة ومصر وعملت الملاهي في الإيوانات وأبواب القصور وكسيت العساكر وزينت القصور‏.‏

وأخرج الآمر من خزائنه وذخائره قماشاً ومصاغاً ما بين آلات وأواني من ذهب وفضة وجوهر فزين بها وعلق الإيوان جميعه بالستور والسلاح‏.‏

واستمر الحال على هذا أربعة عشر يوماً‏.‏

وأحضر الكبش الذي يعق به عن المولود وعليه جل من ديباج وفي عنقه قلائد الفضة فذبح بحضرة الخليفة الآمر‏.‏

وجيء بالمولود فشرف قاضي القضاة ابن ميسر بحمله ونثرت الدنانير على رءوس الناس‏.‏

ومدت الأسمطة العظيمة بعد ما كتب إلى الفيوم والقيلوبية والشرقية فأحضرت منها الفواكه وملئ القصر منها ومن غيرها من ملاذ النفوس وبخر بالعنبر والعود والند حتى امتلأ الجو من دخانه‏.‏

فيها تواترت الأخبار بتخويف الآمر من اغتيال النزارية وتحذيره منهم وإعلامه بأنه قد خرج منهم قوم من المشرق يريدون قتله فتحرز احترازاً كبيرا بحيث إنه كان لا يصل أحد من قطر من الأقطار إلا ويفتش ويستقصى عنه‏.‏

وأقام عدةً من ثقاته يتلقون القوافل ليتعرفوا أحوال الواصلين ويكشفوا عنهم كشفاً جليا‏.‏

وكلما اشتد الأمر كثر الخوف‏.‏

واتصل به أن جماعةً من النزارية حصلوا بالقاهرة ومصر فاحترز وتحيل في قبضهم فلم يقدر لما أراده الله وفشا في الناس أمرهم وكانوا عشرة فخافوا أن يظفر بهم فاجتمعوا في بيت وقالوا إنه قد فشا أمرنا ولا نأمن أن يظفر بنا واشتوروا‏.‏

فقال أحدهم‏:‏ الرأي أن تقتلوا رجلاً منكم وتلقوا برأسه بين القصرين لتنظروا إن عرفها الآمر فتتيقنوا أن حلاكم قد ذكرت له فتعملوا الحيلة في فراركم من مصر وإن لم يعرفها فتطمئنوا حينئذ وتعرفوا أن القوم في غفلة‏.‏

فقالوا‏:‏ ما يتسع لنا قتل واحد منا ينقص عددنا وما بذاك أمرنا‏.‏

فقال‏:‏ أليس هذا من مصلحتنا ومصلحة من تلزمنا طاعته وما دللتكم إلا على نفسي‏.‏

وأسرع بسكين فذبح بها نفسه فمات وأخذوا رأسه ورموها في الليل بين القصرين وأصبحوا ينظرون ما سبق فلما رئيت الرأس واجتمع الناس عليها لم يقل أحد إنه عرفها فحملت إلى الوالي فأحضر عرفاء الأسواق على أرباب المعايش وأوقفهم عليها فلم يعرفها أحد‏.‏

فأحضر أصحاب الأرباع بالحارات فلم يعرفوها‏.‏

ففرح النزارية واطمأنوا بالإقاقة في مصر لقضاء مرادهم‏.‏

وكان الآمر كثير الفرج محبا للهو فركب في يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة يريد أن يجيء إلى الهودج الذي بناه بجزيرة مصر لمحبوبته البدرية ومن العادة في الركوب أن يشاع في أرباب الخدم بالموكب جهة قصد الخليفة حتى لا يتفرقوا عنه فعلم النزارية أين يقصد فجاءوا إلى الجزيرة المذكورة ودخلوا فرناً قبالة الطالع من الجسر إلى البر ودفعوا إلى الفران دراهم ليعمل لهم فطيراً بسمن وعسل فبينما هم في أكله وإذا بالخليفة الآمر قد عبر من كرسي الجسر بمصر وجاز عليه وقد تفرق عنه الركابية ومن يصونه بسبب ضيق الجسر‏.‏

فلما طلع من ذا الجسر يريد العبور إلى الجزيرة وثبوا عليه وثبة رجل واحد وضربوه بالسكاكين وواحد منهم صار خلفه على كفل الدابة وضربه عدة ضربات‏.‏

فأدركهم الناس وقتلوهم وكانوا تسعة وحمل الآمر في عشاري إلى اللؤلؤة وكانت أيام النيل فمات من يومه وحمل من اللؤلؤة وهو ميت إلى القصر‏.‏

وكان عمره يوم قتل أربعاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما ومدة خلافته تسع وعشرون سنة وثمانية أشهر وخمسة عشر يوما وما زال محكوما عليه حتى قتل الأفضل فتزايد أمره عما كان عليه أيام الأفضل‏.‏


فلما قبض على وزيره المأمون استبد بالأمور وتصرف في سائر أحوال المملكة وأكثر من الركوب ورتب لركوبه ثلاثة أيام من كل أسبوع وهي يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الثلاثاء فإذا لم يتهيأ له الركوب في أحد هذه الأيام ركب في يوم غيره‏.‏

فكان يمضي أبداً في يومي الثلاثاء والسبت إلى النزهة في بستان البعل والتاج والخمس وجوه وقبة الهواء من ظاهر القاهرة أو إلى دار الملك بمصر أو بالهودج الذي أنشأه بجزيرة مصر التي يقال لها اليوم الروضة‏.‏

وكان يتجول في أيام النيل في القصر بخدمه ويسكن في اللؤلؤة المطلة على خليج القاهرة‏.‏

وكان الناس يوم ركوبه يخرجون من القاهرة ومصر بمعايشهم ويجلسون للنظر إليه فيكون كيوم العيد‏.‏

وصار الناس مدة أيامه التي استبد فيها في لهو وعيش رغد لكثرة عطائه وعطاء حواشيه وأستاذيه لا سيما غلامه بزغش ورفيقه هزار الملوك جوامرد حتى إنه لا يكاد يوجد في مصر والقاهرة من يشكو زمانه لبسطهم الرزق بين الناس وتوسعهم في العطاء‏.‏

ثم تنكد عيش الناس بقيام الراهب وكثرة مصادراته وشره حينئذ الآمر في أخذ أموال الناس فقبحت سيرته وكثر ظلمه واغتصابه لأملاك كثيرة من أملاك الناس مع ما فيه من التجرؤ على سفك الدماء وارتكاب المحذورات واستحسان القبائح‏.‏




وفي أيامه ملك الفرنج كثيرا من المعاقل والحصون بسواحل البلاد الشامية فملكت عكا في شعبان سنة سبع وتسعين وعرقة في رجب سنة اثنتين وخمسمائة واستولوا على مدينة طرابلس الشام بالسيف في يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين و خمسمائة ، وملكوا بانياس وجبيل بالأمان لثمان بقين من ذي الحجة منها

وملكوا قلعة تبنين في سنة إحدى عشرة وخمسمائة وتسلموا مدينة صور في سنة ثمان عشرة وخمسمائة‏.‏

وكثرت المرافعات في أيامه‏.‏
واستخدم عدة من الكتاب الظلمة الأشرار وضمن أشياء لم تجر العادة بتضمينها وأخذ رسوماً لم تكن فيما تقدم‏.‏

وعمل دكة عليها خركاة في بركة الحبش وعمر في بركة الحبش مكاناً سماه تنيس وموضعاً آخر سماه دمياط‏.‏

وجدد قصر القرافة وعمل تحته مصطبة للصوفية فكان يجلس في أعلاه ويرقص أهل الطريقة قدامه والشمع موقود والمجامر تعبق بالبخور والأسمطة تمد بكل صنف لذيذ من الأطعمة والحلوى‏.‏

وفرق في ليلة عند تواجد ابن الجوهري الواعظ وتمزيق رقعته على من حضر وعلى الفقراء ألف نصفية ونثر عليهم من الطاق ألف دينار تخاطفوها‏.‏

وبنى الهودج لمحبوبته العالية البدرية في جزيرة الروضة‏.‏

ولهذه البدرية وابن مياح من بني عمها مع الآمر أحاديث صارت كأحاديث البطال وشبهها قد ذكرتها عند جزيرة الروضة من هذا الكتاب‏.‏

وكان المنفق في مطابخه وأسمطته شيء كثير فكان عدة ما يذبح له في كل شهر خمسة آلاف رأس من الضأن خاصة سوى ما يذبح مما سوى ذلك وثمن الرأس منها ثلاثة دنانير‏.‏

وكان أسمر شديد السمرة يحفظ القرآن وخطه ضعيفاً‏.‏

وكانت نفسه تحدثه بالسفر إلى الشرق والغارة على بغداد وأعد لذلك سروجاً مجوفة القرابيص وبطنها بصفائح من قصدير ليحمل فيها الماء وعمل لها فماً فيه صفارة فإذا دعت الحاجة إلى الماء شرب منه الفارس فكان كل سرج منها سبعة أرطال من ماء وعمل عدة من حجال الخيل من الديباج وقال في ذلك‏:‏ دع الّلوم عني لست مني بموثق فلا بدّ لي من صدمة المتحقّق ومن شعره أيضا‏:‏ أما والذي حجّت إلى ركن بيته جراهيم ركبانٌ مقلدةٌ شهبا لأقتحمنّ الحرب حتّى يقال لي ملكت زمام الحرب فاعتزل الحربا وينزل روح اللّه عيسى بن مريم فيرضى بنا صحباً ونرضى به صحباً وكانت وزارة الأفضل بن أمير الجيوش وكان حاجراً عليه ليس له معه أمر ولا نهي ولا تعود له كلمة إلى أن قتل ثم وزر له المأمون محمد بن فاتك البطائحي فصار له في وزارته أمر ونهي وعادت الأسمطة على ما كانت عليه قديما وكان الأفضل قد نقلها فصارت تعمل أيام الأعياد والمواسم في دار الملك بمصر حيث كان يسكن‏.‏

فلما قتل المأمون استبد ولم يستوزر أحداً ودامت له الدنيا‏.‏

وقضاته‏:‏ ابن ذكا النابلسي تم ولى أبو الفضل الجليس نعمة بن بشير فطلب الإقامة فولى بعده الرشيد أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زيد الصقلي ومات فاستقر بعده الجليس نعمة بن بشير النابلسي مرة ثانية ثم صرف بأبي الفتح مسلم بن الرسعني وعزل بأبي الحجاج يوسف بن أبي أيوب المغربي فلما مات استقر من بعده أبو عبد الله محمد بن هبة الله بن ميسر القيسراني وقتل الآمر وهو قاض‏.‏

وكتاب الإنشاء في أيامه‏:‏ سناء الملك أبو محمد بن محمد الزيدي الحسيني والشيخ الأجل أبو الحسن بن أبي أسامة الحلبي والشيخ تاج الرئاسة أبو القاسم ابن الصيرفي وابن أبي الدم اليهودي‏.‏

وكان نقش خاتمه‏:‏ الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين‏.‏

وفي أيامه نزع السعر فبلغ القمح كل أردب بدينار‏.‏

وكان الناس قد ألفوا الرخاء في أيام الأفضل والمأمون وبعد عهدهم بالغلاء فقلقوا لذلك‏.‏

ومن نوادر الآمر أنه عاشر الخلفاء الفاطميين وهو العاشر في النسب أيضا ولم يل عشرة على نسق واحد ليس بينه أخ ولا عم ولا ابن عم غير الآمر‏.‏

وعرض عليه فصل في التوحيد من جملته‏:‏ وهو المحذر بقوارع التهديد من يوم الوعد والوعيد فقال‏:‏ إذا حذر من الوعد كما يحذر من الوعيد فما الفرق بينهما وأمر أن يقال‏:‏ المحذر بقوارع التهديد من هول يوم الوعيد‏.‏

واستدرك في فصل آخر في ذكر علي رضي الله عنه قوله‏:‏ وهو السابق إلى دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجابته فقال‏:‏ إن قوله السابق غير مستقيم لأنه إن أراد التخصيص فذلك غير صحيح إذ كانت خديجة سبقت إلى الإسلام والسابق منهم جائز أن يكون واحداً وأن يكون جماعة والله تعالى يقول‏:‏ "‏ والسَّابِقُونَ السَّابقُونَ ‏"‏ وليس في ذلك دليل على تخصيص واحد بالتقدم على الباقين وذكر مثالا فقال‏:‏ خيل الحلبة إذا أقبلت منها عشرة لا يخرج فيها واحد عن واحد قيل لها السبق وقيل لكل واحد منها سابق‏.‏

وأمر أن يقال‏:‏ أول سابق إلى دعوة رسول الله صلى الله عليه ر وإجابته‏.‏
=========================================

#######################
المصدر لكامل هذا الموضوع :
------------------------
كتاب: اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء
 تأليف: المؤرخ /أحمد بن علي المقريزي[/font]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله
» الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله
» الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله
» الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله
» الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي لآلـــئ :: الأرشيف :: بعض :: من أرشيف 2012-
انتقل الى: