في رابع المحرم صرف ابن عبدون النصراني وخلع على أحمد بن محمد القشوري الكاتب وقرئ سجله في القصر بأنه تقلد الوساطة والسفارة بين أولياء أمير المؤمنين الحاكم وبينه وأمر الرعايا وفوضت له الأمور وعول عليه فيها.
وكان سبب صرف ابن عبدون عن الوساطة والسفارة أن كتب الحاكم تكررت إلى قائد القواد حسين بن جوهر وإلى صهره عبد العزيز بن النعمان بأمانهم وعودهم فأبى ابن جوهر أن يدخل وابن عبدون واسطة وقال: أنا أحسنت إليه نظري فسعى فيّ إلى أمير المؤمنين ونال مني كل منال لا أعود أبدا وهو وزير.
فصرف لذلك وحضر حسين وعبد العزيز ومن خرج معهما فنزل سائر أهل الدولة إلى لقائه وتلقته الخلع وأفيضت عليه وعلى أولاده وصهره عبد العزيز وقيد بين أيديهم الدواب.
فعندما وصلوا إلى باب القاهرة ترجلوا ومشوا ومشى معهم سائر الناس إلى القصر فمثلوا بحضرة الحاكم ثم خرجوا وقد عفى عنهم.
وأذن للحسين أن يكاتب بقائد القواد ويكون اسمه تالياً للقبه وأن يخاطب بذلك فانصرف إلى داره فكان يوما عظيما.
وحمل إليه جميع ما قبض له من مال وغيره وأنعم عليه.
وواصل هو وعبد العزيز الركوب إلى القصر.
وكتب لابن عبدون أمان خطه الحاكم بيده وكان يقول عنه: ما خدمني أحد ولا بلغ في خدمته ما بلغه ابن عبدون.
ولقد جمع لي من الأموال ما هو خارج في أموال الدواوين ثلثمائة ألف دينار.
وأقام ابن القشوري على رسمه ينظر عشرة أيام إلى ثالث عشره فبينا هو يوقع إذ قبض عليه وضربت رقبته من أجل أنه بلغ الحاكم عنه أنه يبالغ في تعظيم حسين بن جوهر وأكثر من السؤال في حوائجه.
وفي يومه أجلس أبو الخير بن زرعة بن عيسى بن نسطورس الكاتب النصراني في مكان ابن القشوري وأمر أن يوقع عن الحاكم في أوامره فجلس ونظر في الوساطة والسفارة بغير خلع.
ومنع من الركوب في المراكب بالخليج وسدت أبواب القاهرة التي مما يلي الخليج وأبواب الدور والطاقات المطلة عليه والخوخ.
وخلع على قاضي القضاة مالك وقلد النظر في المظالم مع القضاء وقرئ سجله بالجامع.
وكتب سجل بإعادة مجالس الحكمة.
وأخذ النحوي.
وشدد على النصارى في لبس الغيار بالعمائم الشديدة السواد دون ما عداها من الألوان.
وفيه قبض على حسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان واعتقلا ثلاثة أيام ثم حلفا أنهما لا يغيبان عن الحضرة وأشهدا على أنفسهما بذلك وأفرج عنهما وحلف لهما الحاكم في أمان كتبه لهما.
واعتقل ابن عبدون وأمر بعمل حسابه ثم ضربت عنقه وقبض ماله.
وفي سابع عشر صفر وصل الحاج من غير زيارة المدينة النبوية فأمر أن يكون مسير الحاج للنصف من شوال وأن يبدءوا بزيارة المدينة وكتب بذلك إلى سائر الأعمال.
وفي سابع ربيع الآخر خلع على زرعة بن عيسى بن نسطورس وحمل وقرئ له سجل في القصر لقب فيه بالشافي.
وخلع على أبي القاسم علي بن أحمد الزيدي وقرئ له سجل بنقابة الطالبيين.
وقرئ سجل في سائر الجوامع فيه النهي عن معارضة الإمام فيما يفعله وترك الخوض فيما لا يعنى وأن يؤذن بحي على خير العمل ويترك من أذان الصبح قول: الصلاة خير من النوم والمنع من صلاة الضحى وصلاة التراويح وإعادة الدعوة والمجلس على الرسم.
فكان بين المنع من ذلك وضرب جماعة وشهروا لبيعهم الملوخية والسمك الذي لا قشر له.
وقبض على جماعة بسبب بيع النبيذ واعتقلوا وكبست مواضع ذلك.
ومنع النصارى من الغطاس فلم يتظاهروا على شاطىء البحر بما جرت عادتهم به.
وفي ثاني عشر جمادى الآخرة ركب حسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان على رسمهما إلى القصر فلما خرج المتسلم قيل لحسين وعبد العزيز وأبي علي أخي الفضل أطيعوا لأمر تريده الحضرة منكم.
فجلس الثلاثة وانصرف الناس فقبض على ثلاثتهم وقتلوا في وقت واحد وأحيط بأموالهم وضياعهم ودورهم فوجد لحسين بن جوهر في جملة ما وجد سبعة آلاف مبطنة حريرا من سائر أنواع الديباج والعتابي وغيره وتسع متارد صيني مملؤة حب كافور قنصوري وزن الحبة الواحدة ثلاثة مثاقيل.
وأخذت الأمانات والسجلات التي كتبت لهم.
واستدعي أولاد حسين وأولاد عبد العزيز ووعدوا بالجميل وخلع عليهم وحملوا على دواب.
وفيه ذبحت نعجة فوجد في بطنها حمل وجهه كوجه إنسان.
وفي شعبان وقع قاضي القضاة مالك إلى سائر الشهود بخروج الأمر العالي المعظم أن يكون الصوم يوم الجمعة والعيد يوم الأحد.
واشتد الأمر في منع المسكرات وتتبع مواضعها.
وأبطلت عدة جهات من جهات المكوس والرسوم.
ومنع الغناء واللهو وأمر الاتباع مغنية وألا يجتمع الناس في الصحراء ومنع النساء من الحمام.
وأن يكون الخروج للحج في سابع شوال.
وركب الحاكم لصلاة العيد على رسمه.
وفي ثاني شوال سار على بن جعفر بن فلاح بالعساكر لقتال حسان بن علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح عند هزيمته ياروخ وقبضه عليه وعلى أصحابه بالرملة فقاتلهم في ثالث عشره وقتل منهم وظهر عليهم وخلع طاعة الحاكم وأقام الدعوة لأبي الفتوح حسين بن جعفر بن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني أمير مكة.
وقتل ياروخ.
وفيه تأخر الحاج إلى نصف ذي القعدة فخرجوا في سابع عشره ورجعوا في ثالث عشريه من القلزم فلم يحج أحد من مصر في هذه السنة.
وصلى مالك بن سعيد بالناس صلاة عيد النحر وخطب ونحر في المصلى والملعب مدة أيام النحر.
ولم يركب الحاكم ولا نحر.
وفيها مات أبو الحسن علي بن ابراهيم النرسي نقيب الطالبيين في رابع ربيع الآخر وقد أناف على السبعين.
وفيها خطب قرواش بن المقلد بن المسيب أمير بني عقيل للحاكم بالموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها فكان أول الخطبة: الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانهدت بعظمته أركان النصب وأطلع بقدرته شمس الحق من المغرب.
ثم بطلت الخطبة بعد شهر وأعيدت لبني العباس.
في المحرم قلدت الشرطتان لمحمد بن نزال وأمر بتتبع المنكرات والمنع منها وألا يباع زبيب أكثر من خمسة أرطال ولا تباع الجرار.
ومنع النصارى من الاجتماع في عيد الصليب وأن يظهروا في المضي إلى الكنائس.
وأوفى النيل ستة عشر ذراعا في رابع عشر صفر وهو سادس عشر توت.
وفي تاسع ربيع الآخر خلع على غين الخادم وقلد بسيف وقرئ سجله بأنه لقب بقائد القواد فليكاتب بذلك ويكاتب به وقيد معه عشرة أفراس بسروجها ولجمها.
وهدمت اللؤلؤة.
وفي جمادى الآخرة منع بيع قليل الزبيب وكثيره وكوتب بالمنع من حمله وألقى في النيل منه شيء كثير.
وفي رجب قطع الرسم الجاري من الخبز والحلوى الذي كان يقام في الثلاثة أشهر لمن يبيت بجامع القاهرة في ليالي الجمع والأنصاف.
وحضر القاضي مالك إلى جامع القاهرة في ليلة النصف من رجب.
واجتمع الناس بالقرافة على عادتهم في كثرة اللعب والمزاح.
وقرئ سجل في القصر بأن أحداً لا يلتمس من أمير المؤمنين زيادة رزق ولا صلة ولا إقطاع ولا غير ذلك من المنافع.
واستهل شعبان يوم الاثنين فأمر أن يجعل أوله يوم الثلاثاء وأخذ جميع ما عند التجار من السلاح بثمنه للخزانة.
ومنع النساء من الخروج بعد العشاء الآخرة.
وفي ليلة النصف من شعبان كثر إيقاد القناديل في المساجد وتنافس الناس في ذلك.
وصلى مالك بن سعيد بالناس صلاة العيد.
وتشدد الأمر في الإنكار على بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي لا قشر له.
ومنع الناس من الاجتماع في المآتم ومن اتباع الجنائز.
وأحرق زبيب كثير كان في محارق التجار.
وجمع الشطرنج من أماكن متعددة وأحرق.
وجمع الصيادون وحلفوا أنهم لا يصطادون سمكا بغير قشر ومن فعل ذلك ضربت رقبته وتوالى إحراق الزبيب عدة أيام بحضرة الشهود وتولى مؤنة الإنفاق على حمله وإحراقه متولى ديوان النفقات فأحرق منه ألفان وثمانمائة وأربعون قطعة بلغت مؤنة الإنفاق وقرئ سجل بمنع الناس من السفر إلى مكة في البر والبحر ومن حمل الأمتعة والأقوات إليها فرد قوم خرجوا إلى الحج من الطريق.
ومرض غين الخادم فركب الحاكم لعيادته وسير إليه خمسة آلاف دينار وخمسة وعشرين فرسا مسرجة ملجمة وقلد الشرطة والحسبة بمصر والقاهرة والجزيرة والنظر في جميع الأموال والأحوال.
ونزل إلى الجامع العتيق ومعه سائر العسكر بخلعه وقرئ سجله وفيه تشدده في المسكرات والمنع من بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي لا قشر له والمنع من الملاهي ومن اجتماع الناس في المآتم واتباع الجنائز والمنع من بيع العسل إلا أن يكون ثلاثة أرطال فما دونها.
وفي ذي الحجة وردت هدية تنيس على العادة في كل سنة.
ولم يركب الحاكم لصلاة عيد النحر فصلى بالناس مالك بن سعيد وخطب.
ولم يخرج من النساء إلى الصحراء فلم تر امرأة على قبر.
ومنع من الاجتماع على شاطىء النيل ومن ركوب النساء المراكب مع الرجال وخروجهن إلى مواضع الحرج مع الرجال.
وفيه عمل عيد الغدير على رسمه وفرقت فيه دراهم كثيرة.
ومنع من بيع العنب وألا يتجاوز في بيعة أربعة أرطال ومنع من اعتصاره فبيع كل ثمانية أرطال بدرهم وطرح كثير منه في الطرقات وأمر بدوسه ومنع من بيعه ألبتة وغرق ما حمل منه في النيل.
وبعث شاهدين إلى الجيزة فأخذ جميع ما على الكروم من الأعناب وطرحت تحت أرجل البقر لدوسه وبعث بذلك إلى عدة جهات.
وتتبع من يبيع العنب واشتد الأمر فيه بحيث لم يستطع أحد بيعه فاتفق أن شيخا حمل خمرا له على حمار وهرب فصدفه الحاكم عند قائلة النهار على جسر ضيق فقال له: من أين أقبلت قال من أرض الله الضيقة.
فقال: يا شيخ أرض الله ضيقة فقال: لو لم تكن ضيقة ما جمعتني وإياك على هذا الجسر.
فضحك منه وتركه.
وفيها أخذ بنو قرجه هدية باديس بن المنصور صاحب إفريقية وزحفوا إلى برقة ففر عاملها في البحر وفتحوها.
وفيه نزع السعر.
وفيها مات أبو القاسم ولى الدولة ابن خيران الكاتب في شهر رمضان.
وانتهى ماء النيل في زيادته إلى ستة عشر ذراعا ونصف ذراع.
<p>
في محرم ختم على مخازن العسل وجميع ما عند التجار والباعة منه ورفعت مكوس الساحل.
ومنع الناس من عمل حزن عاشوراء.
وغرق في أربعة أيام خمسة آلاف وواحد وخمسون زيراً من أزيال العسل.
ونزع السعر وكثر الازدحام على الخبز ففرق الحاكم مالاً على الفقراء.
وكثر ابتياع الناس للسيوف والسكاكين والسلاح وحمله من لم يحمله قط من العوام والصناع وكثر الكلام فيه فقرئ سجل على منابر الجوامع بتطمين الناس وإعراضهم عن سماع أقوال المرجفين.
وفي ثاني ربيع الأول خلع على أبي الحسن علي بن جعفر بن فلاح ولقب قطب الدولة وقرئ له سجل بالتقدم على سائر الكتاميين والنظر في أحوالهم والسفارة بينهم وبين أمير المؤمنين.
وحمل على فرس وبين يديه ثياب.
وهلك زرعة بن عيسى بن نسطورس من علته في ثاني عشره فكانت مدة نظره في الوساطة سنتين وشهرا فتأسف الحاكم على فقده من غير قتل وقال ما أسفت على شيء قط أسفي على خلاص ابن نسطورس من سيفي وكنت أود ضرب عنقه لأنه أفسد دولتي وخانني ونافق علي وكتب إلى حسان بن الجراح في المداجاة علي وأنه يبعث من يهرب به إليه.
وخلع على إخوته الثلاثة وأقروا على ما بأيديهم من الدواوين.
وأمر النصارى إلا الحبابرة بلبس العمائم السود والطيالسة السود وأن يعلق النصارى في أعناقهم صلبان الخشب ويكون ركب سروجهم من خشب ولا يركب أحد منهم خيلا وأنهم يركبون البغال والحمير وألا يركبوا السروج واللجم محلاةً وأن تكون سروجهم ولجمهم بسيور سود وأنهم يشدون الزنانير على أوساطهم ولا يستعملون مسلما ولا يشترون عبدا ولا أمة وأذن للناس في البحث عنهم وتتبع آثارهم في ذلك فأسلم عدة من النصارى الكتاب وغيرهم.
وشدد الأمر عليهم ومنع المكاريون من تركيبهم وأخذوا بتسوية السروج والخفاف ومنعوا من ركوب النيل مع نواتية مسلمين.
واستدعى الحاكم حسين بن طاهر الوزان وكان منقطعا إلى غين الخادم الأسود وعرض عليه الوساطة فأجاب بشريطة أن يكون لكل قبيل من طوائف العسكر زمام عليهم يرجعون إليه ويكون نظره على الأزمة فيجعل لكل طائفة يوما ينظر في أمورهم وخاصة زمامهم فقط ففعل ذلك وخلع عليه.
وفوض في الوساطة والتوقيع وقرئ سجله بالقصر في تاسع عشر ربيع الأول.
وأمر الحاكم فنقش على خاتمه: بنصر الله العظيم الولي ينتصر الإمام أبو علي.
وفيه أمر النصارى بعمل ركب السروج من خشب الجميز.
وقبض على جماعة بسبب اللعب بالشطرنج وضربوا وحبسوا.
وألزم النصارى أن يكون الصليب الذي في أعناقهم طوله ذراع في مثله وكثرت إهاناتهم وضيق عليهم وأمروا أن تكون زنة الصليب خمسة أرطال وأن يكون فوق الثياب مكشوفا ففعلوا ذلك.
ولما اشتدت عليهم الأمور تظاهر كثير منهم بالإسلام فوقع الأمر بهدم الكنائس وأقطعت بجميع مبانيها وبمالها من رباع وأراض لجماعة وعملت مساجد وأذن في بعضها وبيعت أوانيها.
ووجد في المعلقة بمصر وفي كنيسة بو شنوده مال جزيل من مصاغ وثياب وغيره.
وتتابع هدم الكنائس وكتب إلى الأعمال بهدمها فهدمت.
وأشيع سير أبي الفتوح أمير مكة من الرملة إلى الحجاز وكان قد قدم إليها فبايعه ابن الجراح ولقبه بالراشد بالله أمير المؤمنين ودعا له بالرملة.
وفي جمادى الأولى لقب الحسين بن طاهر الوزان بأمين الأمناء وكتب له سجل بذلك.
وظهر لحسين بن جوهر مال عظيم فأنعم به الحاكم على ورثته ولم يعرض لشيء منه.
وفي ذلك الحين كان وصول أبي الفتوح إلى مكة إقامته الدعوة للحاكم بها وضربت السكة باسمه.
وابتدأ مالك بن سعيد بعمل رصد فلم يتم.
وفي جمادى الآخرة اشتد الإنكار بسبب الفقاع والزبيب والسمك.
وقبض على جماعة فاعتقلوا وأمر بضرب أعناقهم ثم أطلقوا.
وتشدد في منع ذبح الأبقار السالمة من العيب ومنع النساء من الغناء والنشيد.
وأقطعت الكنائس والديارات بنواحي بمصر لكل من التمسها.
وفي رجب قرئ سجل بمنع الناس من تقبيل الأرض للحاكم وبمنعهم من تقبيل ركابه ويده عند السلام عليه في المواكب والانتهاء عن التخلق بأخلاق أهل الشرك من الانحناء إلى الأرض فإنه صنيع الروم وأمروا أن يكون للسلام عليه: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
ونهوا عن الصلاة عليه في المكاتبة والمخاطبة وأن تكون مكاتبتهم في رقاعهم ومراسلاتهم بإنهاء الحال ويقتصر في الدعاء على سلام الله وتحياته وتوالى بركاته على أمير المؤمنين ويدعى له بما سبق من الدعاء لا غير.
فلما كان يوم الجمعة لم يقل الخطيب سوى: اللهم صل على محمد المصطفى وسلم على أمير المؤمنين علي المرتضى اللهم وسلم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين اللهم اجعل أفضل سلامك على سرك وخليفتك.
وأنزل من القصر سبع صناديق فيها ألف ومائتان وتسعون مصحفا إلى الجامع العتيق ليقرأ فيها الناس.
وأحصيت المساجد التي لا غلة لها فكانت ثمانمائة مسجد ونيف فأطلق لها في كل شهر تسعة آلاف ومائتا درهم وعشرون درهما لكل مسجد اثنا عشر درهما.
ومنع من ضرب الطبول والأبواق التي كانت تضرب حول القصر في الليل فصاروا يطوفون بغير طبل ولا بوق.
وأنزل إلى جامع ابن طولون ثمانمائة مصحف وأربعة عشر مصحفا.
وأبطلت مكوس الحسبة وأذن للناس بالتأهب للحج في البر والبحر.
وفي رمضان صلى الحاكم بالناس مرة في جامعه براشدة ومرة بجامعه خارج باب الفتوح وفيه ظهر جراد كثير حتى أبيع في الأسواق.
وصلى بالجامع العتيق بمصر جمعة وهو أول من صلى فيه من الخلفاء الفاطميين.
ومنع النساء من الجلوس في الطرقات للنظر إليه.
وأخذ القصص بيده ووقف لأهلها وسمع كلامهم وخالطه العوام وحالوا بينه وبين موكبه.
واستماحه قوم فوصلهم بصلات كثيرة وأهدى إليه قوم مصاحف فقبلها وأجازهم عليها.
ووقف عليه اثنان من تربة عمرو بن العاص وشكوا أن حبسهما قبض عليه للديوان من أيام العزيز فخلع عليهما ووصلهما بألف دينار.
وكثرت في هذا الشهر إنعاماته فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في ذلك فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة: الحمد لله كما هو أهله.
أصبحت لا أرجو ولا أتقي سوى إلهي وله الفضل جدّي نبيّي وإمامي أبي وديني الإخلاص والعدل المال مال الله عز وجل والخلق عباد الله ونحن أمناؤه في الأرض.
أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام.
وركب في يوم الفطر إلى المصلى بغير شيء مما كان يظهر في هذا اليوم من الزينة والجنائب ونحوها فكان في عشرة أفراس جياد بين يديه بسروج ولجم محلاةً بالفضة البيضاء الخفيفة ومظلة بيضاء بغير ذهب وعليه بياض بغير طرز ولا ذهب ولا جوهر في عمامته ولم يفرش المنبر.
وولد لعبد الرحيم بن إلياس ابن عم الحاكم مولود فبعث إليه ثلاثة أفراس مسرجة ملجمة ومائة قطعة من الثياب وخمسة آلاف دينار عينا وسائر ما كان لأبيه أبي الأشبال المتوفي وكان شيخا جليلا.
ومنع الناس من سب السلف وضرب في ذلك رجل وشهر ونودي عليه: هذا جزاء من سب أبا بكر وعمر وتبرأ الناس.
فشق هذا على كثير من الناس وتجمعوا يستغيثون وهم يستغيثون في الطرقات.
فقرئ سجل بالقصر فيه الترحم على السلف من الصحابة والنهي عن الخوض في مثل ذلك.
ورأى في طريقه وقد ركب لوحاً فيه سب على السلف فأنكره ووقف حتى قلع.
وتتبع الألواح التي فيها شيء من ذلك فقلعت كلها ومحى ما كان على الحيطان منها حتى لم يبق لها أثر.
وشدد في الإنكار على من خالف ذلك ووعد عليه بالعقوبة.
وسارت قافلة الحاج في رابع عشر ذي القعدة إلى بركة الجب ثم رجعوا من ليلتهم.
وخلع على قطب الدولة أبي الحسن على بن فلاح وسار في عسكر لقتال ابن الجراح.
وأملك ابنا عبد الرحيم بن إلياس بزوجتي حسين بن جوهر وقرئ كتابهما في القصر وقد كتبا في ثوب مصمت وفي رأس كل منهما بخط الحاكم: يعقد هذا النكاح بمشيئة الله وعونه والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وخلع على ابني عبد الرحيم وحمل عنهما المهر وهو ألفا وصلى الحاكم بالناس صلاة عيد النحر كهيئته في عيد الفطر ونحر عنه عبد الرحيم والمؤذنون يكبرون خلفه كما يفعلون بين يدي الحاكم والقاضي مالك إلى جنبه ومعه الرمح وكلما رمى الرمح لينحر به قبله قبل أن ينحر به فعل ذلك ثمانية أيام فعبث إليه الحاكم ثياباً جليلة وجواهر ثمينة وحمله على فرس بسرج مرصع بالجوهر.
وواصل الحاكم الركوب إلى الصحراء بحذاء في رجله وعلى رأسه فوطة.
وكان يركب كل ليلة بعد المغرب.
ووقف إليه خراساني يذكر أنه أخذ منه متاع برسم الخزانة ولم يدفع إليه ثمنه فدفع إليه جميع ما كان له وهو نحو خمسة آلاف دينار فشق به البلد وكثر الدعاء للحاكم.
وحمل إلى عبد الرحيم عشرة ألاف دينار في أكياس مكتوب عليها: لابن عمنا وأعز الخلق علينا عبد الرحيم بن إلياس بن أحمد بن المهدي بالله سلمه الله وبلغنا فيه ما نؤمله.
وبعث إلى ملك الروم هدية مبلغ سبعة آلاف دينار.
وفيها وصلت هدية الحاكم إلى نصير الدولة أبي مناد مع عبد العزيز بن أبي كدينة لثلاث عشرة خلت من المحرم ومعه سجل بإضافة برقة وأعمالها إليه فخرج إلى لقائه ومعه القضاة والأعيان فكان يوماً مشهودا.
وفي أواخر رجب فلج أبو الفتوح يوسف بن عبد الله بن أبي الحسين أمير صقلية فتعطل جانبه الأيسر فقام بالأمر ابنه أبو محمد جعفر بن يوسف وكان بيده سجل الحاكم بولايته بعد أبيه ثم وصل إليه سجل لقب فيه تاج الدولة وسيف الملك.
ثم أنفذ إليه تشريف وعقد له لواء وزيد في لقبه الملك.
وفي ذي القعدة مات مفرج بن دغفل بن الجراح برملة لد من فلسطين.
<p>
في محرم : أمر ألا يدخل يهودي ولا نصراني الحمام إلا ويكون مع اليهودي جرس ومع النصارى صليب.
ونهى عن الكلام في النجوم فتغيب عدة من المنجمين وبقي منهم جماعة وطردوا وحذر الناس أن يخفوا أحداً منهم فأظهر جماعة منهم التوبة فعفى عنهم وحلفوا ألا ينظروا في النجوم.
وأمر بغلق سائر الدواوين وجميع الأماكن التي تباع فيها الغلال والفواكه وغيرها ثلاثة أيام من آخر حزن عاشوراء فلما كان يوم عاشوراء أغلقت سائر حوانيت مصر والقاهرة بأسرها إلا حوانيت الخبازين.
ونزل الذين عادتهم النزول في يوم عاشوراء إلى القاهرة من المنشدين وغيرهم أفراداً غير مجتمعين ولا متكلمين فما اجتمع اثنان في موضع.
وخرج الحاكم في أمره وبذيله وأكثر الحاكم في هذا الشهر من الصدقات وإعطاء الأموال الكثيرة جدا.
وأعتق سائر مماليكه وجواريه.
وفتح فيه الخليج يوم السابع عشر من مسرى والماء على أربعة عشر ذراعا وثمانية أصابع.
وفي أول صفر صرف القائد غين عن الشرطتين والحسبة وتقلدها مظفر الصقلبي حامل المظلة.
وأذن لليهود والنصارى في مسيرهم إلى حيث ساروا من بلاد الروم.
وورد الخبر بوصول عساكر مصر ودمشق إلى الرملة وخروج العرب منها.
وأمر ببناء جامع الإسكندرية وأطلق مالا كثيرا للصدقة والتفرقة.
وفيه جمع سائر الناس على اختلافهم بالقصر وقرئ عليهم سجل بأن أبا القاسم عبد الرحيم بن إلياس بن أبي علي بن المهدي بالله أبي محمد عبيد الله قد جعله الحاكم بأمر الله ولي عهد المسلمين في حياته والخليفة بعد وفاته وأمر الناس بالسلام عليه وأن يقولوا له في سلامهم عليه: السلام على ابن عم أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين وتعين له محل يجلس فيه من القصر.
ثم قرئ السجل على منابر البلد وبالإسكندرية وبعث بذلك سجلاً إلى إفريقية فقرئ بجامع القيروان وغيره وأثبت اسمه مع اسم الحاكم في البنود والسكة والطراز.
فعظم ذلك على نصير الدولة أبي مناد باديس وقال: لولا أن الإمام لا يعترض عليه في تدبير لكاتبته ألا يصرف هذا الأمر وخلع على عبد الغني بن سعيد ودفع له ألف وخمسمائة دينار وخمس عشرة قطعة ثياب وحمل على بغلة ولرفيقه مثل ذاك.
وسير مع رسول متملك الروم بهدية عظيمة.
وبلغ الحاكم أن أبا القاسم علي بن أحمد الزيدي النقيب عليه عشرون ألف دينار فوقع له بها مما عليه من الخراج وبعث له بثلاثة آلاف دينار أخرى.
وكثر ركوب الحاكم وهو بدراعة صوف وبيضاء وعمامة فوطة وفي رجله حذاء عربي بقبالين فأقبل الناس إليه بالرقاع ما بين متظلم أو مستمنح فأجزل في الصلات والعطايا ما بين دور ودراهم وثياب فلم يرد أحد خائبا.
ورد ما كان في الديوان من الضياع والأملاك المأخوذة لأربابها وأقطع كثيرا من الناس عدة آدر.
وفي ربيع الأول بسط الحاكم يده بالعطاء.
وفي ثامن عشر ربيع الآخر أمر الحاكم بقطع يدي أبي القاسم أحمد بن علي الجرجرائي فقطعتا جميعاً وهو يومئذ كاتب قائد القواد غين.
وسبب ذلك أنه كان في خدمة ست الملك أخت الحاكم فانفصل عنها وهي غير راضية عنه وخدم عند غين ثم بعث إليها رقعة يستعطفها فارتابت منه وسيرتها في طي درجها إلى الحاكم فأمر بقطع يديه وقد اشتد غيظه.
ويقال بل كان عقيل صاحب الخبر يحمل الرقاع بالخبر إلى القائد غين ليوصلها إلى الحاكم وهي مختومة فجاءه في يوم بالرقاع على عادته فدفعها غين إلى كاتبه أبي القاسم الجرجرائي حتى يجد فراغا فيحملها إلى الحاكم ففك الجرجرائي الختم وقرأها فإذا في بعضها طعن على غين وذكره بسوء فقطع ذلك الموضع من الرقعة وحكه وأصلحه وأعاد الختم.
فبلغ ذلك عقيلا فأوصله إلى الحاكم فأمر بقطع يديه.
وفي ثالث جمادى الأولى قطعت يد غين بعد قطع يد كاتبه الجرجرائي بخمسة عشر يوماً وكانت يده الأخرى قد قطعت قبل ذلك بثلاث سنين وشهر فصار مقطوع اليدين.
ثم إن الحاكم بعث إليه بآلاف من الذهب وعدة أسفاط من الثياب وأمر بمداواته.
وأبطل عدة مكوس من جهات كثيرة.
فلما كان في ثالث عشره أمر بقطع لسان غين فقطع.
وفي رجب أمر برفع ما يؤخذ من الشرطتين وقتل الكلاب فقتلت بأجمعها وأبطل مكس الرطب ومكس دار الصابون ومبلغه ستة عشر ألف دينار وأطلق أموالا جزيلة للصدقة.
وأكثر من الركوب في الليل.
ونزل ليلة النصف من شعبان إلى القرافة ومشى فيها وتصدق بشيء كثير وأبطل عدة جهات من جهات المكس.
ومنع النساء أن يخرجن إلى الطرقات في ليل أو نهار سواء أكانت المرأة شابةً أم عجوزاً فاحتبسن في بيوتهن ولم تر امرأة في طريق وأغلقت حماماتهن وامتنع الأساكفة من عمل خفاف النساء وتعطلت حوانيتهم.
وفي سادس عشره وقع في الناس خوف وفزع من شناعة القول وكثرة إشاعته بأن السيف قد وقع في الناس فتهارب الناس وغلقت الحوانيت فلم يكن سوى القلب.
وضرب قوم خالفوا النهي عن بيع الملوخية والسمك الذي لا قشر له وشهروا.
وضرب كثير من النساء من أجل خروجهن من البيوت وحبسن.
وقرئ سجل بالمنع من تفتيش المسافرين في البحر والبر وانهي عن التعرض.
وفي رمضان صلى بالناس في الجوامع الأربعة: جامع القاهرة والجامع خارج باب الفتوح وجامع عمرو وجامع راشدة وتصدق بأموال كثيرة ودعا فوق المنابر بنفسه لعبد الرحيم بن إلياس فقال: اللهم استجب منى في ابن عمي وولي عهدي والخليفة من بعدي عبد الرحيم بن إلياس بن أحمد بن المهدي بالله أمير المؤمنين كما استجبت من موسى في أخيه هرون.
وفيه ركب قائد القواد غين إلى القصر في موكب عظيم فخلع عليه.
وضرب على السكة اسم عبد الرحيم ولي عهد المسلمين.
ومنع من عادته الطواف في الأعياد بالأسواق لأخذ الهبات من الرجالة والبواقين.
واجتمع الأولياء وغيرهم بالقصر في يوم الخميس ثامن عشريه لسماع ما يقرؤه القاضي من كتب مجالس الحكم فمنعوا من ذلك.
وركب لصلاة الجمعة بجامع القاهرة فازدحم الناس عليه بعد ركوبه من الجامع إلى القصر فوقف لهم وأخذ رقاعهم وحادثهم وضاحكهم فلم يرجع إلى القصر من كثرة وقوفه ومحادثته العوام إلى غروب الشمس ووقع صلات كثيرة.
وركب لصلاة العيد بغير زي الخلافة ومظلته بيضاء وعبد الرحيم يسايره وهو حامل الرمح الذي من عادة الخليفة حمله وأصعده معه المنبر ودعا له.
ولم يعمل في القصر سماط ولا رؤيت امرأة ولا أبيع شيء مما عادته يباع في الأعياد من اللعب والتماثيل.
واشتد الأمر في منع النساء من الخروج وحبس عدة عجائز وخدم وجدن في الطرقات.
وواصل الركوب في الليل.
وأطلق لخليج الإسكندرية خمسة عشر ألف دينار.
وقرئ سجل بأن كل من كانت له مظلمة فليرفعها إلى ولي العهد فجلس عبد الرحيم ورفعت إليه الرقاع فوقع عليها.
وللنصف من ذي القعدة سار الحاج.
وفي يوم النحر ركب عبد الرحيم بالعساكر إلى المصلى فصلى بالناس وخطب ونحر بالمصلى وبالملعب ولم يعمل سماط بالقصر.
وواصل الحاكم الركوب في العشايا.
واصطنع خادما وكاتبا أسود كناه بأبي الرضا سعد وأعطاه من الجواهر والأموال ما يجل وصفها وأقطعه إقطاعات كثيرة فقصده الناس لحوائجهم ولزموا بابه لمهماتهم فتكلم لهم مع الحاكم فلم يرد سؤاله في شيء.
وكان مما يسأل فيه إقطاعات للناس تتجاوز خمسين ألف دينار.
وفيه بعث أبو مناد باديس أمير إفريقية حميد بن تموصلت على عسكر إلى برقة فخرج منها
في المحرم تزايد وقوع النار وكثر الحرق في الأماكن فأمر الناس باتخاذ القناديل على الحوانيت وعلى أريافها وطرحت السقائف والرواشن وأمر بقتل الكلاب فقتل منها كثير.
وعظم الحريق ووقعت في أمره شناعات من القول فقرئ سجل في الجوامع بزجر السفهاء والكف عن أحوال تفعل وأن يدخل الناس إلى دورهم من بعد صلاة العشاء.
فأغلقت الدور والحوانيت والدروب من بعد صلاة المغرب وكثر الكلام وعظم الترحم في الليل.
وفيه وصل علي بن جعفر بن فلاح من الشام.
ووصلت قافلة الحاج في تاسع صفر من غير زيارة المدينة وقد أصابهم خوف شديد وهلك منهم خلق كثير من الجوع والعطش.
وفيه ركب الحاكم مرتين فرفعت إليه الرقاع فأمر برافعيها فحبسوا.
وحبس عدة قياسر وأملاك مع سبع ضياع بإطفيح وطوخ على القراء والمؤذنين بالجوامع وعلى ملء المصانع والمارستان وثمن الأكفان.
وفي ربيع الأول واصل الركوب وأخذ الرقاع ووقف مع الناس طويلا ثم امتنع من أخذ الرقاع وأمر أن ترفع إلى عبد الرحيم وإلى القاضي مالك وإلى أمين الأمناء فتناولوا الرقاع.
وأكثر من فلما كان يوم السبت سادس عشري ربيع الآخر ركب في الليل على رسمه إلى الجب وتلاحق به الناس وفيهم قاضي القضاة مالك بن سعيد فلما أقبل على الحاكم أعرض عنه فتأخر وإذا بصقلبي يقال له غادى يتولى الستر والحجية أخذه وسار به إلى القصور وألقاه مطروحا بالأرض فمر به الحاكم وأمر بمواراته فدفن هناك بثيابه وخفيه.
وكانت مدة نظره في الأحكام عشرين سنة منها ست سنين وتسعة أشهر قاضي القضاة وباقيها خلافة لبني النعمان.
وكان ينظر في القضاء والمظالم والأحباس والدعوة ودار الضرب ودار العيار وأمر الأضياف فعلت منزلته وقصده الناس في حوائجهم لكثرة اختصاصه بالحاكم وتزايد إقطاعاته من الدور بفرشها والضياع العديدة ومواصلة الركوب مع ليلا ونهارا ومشاورته في أمور الدولة ونظره في أمور الدواوين كلها.
وكان سخياً جواداً فصيحا بليغاً لم يضبط عليه قط صياح ولا حدة ولا سمعت منه في خطاباته أبداً كلمة فيها فحش ولا قذع ولا قبح.
وكان سبب قتله أنه اتهم بموالاة سيدة الملك ومراعاتها وكان الحاكم قد انفلق منها فلما قتل استدعى الحاكم أولاده وخاطبهم ولم يتعرض لشيء من تركة أبيهم وأمر ابنه أبا الفرج أن يركب في الموكب وأقره على إقطاعه ومبلغه في السنة خمسة عشر ألف دينار.
وفي جمادى الأولى رد الحاكم على بني عمرو بن العاص حبس جدهم عمرو بن العاص ومبلغه وتزايد ركوب الحاكم حتى كان يركب في اليوم الواحد عدة مرات وعظمت هباته وعطياته.
ثم أمر بابتياع الحمير وصار يركبها من تحت السرداب إلى باب البستان إلى المقس ويغلق الأبواب التي يتوصل منها إلى المقس وقت ركوبه ومنع الناس من الخروج إلى هذه المواضع.
وفي جمادى الآخرة قدم رسول ملك الروم فاصطفت العساكر من باب القصر إلى سقاية ريدان بعددها وأسلحتها وركب الحاكم بصوف أبيض وعمامة مفوطة بمظلة مثلها وولي العهد يسايره وعليه ثوب مثقل ومعهم الجواهر.
وأحضر الرسول ومعه عبد الغني بن سعيد بهدية إلى القصر فخلع على عبد الغني وأنزل الرسول في دار بالقاهرة وبلغ الحاكم أن ثلاثة من الركابية أخذوا هبة من الرسول فأمر بقتلهم فقتلوا من أجل ذلك.
وفي جمادى الآخرة ركب الحاكم ومعه أمين الأمناء الحسين بن طاهر الوزان على رسمه فلما انتهى إلى حارة كتامة خارج باب القاهرة أمر فضربت رقبة ابن الوزان ودفن مكانه.
فكانت مدة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يوما وكان توقيعه عن الحاكم: الحمد لله وعليه توكلي.
وتقدم الأمر لسائر أرباب الدواوين بلزوم دواوينهم.
واعتل الحاكم أياما فركب على حمار بشاشية مكشوفة وأكثر من الحركة في العشيات إلى المقس والتعدية إلى الجيزة وهو على الحمار.
وأكثر من الركوب في النيل.
وفي حادي عشر شعبان أمر أصحاب الدواوين بأن يمتثلوا ما يرسم به عبد الرحيم بن أبي السيد الكاتب متولي ديوان النفقات وأخوه أبو عبد الله الحسين وجعلا في الوساطة والسفارة ثم قرئ لهما سجل بذلك وخلع عليهما وحملا فوقعا وكان توقيعهما: الحمد لله حمدا يرضاه.
وفي حادي عشريه خلع على أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام وأعطى سجلاً بتقليده قضاء القضاة وحمل على بغلة بسرج ولجام مصفح بالذهب وقيد بين يديه بغلة أخرى ونزل إلى الجامع فقرئ سجله على المنبر وفيه: فقلدك أمير المؤمنين القضاة والصلاة والخطابة بحضرته والحكم فيها وراء حجابه من القاهرة المعزية ومصر وأعمالها والإسكندرية والحرمين وبرقة والمغرب وصقلية مع الإشراف على دور الضرب بهذه الأعمال والنظر في أحباس الجوامع والمساجد وأرزاق المرتزقة ووجوه البر وتستخلف على الحكم.
ونقل ديوان الحكم من بيت مالك بن سعيد إلى بيت المال بالجامع العتيق وهو أول من فعل ذلك من القضاة.
وكانت دواوين الحكام في دورهم فجعلها بالجامع وجعل جلوسه بالجامع العتيق يومي الاثنين والخميس وبالقاهرة يوم الثلاثاء ولحضور القصر يوم السبت.
وفي يوم الجمعة رابع رمضان ركب ولي العهد فصلى بالجامع الأنور الجديد بباب الفتوح في موكب الخلافة ثم صلى جمعة أخرى بجامع القاهرة ثم جمعتين بالجامع الجديد.
وفيه كثرت صلات الحاكم ومواهبه وإقطاعاته للناس حتى خرج في ذلك عن الحد.
وركب ولي العهد يوم الفطر في موكب الخلافة وصلى بالناس في المصلى وخطب.
وخرج الحاكم عن المعهود في العطاء والإقطاعات حتى أقطع النواتية الذين يجدفون به في العشاري وأقطع المشاعلية وكثيرا من الوجوه والأقارب وبني قرة فكان مما أقطع الإسكندرية والبحيرة ونواحيها.
[font:5e