الدكتور حسن أحمد إبراهيم هو رئيس قسم التاريخ بالجامعة الإسلامية العالمية ـ بماليزيا
وقد كتب مقالة بعنوان : (العهد العثماني في السودان : الدوافع والاستجابة والإرث )
ومنها نقتطف هذه الفقرات :
يقول الدكتور حسن :
يمثل غزو محمد علي باشا، الوالي العثماني على مصر (1805 ـ 1848 م)، للسودان الشرقي عام 1820 ـ 1821 م ، نقطة تحول هامة في تاريخ البلاد، وبداية لعهد جديد استمر حتى عام 1885 م عندما أطاحت به قوات الثائر محمد أحمد بن عبد الله (1844 ـ 1885 م) المشهور بمهدي السودان.
على أن مصطلحات متعددة تطلق على هذه الحقبة من تاريخ البلاد، يمثل كل منها تحيزاً لوجهة نظر معينة، وإن كانت جميعها مبهمة وغير كافية. ولعل أشهرها جميعاً لفظ (العهد المصري) الذي يُحمل مصريّّين اليوم مسؤولية مساوئ ذلك العهد الكثر. وفي ذلك تجنٍّ غير مقبول، إذ أن البلاد قد سيطرت عليها حينئذ طبقة أرستقراطية ـ تركية تحكمت في مصر نفسها منذ أن سيطر العثمانيون عليها في عام 1517 م، وسميت حينئذ (طبقة أولاد الناس) إزدراءً وتحقيراً لعامة المصريين والفلاحين على وجه الخصوص. فباستثناء مجموعات صغيرة، لم يتبوأ المصريون الأصليون مناصب سياسية أو عسكرية في مصر نفسها ناهيك عن السودان الذي ألحق مؤخراً بممتلكات محمد علي وأحفاده. ومن هنا فقد تبنى السودانيون والأوربيون مصطلحين آخرين: (السودان التركي ـ المصري) و(السودان التركي). ولكن كليهما قاصر أيضاً، إذ أنهما يحملان أتراك اليوم مسؤولية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
ويطلق على هذه الفترة مصطلح رابع هو (العهد العثماني) استناداً إلى أن الغزو قد تم بمقتضى فرمان سلطاني خول محمد علي مهمة ضم سنار وكردفان وملحقاتهما للإمبراطورية العثمانية. غير أن استصدار هذا الفرمان ـ إضافة إلى إلحاق ثلاثة علماء بحملة الغزو يمثلون المذاهب المالكية والحنفية والشافعية ـ كان بمبادرة شخصية (أو لعلها مناورة) من باشا مصر لإيهام السودانيين بأن من واجبهم الديني الاستسلام الفوري لقوات (أمير المؤمنين وخليفة رسول الله السلطان العثماني). ولكنهم استهجنوا هذا المنطق المعوج جملة وتفصيلاً، لأنه ـ كما جاء في رسالة مشهورة أرسلها سلطان دارفور محمد الفضل (1787 ـ 1839 م) إلى محمد علي عام 1830 م ـ يبيح ما حرمه الإسلام تحريماً تاماً وهو قتال المسلم لأخيه المسلم . وعلى كل حال، فلم يوجد أثر للسلطة العثمانية ، بل ظل السودان طوال تلك الفترة مستعمرة فعلية لمحمد علي وأحفاده.