منتدي لآلـــئ

التاريخ والجغرافيا وتحليل الأحداث
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

  العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

 العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Empty
مُساهمةموضوع: العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885)    العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Icon_minitimeالسبت مارس 03, 2012 10:04 pm









الدكتور حسن أحمد إبراهيم هو رئيس قسم التاريخ بالجامعة الإسلامية العالمية ـ بماليزيا

وقد كتب مقالة بعنوان : (العهد العثماني في السودان : الدوافع والاستجابة والإرث )
ومنها نقتطف هذه الفقرات :

يقول الدكتور حسن :
يمثل غزو محمد علي باشا، الوالي العثماني على مصر (1805 ـ 1848 م)، للسودان الشرقي عام 1820 ـ 1821 م ، نقطة تحول هامة في تاريخ البلاد، وبداية لعهد جديد استمر حتى عام 1885 م عندما أطاحت به قوات الثائر محمد أحمد بن عبد الله (1844 ـ 1885 م) المشهور بمهدي السودان.
على أن مصطلحات متعددة تطلق على هذه الحقبة من تاريخ البلاد، يمثل كل منها تحيزاً لوجهة نظر معينة، وإن كانت جميعها مبهمة وغير كافية. ولعل أشهرها جميعاً لفظ (العهد المصري) الذي يُحمل مصريّّين اليوم مسؤولية مساوئ ذلك العهد الكثر. وفي ذلك تجنٍّ غير مقبول، إذ أن البلاد قد سيطرت عليها حينئذ طبقة أرستقراطية ـ تركية تحكمت في مصر نفسها منذ أن سيطر العثمانيون عليها في عام 1517 م، وسميت حينئذ (طبقة أولاد الناس) إزدراءً وتحقيراً لعامة المصريين والفلاحين على وجه الخصوص. فباستثناء مجموعات صغيرة، لم يتبوأ المصريون الأصليون مناصب سياسية أو عسكرية في مصر نفسها ناهيك عن السودان الذي ألحق مؤخراً بممتلكات محمد علي وأحفاده. ومن هنا فقد تبنى السودانيون والأوربيون مصطلحين آخرين: (السودان التركي ـ المصري) و(السودان التركي). ولكن كليهما قاصر أيضاً، إذ أنهما يحملان أتراك اليوم مسؤولية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

ويطلق على هذه الفترة مصطلح رابع هو (العهد العثماني) استناداً إلى أن الغزو قد تم بمقتضى فرمان سلطاني خول محمد علي مهمة ضم سنار وكردفان وملحقاتهما للإمبراطورية العثمانية. غير أن استصدار هذا الفرمان ـ إضافة إلى إلحاق ثلاثة علماء بحملة الغزو يمثلون المذاهب المالكية والحنفية والشافعية ـ كان بمبادرة شخصية (أو لعلها مناورة) من باشا مصر لإيهام السودانيين بأن من واجبهم الديني الاستسلام الفوري لقوات (أمير المؤمنين وخليفة رسول الله السلطان العثماني). ولكنهم استهجنوا هذا المنطق المعوج جملة وتفصيلاً، لأنه ـ كما جاء في رسالة مشهورة أرسلها سلطان دارفور محمد الفضل (1787 ـ 1839 م) إلى محمد علي عام 1830 م ـ يبيح ما حرمه الإسلام تحريماً تاماً وهو قتال المسلم لأخيه المسلم . وعلى كل حال، فلم يوجد أثر للسلطة العثمانية ، بل ظل السودان طوال تلك الفترة مستعمرة فعلية لمحمد علي وأحفاده.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

 العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885)    العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Icon_minitimeالسبت مارس 03, 2012 10:08 pm



ظلت استراتيجية الغزو العثماني للسودان مثاراً للخلاف والجدل بين المؤرخين والسياسيين. فقد زعم كثير من المؤرخين المصريين ـ الذين اعتبروا كتابة التاريخ ضرباً من ضروب الوطنية ـ أن الغرض الرئيس لما سمـوه فتحاً ـ لا غزواً ـ للسودان هو رغبة محمد علي الصادقة لتحقيق رفاهية البلاد وأهلها . بل إن بعضهم قد زعم أن هذا »الفتح« قد تم بناءً على رغبة السودانيين أنفسهم التي عبر عنها قادتهم في اتصالات ورسائل أرسلوها إلى باشا مصر . لاشك أن فئة من وجهاء السودان وأعيانه قد حثوا الباشا على التدخل الفوري في السودان، ولكن لا يجوز أن نعتبر هذه القلة ممثلةً للسودان بأكمله، خاصة وأنهم عبروا عن مصالح وتطلعات شخصية تعلقت بصراعات دامية حول السلطة بين الصفوة الحاكمة في سلطنة الفونج. أضف إلى ذلك أن سلطنة الفونج مثلت جزءاً من البلاد فقط، بل إن جنوب السودان ودارفور بأكملهما لم يكونا آنذاك تحت سيطرتها.
يشير المؤرخ المصري المرموق الراحل (محمد فؤاد شكري) إلى أن فتح السودان قد أكد بشكل قاطع حقوق مصر القانونية والتاريخية عليه. فبعد اضمحلال سلطنة الفونج وتَشَرْذُمِهَا، أصبح السودان ـ في نظر شكري ـ أرضاً خالية لا سيد عليها . فما أن تمكنت مصر من إقامة حكم قوي مستقر استمر لأكثر من ستين عاماً حتى أصبح لها فيه حق السيادة الكاملة بحق الفتح . وأضاف أستاذنا شكري أن زيارة محمد علي للسودان هدفت في المقام الأول لإذاعة "نظرية الخلو " المزعومة والاستناد إليها لتحقيق وحدة وادي النيل وتأمينها بإبقاء شطريه ـ مصر والسودان ـ تحت نظام سياسي واحد موحد .
سيطرت قضية »السيادة« على السودان على السياسة السودانية والمصرية حتى منتصف الخمسينيّات من القرن الماضي، وربما إلى يومنا هذا بطريقة أو بأخرى. واهتم بها أيضاً الساسة والقانونيون الإنجليز طوال فترة سيطرتهم الفعلية على السودان خلال النصف الأول من القرن العشرين. فأعد حولها القسم القانوني بوزارة الخارجية البريطانية مذكرات متعددة
. لقد أثار هذا الموضوع الحساس جدلاً قانونياً معقداً لا مجال للخوض فيه في هذا المقال. ولكن يكفي أن نقول في هذا المقام بأن دعاة السيادة المصرية انطلقوا من »حق الفتح« الذي كان ـ على حد زعمهم ـ مقبولاً آنذاك ومشروعاً في القانون الدولي، بينما تبنى معارضوهم ـ دعاة ذاتية السودان المستقلة ـ وجهة النظر القائلة بأنه إن كانت هناك سيادة أجنبية على السودان، فهي للسلطان العثماني الذي تنازل بدوره عنها عقب الحرب العالمية الأولى، وفي سائر الولايات العثمانية، لشعوبها بما فيها الشعب السوداني. وأضافوا أن مصر نفسها كانت تحت السيادة العثمانية حتى عام 1922 م على أقل تقدير عندما أصدرت بريطانيا تصريحاً منفرداً ـ تصريح فبراير 1922 م ـ الذي اعترفت فيه لأول مرة باستقلال مشروط لمصر بتحفظات أربعة، من بينها أن تبقى الإدارة الثنائية في السودان ومسألة السيادة على ما هي عليه إلى أن تعقد معاهدة تحالف بين مصر وبريطانيا.
واجهت »فرضية الرفاهية« أعلاه معارضة قوية في دراسات لاحقة أعدها بعض المؤرخين السودانيين . فاعتماداً على مادة وثائقية معتبرة أشارت هذه الدراسات إلى أن غزو محمد علي للسودان كان جزءاً من استراتيجيته الطموحة للاستقلال بمصر والسيطرة على المنطقة بأسرها
. وقد تطلب ذلك جيشاً ضارباً ومالاً وفيراً تطلع الباشا وعمل بجد للحصول عليهما من السودان. وهكذا فإن استغلال موارد السودان البشرية والاقتصادية كان الدافع الرئيس وراء هذا الغزو.

تبنى محمد علي قبيل غزوه للسودان »النظام الجديد« الذي هدف إلى تكوين جيش نظامي قوي وحديث على غرار الجيوش الأوروبية يكون ولاؤه التام للباشا نفسه. فبينما استبعد محمد علي في بداية الأمر، ولأسباب متعددة ، تجنيد الفلاحين المصريين في هذا الجيش، خطط لإلحاق نحو عشرين أو ثلاثين ألفاً من السودانيين الأفارقة به. وتطلع الباشا للحصول على عدد آخر من أولئك السودانيين للعمل بمشاريعه الزراعية والصناعية الكثيرة، ولبيعهم في أسواق الرقيق. فهو قد حث باستمرار ـ وأحياناً وبخ ـ قواده العسكريين في السودان على إرسال الغزوات إلى مناطق فازوغلي وجبال النوبة للحصول على أعداد كبيرة من الرقيق وإرسالهم للتجنيد في المعسكر الذي أعد خصيصاً لتدريبهم في أسوان، تلك المدينة النائية عن ضوضاء مدن دلتا مصر، والقريبة من السودان المصدر المتوقع لهؤلاء المجندين. فقد أكد الباشا في توجيه لأحد مرءوسيه أن تحقيق هذا الهدف هو أهم الأسباب لتحمله »مصاعب ونفقات الغزو؛ كما قال في رسالة أخرى: »وجلب السودانيين هو غاية المراد ونتيجة المقصود مهما كانت الصورة التي يجلبوا (كذا) بها من أوطانهم .

لم يمر عام حتى سنة 1838 م إلا وأرسل الباشا غزوة واحدة على أقل تقدير لصيد الأفارقة السودانيين من تلك المناطق النائية في جنوب وغرب السودان. غير أن تقديراته كانت خاطئة، إذ كان عدد المجندين في جيشه النظامي أقل من توقعاته وطموحاته. فقد قاوم السودانيون في تلك المناطق بقوة تلك »الغزوات«، بل إن بعضهم انتحر تفادياً للعبودية، وفُقد آخرون خلال الرحلة الطويلة الشاقة مشياً على الأقدام إلى أسوان، كما هلك الكثيرون من جراء الأمراض والأوبئة التي انتشرت في تلك الأصقاع. وهكذا، فإزاء هذا الفشل الذريع، لجأ الباشا إلى تجنيد الفلاحين، فنجح أيما نجاح حتى أصبح جيشه الجديد قوة عسكرية ضاربة في منطقة الشرق الأدنى بأسرها.

وحتى القلة القليلة من السودانيين الذين ألحقوا بالجيش المصري، فشل ولاة مصر المتعاقبون في استخدامهم استخداماً فعالاً في مغامراتهم الخارجية. حدث هذا خلال حروب محمد علي ضد الوهابيين في الجزيرة العربية (1818 ـ 1824 م) وفي بلاد المورة (1821 ـ 1827 م)، ومع الأورطة السودانية التي أرسلها محمد سعيد باشا ـ بناءً على طلب الإمبراطور نابليون الثالث ـ لمساعدة الفرنسيين على إخماد انتفاضة وطنية اندلعت في المكسيك عام 1862 م ضد السيطرة الفرنسية . وثار ضد الغزاة أيضاً المجندون السود الذين أوكلت لهم مهمة حفظ الأمن الداخلي، وذلك في انتفاضات عسكرية متعددة أهمها انتفاضتا مدني (1844 م) وكسلا (1865 م) . وقد شلت الأخيرة إدارة مديرية كسلا بكاملها، بل لعلها كانت أهم تحد واجهه الغزاة لأكثر من ثلاثين عاماً، حيث أنهم لم يتمكنوا من القضاء عليها إلا بعد جهد جهيد استخدموا فيه العنف والخداع والتآمر.
وكما كان الحال مع الموارد البشرية، فإن الباشا رمى إلى استغلال معادن السودان التي أشيع توافرها هناك، خاصة الذهب. ولما كانت مصر عند استيلاء الباشا عليها عام 1805 م من أفقر الولايات العثمانية، فقد قرر محمد علي البحث عن مصدر تمويل خارجي لمشاريعه الداخلية الضخمة ومغامراته الخارجية. ومن هنا فقد اهتم بالتنقيب في مناطق فازوغلي وجبل شيبون وجبال النوبة التي أشيع »أن أرضها الذهب«، فأرسل إليها معدنون أكفاء، كما سافر بنفسه على أثر تسلمه تقارير متضاربة إلى أصقاع فازوغلي عام 1838 ـ 1839 م، فبقي ثلاثة أسابيع متحرياً بنفسه عن وجود الذهب هناك. غير أنه أصيب بخيبة أمل بالغة، كما فشلت محاولته للتنقيب عن المعادن الأخرى كالحديد في كردفان والنحاس في دارفور. وقد كلفت عمليات التنقيب هذه الخزانة المصرية أموالاً طائلة أرهقت مواردها المحدودة.

على أن العثمانيين قد حققوا قدراً من النجاح في مساعيهم لاستغلال موارد السودان الزراعية والحيوانية. ويعود الفضل في ذلك إلى سعيهم الجاد لتحسين إنتاجهما بإرسال الخبراء الزراعيين وتطوير طرق الري وإدخال محاصيل جديدة، إضافة إلى احتواء الأوبئة والآفات المتعددة. وأوفدوا أيضاً أطباء بيطريين لمعالجة الماشية، وفنيين في صناعة الجلود. وعلاوة على ذلك، فقد أمنوا طرق التجارة بين مصر والسودان التي تعرضت من قبل لأخطار بالغة، ومهدوا الطريق للتجارة الأوروبية مع السودان

على أن هذا الازدهار في الإنتاج الزراعي والحيواني لم يوظف لمصلحة السودان وأهله. وذلك لأن محمد علي فرض سياسة احتكارية صارمة أُرسلت بمقتضاها كل منتجات وصادرات البلاد الزراعية لمصر، التي حصلت أيضاً على نصيب الأسد من الماشية السودانية ومنتجاتها ـ كالجلود والصوف ـ بأسعار زهيدة.

وقد أثقل عبء الضرائب الباهظة التي فرضها الغزاة كاهل السودانيين ـ خاصة الطبقات الفقيرة ـ الذين لم يعرفوا مثيلاً لها من قبل. ومما زاد الطين بلة الطرق القمعية والوحشية التي اتبعها الباشبزق ـ الجنود غير النظاميين ـ الذين أوكلت لهم مهمة جمعها، وإصرارهم في أحايين كثيرة على دفعها نقداً في زمان اقتصر فيه تداول العملات النقدية على التجار وسكان المدن.
كان رد السودانيين على هذا الظلم الفادح فورياً وعنيفاً. فبينما شاع في أدبهم الشعبي مثلٌ معبِّرٌ يقول: »عشرة رجال في تربة ولا ريال في طلبة«، هجر الكثيرون أراضيهم وسواقيهم هاربين نحو الحدود الحبشية والغرب. وأهم من هذا، اندلعت طوال العهد العثماني وفي سائر أنحاء البلاد انتفاضات متعددة احتجاجاً على تلك الضرائب التي لم يكن لها مثيل في تاريخ البلاد. ولعل أهمها جميعاً انتفاضة شندي في شمال السودان عام 1822 م والتي قتل فيها إسماعيل ابن الباشا محمد علي وقائد حملة الغزو، وثورة الأمير هارون في غرب السودان عام 1877 م التي أقضَّت مضاجع الحكومة لمدة ثلاث سنوات متصلة. على أن استشهاد قائدها عام 1880 م لم يُخمد جذوة تلك الثورة، بل انتقلت قيادتها إلى قريبه داود عبد الله بنجه الذي واصل المسيرة الثورية من معسكره في جبال النوبة . وهكذا فقد أضعفت هذه الانتفاضات وغيرها من حركات الاحتجاج نفوذ العثمانيين وحكمهم إلى أن عصفت به الثورة المهدية في عام 1885 م.

ولعله من المناسب أن نشير في هذا المقام إلى أن بعض الأدب الأوربي عن أفريقيا أشاع أنه لم يكن لأفريقيا قبل اتصالها المكثف بأوروبا في نهاية القرن التاسع عشر أي تاريخ يستحق المعرفة أو الدراسة، وأن الأفارقة لم يساهموا بتاتاً في إثراء الحضارة الإنسانية. ومن منطلق هذه الفرية، زعموا أن جنوب السودان قد عاش في عزلة تامة قبل أن ييسر الله له العثمانيين ـ والأوروبيين من بعدهم ـ ليفتحوه منذ أربعينيّات القرن التاسع عشر للعالم الخارجي؛ كما عانت مجتمعاته ـ كسائر المجتمعات الأفريقية ـ من التفرقة والتشرذم. ولكن البحث العلمي الجاد والمتصل منذ الخمسينيّات من القرن الماضي أثبت أن جنوب السودان كان على اتصال وثيق مع دارفور وسلطنة الفونج وجنوب غرب إثيوبيا. بل إن بعض قبائله كالدينكا والنوير شيدت أنظمة حكم مركزية من أهمها سلطنة الشلك الضاربة في منطقة فشودة، والتي استولت في حقبة زاهرة من تاريخها على أراضي واسعة امتدت حتى الخرطوم. وابتدرت هذه المملكة، تحت قيادة »رثها« (زعيمها)، معارضة عنيفة منظمة ضد الغزاة الأجانب كانوا من العثمانيين أو خلفائهم الإنجليز .

وقد عبر مخطوطان ـ كتبهما حوالي 1830 م شاهد عيان إيطالي مجهول الهوية ـ بدقة وصدق عن أصالة تلك الانتفاضات، ورفضها لحياة الرق والاسترقاق . فقد نسب أحدهما لأحد رثوث (جمع رث) الشلك مقولة تحدّ حزين قالها عندما حصدت أسلحة الغزاة النارية جموع الثوار من أهله وعشيرته: »إننا لا نستطيع مواجهة تلك الأسلحة الفتاكة بحرابنا. ولكن دع هؤلاء يقاتلونا بأسلحتنا، وعندئذ سيعرفون لمن تكون الغلبة« . وعلى كل حال، فقد أعاقت هذه المقاومة محاولات العثمانيين ، ومن بعدهم الأوربيين، لاكتشاف منابع نهر النيل وروافده؛ كما أفشلت خططهم لتدمير المؤسسات السياسية الأفريقية التقليدية وتبديلها بأخرى وافدة أجنبية.

تميزت تلك المقاومة الوطنية في جنوب السودان في القرن التاسع عشر بمعالم رئيسة ثلاثة. فهي، كمثيلتها ضد الاستعمار البريطاني في القرن العشرين، لم تكن دائماً، أو حتى عادة، رد فعل ضد المظالم الاقتصادية والإدارية، بل إنها هدفت في المقام الأول لإنهاء الوجود الاستعماري في هذا الجزء من القارة السمراء. ثم إنها كانت في الغالب الأعم محلية المصدر والتوجه، نظراً لغياب وعاء سياسي واحد يدين له الأهالي بالولاء والاحترام، الأمر الذي مكن الغزاة من استغلال تلك الصراعات المحلية لإضعاف المقاومة. ولكن بالرغم من ذلك العامل ـ متطابقاً مع فجائية الغزو التي أخذت الأهالي على حين غرة، وتفوق الغزاة التكنولوجي ـ، فقد شكلت هذه المقاومة تحدياً عملاقاً للمستعمرين.

بجانب استغلال ثروات السودان، أراد محمد علي باشا بغزوه وحكمه للبلاد تحقيق بعض المكاسب السياسية. فهو قد أمل بهذه الحملات الخلاص من جنوده الألبان المتمردين دوماً، والذين وقفوا ترياقاً مضاداً لخطته بتبني النظام الجديد ولعل الباشا أراد بذلك أيضاً القضاء على بقايا المماليك الذين هربوا جنوباً وتمركزوا في دنقلا العرضي

عقب مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811 م، والتي قتل فيها الباشا المكيافلي معظم أعدائه من بكوات وعوام المماليك. فعلى قلتهم، أزعج تواجدهم هناك الباشا أيما إزعاج لمعرفته اللصيقة بحيويتهم وعنادهم وتشبثهم بالسلطة. فمنذ وقت مبكر في عام 1812 م، أرسل باشا سفارة لسلطان الفونج طلبت طردهم من أراضيه، ولكن ضعف سلطنة سنار قد بلغ آنذاك مبلغاً لم يمكِّن السلطان من الاستجابة لهذا الطلب الملح. وعلى كل فقد سلم معظم أولئك المماليك للجيش الغازي عام 1820 ـ 1821 م والذي سمح لهم بالعودة إلى ديارهم في مصر، بينما هربت قلة قليلة نحو دارفور والجزيرة العربية لتختفي نهائياً من مسرح الأحداث
.
روج البعض اكتشاف منابع النيل بصفته أحد أهداف حملة الغزو الرئيسة. ولكننا نستبعد ذلك، لأن الباشا قد اهتم بهذا الكشف الجغرافي بعد نحو خمسة عشر عاماً من بداية حكمه للسودان (1836 م) استجابة منه ـ على ما يبدو ـ لتزايد اهتمام الجمعيات العلمية الأوروبية بأمر اكتشاف منابع النيل الأبيض. ولعل الباشا قد توقع أيضاً وجود الذهب بكميات كبيرة في تلك المناطق، لأن منابع النيل ـ على حد زعمه ـ »تقع على خط عرض أمريكا نفسها «.
ولذلك فقد أرسل الباشا الضابط سليم قبودان في ثلاث رحلات مشهورة خلال الفترة 1839 ـ 1842 م للكشف عن منابع النيل .

فشل سليم في تحقيق الأهداف العلمية والمعدنية آنفة الذكر، إلاّ أنّه نجح في فتح النيل الأبيض للملاحة، الأمر الذي حفز منذئذ التجارة الرابحة في العاج والبشر، كما عجل بالمغامرات العثمانية في دواخل أفريقيا في عهد الخديوي إسماعيل (1863 ـ 1879 م).
على أن عدداً من الباحثين برر هذا التوسع برغبة الخديوي وحكومته في القضاء على الرق وتجارة الرقيق الشائنة. إلا أن مؤرخاً سودانياً يلقي ظلالاً كثيفة من الشك على تلك المزاعم »الإنسانية«. ويرى أن رغبة الخديوي الشخصية والملحة في استقطاب دعم بريطانيا وتأييدها ضد دائنية الأوربيين الذين هددوا بقاءه في الحكم كانت المحرك الرئيس لهذه الحرب الشعواء على الاسترقاق

. وعلى كل، حال فقد نظر أهل جنوب السودان إلى العثمانيين على أنهم عامة مجرد غزاة متجبرين لابد من طردهم نهائياً من البلاد. وفي نهاية المطاف، أدت هذه المقاومة الجسورة بالفعل إلى عرقلة ذلك الزحف الاستعماري ونهايته نهاية مأساوية.
=============================
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

 العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885)    العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Icon_minitimeالسبت مارس 03, 2012 10:19 pm



تركة العثمانيين في أفريقيا :
لم يحقق المد العثماني في أفريقيا خلال القرن التاسع عشر أهدافه الرئيسة: استغلال ثروات أفريقيا والتوسع في دواخلها وإنهاء الرق وتجارة الرقيق فيها. لقد كان الحكم العثماني بلا شك متسلطاً وفاسداً وقاصراً، ولكنه لم يكن مأساوياً إلى ذلك الحد الذي وصمه به أعداؤه. فقد خلف وراءه إرثاً حضارياً ليس من الإنصاف إنكاره أو تجاهله، خاصة في ذلك الجزء من أفريقيا الذي يعرف باسم السودان.
يتفق مؤرخو الحقبة العثمانية في السودان على أنها كانت انطلاقة للتحديث فيه، بمعنى أن تاريخ السودان الحديث بدأ بالسيطرة العثمانية على إقليمي سنار وكردفان عام 1821 م. وكان ذلك إيذاناً بتكوين جمهورية السودان الحالية، إذ أكمل »العثمانيون« سيطرتهم على شمال السودان ووسطه بضمهم لمديرية التاكا (كسلا حالياً) عام 1841 م؛ كما ألحقوا به أقاليم دارفور والاستوائية وبحر الغزال والبحر الأحمر في عهد الخديوي إسماعيل (1863 ـ 1879 م). وهكذا، فقبيل اندلاع الثورة المهدية عام 1881 م تكوَّن السودان من أراضي واسعة امتدت من الشلال حتى البحيرات الاستوائية جنوباً والبحر الأحمر شرقاً ودارفور غرباً.
وبجانب توحيد السودان سياسياً في حدوده الحالية تقريباً، فإن النظام العثماني بدأ عملية التحديث فيه. ولعل أهم الابتكارات التكنولوجية التي أدخلها »العثمانيون« في السودان هي الأسلحة النارية، والبواخر النيلية والتلغراف الذي امتدت خطوطه إلى السودان في عهد الخديوي إسماعيل. وقد أدّت هذه الاختراعات دوراً حيوياً في التوسع العثماني جنوباً، كما كانت فاعلة في إقامة النظام المركزي الذي ابتدعه »العثمانيون« في سودان القرن التاسع عشر، وورثته عنهم أنظمة الحكم اللاحقة: المهدية (1885 ـ 1898 م)، والحكم الثنائي (1899 ـ 1956 م)، فالسودان المستقل منذ عام 1956 م. وتدريجياً، فرضت مركزية الحكم هذه على أهل البلاد متعددي الأعراق والأديان والتوجهات قدراً من الوحدة والتجانس لم يكن مألوفاً من قبل
. هذا، وقد تبنت الإدارة الثنائية في السودان منذ أيامها الأولى سياسة التغريب التي ابتدعها »العثمانيون«، خاصة في مجالي التعليم والإدارة.
وفّر فتح الجنوب وجبال النوبة ودارفور للعالم الخارجي فرصاً جديدة طيبة للتجار من شمال السودان العربي المسلم الذين اشتهروا بلقب الجلابة (مشتق من الفعل جلب، بمعنى »أحضر العبيد«).فبينما قل أن زار أولئك التجار في الماضي تلك الأصقاع النائية لوعورة المسالك إليها، تدافعوا نحوها ـ خاصة في السبعينيّات من القرن التاسع عشر ـ بفضل مجهودات العثمانيين . أدّى هؤلاء الجلابة دوراً هاماً ـ ولعله فريد أيضاً ـ في نشر العربية والإسلام في الجنوب ودارفور وجبال النوبة، ولكن استخدامهم المتكرر للعنف ضد السودانيين الأفارقة وازدراءهم لهم تسبب ـ مع عوامل أخرى ـ في تعميق الجفوة بين شمال السودان وما يسمى حالياً بالمناطق المهمشة، خاصة الجنوب.(1)


أثر الحكم العثماني أيضاً تأثيراً بيناً في الأوضاع الدينية في شمال السودان. فمع أن كلاًّ من السودانيين الشماليين والعثمانيين مسلمون حتى النخاع، فإن جفوة عميقة اعترت العلاقات بين الإسلام السني الفقهي الذي تبناه »العثمانيون« والإسلام الصوفي الذي انبهر به السودانيون منذ عهد الفونج. هذا، وقد سعى محمد علي وخلفاؤه سعياً حثيثاً في إقامة دولة علمانية في كل من مصر والسودان هُمِّشت فيها المؤسسات الدينية التي انحصرت صلاحيتها في حدود ضيقة تعلقت بالأحوال الشخصية فقط. ولذلك تعرض الإسلام الصوفي ـ الذي هيمن من قبل على الحكام والمحكومين ـ إلى ضربات متلاحقة كان أبرزها استهجان الإداريين بقادته زعماء الطرق الصوفية الذين قلصت سلطاتهم وامتيازاتهم. وفي المقابل، رفع من شأن العلماء الذين أعانتهم الدولة على تلقي تعليم نظامي في الأزهر، فأصبحوا جزءاً من هيكلها الوظيفي في مناصب القضاء والإفتاء وما إلى ذلك. وهكذا فقد واجه »العثمانيون« شيوخ الطرق الصوفية بهذه المجموعة السنية المنافسة التي كانت أجنبية في توجهها ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحكومة، مما أدى في نهاية المطاف إلى تقليص نفوذ تلك القيادة الدينية التقليدية. هذا، وقد تبنى الإنجليز لاحقاً السياسة العثمانية الهادفة لتكوين مؤسسة سنية رسمية أملوا في استخدامها لاحتواء خطر المهدية والصوفية الذي هدد حكمهم تهديداً مباشراً

وتسارعت خطى عملية التحديث نتيجة للتغريب الذي صاحبها عبر تدفق مجموعات متزايدة من الموظفين والرحالة الذين وفدوا للبلاد من أوروبا وأمريكا للعمل بالتبشير والتجارة، إضافة إلى تبوئهم مناصب إدارية وفنية في الدولة. وتفاقمت أعداد أولئك الأجانب على أثر (حملات سليم قبودان) التي فتحت النيل الأبيض للملاحة، فسيطروا على مدى ثلاثين عاماً (1840 ـ 1870 م) على التجارة والتبشير في أعالي النيل. غير أنهم فشلوا في نيل ثقة الأفارقة وتعاونهم لجهلهم بثقافتهم وتمسكهم المتشدد بالمسيحية وقلة مواردهم المالية. ولكن سرعان ما تخلى المبشرون عن التنصير، وأصبح الجنوب مرتعاً لفئة جشعة من التجار الأوربيين مارست فيه أبشع أنواع الاستغلال والممارسات اللاإنسانية. فقد نظم هؤلاء التجار الشرهون تجارة رابحة في العاج أولاً والعبيد ثانياً ، وذلك بعون كبير من مستخدميهم الجلابة من شمال السودان.
خلَّف مستخدمو الحكومة العثمانية من الأوربيين ـ الذين تزايدت أعدادهم في العقد الأخير قبل اندلاع الثورة المهدية (1870 ـ 1880 م) ـ أثراً فاعلاً في المجتمع السوداني في شمال السودان المسلم والمناطق الإحيائية الأخرى على حد سواء. ولما كانت لغة أولئك الوافدين وعاداتهم ودينهم غريبة على المجتمع تماماً، فقد خلق وجودهم توتراً بين جمهور السودانيين. وأثار استخدامهم المكثف في الوظائف الإدارية ـ التي كانوا عادة غير مؤهلين لها ـ حفيظة السودانيين ضد التغريب والأجانب حتى أصبحت كراهية الأجانب سمة سائدة بالمجتمع. وبالرغم من أنهم كانوا مستخدمي مصر المسلمة، فقد اتهموا بالتحيز لأوربا والمسيحية، لا لمصر والإسلام. وشمل هؤلاء الجنرال الأسطوري غردون باشا ، وصموئيل بيكر والنمساوي ردولف سلاطين والإيطالي جسي باشا. وهكذا فقد وجدت دعوة الجهاد التي رفع رايتها مهديُّ السودان ضد الخليفة العثماني ومناداته بتخليص البلاد من الهيمنة المسيحية والأجنبية أذناً صاغيةً من السودانيين المسلمين. فهبوا للإطاحة بالحكم العثماني عام 1885 م، وأقاموا دولة إسلامية متشددة في شمال السودان المسلم استمرت ثلاث عشرة سنة مليئة بالأحداث والمخاطر.
=======================


(1) النص السابق للدكتور حسن ومن قناعة الدكتور حسن أن تلك الجفوة التاريخيةبين شمال السودان وجنوب السودان وتداعياتها من خوف وريبة وشك ـ هي السبب الرئيس للحرب الأهلية بعد استقلال السودان التام عن مصر وبريطانيا في القرن20) والتي بلغ عدد ضحاياها ما يزيد على المليون قتيل مع آلاف المعوّقين ونحو ثلاثة ملايين شريد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

 العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885)    العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885) Icon_minitimeالسبت مارس 03, 2012 10:35 pm

ويقول د. حسن عن غوردون :
"خدم غردون الإدارة العثمانية في السودان ثلاث مرات: 1874 ـ 1876 م حاكماً على مديرية الاستوائية، فحكمداراً على السودان بأكمله خلال الفترة 1877 ـ 1879 م، ثم في عام 1884 ـ 1885 م لإخلاء الحاميات المصرية التي حاصرها الثوار المهدويون.

وقد أثار ذبح أنصار المهدي للجنرال في الخرطوم في 26 يونيو 1885 م موجة عارمة من الغضب في بريطانيا كانت وراء إرسال حملة كتشنر لاحقاً في عام 1898 ـ 1899 م لاستعادة السودان، والانتقام من قتلة ابن بريطانيا البار.
ولكن الكاتب البريطاني أنتوني نتنج يرى في سيرة كتبها عن غردون أنه تخطى أوامره عن قصد واصر على »الاستشهاد« تكفيراً عن عقدة الدونية التي لازمته منذ صباه."



من المسئول عن الصراع المعاصر بين شمال وجنوب السودان ؟؟

بعد أن قام د. حسن بتحميل العهد العثماني مسئولية الصراع الذي جاء بعد زوال الحكم العثماني بنحو قرن من الزمات بين شمال وجنوب السودان قام بتصويب ذلك بتحميل الانجليز المسئولية حيث يقول :

"ابتدع الإنجليز منذ استيلائهم على السلطة في السودان في مطلع القرن العشرين »سياسة المناطق المقفولة« التي هدفت لفصل جنوب السودان عن شماله بأمل ضمّه لممتلكات بريطانيا في وسط أفريقيا. وساهمت سياسة »فرق تسد« هذه مساهمة فعالة في تفاقم عدم الثقة بين شطري البلاد. "

-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العهد العثماني في السودان ( 1820 ـ 1885)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قائمة حكمدارات السودان في عهد أسرة محمد علي
» تاريخ مصر في العهد العثماني
» من آثار الجزائر في العهد العثماني
» تاريخ مصر في العهد العثماني - رابط مناقلة
» الخديوي عباس الثاني - آخر حكام مصر في العهد العثماني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي لآلـــئ :: الأرشيف :: بعض :: من أرشيف 2012-
انتقل الى: