=============================
========
7-3-161
Marcus Aurelius became emperor on the death of Antoninus Pius [Titus Aurelius], age 74, at Lorium. Antoninus ruled from 138-161.
(HN, 3/7/99)(MC, 3/7/02)
--------------------------------------------------
31-8-161
Lucius Aelius Aurelius Commodus, emperor of Rome (180-92), was born.
(WUD, 1994 p.297)(MC, 8/31/01)
==============================
سنة 161
موت الامبراطور الروماني =أنطونينس بيوس
سيرته :( المصدر:قصة الحضارة -> قيصر والمسيح -> الزعامة -> الملوك الفلاسفة -> أنطونينس بيوس)
يكاد أنطونينس ألا يكون له تاريخ، وذلك لأنه لا يكاد يقع في أخطاء أو يرتكب قط جرائم. وكان آباؤه الأولون قد جاءوا من نيمز قبل ذلك العهد بجيلين، وكانت أسرته من أغنى الأسر في رومة، ولما اعتلى عرش الإمبراطورية في الحادية والخمسين من عمره وهبها حكومة هي أعدل حكومة شهدتها طوال تاريخها، ولم تكن أقل هذه الحكومات كفاية. وكان أسعد من لبس التاج حظاً. ويقول مؤرخوه إنه كان طويل القامة، وسيماً، جيد الصحة، وقوراً، دمث الأخلاق، حازماً، متواضعاً، صادق البأس، فصيح اللسان، يحتقر بلاغة الألفاظ، محبباً إلى الشعب، يكره الملق. وإذا صدقنا ما يقوله فيه متبناه ماركس، كان علينا أن نرفض ما وصف به من أنه "كان الجبار المعصوم من الخطأ الذي لم يعرفه العالم قط". ولقد لقبه مجلس الشيوخ "بالتقي "Pius لأنه رأى فيه مثالاً للفضائل الرومانية الهادئة، كما وصفه بأنه أفضل الزعماء. ولم يكن له أعداء مطلقاً، وكان له مئات من الأصدقاء؛ غير أنه لم يكن بمنأى من الأحزان، فقد ماتت كبرى ابنتيه وهو يستعد للسفر إلى آسية ليكون والياً عليها، وكانت صغراهما زوجة مريبة لأورليوس، واتهم الناس زوجته بأن خيانتها لزوجها كانت تعدل جمالها. وتحمل أنطونينس هذه الشائعات وهو صامت صابر، ولما ماتت زوجته فوستينا Faustina أرصد باسمها وتكريماً لها أموالاً طائلة لمساعدة الفتيات وتعليمهن، وخلّد ذكراها بإنشاء هيكل في السوق العامة كان من أجمل هياكل رومة. وزاد على ذلك أنه لم يتزوج غيرها حتى لا يشقي أبناؤه أو ينقص ميراثهم بهذا الزواج واكتفى بأن اتخذ له حظية.
ولم يكن رجلاً ذكياً، بالمعنى الضيق لهذا اللفظ، فلم يكن له حظ من العلم، وكان ينظر إلى رجال الأدب والفلسفة والفن نظرة الأرستقراطي الذي يتركهم وشأنهم ولا يتدخل في أعمالهم، لكنه مع ذلك كان يساعدهم بالمال الكثير، وكثيراً ما كان يدعوهم إلى قصره. وكان يفضل الدين على الفلسفة، ويعبد الآلهة القدامى بإخلاص ظاهر، وضرب لمن تبناهم مثلاً في التقي والصلاح. كان له أعظم الأثر في ماركس فلم ينس قط قوله: "إفعل كل شيء كما يجب أن يفعله تلميذ أنطونينس". وقد أمر نفسه بأن "يذكر استمساكه بكل عمل معقول، واعتداله في كل شيء، وتقواه، وصفاء ملامحه، واحتقاره للشهرة التي لا قيمة لها... واكتفاءه بالقليل؛ وجده وصبره، واستمساكه بالدين مع بُعده عن الخرافات". وكان مع هذا متسامحاً مع أصحاب الأديان غير الرومانية، فخفف من الإجراءات التي اتخذ هل هدريان ضد اليهود، وجرى على سنة أسلافه من التساهل مع المسيحيين. ولم يكن بالرجل المتزمت الذي يضيق صدراً بالمرح، بل كان يحب النكتة، وكثيراً ما كانت تصدر منه الفكاهة اللطيفة. وكان يلعب، ويصيد السمك والوحوش مع أصدقائه، ولم يكن في وسع الإنسان أن يستدل من سلوكه على أنه إمبراطور. وكان يفضل هدوء بيته الريفي في لنوفيوم Lanuvium على ترف قصره الرسمي، وكان يقضي كل لياليه تقريباً مع أسرته. ولما أن ورث العرش امتنع عن التفكير فيما كان يتوق إليه من راحة وهدوء يجعلهما سلواه في شيخوخته. ولما تبين أن زوجته تتوقع أن تزداد بعد ارتقائه العرش أبهة وعظمة أنبها على ذلك بقوله: "ألا تعلمين أننا قد فقنا الآن ما كان لنا من قبل؟". فقد كان يعرف أنه ورث هموم العالم ومشاغله. وكان أول ما عمله بعد اعتلائه العرش أن وهب ثروته الشخصية الكبيرة إلى خزانة الدولة. ثم ألغى المتأخر من الضرائب، ونفح المواطنين بهبات من المال، وأقام على نفقته كثيراً من الألعاب والحفلات، وسد ما كان يعانيه الأهلون من نقص في الخمر، والزيت، والقمح، بشراء هذه الأصناف وتوزيعها على الناس من غير ثمن.
وواصل تنفيذ منهاج هدريان في البناء في إيطاليا، وفي الولايات، ولكنه سار فيه باعتدال؛ ومع هذا كله فقد دبر مالية الدولة بكفاية كانت نتيجتها أن وجد في خزانتها كلها بعد وفاته 2,700,000,000 سسترس، وكان ينشر على الناس إحصاء بجميع الإيرادات والنفقات، ويعامل مجلس الشيوخ على أنه هو عضو من أعضائه لا أكثر، ولم يقدم قط على عمل خطير إلا بعد استشارة زعمائه. وكان يعني بدقائق الشئون الإدارية عنايته بالمشاكل السياسية؛ "فكان يهتم بجميع الناس وبجميع الأشياء كأنهم أهله وكأنها ملكه الخاص". وواصل سياسة هدريان بصبغ القانون بصبغة الحرية، وجعل عقوبة الزنى متساوية على الرجال والنساء، وحرم السادة القاسين من عبيدهم، وقيد تعذيب العبيد في المحاكمات بقيود شديدة، وفرض أشد العقوبات على كل سيد يقتل عبداً له. وشجع التعليم برصد المال له من قبل الدولة، وعلم أبناء الفقراء على نفقتها، ومنح المعلمين والفلاسفة المعترف بهم كثيراً من امتيازات طبقة أعضاء مجلس الشيوخ. وحكم الولايات أحسن حكم مستطاع دون أن يطوف بها، فلم يغب قط عن رومة أو ما جاورها يوماً واحداً في أثناء حكمه الطويل؛ وكان يكتفي بأن يعين لحكم الولايات رجالاً من ذوي الكفاية المخبورة والشرف الموثوق به. وكان يحرص على سلامة الإمبراطورية دون الاشتباك في حروب؛ "ولم يكن ينقطع قط عن ترديد قول سبيو إنه يفضل الاحتفاظ بحياة مواطن واحد على قتل ألف عدو". على أنه قد اضطر أن يخوض غمار بعض الحروب الصغرى ليخمد ما نشب من الثورات في داشيا، وآخبة، ومصر؛ ولكنه عهد بهذه الواجبات إلى مرؤوسيه، ولم يسع إلى توسيع رقعة الدولة بل اكتفى بالحدود التي رسمها لها هدريان وراعى في رسمها جانب الحذر. وحسبت بعض القبائل الألمانية لينة هذا ضعفاً، ولعل هذا اللين قد شجعها على أن تتأهب لتلك الغزوات التي اهتزت لها دعائم الإمبراطورية بعد وفاته؛ وكان هذا هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبه في سياسته. أما في ما عدا ذلك فقد كانت الولايات سعيدة في أيامه، ورضيت بحكم الإمبراطورية ورأت فيه البديل الوحيد من الفوضى والشقاق. وأمطرته الولايات سيلاً من الملتمسات والمطالب، أجابها إليها جميعاً إلا القليل الذي لا يستحق الذكر؛ وكان في وسعها أن تعتمد عليه ليعوضها عن كل ما يصيبها من الخسائر بسبب الكوارث العامة. وتغنى المؤرخون من أهل هذه الولايات أمثال أسترابون، وفيلو، وأفلوطرخس، وأبيان، وإبكتتس، وإيليوس أرستيديز بمديح السلم الرومانية؛ ويؤكد لنا أبيان أنه شاهد في رومة مندوبي الدول الأجنبية يرجون عبثاً أن توضع بلادهم تحت الحكم الروماني لكي تستمتع بمزاياه. ولم يعرف قط قبل ذلك الوقت أن حكومة ملكية مطلقة تركت الناس أحراراً كما تركتهم حكومة بيوس، أو احترمت حقوق رعاياها كما احترمتها هذه الحكومة. ولاح أن العالم قد أدرك المثل الأعلى في نظم الحكم. فقد كان هذا الحكم وقتئذٍ للعقل والحكمة، وكأن العالم يحكمه أب شفيق رحيم. ولم يكن باقياً على أنطونينس بعد هذا كله إلا أن يختم حياته الصالحة بموت هادئ. ولقد أصيب في السنة الرابعة والسبعين من عمره بزلة معدية، وانتابته حمى شديدة، فدعا ماركس أورليوس إلى فراشه، وعهد إليه العناية بشئون الدولة، وأمر خدمه أن ينقلوا إلى حجرة ماركس تمثال فرتونا Fortuna (الحظ) الذهبي، وكان الزعيم قد احتفظ بهذا التمثال في حجرته عدداً كبيراً من السنين. وأسر إلى ضابط ذلك اليوم كلمة السر "الهدوء". ثم أدار وجهه لساعته كما لو كان يريد النوم، وأسلم الروح . وأخذت جميع الطبقات وجميع المدن تتبارى في تكريم ذكراه.
##################
[161-180 م]
الامبراطورية الرومانية :
امبراطور الروم =ماركوس أوريليوس
سيرته : (أهم المصادر : ول ديورانت : قصة الحضارة -> قيصر والمسيح -> الزعامة -> الملوك الفلاسفة -> الفيلسوف إمبراطور)
كان فيلسوفًا يعتنق المذهب الرواقي Stoicism الذي درس مبادئه في شبابه وأخذ يطبق أفكاره على نفسه وعلى الآخرين
ولد ماركس أورليوس فيرس في روما عام 121،
وكانت أسرة أنياي Annii قد وفدت قبل ذلك الوقت بمائة عام من سكوبا Succuba القريبة من قرطبة إلى رومة، ويلوح أن ما اشتهروا به في هذا البلد من شرف قد أكسبهم لقب فيرس أي "الحق".
ومات والد الغلام بعد ثلاثة أشهر من مولده فكفله جده الثري، وكان قنصلاً في ذلك الوقت، وأخذه إلى بيته. وكثيراً ما كان هدريان يتردد على هذا البيت زائراً، فأعجب الغلام، ورآه من طراز الملوك. ولم يعرف قط أن غلاماً مثله كان شبابه ينم عما ينتظره من مستقبل عظيم، أو كان يدرك ما هيأته له الأقدار من حظ حسن. وقد كتب بعد ذلك الوقت بخمسين عاماً يقول: "إني مدين للآلهة بما وهبتني من جدود طيبين، وآباء طيبين، وأخت طيبة، ومدرسين طيبين، وأقارب وأصدقاء طيبين، وكل شيء تقريباً طيب"
لكن كان له زوجة مريبة وابناً سافلاً.
وقد أحصى في تأملاته ما يتصف به أولئك الناس من فضائل وما تلقاه عنهم من دروس في التواضع، والصبر، والرجولة، والتعفف، والتقوى، وحب الخير، و "بساطة الحياة البعيدة كل البعد عن عادات ذوي الثراء" وإن كان الثراء يحيط به من كل جانب.
ولم يلق غلام قط ما لقيه هذا الغلام من حرص ومثابرة على تربيته وتعليمه. فقد التحق في شبابه بخدمة الهياكل والكهنة، وحفظ عن ظهر قلب كل كلمة من كلمات الطقوس الدينية القديمة الغامضة المتعذرة الفهم، ولم تنقص الفلسفة في مستقبل الأيام من مثابرته على أداء تلك الطقوس القديمة المفروضة على الأتقياء الصالحين، وإن كانت هذه الفلسفة قد زعزعت عقيدته الدينية. وكان ماركس يحب المباريات والألعاب الرياضية ومنها صيد الطير والحيوان، وقد بذلت بعض الجهود لتقوية جسمه كما كانت الجهود تبذل لتنمية عقله وتقويم خلقه، ولكن سبعة عشر مدرساً خاصاً يحيطون بطفل عبء ثقيل وعقبة كؤود في سبيله. فقد كان أربعة نحاة، وأربعة من علماء البلاغة، وواحد من علماء القانون، وثمانية من الفلاسفة يقتسمون رومة فيما بينهم. وكان أشهر هؤلاء الأساتذة كلهم م. كورنليوس فرنتو Cornelius Fronto .M معلم البيان. وكان ماركس يحبه ويحبوه بكل ما يحبو به التلاميذ أبناء الملوك أساتذتهم من عطف ولطف، ويتبادل معه رسائل تفيض ؤقة ووفاء، ولكن الغلام رغم هذا أدار ظهره إلى فن الخطابة ورآه فناً باطلاً غير شريف وأنهمك في دراسة الفلسفة. وهو يشكر لأساتذته أنهم لم يلزموه بدراسة المنطق والتنجيم، ويشكر لديجنيتس Diognetus الرواقي أنه حرر عقله من الخرافات، وليونيوس رستكس Junius Rusticus أنه عرفه بإبكتتس، ولسكستس القيرونيائي Sextus of Chaeronea أنه علمه أن يعيش عيشة تتفق والطبيعة. وهو يحمد لأخيه سفيرس Severus أنه علمه أخبار بروتس، وكاتو اليتكائي، وثراسيا Thrasea، وهلفديوس Helvidius ويقول: "إني تلقيت عنه فكرة الدولة التي يكون فيها قانون واحد لجميع الناس، والتي يتمتع أهلها جميعاً بحقوق متكافئة، وبحرية الكلام؛ وأخذت عنه فكرة الحكومة الملكية التي تحترم حرية المحكومين أكثر من احترامها كل شيء سواها"
وفي هذا القول يستحوذ المثل الأعلى الرواقي للحكومة الملكية على العرش.
ويشكر أورليوس لمكسمس Maximus أن علمه "أن يحكم نفسه، وألا يسمح لشيء ما أن يضله، وأن يكون بشوشاً في كل الظروف، وأن يجمع قدراً متكافئاً من اللطف والكرامة، وأن يؤدي ما عليه من الواجبات من غير تذمر". وجدير بنا أن نشير هنا إلى أن من الأمور الجلية أن كبار الفلاسفة في ذلك الوقت كانوا كهنة بلا دين، ولم يكونوا ميتافيزيقيين بلا حياة. غير أن ماركس آمن بأقوالهم إيماناً جدياً كاد وقتاً ما يفقد بسببه صحته التي كانت ضغينة بطبيعتها لانهماكه في حياة الزهد والتقشف. فقد ارتدى وهو صبي في الثانية عشرة من عمره رداء الفلسفة، وأخذ ينام على قليل من القش المنثور على الأرض، وظل زمناً طويلاً لا يأبه برجاء أمه له أن ينام على فراش. ذلك أنه كان رواقياً قبل أن يصير رجلاً، ويحمد ربه: "لأني احتفظت بزهرة شبابي، وأني لم أطمع في أن يكون رجلاً قبل الأوان، بل أجلت هذا أكثر مما كنت أحتاج إلى تأجيله... وأني لم تكن لي صلات جنسية قط... وأني حين انتابتني فيما بعد نوبات من الحب، لم ألبث أن شفيت منها بعد زمن قليل".
وقد حوله عن احتراف الفلسفة والكهنوت عاملان :
1- ما تولاه من المناصب السياسية الصغرى منصباً في إثر منصب، وذلك لأن واقعية الرجل الإداري تعارضت لديه مع مثالية الشاب الغارق في التأملات.
2- صلته الوثيقة بأنطونينس بيوس. ولم تكن حياة أنطونيتس الطويلة سبباً في مضايقته بل ظل يحيا حياته الرواقية البسيطة، ويواصل دراساته الفلسفية، وواجباته الرسمية، وهو يعيش في القصر، ويمارس مرانه الطويل. وكان للمثل الذي ضربه له متبنية في الإخلاص والنزاهة في الحكم أقوى الأثر في نضوج عقله وخلقه. وكان الاسم الذي نعرفه به وهو أورليوس هو اسم القبيلة التي ينتمي إليها أنطونينس، وقد ماركس ولوسيوس كلاهما بعد أن تبناهما. فأما لوسيوس فقد أصبح رجلاً مرحاً محباً لمفاتن العالم، خبيراً بملذات الحياة ومباهجها.
ولما أن رغب بيوس عام 146 أن يكون له زميل يشترك معه في أعباء الحكم، اختار لذلك ماركس وحده، وترك للوسيوس دولة الحب.
ولما أن مات أنطونينس جلس ماركس على العرش بمفرده، ولكنه تذكر رغبة هدريان فاتخذ لوسيوس فيرس زميلاً له وزوجاً بابنته لوسلا Lucilla. فارتكب الفيلسوف بسبب حنوه ورأفته من الخطأ في بداية حكمه ما ارتكبه في نهايته. ذلك أن تقسيم الحكم على هذا النحو كان سابقة سيئة، فرقت شمل الدولة وأضعفتها فيما بعد أيام خلفاء دقلديانوس وقسطنطين. وطلب ماركس إلى مجلس الشيوخ أن يخلع على بيوس مراسم التكريم القدسية، وأتم الهيكل الذي شرع بيوس في أن يقيمه تخليداً لذكرى زوجته، وأظهر فيه أحسن الذوق وأكمله، ووهبه لذكرى أنطونينس وفوستينا معاً .
بعدما ارتقى ماركوس العرش كان أمرًا طبيعيًا أن تنعكس هذه المبادئ الفلسفية على أسلوب حكمه وسلوكه وحبا مجلس الشيوخ بكل أنواع المجاملة، وسره أن يجد الكثيرين من أصدقائه الفلاسفة قد شقوا طريقهم إلى عضويته، وحيته إيطاليا بأجمعها والولايات على بكرة أبيها، ورأت فيه تحقيقاً لحلم أفلاطون: لقد أصبح الفيلسوف ملكاً. ولكنه لم يفكر قط في أن يجعل من الإمبراطورية "مدينة فاضلة". فقد كان مثل أنطونينس محافظاً مستمسكاً بالقديم؛ ذلك أن المتطرفين لا ينشأون في القصور، وكان ملكاً- فيلسوفاً بالمعنى الرواقي لا الأفلاطوني لهذا اللفظ. وقال يحذر نفسه: "لا تؤمل قط أن تقيم جمهورية أفلاطون. وحسبك أنك أصلحت أحوال البشر إلى حد ما، ولا تظن أن هذا الإصلاح أمر قليل الخطر. ومن ذا الذي يستطيع تغيير آراء الناس؟ وإذا لم تستطع تغيير عواطفهم، فإنك لا تستطيع أن تجعل منهم إلا عبيداً متمردين ومنافقين متلونين".
وكان قد تبين أن الناس لا يرغبون كلهم أن يكونوا قديسين أطهاراً، ووطن النفس على أن يعيش في عالم مليء بالخبث والفساد،
): وقد وطد العزم على أن يعتمد على القدوة الحسنة لا على سطوة القانون، فجعل نفسه بالفعل خادماً للدولة، وأخذ على عاتقه جميع أعباء الإدارة والقضاء، بما في ذلك القسم الذي وافق لوسيوس على أن يتحمله ولكنه أهمله؛ ولم يسمح لنفسه بشيء من الترف، وعامل الناس جميعاً معاملة الزملاء لا أكثر ولاأقل، وأنهك نفسه بكثرة العمل بأن يسر للناس مقابلته.
وبالرغم من زهد ماركوس أوريليوس في السلطة وعزوفه عن مظاهر المجد والسلطان مصداقًا لمبادئه فإنه لم يترك أمور الإمبراطورية تجري على أعنتها وإنما تولاها بقدر كبير من الكفاءة من منطلق مبدأ إحساس الإنسان العميق بالواجب. بيد أن المفارقة هي أن هذا الإمبراطور العاشق للإنسانية المبشر بمبدأ السلام والإخاء بين البشر كان مقدرًا له أن يخوض عدة حروب طويلة من أجل وحدة الإمبراطورية وسلامتها،
يقول رينان Renan: "لو أن أنطونينس لم يعين ماركس أورليوس خليفةً له من بعده لما استطاع أحد قط أن ينافسه فيما اشتهر به من أنه خير الملوك على الإطلاق"
يقول جبن Gibbon: "لو أن إنساناً طلب إليه أن يحدد في تاريخ العالم وقتاً كان فيه الجنس البشري أعظم ما يكون سعادة ورخاء، لما تردد في أن يقول أنه هو الفترة التي تمتد من جلوس نيرفا إلى موت أورليوس. ولعل حكمهم مجتمعاً هو الفترة الوحيدة في تاريخ العالم التي كانت فيها سعادة شعب عظيم هدف الحكومة الوحيد".
ولم يكن ماركس بالسياسي العظيم، فقد أنفق كثيراً من أموال الدولة في الهبات النقدية التي كان ينفح بها الشعب والجيش، ومنح كل فرد من أفراد الحرس البريتوري عشرين ألف سسترس. وزاد عدد الذين كان من حقهم أن يطلبوا الحبوب من غير ثمن، وأكثر من الألعاب الباهظة النفقة، وأعفى الناس والولايات من كثير من الضرائب والجزية المتأخرة. لقد كان هذا كرماً له سوابقه، ولكنه كان عملاً غير حكيم في وقت كانت الثورات والحروب تهدد الدولة تهديداً لا يخفى على عين الحاكم البصير، وكانت نيرانها مشتعلة بالفعل في كقير من الولايات وعلى أطراف الحدود العظيمة الأمداد. وواصل ماركس ذلك الإصلاح القانوني الذي بدأه هدريان وبذل في ذلك الإصلاح كثيراً من الجد والنشاط. فزاد أيام جلسات المحاكم، وقصر آجال المحاكمات، وكثيراً ما كان يجلس بنفسه في مجلس القضاء، ولا يرحم من يرتكب جريمة من الجرائم الكبرى، ولكنه كان في العادة رحيماً. وقد ابتكر وسائل قانونية لحماية عديمي الأهلية من جشع الأوصياء، ولحماية المدينين من الدائنين، والولايات من الحكام، وغض الطرف عن عودة الجماعات الدينية التي كانت محرمة قبل عهده، وبسط حماية القانون على الهيئات التي كانت في حقيقة أمرها جماعات تعني بدفن الموتى، وأكسبها الشخصية المعنوية التي يحق لها بمقتضاها أن تقبل الوصايا، وأنشأ صندوقاً لينفق منه على دفن الموتى من الفقراء. وبلغ عدد المستفيدين من نظام الألمنتا أي من الأموال التي خصصتها الدولة لتشجيع النسل بين الفلاحين أكبر عدد وصل إليه في تاريخ هذا النظام كله. ولما ماتت زوجته أنشأ صندوقاً لمساعدة الفتيات الفقيرات، ولدينا نقش منخفض يمثل أولئك الفتيات وقد أحطنا بفوستينا الصغرى وهي تصب القمح في حجورهن. وألغى الاستحمام المختلط، وحرم دفع أجور عالية للمثلين والمجالدين، وفرض على ما تنفقه المدن على الألعاب قيوداً تحد من هذه النفقات وتجعلها متناسبة مع ثروتها، وأوجب أن تكون الأسلحة التي يستخدمها المجالدون غير ذات أسنة، وفعل كل ما تبيحه له هذه العادة الوحشية أن يفعله لمنع قتل المصارعين. وأحبه الشعب ولكنه لم يحب قوانينه، ولما أن جند المصارعين في جيشه الذي سيّره للحروب المركمانية Marcomannic قال الناس في غضب فكه: "إنه يسلبنا أسباب سرورنا، ويريد أن يرغمنا على أن نكون فلاسفة"
. لقد كانت رومة تستعد للتزمت، ولكنها لما تصبح مستعدة له. وكان من سوء حظه أن شهرته في الفلسفة، وأن السلم الطويلة التي دامت أيام هدريان وأنطونينس، قد شجعتا الثوار في داخل البلاد، والبرابرة في خارجها، على العصيان. فاندلعت نيران الثورة في بريطانيا عام 162، وغزا التشاتي Chatti ألمانيا الرومانية، وأعلن فولجاسيز Vologases الثالث ملك بارثيا الحرب على رومة، واختار ماركس أقدر القواد لتقليم أظفار الفتنة في الشمال، ولكنه عهد إلى لوسيوس فيرس بالواجب الأكبر وهو محاربة بارثيا، ولم يتجاوز لوسيوس في زحفة مدينة أنطاكية، لأن تلك المدينة كانت مسكن باتثيا Panthea التي بلغت من الجمال والتهذيب والثقافة حداً ظن معه لوسيان أن كل ما حوته آيات النحت من روعة قد اجتمعت فيها، وأنها وهبت فوق ذلك صوتاً رخيماً عذباً يسلب لب من سمعه، وأنامل تجيد العزف، وعقلاً ملماً بروائع الأدب والفلسفة. فلما رآها لوسيوس نسي كما نسي جلجميش متى ولد، فأطلق العنان لذاته، للصيد أولاً ثم للدعارة بعدئذٍ، بينما كان البارثيون يزحفون على بلاد سوريا الت ياستولى عليها الرعب. ولم يعلق ماركس بكلمة على أعمال لوسيوس ولكنه أرسل إلى أفديوس كاسيوس Avidius Cassius الذي يلي لوسيوس في قيادة جيشه خطة للحملة كانت من الاتقان بحيث أعانت القائد القدير المحنك على صد البارثيين إلى ما بين النهرين، وإلى رفع الراية الرومانية مرة أخرى على سلوقية وطقشونة. وأحرقت المدينتان في هذه المرة عن آخرهما، لكيلا تتخذا مرة أخرى قاعدتين لحملات البارثيين. وعاد لوسيوس من أنطاكية إلى رومة حيث أقيم له إحتفال بالنصر، أصر كرماً منه وشهامة على أن يشاركه فيه ماركس. وجاء لوسيوس معه بالمنتصر الخلفي في هذه الحرب- وهو الوباء. وكان قد ظهر في باديء الأمر بين جنود أفديوس حينما استولوا على سلوقية، ثم انتشر بسرعة اضطرته أن يسحب أولئك الجند إلى بلاد النهرين بينما كان البارثيون يطربون لأن الآلهة قد انتقمت لهم من أعدائهم. ونقلت الفيالق المنسحبة الوباء معها إلى سوريا، وأخذ لوسيوس معه جنوداً من هذه الفيالق لتشترك في موكب النصر، فنقلوا العدوى إلى كل مدينة مروا بها، وإلى كل صقع من أصقاع الإمبراطورية انتقلوا إليه فيما بعد. ويحدثنا المؤرخون القدامى عن فتك هذا الوباء أكثر مما يحدثونا عن طبيعته، ولكن ما يقولونه عنه يوحي بأنه قد يكون مرض التيفوس الطفحي أو الطاعون الدملي ويظن جالينوس أنه من نوع الوباء الذي فتك بالأثينيين في عهد بركليز. وسواء أكان هذا أم ذاك فقد كانت بثرات سوداء تنتشر في الجسم، ويصاب المريض بسعال جاف مبحوح، ويكون "نفسه ذا رائحة خبيثة". وفشا الوباء سريعاً في آسية الصغرى، ومصر، وبلاد اليونان، وغالة، وأهلك خلال عام واحد (166-67) أكثر ممن أهلكتهم الحرب. ومات منه في رومة ألفان في يوم واحد، ومنهم عدد كبير من أشراف المدينة، وكانت الجثث تخرج منها أكواماً. وعجز ماركس عن مقاومة هذا العدو الخفي، ولكنه بذل كل ما يستطيع ليخفف عن شره، غير أنه لم يجد معونة من علم الطب في ذلك الوقت، وجرى الوباء في مجراه حتى أوجد في الناس معونة منه أو أهلك كل من حمل جراثيمه. وكانت له في البلاد آثار يخطئها الحصر. فقد أقفرت كثير من الأنحاء من سكانها حتى أضحت صحاري أو غابات، ونقص إنتاج الغذاء، واضطربت وسائل النقل، وأتلفت فيضانات الأنهار مقادير كبيرة من الحبوب، وجاء القحط في أعقاب الوباء. واختفت مظاهر البهجة التي امتازت بها بداية حكم ماركس، واستسلم الناس للحيرة والتشاؤم، وهرعوا إلى العرافين والمتنبئين، وغمروا المذابح بالبخور والضحايا، وطلبوا العزاء في الملاذ الوحيد الذي أتيح لهم، في الدين الجديد دين خلود النفس والسلام السماوي. وبينما كانت هذه الكوارث تجتاح البلاد في الداخل جاءت الأنباء (167) بأن القبائل الضاربة على ضفاف الدانوب- التشاتي، والقادي، والمركماني، واللازيجي Lezygcs- قد عبرت النهر، وفتكت بحامية رومانية عدتها عشرون ألفاً، وأخذت تزحف على داشيا، وريتيا Rretia، وباتونيا، ونوركم، وأن بعضها قد شقت طريقها فوق جبال الألب، وهزمت كل الجيوش التي أرسلت لصدها، وحاصرت أكويليا Aquileia (القريبة من البندقية)، وأخذت تهدد فرونا Veroua، وتتلف الحقول الغنية في شمال إيطاليا.
ولم تكن القبائل الألمانية في وقت من الأوقات أكثر مما كانت وقتئذٍ إتحاداً وتماسكاً في زحفها، ولم تهدد رومة في يوم ما أشد من تهديدها إياك في ذلك الوقت. وأقدم ماركس على العمل الحاسم بسرعة أدهشت الناس جميعاً، فنبذ ملاذ الفلسفة، وقرر أن ينزل بنفسه إلى الميدان ليخوض غمار الحرب التي تنبأ بأنها ستكون أخطر الحروب التي خاضتها رومة منذ أيام هنيبال، وروع إيطاليا بتجنيد رجال الشرطة، والمجالدين والعبيد، وقطاع الطرق، ومرتزقة البرابرة، في فيالقه التي حصدتها الحروب والأوبئة. وحتى الآلهة نفسها قد جندها لأغراضه: فقد أمر كهنة الأديان الأجنبية أن يقربوا القرابين إلى رومة حسب طقوسهم المختلفة، وحرق هو نفسه من الضحايا على المذابح ما جعل أحد الفكهين يذيع رسالة بعثت بها إليه ثيران سود، ترجوه فيها ألا يسرف في الانتصار وتقول فيها: "ما أشد خسارتنا إذا انتصرت". وأراد أن يوفر المال اللازم للحرب دون أن يفرض لها ضريبة خاصة فباع بالمزاد العلني في السوق العامة ما في القصور الإمبراطورية من خزانات الثياب، والتحف الغنية، والحلي. وأعد العدة للدفاع بعناية عظيمة- فحصن المدن القائمة على الحدود من غالة إلى بحر إيجة، وسد الممرات الموصلة إلى إيطاليا، وأغرى القبائل الألمانية والسكوذية بالرشا السخية على الهجوم على مؤخرة الغزاة. ثم درب جيشه ونظمه أحسن تدريب وتنظيم بجد وشجاعة تثيران أعظم الإعجاب لمجيئهما من رجل يكره الحرب. ثم قاد الجيش بنفسه في حرب عوان وضع خططها بمهارة وقدرة حربية فنية، وفك الحصار عن أكويليا، وطارد المحاصرين وبدد شملهم عند نهر الدانوب، حتى لم يكد ينجو منهم من القتل إلا من وقع في الأسر. ولم يكن يخفي عليه أن أعماله هذه لم تقض على الخطر الألماني، ولكنه حسب أن ما أدركه يجعل الموقف آمناً إلى حين، فعاد إلى زميله إلى رومة؛ ولكن لوسيوس قضى نحبه في الطريق بالسكتة القلبية، غير أن الشائعات، كالسياسة، لا تعرف سبيلاً إلى الرحمة، فقالت إن ماركس دس له السم. وقضى الإمبراطور الفترة الواقعة بين يناير وسبتمبر عام 169 في رومة ليستريح من الجهود التي أضنت بنيته الضعيفة حتى كادت تقضي عليه، وكان يشكو نزلة معوية كثيراً ما كانت تتركه ضعيفاً لا يقوى على الحركة. ولكنه عالج هذا الداء بالاقتصاد في الطعام فكان لا يأكل إلا أكلة خفيفة في اليوم. وكان الذين يعرفون حالته الصحية وغذاءه القليل يدهشون مما كان يبذله في القصر والحقل من جهود، كل ما يعللونها به أنه كان يعوض بعزيمته ما يعوزه من قوة جسمه. وقد استدعى إليه عدة مرار جالينوس البرجمومي أشهر أطباء زمانه، وأثنى عليه لبساطة ما كان يصفه له من العلاج. ولعل ما توالى عليه من المتاعب المنزلية مضافة إلى الأزمات السياسية والعسكرية قد ساعد على اشتداد علته حتى أصبح شيخاً منهوكاً في الثامنة والأربعين من عمره. ولعل زوجته فوستينا، التي ترى وجهها الجميل في كثير من التماثيل، لم يكن يسرها أن تشارك في الطعام والفراش رجلاً يكاد يكون هو الفلسفة متجسدة، ذلك أنها كانت إمرأة مرحة نشيطة، تتوق إلى حياة أكثر بهجة مما تستطيع أن تهبها إياها فطرته الرزينة الوقور. غير أن النمامين في المدينة كانوا يتهمونها بخيانة زوجها؛ وهجته المسرحيات التقليدية الصامتة ووصفته بأنه ديوث، بل ذهبت إلى أبعد من هذا فذكرت أسماء من ينافسونه على زوجته. لكن ماركس فعل ما فعله أنطونينس مع أمه فوستينا فصمت ولم يقل شيئاً، ولم يكتف بالصمت بل عين عشاقها المزعومينفي مناصب عالية، وأظهر إلى فوستينا كل دلائل العطف والاحترام، وألّهها لما ماتت وشكر في تأملاته الأوثان لأنها وهبته "زوجة محبة مطيعة". ولقد ولدت له أربعة أبناء، كان يحبهم حباً لا نزال نحس بحرارته في رسائله التي كتبها لفرنتو. وقد ماتت منهم بنت في طفولتها، وأما الثانية فكانت حياة لسيوس سبباً في حزنها، ووفاته سبباً في ترملها. وكان الاثنان الآخران توأمين ولداً في عام 161، مات أحدهما أثناء ولادته، وأما الثاني فهو كمودوس Commodus الذي كان وسيماً قوياً نشيطاً، وكان ماركس يحبه ويحنو عليه حنواً بالغاً لا يستطيع أحد أن يلومه عليه، وقدمه إلى الفيالق بطريقة ترمز إلى أنه سيختاره خليفة له من بعده، واستخدم خير المدرسين في رومة ليجعلوه صالحاً للحكم. ولكن الشاب كان يفضل الشرب، والرقص، والغناء، والصيد، والمثاقفة، ونشأت فيه روح الكراهية للكتب والعلماء والفلاسفة، وهي كراهية نستطيع فهم أسبابها، ولكنه كان يسر بصحبة المجالدين وهواة الألعاب الرياضية؛ وسرعان ما بز جميع رفاقه من الكذب، والقسوة، والألفاظ القذرة. وكان ماركس أشد طيبة من أن يبلغ من العظمة قدراً يستطيع معه أن يؤدبه، أو يتبرأ منه، وظل يأمل أن التعليم والتبعة التي ستلقى على عاتقه سيهذبان من طبعه ويغرسان فيه صفات الملوك.
وأخذ الإمبراطور في عزلته يهزل جسمه، ويطول شعر لحيته دون أن يعنى به، وتضعف عيناه من الهم والأرق، ويولي ظهره إلى زوجه وولده، ليعنى بشئون الحكم والحرب. ولم تكن هجمات القبائل الضاربة في وسط أوربا قد وقفت إلا إلى حين قصير، ولم تكن السلم في هذا الصراع القائم لتدمير الإمبراطورية وتحرير البرابرة إلا هدنة مؤقتة،
ثم أقدم ألتشاتي في عام 169 على غزو الأقاليم الرومانية عند مجرى الرين الأعلى، وفي عام 170 هاجم ألتشوسي بلجيكا، وحاصرت قوة أخرى سرمزجتسوسا، وعبر الكتسبآي جبال البلقان وانقضوا على بلاد اليونان، ونهبوا هيكل الطقوس الخلفية في إلوسيس التي تبعد عن أثينة بأربعة عشر ميلاً، وغزا المغاربة أسبانيا من موطنهم في أفريقية، وظهرت لأول مرة على نهر الرين قبيلة جديدة تدعى اللنجباردي أو اللمبارديين. وكان البرابرة المخصبون يزدادون في كل يوم قوة رغم ما منوا به من الهزائم الكثيرة، بينما كان الرومان العقيمون يزدادون في كل يوم ضعفاً. ورأى ماركس أن الحرب وقتئذٍ حرب حياة أو موت، يهلك فيها أحد الطرفين عدوه أو يذل له. ولم يكن في وسع مخلوق أن يبدل نفسه تبديلاً تاماً من فيلسوف متصوف إلى قائد ناجح قدير إلا من نشأ نشأة رومانية عرف فيها معنى الواجب المقدس كما يفهمه الرواقيون. ولقد بقي الفيلسوف متخفياً تحت دروع الإمبراطور؛ فبينما كانت هذه الحرب المركمانية الثانية (169-75) حامية الوطيس، وبينما كان ماركس في معسكره المواجه لقبائل القاديين على نهر جرنا Granna شرع يكتب ذلك الكتاب الصغير كتاب التأملات وهو أهم ما يذكره العالم به. وهذه اللمحة التي تكشف لنا عن قديس ضعيف غير معصوم من الزلل يقلب في ذهنه مشكلتي الأخلاق والأقدار، وهو يقود جحفلاً عظيماً في صراع يقف على نتيجته مصير الإمبراطورية، نقول إن هذه اللمحة لهي صورة من أدق الصور التي حفظها الزمان لأعاظم رجاله وأصدقها. لقد كان يطارد السرماتيين بالنهار ولكنه كان في وسعه أن يكتب عنهم بالليل كتابة من يعطف عليهم: "إن العنكبوت إذا أمسك بذبابة، ظن أنه أقدم على عمل عظيم، وكذلك يظن من صاد أرنباً... أو أسر السرماتيين... أليس هؤلاء جميعاً لصوصاً؟"
. ولكنه رغم هذا ظل يحارب السرماتيين Sarmatians، والمركمانيين، والقاديين، واليزجيين، حرباً عواناً دامت ست سنين طوالاً، ذاق فيها الأمرين. ثم هزمهم، ودفع بفيالقه إلى الشمال حتى بلغت بوهيميا. ويبدو أنه كان يبغي أن يجعل سلاسل جبال هرسينيا Hercynian والكربات الحدود الجديدة للإمبراطورية. ولو أنه نجح في تحقيق غرضه، لكان من المحتمل أن تجعل الحضارة الرومانية ألمانيا، كما جعلت غالة، لاتينية في لغتها، ويونانية في تراثها الثقافي، ولكنه روع وهو في أوج ظفره، إذ علم أن أفديوس كاسيوس قد أعلن نفسه إمبراطوراً بعد أن أخمد ثورة شبت في مصر. وأدهش ماركس البرابرة بأن عقد معهم صلحاً سريعاً، واكتفى بأن ضم إلى الإمبراطورية شريطاً من الأرض لا يزيد عرضه على عشرة أميال على ضفة الدانوب الشمالية، ووضع حاميات قوية على الضفة الشمالية. ثم جمع جنوده، وأخبرهم أنه يسره أن يترك مكانه لأفديوس إذا رغبت رومة في ذلك، ووعد أن يعفو عن القائد المتمرد، ثم سار إلى آسية ليواجهه. وحدث في تلك الأثناء أن اغتال كاسيوس ضابط صغير، وخمدت على أثر مقتله نار الثورة.
واخترق ماركس آسية الصغرى وسوريا، وجاء إلى الإسكندرية، وحزن كما حزن قيصر لأنه لم تتح له فرصة يظهر فيها رحمته. وكان وهو في أزمير، والإسكندرية، وأثينة يمشي في الشوارع بلا حرس، ويلبس عباءة الفلاسفة، ويستمع إلى محاضرات كبار الأساتذة، ويشترك معهم في المناقشات، ويتكلم اللغة اليونانية؛ وأنشأ وهو في أثينة أستاذية في كل مذهب من المذاهب الفلسفية الكبيرة-الأفلاطونية، والإرسطاطيلية، والرواقية، والأبيقورية.
سنة 176 عاد لروما وكانت قد نسيت الوباء الذي فتك بأهلها، وأخذ أبناؤها يذوقون طعم السعادة من جديد، يضاف إلى هذا أن العاصمة لم تقاس إلا القليل من ويلات الحرب التي دبر لها ما يلزمها من المال تدبيراً روعي فيه الاقتصاد الشديد، ولم يفرض عليها فيه إلا القليل الذي لا يستحق الذكر من الضرائب الإضافية؛ وبينما كانت نار الحرب مشتعلة عند الحدود، كانت التجارة رائجة في داخل المدينة، وكان رنين النقود يسمع في كل مكان فيها، لقد بلغت رومة في ذلك الوقت أوج عزها، وبلغ حب الشعب للإمبراطورية غايته، وحياه العالم كله، وكان في نظره جندياً، وحكيماً، وقديساً في وقت واحد. ولكنه لم ينخدع بهذا النصر المؤزر، فقد كان يعرف أن مشكلة ألمانيا لم تحل بعد. وكان على ثقة من أن الإمبراطورية لن تستطيع صد الغزوات في المستقبل إلا إذا اتبعت سياسة نشيطة دفعت بها حدودها إلى جبال بوهيميا. ولذلك أقدم كمودس في عام 178 على الحرب المركمانية الثالثة، واجتاز نهر الدانوب وهزم القاديين مرة أخرى بعد حملة طويلة قاسية، لم يلق بعدها مقاومة، وأوشك أن يضم إلى الإمبراطورية بلاد القاديين، والمركمانيين، والسرماتيين (وهي بوجه التقريب بوهيميا وغاليسيا المجاورة لنهر الدانوب)، ويجعلها ولايات جديدة تابعة للإمبراطورية.
ولكن المرض انتابه وهو في معسكره في فندوبونا Vindobona (فينا). ولما أحس بدنو أجله، دعا كمودس إلى جانبه، وأنذره أن يواصل السير على الخطة التي أوشكت أن تثمر ثمرتها، ويحقق حلم أغسطس، ويدفع حدود الإمبراطورية إلى نهر الإلب . ثم امتنع عن الطعام والشراب، ومرت به وهو على هذه الحال خمسة أيام، وفي اليوم لسادس استجمع آخر ما كان عنده من قوة، ووقف على قدميه، وقدم كمودس للجيش على أنه الإمبراطور الجديد. ثم عاد إلى فراشه، وغطى رأسه بملاءة الفرش، وأسلم الروح بعد قليل. وقبل أن يصل جثمانه إلى روما، كان أهلها الحمقي قد عبدوه واتخذوه إلهاً كعادتهم في تأليه عظمائهم!
----------------
وتولى مصر في عهده :
- أنيوس سيرياكوس 162
- دوميتيوس هونوراتوس 165
- فلافيوس تيتيانوس 166
- باسوس روفوس 167
- كالفيسيوس ستانيانوس 175
- باكتيميوس ماجنوس 177
-------------------------------------------------------
###############################
From Wikipedia, the free encyclopedia @161 :Roman EmpireThe weight of a goldpiece, the aureus, is reduced from 7.81 grams under Aurelius to 7.12 grams.
Arts and Sciences:
- Gaius' Institutiones are published.
Births :
Deaths