===============================
13-10-54
موت الامبراطور الروماني الرابع كلوديوس الأول
حيث جري اغتيال (كلوديوس الأول) بالسم من " فطيرة عش الغراب" التي قدمتها له زوجته أجربينا
وخلفه في الحكم ابنه بالتبني "نيرون" كامبراطور
Roman emperor Claudius I died, after being poisoned with mushrooms by his wife, Agrippina.
سيرة كلوديوس الأول ::
إسمه :تيبيريوس كلوديوس قيصر أغسطس جرمنكوس
ابن أنطونيا ودروسس ، وأخو جرمنكوس وليفيا، وحفيد أكتافيان وتيبيريوس كلوديوس نيرون.
وكان مولده في لجدنوم (ليون الحالية) سنة 10 ق م،
في طفولته أصيب بشلل الأطفال و قيل أنه قليل الذكاء ظاهر البلاهة
وشب طويل القامة ممتلئ الجسم، ذووجه بشوش، ولكن شلل الأطفال وغيره من الأمراض قد أضعفت بنيته. وكانت ساقاه رفيعتان لا تكادان تقويان على حمله، فكان يخجل في مشيته، وكان رأسه يتأرجح فوق كتفيهِ.
وكان مغرماً بالخمر الجيد والطعام الشهي، وكان يشكو داء الرثية، ويتمتم قليلاً إذا تحدث، وإذا ضحك رفع صوته إلى حد لا يليق بالألباطرة. ويقول عنه شانئوه القساة إنه كان إذا غضب "خرج الزبد من فمهِ وسال المخاط من أنفهِ
وقد قام على تربيته النساء والأرقاء المحررون، فنشأ هياباً حساساً، وهما صفتان قد تصلحان للحكام، ولم تكد تسنح له الفرص للتدريب على ممارسة شؤون الحكم. وكان أقرباؤه يرونه إنساناً مريضاً ضعيف العقل؛
وكانت أمه التي ورثت عن أكتافيان رقتها وظرفها تسميه "الهولة التي لم يكتمل خلقها"، وكانت إذا أرادت أن تعير إنساناً بشدة البلاهة وصفته بأنه: "أشد بلاهة من ابني كلوديوس".
وإذ كان محتقراً من جميع الناس فقد عاش خاملاً مغموراً آمناً لذلك على نفسهِ، ويقضي وقته بين الميسر والكتب والشراب؛
وقالوا أنه تفقه في اللغة وفي العاديات، وكان ضليعاً في الفنون "القديمة"، والدين، والعلوم الطبيعية، والقانون،. وقد كتب تاريخاً لإتروريا، وقرطاجنة، وروما، ورسالة في النرد، وأخرى في حروف الهجاء، وملهاة يونانية، وترجمة لحياته. وكان العلماء والفلاسفة يراسلونه ويهدون إليهِ مؤلفاتهم، وينقل عنه بلني الأكبر ويعده من الثقاة الذين يعتمد عليهم. وقد علم الناس وهو إمبراطور كيف يعالجون عض الأفاعي، وهدأ مخاوف الشعف الخرافية بأن تنبأ بكسوف الشمس في يوم ميلاده وفسر لهم سبب هذا الكسوف.
وكان يحسن الكلام باللغة اليونانية، وكتب عدداً من مؤلفاته بهذه اللغة؛ وكان حسن النية، ولعله كان صادقاً حين قال في مجلس الشيوخ إنه كان يتظاهر بالغباوة لينجو من الموت.
وشهد وهو في الخمسين من عمره، وذا شعر أبيض اليوم الذي ترك (كالجيولا)فيه الإمبراطورية والأخطار تتهددها من كل ناحية: فالخزانة خاوية، ومجلس الشيوخ قد اضمحل وضعف شأنه، والشعب غاضب ثائر، وموريتانيا ثائرة، وبلاد اليهود قد امتشقت الحسام لأنه أصر على أن يوضع تمثاله ليعبد بهيكل أورشليم، ولم يكن أحد يعرف أين يوجد الحاكم القدير الخليق بأن يواجه المشاكل.
وعثر الحرس البريتوري على كلوديوس الظاهر البلاهة مختبئاً في أحد الأركان، فنادوا بهِ إمبراطوراً.
و أيد مجلس الشيوخ الحرس البريتوري في اختياره
وخشي مجلس الشيوخ صولة الجند، ولعل هذا الاختيار قد أنجي المجلس من موقف لم يكن يحمده، وسره أن يتعامل مع إنسان متحذلق عديم الأذى بدل أن يتعامل مع رجل مجنون مستهتر لا يعبأ بشيء. ولهذا أيدمجلس الشيوخ الحرس في اختيار كلوديوس
وارتقى كلوديوس عرش الإمبراطور في تردد وخشية.
وكان أول أعمال كلوديوس وهو إمبراطور أن منح كل جندي من جنود الحرس الذين رفعوه على العرش مبلغ ( 15000سسترس). وكان كالجيولا قد وهبهم من قبل هبات من هذا النوع ولكنه لم يهبها لتكون ثمناً صريحاً لعرش الإمبراطورية. واعترف كلوديوس وقتئذ بسلطان الجيش وسيادته في الوقت الذي ألغى فيهِ مرة أخرى حق الجمعية في اختيار كبار الحكام.
وكان أكثر حكمة وكرماً من سلفهِ، فوضع حداً للاتهام بالخيانة، وأطلق سراح من سجنوا من قبل بمقتضى هذا الاتهام، وأعاد جميع المنفيين إلى أوطانهم، ورد الأموال المصادرة إلى أصحابها، وألغى الضرائب التي فرضها جايوس. ولكنه أمر بإعدام قتلة كالجيولا، وحجته في هذا أن الخطر كل الخطر في التغاضي عن قتلة الأباطرة.
وحرم عادة السجود للإمبراطور، وأعلن في صراحة أنه لا يريد أن يتخذ إلهاً يعبد.
وحذا خذو أغسطس في إصلاح المعابد ودفعه شغفه بالآثار القديمة إلى السعي لبعث الدين القديم. وانكب بجد وإخلاص على العناية بالشؤون العامة، وبلغ من عنايته بها أن كان "يطوف بمن يبيعون السلع ويؤجرون المباني، ليقوم كل ما يعتقد أن فيه ضرراً بمصالح الشعب"
لكنه وإن جارى أغسطس في اعتداله، وخرج عن تحفظ أغسطس وحذره إلى سياسة قيصر الجريئة المتشعبة، فسعى إلى إصلاح أداة الحكم والقانون، وأنشأ المباني والخدمات العامة، وأعلى من شأن الولايات، ومنح الحقوق الانتخابية لغالة وفتح بريطانيا وصبغها بالصبغة الرومانية.
وقد أدهش الناس جميعاً حين أظهر أنه ذو خلق وإرادة، وليس ذا علم وذكاء فحسب. ولم يكن أقل ثقة من قيصر وأغسطس بأن كبار الحكام في الأقاليم قليلو العدد ناقصو المران، وأن مجلس الشيوخ يمنعه كبرياؤه ونزقه من الاضطلاع بمهام الإدارة البلدية والإمبراطورية المعقدة المتنوعة؛ ومن أجل هذا كان يعظم المجلس فترك له سلطات كثيرة، ومظاهر شرف وكرامة من هذه السلطات؛ أما شؤون الحكم الحقيقية فكان يضطلع بها نفسه يعاونه بها مجلس يعين هو أعضاءه، وهيئة من الموظفين العموميين نظمها تدريجياً واختار أفرادها، كما اختارهم قيصر وأغسطس وتيبيريوس، من أرقاء بيت الإمبراطور المحررين؛ واستخدم في الأعمال الكتابية والواجبات الصغرى أرقاء "عموميين".
وكان على رأس هذه الإدارة البيروقراطية أربعة وزراء:
1-وزير دولة للمواصلات ab epistulis
2-، ووزير مالية للحسابات a rationibus
3-ووزير آخر للملتمسات a libellis
4- نائب عمومي للقضايا القانونية a cognitionibus
. وتولى الثلاثة المناصب الأولى ثلاثة من أذكي وقدر الأرقاء المحررين هم:
نارسس ،
وبلاس
وكالستس.
وكان ارتقاؤهم إلى هذه المناصب ذات الثراء والجاه إيذاناً بارتفاع شأن طبقة المحررين إلى أعلى الدرجات، وهو ارتقاء كان يسير في مجراه منذ قرون عدة، وبلغ في عهد كلوديوس هذه الدرجة الرفيعة. ولما احتج الأشراف الأرستقراط على وضع السلطة في أيدي هؤلاء العصاميين الحديثي النعمة كانت استجابة كلوديوس أن أعاد منصب الرقيب، و أعاد النظر في سجل الأشخاص الذين يختار منهم أعضاء المجلس، فمحا منه أسماء كبار المعارضين لسياسته، وأضاف إليه أعضاءً جدداً من الفرسان من أهل الولايات.
ولما تهيأت له هذه الأداة الإدارية وضع لنفسه منهاجاً واسعاً من المنشئات العامة والإصلاحات، فأصلح نظام المرافعات أمام المحاكم وفرض عقوبات على تأخير القضايا، وجلس على منصة القضاء ساعات طوالاً كل أسبوع،
وحرم تعذيب أي احد من المواطنين.
وأراد أن يقي مدينة روما غائلة الفيضانات المخربة التي أصبحت تهددها أكثر من ذي قبل لأن سفوح الأبنين أخذت تجرد من الأشجار، فـأمر بحفر مجرى إضافي في الجزء الأدنى من نهر التيبر. ولكي يعجل باستيراد الحبوب إلى إيطاليا أمر بإنشاء مرفأ جديد بالقرب من ( أستيا )، وأقام مخازن، وأحواضاً، ورصيفين عظيمين لتقليل حدة أمواج البحر، وحفر قناة توصل الميناء بنهر التيبر في نقطة بعيدة عن مصبهِ الذي يسده الغرين. وأتم بناء قناة "كلوديوس" التي بدأها كالجيولا لنقل الماء العذب إلى روما، وشاد قناة أخرى، وكانت كلتاهما من الأعمال الضخمة المشهورة بجمال منظرها وبعقودها الشامخة. ولما رأى أن (أراضي المرسيين ) تتحول في بعض فصول السنة إلى منافع حين تفيض بحيرة فوستس، خصص جانباً من أموال الدولة تؤدى من أجور 30.000 عامل مدة أحد عشر عاماً ليحفروا نفقاً طوله ثلاثة أميال يصل البحيرة ب(نهر سريز) مخترقاً بعض الجبال. وقبل أن تنطلق مياه البحيرة في هذا النفق أجرى فوق مياه البحيرة معركة بحرية صورية بين أسطولين عليهما تسعة عشر ألفاً من المجرمين الذين أدانتهم المحاكم، وشهدها جماهير غفيرة من كافة أنحاء إيطاليا فوق الثلال المشرفة على البحيرة. وحيت هذه الجموع الإمبراطور بالعبارة المأثورة:
"مرحباً بقيصر! نحن الذين نوشك أن نموت نحييك Ave Caesar! Morituri Salutamus.
وازدهرت أحوال الولايات في عهده كما ازدهرت في عهد أغسطس،
وعاقب الموظفين على سوء استخدام وظائفهم إلا في حالة واحدة هي حالة فلكس المدعي العمومي في بلاد اليهود، وذلك لأن ( بلاس ) شقيق الشخص الذي نم على القديس بولس أخفى جرائمه عن الإمبراطور، وكان يهتم بكل صغيرة وكبيرة من أعمال الولايات. وتمتاز مراسيمه التي عثر عليها في كافة أنحاء الإمبراطورية بالإسهاب والتكرار، ولكنها تكشف عن عقلية وعن إرادة منصرفتين إلى تحقيق الصالح العام. وقد بذل جهده لإصلاح المواصلات والنقل، وحماية المسافرين من اعتداء اللصوص وقطاع الطرق، وفي خفض ما تتكلفه الهيئات من نفقات الوظائف العامة المنشأة لخدماتها. وكان يرغب كما يرغب قيصر في رفع شأن الولايات حتى تعادل إيطاليا نفسها وحتى تكون كلها وحدات متنساوية في مجموعة الأمم الرومانية، فنفذ ما كان يعتزمه قيصر من منح حقوق المواطنية الرومانية لبلاد غالة الجنوبية، ولو استطاع أن ينفذ رغباته لمنح هذا الحق جميع الأحرار في الإمبراطورية
ولقد كشفت في مدينة ليون عام 1524 لوحة برونزية احتفظت لنا بجزء من الخطبة الطويلة الكثيرة الاستطراد التي أقنع بها مجلس الشيوخ بأن يقبل في عضويته وفي المناصب الإمبراطورية أولئك الغاليين الذين منحوا حق المواطنية الرومانية، ولم يسمح في الوقت نفسه بأن يضعف الجيش أو يعتدي على حدود الدولة، فظل الجيش عاملاً قائماً بمهمته ومستعداً على الدوام للقيام بها،
ونشأ في أيامه قواد عظام أمثال كربولا ، وفسبازيان ، وبولينس ، وتكونوا بفضل اختياره وتشجيعه.
وقرر كذلك أن يتم مشروعات قيصر، فغزا بريطانيا في عام 43 وفتحها، وعاد منها إلى روما بعد أن غاب عنها ستة أشهر، ولما أقيم له احتفال بالنصر بعد عودته خالف جميع السوابق بأن عفا عن (كركتكوس ) ملكها الأسير. وسخر أهل روما من عمل إمبراطورهم العجيب ولكنهم أحبوه،
وذات يوم أثناء غيابه عن العاصمة،راجت شائعة كاذبة بأن الإمبراطور قد قتل، عمت المدينة موجة من الحزن لم يسع مجلس الشيوخ معها إلا أن يصدر للجماهير نأكيداً رسمياً بأن الإمبراطور لم يُصاب بسوء، وأنه سيعود قريباً إلى روما.
لكنه سقط من هذا العلو الشاهق لأنه أقام نظاماً للحكم أكثر تعقيداً مما يستطيع الإشراف عليه بنفسه، ولأن عبيده المحررين وأفراد أسرته أساءوا استغلال لطفه وعطفه. لقد أصلحت البيروقراطية التي أنشأها أحوال الإدارة، ولكنها فتحت فيها آلاف الثغرات للرشا والفساد؛ وكان نارسس وبلاس من أعظم رجال السلطة التنفيذية الذين يرون أن مرتباتهم أقل من كفايتهم، فكانا يستعيضان عن هذا الفرق ببيع المناصب وأغتصاب الرشا بالتهديد، وتوجيه التهم الكاذبة إلى من يريدون مصادرة ضياعهم من الأثرياء. وكانت نتيجة ذلك أن أصبحا أغنى الناس جميعاً في التاريخ القديم كله، فكان نارسس يمتلك 400 مليون سسترس وكان بلاس يشكو البؤس لأنه لم يكن له إلا 300مليون سسترس فقط
ولما شكا كلوديوس من وجود عجز في خزانة الإمبراطورية، قال الثرثارون الرومان إن في وسعه أن ينال كفايته من المال وفوق كفايته منه إذا أشرك معه في الحكم عبديه المحررين
وروعت هذه السلطات العظيمة والأموال المكدسة الأسر العريقة لأشراف روما التي أضحت فقيرة بالمقارنة بهؤلاء العصاميين، وكانت تتلظى غيظاً حين تضطر أن ترجو العبيد المحررين أن يسمحوا لها بأن تتحدث إلى الإمبراطور.
أما كلوديوس فقد كان منهمكاً في العمل، يكتب إلى الموظفين والعلماء، ويعد المراسيم والخطب، ويؤدي حاجات زوجته. ذلك رجل كان خليقاً به أن يعيش عيشة الرهبان، وأن يحصن نفسه من الحب، لأن زوجاته كن سبباً في القضاء عليهِ، كما كانت سياسته في منزلهِ أقل نجاحاً من سياسته الخارجية.
وقد كان مفرطاً في شهواته النسائية (حسبما يقول سوتونيوس)
، وتزوج أربع مرات، فأما زوجته الأولى فماتت في يوم زفافها، وأما الثانية والثالثة فقد طلقهما؛
ولما كان في الثامنة والأربعين من عمره تزوج فتاة في السادسة عشر اسمها (فليريا مسالينا )، ولم تكن بارعة الجمال. فقد كان رأسها مستوياً، ووجهها متورداً، وصدرها قبيح الشكل
و كانت فتاة مراهقة مستهترة ناقصة التربية و في حاجة إلى المال تستعين به على عيشها واستهتارها فقد كانت تبيع المناصب، والتوصيات، وعقود الأعمال العامة.
ولكن المرأة ليست في حاجة إلى الجمال لكي تكون زانية، ولما أن اعتلى كلوديوس عرش الإمبراطورية تخلقت بأخلاق نساء الملوك، وادعت لنفسها حقوقهن، فكانت ترافقه في مواكب نصره، وعملت على أن تحتفل بعيد ميلادها في سائر أنحاء الإمبراطورية. ثم عشقت الراقص (منستر) ، ولما صد عنها طلبت إلى زوجها أن يأمره بأن يكون أكثر إطاعة لرجائها؛ وأجابها كلوديوس إلى ما طلبت، وخضع الراقص إليها استجابة لدواعي الزطنية. وابتهجت مسالينا بنجاحها في خطتها التي لم تكلفها أقل العناء، واتبعتها مع غيره من الرجال؛ فأما الذين لم تنجح معهم هذه الخطة وظلوا على صدودهم فقد اتهمهم الموظفون الخاضعون لسلطانهم بجرائم اخترعوها من عندهم اختراعاً، فصودرت أملاكهم وحرموا من حريتهم ومن حياتهم نفسها في بعض الأحيان
ولعل الإمبراطور كان يسمح بهذه المسخرة من زوجته ليضمن لنفسهِ في هدوء حرية الاستمتاع بغيرها فقد كان مفرطاً في شهواته النسائية بل يقول( ديو): "إن مسالينا كانت تقدم إليه بعض الفتيات ذوات الجمال الجذاب ليضاجعهن"
ثم نقل المؤرخون عن الشاعر الشهير جوفنال أن مسالينا كانت تدخل المواخير كداعرة متخفية وسط الداعرات، وتستقبل مثلهن الرجال القادمين للمواخير وتأخذ منهم ما يقدمون لها من أجر عن الاستمتاع بها وهي منشرحة الصدر راضية.
ويتهكم تاستس قائلاً أنه "بينما كان كلوديوس يقضي وقته كله في تصريف شؤون منصب الرقيب الذي كان يتولاه"
والذي يشمل فينا يشمله من الواجبات رفع مستوى أخلاق الرومان-كانت مسالينا تطلق العنان لحبها"، وأخيراً بلغت مرحلة المجاهرة باستهتارها بكونها زوجة الامبراطور فتزوجت شاباً وسيماً يُدعى (كيوس سيليوس) رسمياً حين كان زوجها المسن غائباً في أستيا، وعملت لذلك احتفالا مهيباً بالمراسيم الملكية
وأبلغ ( نارسس) النبأ إلى الإمبراطور عن طريق سراريه، وحذروه من مؤامرة تُدبر لاغتياله وإجلاس سيليوس مكانه على العرش. فعجل كلوديوس بالعودة إلى روما، واستدعى الحرس البريتوري، وأمره بذبح سيليوس وغيره من عشاق مسالينا ثم آوى إلى حجراته محطم الأعصاب منهوك القوى.
أما الإمبراطورة فقد أخفت نفسها في حدائق لوكلس التي كانت قد صادرتها لتتخذها مسرحاً للهوها وملذاتها. وبعث إليها كلوديوس برسالة يدعوها فيها إلى الحضور للدفاع عن نفسها
. وخشي (نارسس) أن يصفح عنها الإمبراطور ويصب جام غضبه عليه هو فأرسل إليها بعض الجند وأمرهم بقتلها، فوجدوها وحدها مع أمها، وقتلها بعضهم بضربة واحدة وترك جثتها بين ذراعي أمها.
وقال كلوديوس لحرسه البريتوري إنهم في حل من دمه إذا تزوج مرة أخرى ولم يرد ذكر مسالينا على لسانه من تلك الساعة .
ولكن لم تمضِ سنة على وعدهِ حتى كان يتردد بين الزواج من ( لوليا بولينا ) أو من ( أجربينا الصغرى).
لوليا بولينا هذه هي زوجة الامبراطور كالجيولا السابقة وكانت ثرية ذات ثروة طائلة، و تتحلى بجواهر تبلغ قيمتها 40 مليون سسترس، ولعل كلوديوس كان يحب أموالها أكثر من إعجابه بشخصيتها
وأما اجربينا فكانت إبنة أجربينا الكبرى من جرمنكوس. وكانت هي الأخرى يجري في عروقها دم أكتافيان وأنطونيوس اللذين ماتا عدوين.
وقد ورثت من أمها جمالها، وكفايتها، وقوة عزيمتها وحبها للانتقام حباً لا يحد منه شيء من وخز الضمير. وكانت تزوجت مرتين و ترملت مرتين، ورزقت من زوجها الأول أكنيوس دومتيوس أهينوباربس ابنها ( نيرون) وكان كل همها طول حياتها أن يرقى ابنها هذا عرش الإمبراطورية. وأما زوجها الثاني ( كيوس كرسبس ) الذي تقول الشائعات إنها قتلته بالسم فقد ورثت عنه الثروة الطائلة التي استخدمتها للوصول إلى أغراضها.
وكان هدفها أن تتزوج كلوديوس، وأن تتخلص بوسيلة ما من ابنه( برتنكس) ، وأن تجعل نيرون بعد أن يتبناه كلوديوس وارث العرش من بعده.
ولم يعقها عن تنفيذ قصدها أنها ابنة أخت كلوديوس، بل أتاحت هذه الصلة فرصاً ثمينة للاتصال بالحاكم الشيخ اتصالاً أثار فيهِ عواطف ليست من قبيل عواطف الخال نحو ابنة أختهِ. ولم يكن منه إلا أن وقف فجأة أمام مجلس الشيوخ وطلب أن يأمره بالزواج مرة أخرى لخير الدولة؛ ووافق المجلس على طلبه، وسط سخرية رجال الحرس البريتوري
وهكذا وصلت أجربينا إلى العرش وكانت وقتئذ شابة عمرها 32سنة ، أما كلوديوس فكان 57سنة وكان قد أدرك الشيخوخة وبدأت بدأت في الانحلال، أما هي فكانت في عنفوان قوتها، وتغلبت عليه بكل ما وُهبت من سحر وفتنة، فأقنعته بأن يتبنى ابنها نيرون البالغ من العمر ستة عشر عاماً ويزوجه من بابنته أكتافيا التي هي فتاة عمرها 13سنة
ولما تم هذا اخذت تزيد من سلطانها السياسي عاماً بعد عام، حتى استطاعت في آخر الأمر أن تجلس معه على سرير الملك، ثم استدعت الفيلسوف ( سنكا ) من حيث كان منفياً بأمر كلوديوس، وعينته مدرساً خاصاً لابنها ،
وأفلحت في تعيين صديقها ( بروس) رئيساً للحرس البريتوري.
فلما استحوذت على السلطان بهذه الطريقة حكمت البلاد حكما قوياً خليقاً بالرجال، وساد النظام والاقتصاد في بيت الإمبراطور؛ ولو أنها لم تطلق العنان لجشعها وحرصها على المال وحبها للانتقام لكان حكمها خيراً لروما ورحمة بها. ولكنها أطلقت العنان لهذا الجشع فأمرت بقتل ( لوليا بولينا) لأن كلوديوس تحدث أمامها في لحظة من اللحظات عن رشاقة لوليا ،وهي إشارة لا تعفو عنها قط زوجة.
ثم أمرت بدس السم ل(ماركس سلانس) لخوفها أن يرفعه كلوديوس
وائتمرت مع بلاس ونارسس، وبذلك قضى ملك المال، الذي لم يكن وفاؤه يقل عن تلوث يده، بقية حياته في السجن.
وكان الإمبراطور قد أضعفه اعتلال صحته، وجهوده الفنية، ومغامراته النسائية، فترك بلاس وأجربينا يروعان البلاد بحكم إرهابي آخر.
وكانت خزانة الدولة الرومانية قد خلت من المال بسبب الانفاق بلا تخطيط علي الأعمال العامة والألعاب الرياضية وأضحت في حاجة إلى أن تملأ بالأموال المصادرة.
فكان الناس عرضة لأحكام النفي والنهب ومصادرة اموالهم بل والقتل
وكانت نتيجة كل هذا في الثلاثة عشر عاماً التي حكمها كلوديوس أن صدرت أحكام بالإعدام علي 35من الشيوخ بالاضافة إلي 300 من الفرسان
. وقد يكون لبعض هذه الأحكام ما يبررها كالتآمر أو ارتكاب جرائم عقوبتها الاعدام ، وإن كنا لا نستطيع أن نقرر هذا واثقين.
ولقد ادعي نيرون فيما بعد أنه فحص عن جميع أوراق كلوديوس، وأنه تبين من ذلك الفحص أن الإمبراطور نفسه أمر بأن يحاكم كل واحد ممن سيقوا أمام القضاء.
وتنبه كلوديوس إلى خطورة زوجته أجربينا ،فاعتزم أن يضع حداً لسلطانها، وأن يفسد عليها ما دبرته لنيرون، فيعين برتنكس وارثاً للملك من بعده، ولكن أجرببنا كانت أقوى منه عزماً وأقل منه إصغاءً لصوت الضمير، فلما علمت نية الإمبراطور جازفت بكل شيء، فأطعمت كلوديوس فطيرة مسمومة أودت بحياته بعد آلام مبرحة دامت 12 ساعة دون أن يستطيع النطق بكلمة واحدة .
المصادر : موسوعة لآلئ ، و قصة الحضارة لديورانت المرادفات:
موريتانيا = Moretania
لجدنوم = Lugdunum
نارسس = Narcissus
بلاس = Pallas
كالستس = Callistus.
أستيا = Ostia،
نهر سريز = Ciris river
المرسيين =Marsians
كربولا = Carbula
فسبازيان = Vespasian
بولينس = Paulinus
كركتكوس = Caractacus
منستر = Mnester
كيوس سليوس =Caius Silius
لوليا بولينا =Lollia Paulina
أكنيوس دومتيوس أهينوباربس = Cnoeus Domitius Ahenobarbus
كيوس كرسبس = Caius Crispus
بروس = Burrus
ماركس سلانس = Marcus Silanus
سينيكا = Seneca
مجلس الشيوخ= السنات=Senate
=====================================
سنة 54
نيرون يصير إمبراطوراً على روما
تفاصيل:
لما مات الإمبراطور كلوديوس لم تجد زوجته أجربينا صعوبة في تثبيت نيرون على العرش، وخاصة بعد أن ضمن لها ( بروس) تأييد الحرس البريتوري بكامل قوته لنيرون.
وكافأ نيرون الجنود مكافأة مجزية ، وأمر بمنح كل مواطن هبة حكومية قدرها 400 سسترس،
وألقى في تأبين سلفه كلوديوس خطبة كتبها له ( سنكا) أثنى فيها ثناء جماً علي كلوديوس
===========================
من سنة 54
إلي :
سنة 68
امبراطور الرومان = نيرون
سيرته :
ولد سنة 37م
وأمه أجربينا زوجة الامبراطور كلوديوس
ينتمي نيرون من جهة أبيه إلى أسرة الدوميتيين الأهينوياربيين وقد لقبوا بهذا اللقب لأن رجال هذه الأسرة كانت لهم لحي شبيهة في لونها بلون البرونز. وقد اشتهروا في روما مدى خمسمائة عام بقدرتهم وجرأتهم، وغطرستهم، وشجاعتهم، وقسوة قلوبهم.
وكان جد نيرون لأبيه مولعاً بالألعاب والمسرح، وكان يسوق عربة في السباق، وينفق الكثير من الأموال على الوحوش والمجتلدات، وقد اضطر أغسطس إلى تأنيبه لقسوته الوحشية في معاملة موظفيه وأرقائه. وقد تزوج بأنطونيا ابنة أنطونيوس وأكتافيا. وزاد ابنه أكنيوس دوميتيوس من شهرة الأسرة بانهماكه في الفسق، ومضاجعه المحارم، والوحشية والخيانة. وقد تزوج في عام 28 م بأجربينا الثانية ولم تكن وقتئذ تزيد على الثالثة عشرة من عمرها، وإذا كان على علم بآباء زوجته وآبائه فقد اعتقد: "أن لا خير مطلقاً يمكن أن يؤدي إليه قراننا". ولما رزقا بإبنهما الوحيد أطلقا عليه اسم لوسيوس وأضافا إليه لقب نيرون
وكان أهم من علموه هما (كرمون الرواقي) الذي علمه اللغة اليونانية، و(سنكا) الذي علمه الأدب والأخلاق ولكنه لم يعلمه الفلسفة؛ ذلك أن أجربينا منعته من تعلم الفلسفة لزعمها أنها تجعل نيرون غير صالح لتولي عرش الإمبراطورية. وما من شك في أن نتيجة هذا التحريم تشهد بفضل الفلسفة!. وقد شكا سنكا، كما يشكو كثير من الأساتذة، من أن الأم كانت تفسد عليه عمله بتدخلها فيه، فقد كان الغلام يهرول إليها كلما أنّبه مدرسه، ولم يكن يشك في أنها ستحنو عليه وتدلله. وقد حاول سنكا أن ينشّئه على حب التواضع، ودماثة الخلق، والبساطة، والتقشف، والصبر على الشدائد؛ وإذا كان قد حرم عليه أن يفصل له القول في عقائد الفلاسفة وجدلهم، فلا أقلّ من أن يهدي إليه الرسائل البليغة التي كان يؤلفها، ويأمل أن يقرأها تلميذه في يوم من الأيام.
وكان الأمير نيرون الشاب طالباً مجداً، وكان في وسعه أن يكتب شعراً لا بأس به، وأن يخطب في مجلس الشيوخ بالرقة والأدب اللذين كان يخطب بهما أستاذه نفسه.
وصل إلى العرش و سنه 16 سنة فقط ، لأنه كان الابن الذكر(بالتبني) للامبراطور السابق كلوديوس0
وتبناه الامبراطور كلاديوس الأول لأنه لم ينجب سوي بنات
نيرون أو نيرو (37 - 68) كان خامس وآخر إمبراطور الأمبراطورية الرومانية من السلالة اليوليوكلودية (من أغسطس حتى نيرون) (27 ق.م. - 68 م) وصل إلى العرش لأنه كان ابن كلوديوس بالتبنى .
بدأ نيرون حكمه بفترة من الإصلاحات وذلك بتأثير معلمه الفيلسوف سينيكا
بدأ نيرون حكمه بفترة من الإصلاحات وذلك بتأثير معلمه الفيلسوف سينيكا ولكنه كان صغيراً في السن ليحكم هذه الإمبراطورية الواسعه، فقد كان سنه 16 سنة، فأنقلب حكمه إلى كابوس مخيف وأنغمس في اللهو
والغريب أنه كشاب خيالي مراهق سيطرت عليه رغبة أنه بارع كمغنى ولاعب للقيثارة وسائق عربة حربية،
وقد نيرون مظاهر الخضوع المعتادة إلى مجلس الشيوخ، واعتذر في أدب وتواضع عن صغر سنه، وأعلن أنه لن يحتفظ بشيء من السلطات التي كان الزعيم يتمتع بها حتى ذلك الوقت عدا قادة الجيوش- وهو اختيار عملي يشعر بذكاء تلميذ الفيلسوف. والراجح أنه كان مخلصاً في وعده- لأن نيرون وفى به بأمانة مدى خمسة أعوام- وهي الخمسة أعوام النيرونية التي كان تراجان يراها خير السنين في تاريخ الحكومة الإمبراطورية.
ولما اقترح مجلس الشيوخ أن تقام تماثيل من الذهب والفضة تكريماً له، رفض الإمبراطور الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره هذا العرض. ولما اتهم رجلان بأنهما يفضلان عليه برتنكس أمر أن يلغي هذا الاتهام؛ وتعهد أمام مجلس الشيوخ أن يتمسك طوال حكمه بفضيلة الرحمة التي كان سنكا وقتئذ يمجدها في إحدى رسائله المسماة De Clementia (الرحمة).
ولما طلب إليه مرة أن يوقع وثيقة بإدانة أحد المجرمين قال في حسرة: "ليتني لم أتعلم قط الكتابة!"
وقد خفض الضرائب الباهظة أو ألغاها إلغاءً تاماً،
وخصص معاشات سنوية للمتازين من الشيوخ الذين أخنى عليهم الدهر.
وإذ كان يعرف أن عقله لم ينضج بعد، فقد سمح لأجربينا أن تدير له شئونه، فكانت تستقبل السفراء، وأمرت أن تنقش صورتها على نقود الإمبراطورية إلى جانب صورته.
وارتاع سنكا وبروس لتدخل الأم في شئون الحكم فاتفقا على أن يضربا على وتر كبرياء نيرون لينالا لأنفسهما حق القيام بمهام الحكم.
واستشاطت الأم غضباً فأعلنت أن برتنكس الوارث الشرعي للعرش، وأنذرت ولدها بأنها ستسقطه بنفس الوسائل القوية التي استخدمتها في رفعه.
ورد نيرون على هذا التهديد بأن أمر بدس السم لبرتنكس فما كان من أجربينا إلا أن آوت إلى قصرها الصغير و
كتبت فيه مذكراتها، وهي آخر سهم في كنانتها، وطعنت فيها على جميع أعدائها وأعداء أمها، واغترف منها تاستس وستونيوس ذلك التيار الجارف من المثالب والأعمال الوحشية التي صورا بها النواحي السوداء من صور تيبيريوس وكلوديوس ونيرون.
وعم الرخاء الإمبراطورية، وصلحت أحوالها الداخلية والخارجية، بفضل إرشاد الفيلسوف الأول وقوة النظام الإداري الذي كانت تساس به شئونها. فوضعت على الحدود حراسة قوية، وطهرت البحر الأسود من القراصنة، وأعاد كريولا أرمينية إلى حظيرة الإمبراطورية بأن بسط عليها الحماية الرومانية،
ووقّعت بارثيا معاهدة صلح دامت حمسين عاماً،
وقلّت الرشوة في دور القضاء وفي الولايات، وأصلحت أحوال الموظفين في دواوين الحكومة، وصرفت الشئون المالية بالاقتصاد والحكمة،
واقترح نيرون-ولهل ذلك كان بإيعاز من سنكا-ذلك الاقتراح البعيد الأثر القاضي بإلغاء جميع الضرائب غير المقررة، وخاصة الرسوم الجمركية التي كانت تجبي عند الحدود وفي الثغور، حتى تكون التجارة حرة في جميع أنحاء الإمبراطورية. غير أن مجلس الشيوخ لم يوافق على هذا الاقتراح، متأثراً في ذلك بنفوذ نقابة الجباة.
وتدل هذه الهزيمة على أن الزعامة كانت لا تزال تلتزم حدود سلطتها الدستورية.
وأراد سنكا وبروس أن يمنعا نيرون من التدخل في شئون الدولة فتركاه ينهمك في ملذاته الجنسية كما يهوى.
وفي ذلك يقول تاستس: "لم يكن ينتظر من الأباطرة أن يحيوا حياة التقشف وكبح الشهوات في الوقت الذي كانت فيه الرذيلة تستهوي جميع طبقات الناس".
ولم تكن العقائد الدينية تشجع نيرون على أن يراعي جانب الفضيلة؛ ذلك أن القدر الضئيل الذي ناله من الفلسفة جعله يزدري جميع أنواع العبادات
. وكان نهماً مفرطاً في الطعام، غريب الأطوار والشهوات، ينفق على الولائم بغير حساب، حتى كانت أزهار الوليمة وحدها تكلفة أربعة ملايين سسترس. وكان يقول في هذا إن البخلاء وحدهم هم الذين يحسبون ما ينفقون. وكان يعجب ب (كيوس بترونيوس ) ويحسده لأن هذا الشريف المثري علمه طرقاً جديدة للجمع بين الفضيلة والذوق السليم.
ويقول تاستس في فقرة مأثورة يصف فيها المثل الأعلى للأبيقورية إن بترونيوس "كان يقضي أيامه في النوم ولياليه في العمل، والمرح واللهو. وكان الخمول شهوته وطريقه إلى الشهرة، وكان ينجز بحب اللذات والراحة المترفة ما ينجزه غيره بالقوة والجد. ولم يكن كغيره من الناس الذين يجهرون بأنهم يعرفون كيف تكون المتعة الاجتماعية، ثم يبددون في ذلك أموالهم، بل كان يحيا حياة كثيرة النفقة ولكنها خالية من التبذير، فكان أبيقورياً ولكنه غير مسرف، يطلق العنان لشهواته ولكنه يستمتع بها في تجمل وحكمة. وهو شهواني متعلم رقيق الحاشية، حديثه مرح ممتع لطيف، يخلب لب من يستمع له بشيء من عدم الاكتراث اللطيف الباعث على السرور. وكان أكثر ما يبعث السرور في حديثه أنه ينساب انسياباً طبيعياً غير متكلف من مزاجه الصريح. ولقد أظهر وهو وال على بيثينيا، كما أظهر وهو قنصل، أن قوة العقل ودماثة الخلق قد تجتمعان معاً في شخص واحد، وذلك رغم ما كان يتصف به من دقة، وأخذ الأمور في يسر وإهمال..
وكان يعود من أعماله الرسمية إلى مألوف حياة اللذة والمتعة، مولعاً بالرذيلة أو بالملاذ التي تقترب من حدود الرذيلة، وكان نيرون وعصبته مولعين بحسن الذوق والرشاقة فكانوا لذلك يتخذونه المحكم في كل ما يتصل بهما، ولم يكن شيء بديعاً، كما لم يكن شيء ساراً أو نادراً إلا إذا أراد هو أن يكون
ولم يبلغ نيرون من الرقة مبلغاً يصل به إلى هذه الأبيقورية الفنية، بل كان يتخفى ويزور المواخير، ويطوف بالشوارع، ويتردد على الحانات بالليل في صحبة أمثاله من رفاق السوء يسطون على الحوانيت ويسيئون إلى النساء، ويفسقون بالغلمان، ويجردون من يقابلون مما معهم، ويضربونهم، ويقتلونهم" وحدث أن شيخاً لجأ إلى القوة في رد اعتداء الإمبراطور عليه فأرغم بعد قليل على أن يقتل نفسه.
وحاول سنكا أن يوجه شبق الإمبراطور نحو معتوقة تدعى (كلوديا أكتي )، فلما تبين له أن أكتي وفية له وفاء تعجز بسببه بالاحتفاظ بحبه استبدل بها امرأة بارعة في كل فنون العشق تدعى ( بوبيا سابينا) . وكانت بوبيا تنتمي إلى أسرة عريقة ذات ثروة طائلة، يقول عنها تاستس إنها "كان لها نصيب موفور من كل شيء إلا الشرف". وكانت من النساء اللواتي يقضين النهار كله في تزيين أنفسهن، ولا يحيين قط إلا حين يرغبن في الحياة. وحدث أن افتحر زوجها بجمالها أمام نيرون، فما كان من الإمبراطور إلا أن عينه والياً على (ولاية لوزتانيا) وضرب حصاراً على بوبيا، ولكنها أبت أن تكون عشيقة له، وقبلت أن تتزوجه إذا طلق أكتافيا.
وكانت أكتافيا قد صبرت على مساوئ نيرون صبر الكرام، وحافظت على تواضعها وعفتها وسط تيار الدعارة الجارف التي اضطرت أن تحيا في غمرته من يوم مولدها، ومما يذكر بالفضل لأجربينا أنها ضحت بحياتها في الدفاع أكتافيا ضد بوبيا، فلم تترك وسيلة تثني بها الإمبراطور عن طلاق أكتافيان إلا لجأت إليها؛ وبلغ من أمرها أن عرضت محاسنها على والدها، وقاومتها بوبيا مقاومة شديدة وتغلبت عليها، ولجأت في كفاحها إلى نزق الشباب، فعيرت نيرون بأنه يخشى والدته، وأقنعته بأن أجربينا كانت تأتمر به لتسقطه، وما زالت به حتى رضي في ساعة من ساعات جنون الشهوة أن يقتل أمه وقد فكر أولاً في أن يقتلها مسمومة، ولكنها كانت قد حصنت نفسها من السم بما تعودته من الأدوية المضادة له.
ثم حاول أن يقتلها غرقاً ولكنها أنجت نفسها بالسباحة من السفينة التي تحطمت بتدبير الإمبراطور. وطاردها رجاله إلى دارها، فلما قبضوا عليها خلعت ثيابها وقالت لهم: "ادفعوا سيوفكم في رحمي" واحتاج قتلها إلى عدة طعنات، ولما رأى الإمبراطور جثتها العارية كان كل ما قاله: "لم أكن أعرف أن لي أماً بهذا الجمال"!!
ويقال إن الفيلسوف سنكا لم تكن له يد في هذه المؤامرة، ولكن أسوأ ما خطه هو الرسالة التي وجهها نيرون إلى مجلس الشيوخ يقول فيها إن إن أجربينا تأتمر بالزعيم، فلما افتضح أمرها انتحرت.
وقبل مجلس الشيوخ هذا التفسير في سرور ظاهر، وأقبل أعضاؤه مجتمعين ليهنئوا نيرون لما أن عاد إلى رومة،شكروا الأوثان أن كلأته بعنايتها وأنجته من كل سوء.
وإن المرء ليصعب عليه أن يصدق أن هذا الإنسان الذي قتل أمه شاب في الثانية والعشرين من عمره، مغرم بالشعر والموسيقى والفنون الجميلة، والتمثيل والألعاب الرياضية؛ وأنه كان يعجب باليونان لمبارياتهم التي تنمي فيهم القوة الجسمية والمهارة الفنية، وأنه عمل على إدخال هذه المباريات في رومة فأقام في عام 59 (ألعاب الشباب ) وأنشأ في السنة التالية ( الألعاب النيرونية ) على نمط الاحتفال الذي كان يقام كل أربع سنين في أولمبيا، ويشمل سباقاً للخيل، ومباريات الألعاب الرياضية، وفي "موسيقى"-ويدخل فيها الخطابة والشعر، وبنى لذلك مدرجاً كبيراً وملعباً رياضياً وحماماً فخماً، وأنه يمارس الحركات الرياضية بمهارة فائقة، كما كان مولعاً بسوق العربات، وأنه اعتزم أخيراً أن يشترك هو نفسه في المباريات. ولكنها هي الحقيقة، وقد بدا لعقله المولع بكل ما هو يوناني أن هذا العمل لاغبار عليه، بل كان يعتقد أنه يتفق مع أحسن التقاليد اليونانية. وأما سنكا فكان يرى أن هذا سخف أيما سخف، وحاول أن يقصر هذا العرض الإمبراطوري على من يضمهم ميدان خاص، ولكن نيرون تغلبت عليه ودعا الجماهير لتشهد ألعابه، فأقبلت عليه وحيته تحية حماسية حارة.
ولكن أهم ما كان يرغب فيهِ هذا الرجل الغريب بحق هو أن يكون فناناً عظيماً. ذلك أنه، وقد استحوذ على كل سلطة، وكان يتوق إلى الاستحواذ على كل ضروب الكمال والتهذيب. ومما يذكر له مقروناً بالثناء أنه جد في دراسة فنون النقش، والتصوير، والنحت، والموسيقى، والشعر. ولجأ في تحسين صوته إلى وسيلة غريبة فكان "يستلقي على ظهره، ويضع لوحاً من الرصاص على صدره، ويفرغ أمعاءه بمحقن أو بالقئ، ويمتنع عن أكل الفاكهة وعن كل طعام يضر بالصوت". وكان في بعض الأيام يقصر على الثوم وزيت الزيتون يتخذهما وسيلة للغرض نفسه. ودعا ذات ليلة أكابر الشيوخ إلى قصره وعرض عليهم أرغناً مائياً جديداً، وأخذ يشرح لهم نظريته وتركيبه. وقد يلغ من إعجابه بالنغمات التي كان يضربها ربنوس على العود وافتتانه بها أن كان يقضي معه بعض الليالي بأكملها يتعلم العزف على هذه الآلة. وكان يجمع الفنانين والشعراء حوله، ويعقد المباريات بينه وبينهم في قصره، ويفاضل بين صوره وصورهم، ويستمع إلى أشعارهم ويقرأ عليهم شعره. وكان ينخدع بثنائهم، ولما أن أنبأه أحد المنجمين بأنه سيفقد عرشه، أجابه ضاحكاً بأنه في هذه الحال سيكسب قوته من فنه. وكان يحلم أنه في يوم من الأيام سيغزف على ملأ من الناس على الأرغن المائي والناي، وينفخ في المزامير، ثم يظهر على المسرح راقصاً وممثلاً لأدوار في (مسرحية ترنس ) لفرجيل.
وفي عام 59 أقام حفلة موسيقية شبه عمومية عزف فيها على العود في حديقته الواقعة على نهر التيبر. وظل خمس سنين لا ينفذ ما تتوق له نفسه من إظهار مهارته
والمؤرخ المتتبع لكيفية وصول الأباطرة إلى عرش روما يكتشف بسهولة أنه كان غالبا عن طريق الإغتيالات السياسية التى أصبحت السمة الأساسية للحكم في روما ، ويحكى في بذخه وحبه للعطور انه في عهده كان سقف الدعوات يُمطر رذاذاً من العطور والزهور .
فى عصر نيرون كثرت المؤامرات والإغتيالات السياسية التى كان له يد في تدبيرها
وكانت أمه "أجريبينا" إحدى ضحاياه وماتت وهى تلعن جنينها نيرون التى حملته في بطنها وأبلت به العالم،
ومن ضحاياه أيضاً "أوكتافيا" زوجته الأولى وقد قام بقتلها أثناء أدائه مسرحيه يحمل فيها صولجان فسقط من يده. مدحت أوكتافيا أدائه لكنها قالت له "لو أنك لم تسقط الصولجان فقتلها". ومن بعدها لم يتجرأ أحد من العاملين في قصره أن يعيب أي عمل له، وأيضاً قتل معلمه سينيكا
أما أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64 م حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وأنتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، وألتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذى خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التى يصف فيها حريق طروادة.
وهلك في هذا الحريق
آلاف من سكان روما واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسين تشير إليه إلى أن الحريق متعمد وأن الامبراطور هو المتسبب في الحريق وتعالت كلمات أهل روما وتزايد شعور كراهية الشعب له، وأصبح يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب بإحداث الحريق وكان أمامه إختياران : إما اليهود أو المسيحيون في روما0 و
ولما كان اليهود تحت حماية ( بوبياسبينا) إحدى زوجات نيرون، فقد ألصق نيرون تهمة حرق المدينة بالمسيحيين، وبدأ يلهى الشعب في القبض على المسيحيين وإضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفى جميع أنحاء الإمبراطورية حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين،
وسيقت أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء، وعاش المسيحيون في سراديب تحت الأرض وفى الكهوف .
أعداء الامبراطورية حسبما تم تصويرهم ، وسيقت أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية مناظر القتل ، وهرب بعض المسيحيين بعيداً عن المدن للحياة في سراديب حفروها تحت الأرض أوعاشوا فى كهوف الجبال .واستمر اضطهاد المسيحيين 4سنوات ذاقوا فيه أصناف التعذيب الوحشى، وكان من ضحايا الاضطهاد : بولس الرسول وبطرس الرسول عام 68م.
وأستمر الإضطهاد الدموى أربع سنوات ذاق فيه المسيحيون صنوف التعذيب الوحشى، وكان من ضحاياه الرسولان بولس وبطرس عام 68م. ضغطت مملكة أكسوم بشدة على وادي النيل في مجراه الأعلى علي حساب مملكة مروي والتي كانت بصفة عامة على علاقات صداقة مع مصر حوالي ثمانين عامًا.وبذلك شكل الأكسوميون تهديدًا على الطريق البري من إثيوبيا، وكانوا من جهة أخير يحاولون أن يكون لهم موضع قدم في جنوب شبه جزيرة العرب مما يمكنهم من قطع التجارة البحرية مع الشرق .
ولكن الجزء الأخير من خطة مملكة أكسوم أحبط تمامًا بعد تكوين محمية رومانية على مملكة حمير في شبه جزيرة العرب والتي أمنت في الوقت ذاته السيطرة على جزيرة سقطري وهي من ممتلكات الحميرين.
و أرسل نيرون بعثة إلى أعالي نهر النيل إلى ملكة مروي ربما بغرض تدعيم المملكة لكي تشكل منطقة عازلة أو حاجزة عن مملكة أكسوم وأوضح تقرير هذه البعثة عند عودتها أن إمكانيات مملكة مروي فقيرة وقد اضمحلت قوة مروي حيث وجدوا أن كل الوادي بين أسوان ومروي عبارة عن صحراء قاحلة. وكان من الضروري مجابهة الأكسوميين، فخطط نيرون للقيام بحملة عسكرية علي إثيوبيا واقترح أن يزور مصر للإشراف على هذه الحملة.
هذه الزيارة تأجلت لكن الحشد العسكري بدأ يتمركز في الإسكندرية،حيث جري نقل فرقتين على الأقل من تلك الفرق التي شاركت في الحرب البارثية إلى الإسكندرية، ونقلهما تيتوس إلى الإسكندرية بسبب حرب اليهود ومن المحتمل أنهما أحضرا خصيصًا بغرض القيام بالحملة على إثيوبيا.
تفجرت ثورة اليهود في (يهودا) بفلسطين وكان من جراء ذلك وقف الحملة العسكرية علي إثيوبيا وتوجيه حشد القوات الموجودة بالإسكندرية إلى يهودا بأقصى سرعة. أما الحامية النظامية الرومانية في مصر فقد كانت مشغولة تمامًا في مهمة حفظ الأمن والنظام بالإسكندرية حيث تجدد النزاع والشقاق القديم بين الإغريق واليهود في الإسكندرية في هذه المناسبة: فقد نشبت مشاجرة بين الفريقين في اجتماع في المسرح (الأمفيثيتر) تطور إلى معركة، وحاول الوالي تيبريوس يوليوس الإسكندر – وهو يهودي من حيث المولد – أن يكبح جماح زعماء اليهود ويسيطر عليهم فلم يتمكن وكان عليه في نهاية الأمر أن يستدعي القوات من معسكرها ويوجهها إلى الحي اليهودي من المدينة فقاموا بنهبه بمساعدة الدهماء.
ويقال أن حوالي خمسين ألفًا من اليهود قد قتلوا قبل أن تنسحب القوات واستمر تخريب الدهماء والعوام مدة أطول.
على الرغم مما سبق ذكره فإن فكرة الحملة على إثيوبيا يبدو أنها كانت لا تزال تلح على رأس نيرون: فقبل سقوطه مباشرة أعاد ارسال كتائب من بعض الفرق الجرمانية إلى الإسكندرية وأغلب الظن أن ذلك كان بصدد تلك الحملة. وفي العام السابق قامت دار سك النقود بالإسكندرية بإصدار عملة مرسوم عليها سفينة شراعية عليها الإمبراطور مما يظهر أنه كان من المتوقع أن يزور الإسكندرية 68م. وفي الحقيقة فقد كانت مصر في ذهنه بشكل واضح فعندما سمع بإعلان الجيش الروماني تعيين"جالبا" إمبراطورًا وباقترابه من روما فكر في أن يأوي إلى مصر، بل وفي أن يسعى ليشغل منصب الوالي في تلك البلاد.
ولما سادت الإمبراطورية الرومانية الفوضى والافلاس (نتيجة بذخ نيرون الشديد وحرق روما وتكاليف الحروب )، وتفشت جرائم الجياع وعندئذ اجتمع اجتمع مجلس الشيوخ (السنات ) في سنة 68م للنظر في وضع الدولة الرومانية وأعلن أن إمبراطور روما نيرون قد صار عدو الشعب
وقبل التنكيل به سارع نيرون بالانتحار حيث قتل نفسه بطعنة خنجر فمات منتحراً في عام 68 م
ورغم ذلك لم ينته إضطهاد المسيحيين بموت نيرون،
ونيرون اشتهر بأنه هو الذي أحرق روما واضطهد النصارى هناك حيث قتل الآلاف منهم و دمر كنائسهم و أديرتهم ، وكان ممن قتل :
1-بطرس كبير الحواريين لقي مصرعه عام 68م
2- بولس رسول التثليث عند النصارى لقي مصرعه عام 68م
3- مرقس قام الوثنيون في مصر بقتله
ونيرون هو القيصر الذى أشار إليه سفر الأعمال في (أعمال 25 : 28) و (أعمال 26: 32)
المصادر:
موسوعة لآلئ
قصة الحضارة لديورانت
history.egypt.com
======================
مرادفات:
الدوميتيين الأهينوياربيين = Domit Ahenobarbi
لوسيوس =Lucius
نيرون = لقب معناه القوي الشجاع في اللغة السبينية:.
كرمون = Chaeremon
الخمسة أعوام النيرونية =Quinquennium Neronis
كيوس بترونيوس =Caius Petronius
مسرحية ترنس =Turnus
العود =Citharoedus
الألعاب النيرونية =Neronia
ألعاب الشباب =Ludi Iuvenales
بوبيا سابينا =Poppea Sabina
أوكتافيا= Octavia
كلوديا أكتي = Claudia Acte
مرقس = مرقص الرسول
إقليم جودايا=يهودا
انتحر = committed suicide
ولاية لوزتانيا = Lusitania = البرتغال
==========================
==========================
سنة 54
قتل نيرون "أوكتافيا" زوجته الأولى وقد قام بقتلها أثناء أدائه لمسرحية يحمل فيها صولجان فسقط من يده. مدحت أوكتافيا أدائه لكنها قالت له الأفضل لو أنك لم تسقط الصولجان" فقتلها. ومن بعدها لم يتجرأ أحد من العاملين في قصره أن يعيب أي عمل له،
=========================