(2)
مسؤولية استراتيجية:
وفقاً لموقع لجنة الشؤون العامة الأمريكية ـ الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل قد شكلتا شراكة فريدة لمواجهة التهديدات الاستراتيجية المتنامية في الشرق الأوسط ويقدم هذا الجهد المتعاون فوائد هامة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.إن هذا الادعاء هو ركن الإيمان بين مؤيدي إسرائيل، ويتم الاستشهاد به بشكل روتيني من قبل الساسة الإسرائيليين والأمريكيين ذوي الميول الإسرائيلية. إن إسرائيل ربما كانت تشكل كياناً استراتيجياً خلال الحرب الباردة، لكونها كانت تعمل كوكيل بعد حرب الأيام الستة (1967)، حيث ساعدت إسرائيل في احتواء التوسع السوفييتي في المنطقة --وأنزلت خسائر مذلة بعملاء السوفييت من مثل مصر وسورية--وفي بعض الأحيان ساعدت إسرائيل في حماية حلفاء أمريكيين آخرين مثل الحسين ملك الأردن -- وقد ساعدت براعتها العسكرية على إجبار موسكو لتنفق المزيد لنصرة عملائها الخاسرين-- لقد منحت إسرائيل كذلك الولايات المتحدة معلومات استخباراتية مفيدة حول القدرات السوفييتية. بالرغم من ذلك فلا ينبغي المبالغة بقيمة إسرائيل الاستراتيجية خلال هذه الفترة. إن دعم إسرائيل ليس رخيصاً، كما أنه يعقد علاقات أمريكا مع العالم العربي. على سبيل المثال، فإن قرار الولايات المتحدة بمنح إسرائيل 2.2 بليون دولار كمساعدة عسكرية طارئة خلال حرب أكتوبر تسبب في حظر للنفط من قبل الأوبك والذي نشأ عنه دمار معتبر في الاقتصاد الغربيو إضافة إلى ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي لم يستطع حماية المصالح الأمريكية في المنطقة: على سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة لم تستطع الاعتماد على إسرائيل عندما أثارت الثورة الإيرانية في عام 1979 المخاوف حول موارد النفط في الخليج الفارسي، وكان عليها أن تنشئ (قوة انتشارها السريعة) الخاصة بها بدلاً من ذلك.حتى وإن كانت إسرائيل كياناً استراتيجياً خلال الحرب الباردة، إلا أن حرب الخليج الثانية (1990 ـ 1991)قد أظهرت أن إسرائيل آخذة لأن تصبح عبئاً استراتيجياً.لم تستطع الولايات المتحدة أن تستخدم القواعد الإسرائيلية خلال الحرب دون تمزيق الائتلاف المعادي للعراق وكان عليها تحويل مصادرها (على سبيل المثال: حاملات صواريخ باتريوت) لمنع تل أبيب من القيام بأي شيء قد يحطم التحالف ضد صدام.وقد أعاد التاريخ نفسه في عام 2003 فالبرغم من تلهف إسرائيل على مهاجمة صدام، إلا أن الرئيس بوش لم يكن يستطيع أن يطلب مساعدتها دون إثارة المعارضة العربية. لذلك فقد بقيت إسرائيل على الخطوط الجانبية مرة أخرى. مع بداية عقد التسعينات وخصوصاً بعد 11/9، فقد سُوغ دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بالادعاء بأن كلا الدولتين قد تم تهديدهما من قبل جماعات إرهابية ذات أصول عربية أو مسلمة، وبمجموعة من (الدول المارقة) التي تدعم هذه الجماعات وتسعى للحصول على أسحلة الدمار الشامل. إن هذا التعليل :يتضمن أن على واشنطن أن تطلق يد إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين وأن لا تضغط على إسرائيل للقيام بتنازلات حتى يتم سجن أو موت جميع الإرهابيين الفلسطينيين.كما يتضمن كذلك أن على الولايات المتحدة أن تلاحق دولاً من مثل جمهورية إيران الإسلامية، وعراق صدام حسين، وسورية بشار الأسد.بالتالي ينظر إلى إسرائيل على أنها حليف هام في الحرب على الإرهاب، لأن أعداءها هم أعداء أمريكا. يبدو التبرير الجديد مقنعاً، ولكن إسرائيل هي في الحقيقة عبء في الحرب على الإرهاب وفي السعي الأوسع للتعامل مع الدول المارقة.بداية، فإن الإرهاب ليس وسيلة مستخدمة من قبل مجموعة عريضة من الجماعات السياسية، إنه ليس عدواً واحداً مفرداً. إن المنظمات الإرهابية التي تهدد إسرائيل (على سبيل المثال، حماس وحزب الله) لا يهددون الولايات المتحدة، إلا عندما تتدخل هي ضدهم (كما في لبنان 1982).إضافة إلى ذلك، فإن الإرهاب الفلسطيني ليس عنفاً عشوائياً موجهاً ضد إسرائيل أو الغرب، بل هو إلى درجة كبيرة رد على الحملة الإسرائيلية المطولة لاستعمار الضفة الغربية وقطاع غزة0ما هو أكثر أهمية، إن القول بأن إسرائيل والولايات المتحدة يوحد بينهما التعرض لتهديد إرهابي هو قول له أثار عكسية للعلاقة العارضة: بالأحرى فإن الولايات المتحدة تعاني من مشكلة إرهاب في جزء كبير بسبب تحالفها الحميم مع إسرائيل، وليس العكس. إن الدعم الأمريكي لإسرائيل ليس المصدر الوحيد للإرهاب المعادي لأمريكا، ولكنه مصدر هام، وهو يجعل الانتصار في المعركة ضد الإرهاب أكثر صعوبة. ليس هناك شك، على سبيل المثال، في أن العديد من زعماء القاعدة بمن فيهم ابن لادن يعبئهم وجود إسرائيل في القدس، ومأساة الفلسطينيين. وفقاً للجنة 11/9، فإن ابن لادن يسعى بشكل واضح لمعاقبة الولايات المتحدة على سياساتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك دعمها لإسرائيل، بل إنه يحاول توقيت هجماته بحيث يلقي الضوء على هذه القضية. ما يعادله في الأهمية، أن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل يجعل من السهل على المتطرفين أمثال ابن لادن حشد الدعم الشعبي واجتذاب المجندين.تؤكد استفتاءات الرأي العام أن الشعوب العربية معادية بعمق للدعم الأمريكي لإسرائيل، وقد وجدت (المجموعة الاستشارية بخصوص الديبلوماسية العامة للعالمين العربي والإسلامي والتابعة للإدارة الأمريكية) أن المواطنين في هذه الدول مكروبين فعلاً بمأساة الفلسطينيين وبالدور الذي يرون أن الولايات المتحدة تلعبه00أما بالنسبة لما يدعى ب (الدول المارقة في الشرق الأوسط) فإنها تشكل تهديداً مريعاً لمصالح الولايات المتحدة، بعيداً عن الالتزام الأمريكي لإسرائيل نفسها.ورغم أن الولايات المتحدة لديها عدد من الخلافات مع هذه الأنظمة فإن واشنطن لن تكون على الأغلب قلقة حيال إيران وبعث العراق أو سورية في حال لم تكن مرتبطة بهذه الحميمية مع إسرائيل حتى لو امتلكت هذه الدول أسلحة نووية ـ وواضح أن هذا أمر غير مرغوب ـ فإنها لن تكون كارثة استراتيجية للولايات المتحدة. فلم تكن دولة مارقة مسلحة نووياً لتبتز أياً من الولايات المتحدة أو إسرائيل، لأن المبتز لم يكن لينفذ تهديده دون تعرضه لانتقام بالغ. إن خطر القنبلة النووية بالنسبة للإرهابيين هو بعيد بنفس القدر، وذلك لأن أي دولة مارقة لا يمكنها أن تكون أكيدة من بقاء نقطة الانتقال غير معروفة أو أنها ستتعرض للوم والعقوبة فيما بعد.ما هو أكثر من ذلك أن العلاقة الأمريكية مع إسرائيل تجعل من الصعب في الواقع التعامل مع هذه الدول. إن العتاد الإسرائيلي النووي هو أحد الأسباب التي تجعل بعضاً من جيرانها يريدون السلاح النووي، وأن تهديد هذه الدول بتغيير النظام يزيد وحسب من هذه الرغبة. مع ذلك، فإن إسرائيل ليست مصدراً كبيراً للقوة عندما تنوي الولايات المتحدة استخدام القوة ضد هذه الأنظمة، لأنها لا تستطيع المشاركة في القتال.باختصار، فإن معاملة إسرائيل باعتبارها حليف أمريكا الأكثر أهمية في الحملة ضد الإرهاب ودول الشرق الأوسط المصنفة كديكتاتوريات بالغ في قدرة إسرائيل على المساعدة في هذه القضايا، وتجاهل الكيفيات التي تجعل سياسات إسرائيل مساعي الولايات المتحدة أكثر صعوبة.إن الدعم غير المشروط لإسرائيل يضعف كذلك من موقف الولايات المتحدة خارج الشرق الأوسط. إن النخبة الخارجية تنظر باستمرار إلى الولايات المتحدة على أنها مؤيدة بشكل مبالغ فيه لإسرائيل، وتعتقد أن تسامحها مع القمع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة هو بلادة أخلاقية، وتشكل معوقاً في الحرب على الإرهاب. في نيسان 2004، على سبيل المثال، أرسل 52 من الديبلوماسيين البريطانيين السابقين رسالة إلى توني بلير قالوا فيها إن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني قد (سمم العلاقات بين الغرب والعالم العربي والإسلامي)، وحذروا من أن سياسات بوش ورئيس الوزراء آرييل شارون كانت أحادية وغير شرعية. سبب أخير لوضع قيمة إسرائيل الاستراتيجية موضع تساؤل إن إسرائيل لا تتصرف كحليف مخلص00 فالمسؤولون الإسرائيليون يتجاهلون باستمرار طلبات الولايات المتحدة ويخلفون الوعود التي قطعوها لأرفع الزعماء الأمريكيين (بما في ذلك تعهدات سابقة بإيقاف بناء المستوطنات والتوقف عن الاغتيالات المستهدفة للقادة الفلسطينيين). إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل قدمت تكنولوجيا عسكرية أمريكية حساسة لمنافسين محتملين للولايات المتحدة مثل الصين، فيما دعاه المفتش العام في إدارة الدولة في الولايات المتحدة (نموذجاً منتظماً ومتنامياً للنقل غير المسموح به).وفقاً لمكتب المحاسبة العامة الأمريكي، فإن إسرائيل (تدير كذلك أشد عمليات التجسس عدوانية ضد الولايات المتحدة من أي حليف آخر). فبالإضافة إلى قضية (جوناثان بولارد)، والذي منح إسرائيل كميات كبيرة من المواد السرية في أوائل عقد الثمانينات (والتي مررتها إسرائيل كما تقول التقارير للاتحاد السوفييتي لتحصل على المزيد من تأشيرات الخروج لليهود السوفييت)، قد أثير جدال جديد في 2004 عندما اكتشف أن مسؤولاً كبيراً في البنتاغون (لاري فرانكلين) قد مرر معلومات سرية لديبلوماسي إسرائيلي، يزعم أنه قد تمت مساعدته من قبل اثنين من مسؤولي ال (ايه.آي.بي.إيه.سي). إن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تتجسس على الولايات المتحدة ولكن استعدادها للتجسس على نصيرها الاستراتيجي يلقي مزيداً من الشك على أهميتها الاستراتيجية.
3-
الوضع الأخلاقي
:
بعيداً عن أهميتها الاستراتيجية المزعومة، يجادل مؤيدو إسرائيل كذلك بأنها تستحق دعماً أمريكياً مطلقاً لأنها:
1ـ ضعيفة ومحاطة بالأعداء.
2ـ أنها ديموقراطية، والتي هي من حيث المبدأ الأخلاقي، أفضل طريقة للحكم.
3ـ لقد عانى الشعب اليهودي من جرائم في السابق واستحق بالتالي معاملة خاصة.
4ـ وأن سلوك إسرائيل كان متفوقاً أخلاقياً على سلوك خصومها.
إلا أنه لدى التدقيق عن قرب، فإن كلاً من هذه الحجج لا يكون مقنعاً. إن هناك دافعاً أخلاقياً قوياً لدعم الوجود الإسرائيلي، ولكن هذه ليست موضع خطر. وبالنظر بشكل موضوعي، فإن سلوك إسرائيل في الماضي والحاضر لا يقدم على أسس أخلاقية لمنحها امتيازاً على الفلسطينيين.
ـ دعم المظلوم؟
كثيراً ما يتم تصوير إسرائيل على أنها ضعيفة ومحاصرة، داود يهودي محاط بجالوت عربي عدائي.
لقد تمت تغذية هذه الصورة بعناية من قبل الزعماء الإسرائيليين والكتّاب المتعاطفين، ولكن الصورة المعاكسة هي أقرب للحقيقة. فعلى العكس من الاعتقاد الشعبي قفد كان لدى الصهاينة قوات أكبر، ومجهزة بمعدات أفضل، وقوات ذات قيادة أفضل خلال حرب الاستقلال في 1947 ـ 1949، وقد فاز جيش الدفاع الإسرائيلي بانتصارات سريعة وسهلة ضد مصر في عام 1956، وضد مصر والأردن وسورية في عام 1967 ـ قبل بدء المساعدات الأمريكية بالتدفق على نطاق واسع إلى إسرائيل.
إن هذه الانتصارات تقدم دليلاً بليغاً على الوطنية الإسرائيلية، والبراعة التنظيمية، والقوة العسكرية، ولكنها تكشف كذلك أن إسرائيل لم تكن ضعيفة في سنواتها المبكرة.
اليوم، فإن إسرائيل هي أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط. فقواتها التقليدية متفوقة بدرجة كبيرة على جيرانها، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية.
لقد وقعت كل من مصر والأردن معاهدات سلام مع إسرائيل
وعرضت السعودية فعل ذلك كذلك.
لقد فقدت سورية نصيرها السوفييتي،
وأضعفت العراق بثلاث حروب مشؤومة،
وتقع إيران على بعد مئات الأميال.
والفلسطينيون لا يملكون أكثر من قوة شرطة فعالة، ناهيك عن جيش يستطيع تهديد إسرائيل.
وفقاً لتقييم (مركز جافي للدراسات الاستراتيجية)في 2005 وهو مركز ذو سمعة حسنة ويتبع جامعة تل أبيب فإن (التوازن الاستراتيجي هو لصالح إسرائيل بلا جدال، والتي استمرت في توسيع الشقة بين قدرتها العسكرية الخاصة وقوى الردع لديها وبين تلك التي لدى جيرانها)
فإذا ما كان نصر المظلوم دافعاً مقنعاً، فإنه كان ينبغي أن تدعم الولايات المتحدة خصوم إسرائيل.
ـ مساعدة صديق ديموقراطي؟ كثيراً ما يتم تبرير الدعم الأمريكي لإسرائيل بالادعاء بأن إسرائيل هي صديق ـ ديموقراطي ـ محاط بديكتاتوريات معادية. إن هذا السبب قد يبدو مقنعاً، ولكنه ليس مسوغاً للدرجة الحالية من الدعم الأمريكي. فبعد كل شيء، فإن هناك الكثير من الديموقراطيات حول العالم، ولكن أياً منها لا يتلقى الدعم السخي الذي تتلقاه إسرائيل. لقد أطاحت الولايات المتحدة بحكومات ديموقراطية في الماضي ودعمت ديكتاتوريين عندما كان يعتقد أن ذلك يحسن وضع المصالح الأمريكية، ولديها علاقات جيدة مع عدد من الديكتاتوريين اليوم. هكذا، فإن كون إسرائيل ديموقراطية لا يبرر ولا يفسر دعم أمريكا لإسرائيل. إن الدعم بسبب (الديموقراطية المشتركة) يضعفه كذلك جوانب الديمقراطية الإسرائيلية والتي تختلف مع القيم الأمريكية الجوهرية. فالولايات المتحدة هي ديموقراطية ليبرالية حيث يتوقع للناس من أي عرق ودين أو إثنية أن يتمتعوا بنفس الحقوق المتساوية. في المقابل،فقد تأسست إسرائيل بشكل واضح كدولة يهودية والمواطنة مرتكزة على قرابة الدم. ونظراً لهذا المفهوم للمواطنة، فليس مفاجئاً أن تتم معاملة عرب إسرائيل الـ 1.3 مليون كمواطنين من الدرجة الثانية، أو أن تجد لجنة إسرائيلية حكومية مؤخراً أن إسرائيل تتصرف بطريقة (تجاهلية وتمييزية) تجاههم. على نحو مشابه، فإن إسرائيل لا تسمح للفلسطينيين الذين يتزوجون من مواطنات إسرائيليات بأن يصبحوا هم أنفسهم مواطنين، ولا يعطى هؤلاء الأزواج الحق بالعيش في إسرائيل. لقد وصفت المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان (بيتسليم) هذا التقييد بـ (قانون عنصري يحدد من يستطيع الحياة هنا وفقاً لمعايير عنصرية). إن قوانين كهذه يمكن فهمها نظراً لمبادئ تأسيس إسرائيل، ولكنها لا تنسجم مع التصور الأمريكي عن الديموقراطية.ويقوض الوضع الديموقراطي لإسرائيل كذلك رفضها منح الفلسطينيين دولة خاصة بهم قابلة للحياة. إن إسرائيل تسيطر على حياة حوالي 3.8 مليون فلسطيني في غزة والضفة الغربية، في الوقت الذي تستعمر فيه أراضي سكنها الفلسطينيون منذ زمن طويل. إن إسرائيل ديموقراطية شكلياً، ولكن ملايين الفلسطينيين الذين تسيطر عليهم محرومون من الحقوق السياسية الكاملة، وبالمقابل يضعف ذلك سبب (الديموقراطية المشتركة). ـ التعويض عن الجرائم السابقة: تبرير أخلاقي ثالث هو تاريخ المعاناة اليهودية في الغرب المسيحي، خصوصاً الفصل التراجيدي المتعلق بالهولوكوست، فلأن اليهود قد تم اضطهادهم لتسع قرون، ويستطيعون أن يكونوا بأمان فقط في وطن يهودي، يعتقد الكثيرون أن إسرائيل تستحق معاملة خاصة من الولايات المتحدة. ليس هناك جدال في أن اليهود قد عانوا معاناة هائلة من التراث الدنيء لمعاداة السامية، وأن إنشاء إسرائيل كان الإجابة المناسبة لسجل طويل من الجرائم. إن هذا التاريخ كما هو ملاحظ، يقدم قضية أخلاقية قوية لدعم الوجود الإسرائيلي. ولكن إنشاء إسرائيل تضمّن جرائم إضافية ضد طرف ثالث بريء إلى درجة كبيرة وهو الفلسطينيون. إن تاريخ هذه الأحداث مفهوم تماماً. فعندما بدأت الصهيونية السياسية جدياً في أواخر القرن التاسع عشر، كان هناك حوالي 1500 يهودي فقط في فلسطين. في عام 1893، على سبيل المثال، شكل العرب 95% من السكان تقريباً. ورغم أنهم كانوا تحت السيطرة العثمانية، إلا أنهم كانوا في حالة ملكية مستمرة لهذه الأراضي لأكثر من 1300 سنة. حتى عندما تم تأسيس إسرائيل، كان اليهود يشكلون 35% من سكان فلسطين ويمتلكون 7% من الأرض.إن هذا التيار الغالب في القيادة الصهيونية لم يكن مهتماً بإنشاء حكومة ثنائية الوطنية أو قبول تجزئة ثابتة لفلسطين.لقد كانت القيادة الصهيونية في بعض الأحيان ترحب بالقبول بالتجزئة كخطوة أولى، ولكن هذا كان مناورة تكتيكية ولم يكن هدفهم الحقيقي. وكما صاغ (ديفيد بن غوريون) الأمر في أواخر عقد الثلاثينات (بعد تشكيل جيش كبير في أعقاب تأسيس الحكومة، فإننا سوف نبطل التقسيم، ونتوسع لضم فلسطين كلها). لتحقيق هذا الهدف، كان على الصهاينة طرد أعداد كبيرة من العرب من الأراضي التي ستصبح إسرائيل في النهاية.ببساطة لم يكن هناك أي طريقة أخرى لتحقيق هدفهم. لقد رأى بن غوريون المشكلة بوضوح، فكتب في عام 1941 أن (من المستحيل تصور إخلاء عام "من السكان العرب" من غير إكراه، وإكراه وحشي) أو كما يصوغها المؤرخ الإسرائيلي (بيني موريس) في أن (فكرة التهجير هي قديمة قدم الصهيونية الحديثة وقد صاحبت تطورها وتطبيقها العملي خلال القرن الماضي). وقد جاءت هذه الفرصة في 1947 ـ 1948، عندما دفعت القوات اليهودية ما يقدر بـ (700) ألف فلسطيني إلى المنفى. لقد ادعى مسؤولون إسرائيليون منذ زمن طويل بأن العرب فروا لأن قادتهم أمروهم بذلك، ولكن دراسة دقيقة (معظمها قام بها مؤروخون إسرائيليون من أمثال موريس) قد دحضوا بها هذه الخرافة. في الحقيقة، فإن معظم القادة العرب قد حثوا الشعب الفلسطيني على البقاء في الوطن، ولكن الخوف من الموت القاسي على أيدي القوات الصهوينية دفع معظمهم إلى الهرب. بعد الحرب حظرت إسرائيل عودة المنفيين الفلسطينيين. إن حقيقة كون إنشاء إسرائيل يتطلب ارتكاب جريمة إخلاقية ضد الشعب الفلسطيني كان أمراً فهمه قادة إسرائيل جيداً. كما أخبر (ابن غوريون) (ناحيم جولدمان)، رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، (لو كنت زعيماً عربياً فلن أقوم بأي صلات مع إسرائيل. فهذا طبيعي: لقد أخذنا بلادهم.. لقد أتينا من إسرائيل، ولكن منذ ألفي سنة خلت، وما الذي يعنيه هذا لهم؟ لقد كان هناك معاداة السامية، والنازيون، وهتلر، وأوسشتز. ولكن هل كان ذلك خطأهم؟ إنهم يرون شيئاً واحداً فقط، لقد أتينا إلى هنا وسرقنا بلادهم؟ لماذا عليهم أن يتقبلوا ذلك). منذ ذلك الحين سعى القادة الإسرائيليون باستمرار لإنكار طموحات الفلسطينيين الوطنية. فقد قالت رئيسة الوزراء (جولدا مائير) في ملاحظتها الشهيرة (لا يوجد هناك شيء اسمه فلسطيني). وحتى رئيس الوزراء (اسحاق رابين)، الذي وقع اتفاقية أوسلو في 1993، عارض بالرغم من ذلك إنشاء دولة فلسطينية مكتملة. ولكن ضغط عنف المتطرفين والشعب الفلسطيني المتنامي قد دفع القادة الإسرائيليين اللاحقين إلى الانسحاب من بعض الأراضي المحتلة وإلى دراسة تسوية إقليمية، ولكن أي حكومة إسرائيلية لم تكن مستعدة لتقديم دولة قابلة للاستمرار للفلسطينيين وحتى عرض رئيس الوزراء (ايهود باراك)، والذي زعم أنه عرض كريم في كامب ديفيد في تموز 2000، كان سيعطي الفلسطينيين مجموعة ممزقة ومنزوعة السلاح من الـ (البانتستان) تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية. إن جرائم أوروبا ضد اليهود تقدم مبرراً أخلاقياً قوياً لحق إسرائيل في الوجود؟ ولكن نجاح إسرائيل في البقاء ليس موضع شك ـ حتى وإن كان بعض المتطرفين الإسلاميين يدلون بتصريحات عنيفة وغير واقعية عن (إزالة إسرائيل من الخارطة) ـ وإن التاريخ المأساوي للشعب اليهودي لا يلزم الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل. مهما كانت تعمل اليوم. (الإسرائيليون الفاضلون) في مواجهة (العرب الأشرار)إن المقولة الأدبية الأخيرة تصور إسرائيل على أنها دولة سعت إلى السلام على كل منعطف وأظهرت ضبطاً كبيراً للنفس حتى عندما يتم استفزازها. في حين يزعم بالمقابل أن العرب يتصرفون بطريقة بالغة الشر. إن هذه القصة التي يكررها القادة الإسرائيليون والأمريكيون الاعتذاريون بلا توقف من أمثال (ألان ديرشويتز) هي مع ذلك خرافة أخرى.فبلغة السلوك الواقعي، فإن سلوك إسرائيل لا يتميز أخلاقياً عن تصرفات خصومها.وتظهر دراسة إسرائيلية أن الصهاينة الأوائل لم يكونوا أخياراً تجاه العرب الفلسطينيين. لقد قاوم السكان العرب عدوان الصهاينة، وهو أمر لا يثير الاستغراب نظراً لأن الصهانية كانوا يحاولون إنشاء دولتهم الخاصة على الأراضي العربية. ورد الصهاينة العدوان بقوة، ولا يملك أي طرف أرضية عالية من الأخلاق في هذه الفترة.تكشف هذه الدراسة كذلك أن إنشاء إسرائيل في 1944ـ1948 اشتمل على عمليات تطهير اثني واضحة، بما في ذلك اعدامات، ومجازر، واغتصابات قام بها اليهود. إضافة إلى ذلك، فإن سلوك إسرائيل اللاحق تجاه خصومها العرب ومواطنيها الفلسطينيين غالباً ما كان وحشياً، مما يناقض أي ادعاء بسلوك أخلاقي متفوق. فما بين عامي 1949 و 1956، على سبيل المثال، قتلت قوات الأمن الإسرائيلية ما بين 2700 و 5000 من المتسللين العرب، كانت الغالبية العظمى منهم غير مسلحة. وقد أدار جيش الدفاع الإسرائيلي العديد من الغارات العابرة للحدود ضد جيرانه في أوائل عقد الخمسينات، ورغم ذلك فقد تصورت هذه التحركات على أنها ردود دفاعية، بينما كانت في الحقيقة جزء من محاولة أكبر لتوسيع حدود إسرائيل.إن طموحات إسرائيل التوسعية هي التي دفعتها كذلك للانضمام إلى بريطانيا وفرنسا في مهاجمة مصر عام 1956، وفقط في مقابل ضغط أمريكي مكثف انسحبت إسرائيل من الأراضي التي احتلتها. لقد قتل جيش الدفاع الإسرائيلي مئات من الأسرى المصريين بعيداً عن الحرب في كل من 1956 و 1967، ونفي ما بين (100) ألف و(260) ألف فلسطيني من أراضي الضفة الغربية التي كانت قد احتلت للتو، وأخرج (80) ألف سوري من مرتفعات الجولان. وقد كانت متواطئة كذلك في مجزرة صبرا وشاتيلا حيث قتل (700) من الفلسطينيين الأبرياء في مخيمات اللاجئين بعد اجتياحها للبنان في 1982، وقد وجدت لجنة تحقيق إسرائيلية أن وزير الدفاع حينها آرييل شارون (مسؤول شخصياً) عن هذه الفظاعات. لقد عذب الموظفون الإسرائيليون العديد من السجناء الفلسطينيين، وقاموا بشكل منتظم بإذلال ومضايقة المدنيين الفلسطينيين، واستخدموا القوة ضدهم دون تمييز في عدة مناسبات. خلال الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1991)، على سبيل المثال، وزع جيش الدفاع الهراوات على جنوده وحثهم على كسر عظام المتظاهرين الفلسطينيين.وقد قدرت منظمة (أنقذوا الأطفال) السويدية أن(23600ـ 29900) طفل احتاجوا إلى معالجة طبية لجروحهم الناجمة عن الضرب في السنتين الأوليين للانتفاضة، مع ما يقارب ثلثهم أصيبوا بكسور في العظام. وكانت أعمار حوالي ثلث الأطفال المضروبين تبلغ عشر سنوات وما دونها). وقد كان رد إسرائيل على الانتفاضة التالية أكثر عنفاً فحسب، مما قاد هآرتز إلى إعلان أن (قوات جيش الدفاع قد تحولت إلى آلة للقتل والذي تثير فعاليته الرهبة، وهو مع ذلك أمر فظيع). لقد أطلقت قوات جيش الدفاع مليون رصاصة في الأيام الأولى للانتفاضة، وهو أمر بعيد عن أن يكون ردة فعل مدروسة. منذ ذلك الحين، قتلت إسرائيل(3.4) فلسطيني عن كل إسرائيلي تفقده، وكانت غالبيتهم من المتفرجين الأبرياء.إن نسبة الأطفال الفلسطينيين المقتولين إلى الأطفال الإسرائيليين هي أكبر حتى (5.7 ـ1). لقد قتلت القوات الإسرائيلية عدة ناشطي سلام أجانب، بمن فيهم فتاة أمريكية عمرها 23 عاماً تم سحقها بجرافة إسرائيلية في آذار/2003. إن هذه الحقائق حول سلوك إسرائيل كان قد وثق باستفاضة من قبل العديد من منظمات حقوق الإنسان ـ بمن فيهم جماعات إسرائيلية بارزة ـ وليست موضع شك لدى المراقبين ذوي العقول المنصفة. وهذا هو السبب في كون أربعة من المسؤولين السابقين في الشين بيت (منظمة الأمن الداخلي الإسرائيلي) قد شجبوا سلوك إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية في تشرين ثاني/2003. وقد صرح أحدهم (إننا نتصرف بطريقة شائنة)، في حين نعت آخر سلوك إسرائيل بأنه (لا أخلاقية بينة). ولكن أليست إسرائيل مخولة بعمل كل ما تتطلبه حماية مواطنيها؟ ألا يبرر شر الإرهاب الدعم الأمريكي الفريد المتواصل؟ حتى وإن كانت إسرائيل ترد بقسوة في الغالب؟ في الحقيقة فإن هذه الحجة ليست مبرراً أخلاقياً مقنعاً كذلك. لقد استخدم الفلسطينيون الإرهاب ضد مستعمريهم الإسرائيليين، وهم مخطئون في ترحيبهم بمهاجمة أبرياء. لكن هذا السلوك منهم ليس مدهشاً لأن الفلسطينيين يعتقدون أنهم ليس لديهم أي طريقة أخرى للحصول على تنازلات إسرائيلية. وقد اعترف رئيس وزراء سابق (باراك) مرة بأنه (لو ولد فلسطينياً لانضم إلى منظمة إرهابية). أخيراً فإن علينا أن لا ننسى أن الصهاينة استخدموا الإرهاب عندما كانو في وضع مشابه، وكانوا يحاولون تأسيس دولتهم الخاصة. وقد استخدمت عدة منظمات صهيونية التفجيرات الإرهابية لإخراج البريطانيين من فلسطين ما بين عامي 1944 ـ 1947، وحصدوا أرواح الكثير من الأبرياء على طول الطريق. لقد اغتال الإرهابيون الإسرائيليون كذلك وسيط الأمم المتحدة الكونت فولك بيرنادوت في عام 1948، لأنهم عارضوا اقتراحه بتدويل القدس. ولم يكن مرتكبو هذه الأعمال متطرفين فرديين، فقد تم العفو عن قادة مدبري الاغتيال في النهاية من قبل الحكومة الإسرائيلية وانتخب أحدهم للكنيست. زعيم إرهابي آخر، وهو اسحاق شامير، أيد القتل ولكنه لم يتعرض للمحاكمة، وأصبح رئيس وزراء مستقبلاً. في الحقيقة، فإن شامير كان يقولها بشكل مفتوح: (أن لا الأخلاقيات ولا التقاليد اليهودية بإمكانها أن تسقط الإرهاب كوسيلة للنضال)، بل إن الإرهاب (لديه دور كبير ليلعبه في حربنا ضد المستعمر بريطانيا ). فإذا ما كان استخدام الفلسطينيين للإرهاب مستحق للشجب من ناحية أخلاقية، فكذلك كان اعتماد إسرائيل عليه في الماضي، وهكذا فإننا لا نستطيع تسويغ الدعم الأمريكي لإسرائيل على أرضية أن سلوكها في الماضي كان متفوقاً أخلاقياً. ربما لا تكون إسرائيل قد تصرفت بطريقة أسوأ من العديد من الدول الأخرى، ولكن من الواضح كذلك أنها لم تتصرف بأي طريقة أفضل. وإذا لم تكن لا الحجج الاستراتيجية ولا الأخلاقية قادرة على تعليل الدعم الأمريكي لإسرائيل، فكيف بإمكاننا أن نفسره..؟ 4
لوبي إسرائيل:
تكمن الإجابة في قوة اللوبي الإسرائيلي التي لا مماثل لها. فلو لم يكن بإمكان اللوبي التلاعب بالنظام السياسي الأمريكي، فإن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ستكون أقل حميمية بكثير مما هي عليه اليوم. ما هو اللوبي؟ إننا نستخدم كلمة (اللوبي) كمصطلح اختزالي مريح للتعبير عن ائتلاف واسع من الأفراد والمنظمات والذين يعملون بنشاط لتشكيل سياسة الولايات المتحدة الخارجية في اتجاه مؤيد لإسرائيل. إن استخدامنا لهذا المصطلح لا يعني كون اللوبي حركة موحدة مع قيادة مركزية، أو أن الأفراد في داخلها لا يختلفون في قضايا معينة، إن جوهر اللوبي مؤلف من يهود أمريكيين يبذلون جهداً كبيراً في حياتهم اليومية للي السياسة الخارجية الأمريكية بحيث تقدم المصالح الإسرائيلية. ويذهب نشاطهم إلى ما هو أبعد من من انتخاب مرشحين مؤيدين لإسرائيل لتشمل كتابة الرسائل، والإسهامات المالية، ودعم المنظمات المؤيدة لإسرائيل. ولكن ليس جميع اليهود الأمريكيين جزء من اللوبي، لأن إسرائيل ليست قضية هامة للكثير منهم. في مسح أجري في 2004، على سبيل المثال، قال ما نسبته 36% تقريباً من الأمريكيين اليهود إنهم إما ليسوا مرتبطين كثيراً أو إنهم ليسوا مرتبطين علي الاطلاق عاطفياً بإسرائيل. يختلف الأمريكيون اليهود كذلك حيال سياسات إسرائيلية محددة. كثير من المنظمات في اللوبي من مثل الـ(ايه.آي.بي.ايه.سي) و(جمعية رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى الـ(سي.بي.ام.جي.او)، يديرها المتشددون الذين يؤيدون في العموم السياسة التوسعية لحزب الليكود الإسرائيلي، بما في ذلك عدائيته لعملية السلام (أوسلو). إن التكتل اليهودي الأمريكي، من جهة أخرى، هو أكثر ميلاً لتقديم تنازلات للفلسطينيين، ولجماعات قليلة ـ من مثل الصوت اليهودي للسلام ـ والتي تؤيد بقوة اتخاذ مثل هذه الخطوات. ورغم هذه الاختلافات، يؤيد الحداثيون والمتشددون الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل. مما لا يثير الدهشة، أن زعماء اليهود الأمريكيين غالباً ما يستشيرون المسؤولين الإسرائيليين، بحيث يستطيع زعماء اليهود الأمريكيين توسيع تأثيرهم في الولايات المتحدة. وكما كتب أحد الناشطين في منظمة يهودية كبرى (إنه أمر معتاد لنا أن نقول إن هذه هي سياستنا فيما يتعلق بقضية بعينها، ولكن علينا أن نتأكد مما يفكر فيه الإسرائيليون" إننا كمجتمع نفعل ذلك طوال الوقت).إن هناك كذلك عادة قوية ضد انتقاد السياسة الإسرائيلية، فالزعماء اليهود الأمريكيون لا يدعمون الضغط على إسرائيل. لذلك، فقد اتهم السيد ادغار برونفمان، رئيس (الجمعية اليهودية العالمية)، بالخيانة عندما كتب رسالة إلى الرئيس بوش في أواسط 2003 يحثه فيها على الضغط على إسرائيل لإيقاف بناء جدارها الأمني المثير للجدل. وقد أعلنت الانتقادات أنه (لمن الفحش في أي وقت كان بالنسبة لرئيس الجمعية اليهودية العالمية أن يحاول التأثير على رئيس الولايات المتحدة بغية مقاومة السياسات التي تروج لها حكومة إسرائيل).على نحو مشابه، عندما نصح رئيس منتدى السياسة الإسرائيلي سيمور رايتش وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندليزا رايس) بالضغط على إسرائيل لإعادة فتح حدود العبور الهامة في قطاع غزة في تشرين الثاني/2005، شجب الناقدون تصرفه باعتباره سلوكاً لا مسؤولاً00 وأعلنوا أنه ليس هناك أي مكان أبداً في التيار اليهودي الرئيسي على الحض الفعلي ضد سياسات إسرائيلية ذات تعلقات أمنية.و متراجعاً أمام هذه الهجمات، صرح رايتش بأن (كلمة ضغط ليست موجودة في قاموسي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل). لقد شكل الأمريكيون ـ اليهود مجموعة مهيبة ومؤثرة من المنظمات للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، وتعد جمعية الـ(ايه.آي.بي.ايه.سي) أشدها قوة وشهرة.في عام 1997، قامت مجلة (فورتن) بسؤال أعضاء مجلس النواب الأمريكي وموظفيه لجدولة لائحة بأقوى تجمعات اللوبي في واشنطن تم منح جمعية الـ(ايه.آي.بي.ايه.سي) المرتبة الثانية بعد الجمعية الأمريكية للمتقاعدين (ايه.ايه.آر.بي)، ولكنها كانت متقدمة على تجمعات من ذات الوزن الثقيل من مثل الـ(ايه.اف.ال) والـ(سي.آي.او) و(جمعية الرماية الوطنية).وقد توصلت دراسة في الصحيفة الوطنية في آذار/2005 إلى نتيجة مشابهة، واضعة جمعية (ايه.آي.بي.ايه.سي) في المرتبة الثانية مشتركة مع الـ(ايه.ايه.آر.بي) في لائحات سلطة واشنطن. يتضمن اللوبي كذلك انجيليين مسيحيين بارزين من أمثال جاري باوير، وجيري فول ويل، ورالف ريد، وبات روبرستون وكذلك ديك آرمي وتوم ديلاي، وزعماء الغالبية السابقين في مجلس النواب.إنهم يعتقدون أن ولادة إسرائيل هو جزء من نبوءة إنجيلية، تدعم أجندة التوسع، وتعتقد أن الضغط على إسرائيل هو ضد إرادة الله. إضافة إلى ذلك، فإن عضوية اللوبي تشتمل على سادة من غير اليهود من المحافظين الجدد من مثل جون بولتون، ومدير تحرير صحيفة الوول ستريت الراحل روبرت بارتلي، ووزير التعليم السابق وليام بينيت، وسفير الأمم المتحدة السابق جين كيرك باتريك، وكاتب العمود جورج ويل. ـ مصادر القوة: إن لدى الولايات المتحدة حزمة مقسمة تقدم العديد من الطرق للتأثير على العملية السياسية.نتيجة لذلك، فإن بإمكان جماعات المصالح تشكيل السياسة بعدة طرق مختلفة ـ عن طريق التأثير على الممثلين المنتخبين وعلى أعضاء من الفرع التنفيذي، والقيام بحملة تبرعات، والتصويت في الانتخابات وتشكيل الرأي العام، إلى أخره. أيضاً فإن جماعات المصالح الخاصة تتمتع بقوة غير متكافئة عندما يلتزمون بقضية معينة تكون فيها كتلة الشعب حيادية. سيميل صناع السياسة للتعايش مع هؤلاء الذين يهتمون بالقضية موضع التساؤل، حتى وإن كانت أعدادهم قليلة، واثقين من أن بقية الشعب لن تعاقبهم. إن قوة اللوبي الإسرائيلي تنبع من قدرتها التي لا مثيل لها للعب هذه اللعبة مع سياسات جماعة المصالح ـ في عملياتها الأساسية، فإنها لا تختلف عن جماعات المصالح مثل (لوبي المزرعة)، عمال المعادن والغزل، واللوبيات الإثنية الأخرى. ما يضع اللوبي جانباً هو فعاليته الاستثنائية. ولكن ليس هناك أي شيء غير عادي فيما يتعلق باليهود الأمريكيين وحلفائهم النصارى الذين يحاولون إمالة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. إن نشاطات اللوبي لا تتم بطريقة المؤامرة كما يتم تصويرها في الكراسات المعادية للسامية كما في (بروتوكولات لحكماء صهيون). في غالبيتهم، فإن الأفراد والجماعات الذين يؤلفون اللوبي يقومون بما تقوم به منظمات المصالح الخاصة الأخرى، ولكن بطريقة أفضل بكثير. إضافة إلى ذلك، فإن جماعات المصالح العربية هي ضعيفة إلى حد العدم مما يجعل مهمة اللوبي أسهل. (5)
استراتيجيات النجاح
يتبع اللوبي استراتيجيتين اثنتين على نحو واسع للترويج للدعم الأمريكي لإسرائيل. أولاً، فإنه يدير تأثيراً هاماً في واشنطن، حيث يقوم بالضغط على كل من الكونغرس والحكومة لدعم إسرائيل على طول الخط. ومهما تكن رؤى صانع القانون أو صانع القرار السياسي الفردية، فإن اللوبي يحاول أن يجعل من دعم إسرائيل الاختيار السياسي الذكي. ثانياً، يكافح اللوبي لضمان أن يكون الخطاب العام حول إسرائيل مصوراً لها بضوء إيجابي، وذلك عن طريق تكرير الأساطير حول إسرائيل وإنشائها، وعن طريق الترويج للجانب الإسرائيلي في المناقشات السياسية اليومية.والهدف هو منع التعليقات الانتقادية حول إسرائيل من الحصول على فرصة سماع عادل في الميدان السياسي.إن السيطرة على الحوار هو أمر أساسي لضمان الدعم الأمريكي، لأن مناقشة صريحة للعلاقات الإسرائيلية الأمريكية قد تدفع الأمريكيين إلى تفضيل سياسة مختلفة. التأثير في الكونغرس: دعامة أساسية في فعالية اللوبي هي تأثيره في الكونغرس الأمريكي، حيث إسرائيل محصنة فعلياً من تلقي الانتقاد. إن هذا بحد ذاته وضع جدير بالملاحظة، لأن الكونغرس في الغالب لا يتراجع أمام القضايا اللجوجة. فسواء كانت القضية قضية إجهاض، أو عمل إيجابي موجه، أو عناية صحية، أو قضية خدمة اجتماعية فإن من المؤكد أن تتم مناقشتها في (الكابيتول هل). إلا أنه حينما تكون إسرائيل هي المعنية، يسقط النقاد المحتملون صامتين، ولا يكون هناك أي نقاش من الأصل.أحد الأسباب لنجاح اللوبي في الكونغرس هو أن بعض الأعضاء هم صهيونيون مسيحيون من مثل (ديك آرمي)، والذي قال في أيلول2002 (إن أولويتي الأولى في السياسة الخارجية هي حماية إسرائيل).قد يعتقد المرء أن الأولوية الأولى لأي رجل في الكونغرس هي حماية أمريكا ، ولكن ليس هذا هو ما قاله آرمي.إن هناك كذلك نواباً يهوداً، ورجال كونغرس يعملون على جعل السياسة الخارجية الأمريكية مؤيدة لمصالح إسرائيل.موظفو الكونغرس المؤيدون لإسرائيل هم مصدر آخر لقوة اللوبي. فكما اعترف (موريس آميتاي)، وهو رئيس سابق في الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي)، مرة فإن هناك العديد من الأشخاص في مستوى العمل هنا في (الكابيتول هل) والذين يصادف أنهم يهود، إن هؤلاء هم جميع الأشخاص الذين هم في موقع القيام باتخاذ القرار لهؤلاء النواب، إن بإمكانك انجاز قدر هائل من العمل على مستوى الموظفين). إنها الـ(إيه.آي.بي.إيه.سي) ذاتها، والتي تشكل مركز تأثير اللوبي في الكونغرس.ويعود نجاح الـ(إيه.آي.بي.إيه.سي) إلى قدرتها على مكافأة المشرعين ومرشحي الكونغرس الذي يدعمون أجندتها، ومعاقبة أولئك الذين يتحدونها. إن المال مهم جداً للانتخابات الأمريكية. (كما تذكرنا الفضيحة الأخيرة حول التعاملات المختلفة المشبوهة لرجل اللوبي جاك أبراموف، وتتأكد جمعية الـ(إيه.آي.بي.إيه.سي) من حصول أصدقائها على دعم مادي قوي من آلاف اللجان، للتحرك السياسي المؤيد لإسرائيل.من جهة أخرى، فإن أولئك الذين يبدو أنهم معادون لإسرائيل، بإمكانهم أن يتأكدوا من أن جمعية الـ(إيه.آي.بي.إيه.سي) ستوجه حملة تبرعات لخصومهم السياسيين. تنظم جمعية الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) كذلك حملة كتابة رسائل وتشجع محرري الصحف لتأييد المرشحين ذوي الميول الإسرائيلية.ليس هناك شك حيال فعالية هذه الوسائل.00 لنأخذ مثالاً واحداً فقط على ذلك، ففي عام 1984 ساعدت جمعية الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) على هزيمة النائب تشارلز بيرسي من إلينوي، والذي وفقاً لأحد الشخصيات البارزة في اللوبي قد (أظهر تبلداً في الشعور وحتى عدائية تجاه اهتماماتنا). وقد وضح توماس دين، رئيس الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) في ذلك الوقت، ما حدث: (لقد تجمع اليهود الأمريكيون من المحيط إلى المحيط لطرد بيرسي، وقد تسلم كل السياسيين الأمريكيين ـ أولئك الذين يحتلون مراكز الزعامة في الوقت الراهن وأولئك الذين يطمحون لذلك ـ الرسالة).بالطبع فإن جمعية الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) تقدر عالياً سمعتها كخصم مرعب، لأنها تثبط أياً كان عن مساءلتها عن أجندتها.إن تأثير الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) في (الكابيتول هل) يذهب إلى ما هو أبعد حد00 فوفقاً لدوجلاس ملوم فيلد، وهو عضو سابق في الجمعية فإنه لمن الشائع في أعضاء الكونغرس وموظفيهم أن يلجأوا إلى الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) أولاً عندما يحتاجون إلى المعلومات، قبل أن يتصلوا بمكتبة الكونغرس، أو جهاز الأبحاث الكونغرسي، أو موظفي اللجنة، أو خبراء الإدارة)، وينوه بأن ما هو أكثر أهمية أن جمعية الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) هو (ما يدعى غالباً بمسودات الخطابات، والعمل على التشريعات، وتقديم النصائح بخصوص الوسائل، والقيام بالأبحاث وحشد المؤيدين المشاركين، وأصوات المارشالات).إن النقطة الجوهرية هي أن الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي)، والتي هي العميل الفعلي لحكومة أجنبية، تمسك بخناق كونغرس الولايات المتحدة.إن النقاش المفتوح حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لا يحدث هناك، رغم أن هذه السياسة لديها نتائج هامة للعالم بأسره. هكذا، فإن أحد الفروع الثلاثة للحكومة الأمريكية ملتزم بقوة بدعم إسرائيل. وكما نوه النائب السابق (ارنست هولنجر) بينما كان يغادر المكتب، (ليس ممكنناً أن يكون لديك سياسة إسرائيلية أخرى غير التي تعطيك إياها جمعية الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي) هنا).ما يثير قليلاً من الدهشة أن رئيس الوزراء آرييل شارون أخبر مستمعاً أمريكياً: (عندما يسألني الناس كيف بإمكانهم مساعدة إسرائيل، فإني أخبرهم ـ ساعدوا الـ (إيه.آي.بي.إيه.سي)التأثير على الفرع التنفيذي: إن لدى اللوبي نفوذ هام كذلك على الفرع التنفيذي. تشتق هذه القوة جزئياً من تأثير الناخبين اليهود على الانتخابات الرئاسية. ورغم أعدادهم الضئيلة بالنسبة للسكان (أقل من 3%)، إلا أنهم يقومون بحملات تبرع كبيرة للمرشحين من كلا الطرفين. وقد قدرت واشنطن بوست مرة أن المرشحين الديموقراطيين الرئاسيين (يعتمدون على المؤيدين اليهود لتقديم ما يقدر بـ 60% من المال). إضافة إلى ذلك، فإن الناخبين اليهود لديهم معدلات حضور عالية وهم متمركزون في مدن هامة مثل كاليفورنيا، وفلوريدا، وإلينوي، ونيويورك، وبنسلفانيا. ولأنهم مهمون في الانتخابات المغلقة يذهب المرشحون الرئاسيون إلى مدى بعيد في عدم إثارة عداوة الناخبين اليهود.