مقدمة :
قبائل الفولاني ونهضة الإسلام
رغم انهيار الممالك الإسلامية الكبيرة، فإنَّ القبائل المسلمة قامت بدورها في نشر الإسلام، واستكمال الدور الدعوي الذي كانت تقوم به الممالك، وربما بصورة أفضل؛ ومن أشهر القبائل المسلمة:
1. قبائل الماندينج؛ وتنتشر في مالي والسنغال وجامبيا وغينيا وسيراليون وساحل العاج.
2. قبائل الولوف والتوكلور في السنغال ومالي.
3. قبائل الهاوسا في النيجر وشمالي نيجيريا وبنين وتوجو.
4. الكانوري في شمال شرق نيجيريا والكاميرون.
ولكنَّ أشد القبائل الإفريقية تحمُّسًا لنشر الإسلام وتمسُّكًا به هي قبائل الفولاني؛ وهي التي تحمَّلت مسئولية إعادة نهضة الإسلام، وإقامة الممالك الإسلامية من جديد.
دخل الفولانيون الإسلام على أيدي المرابطين في القرن الخامس الهجري، فتحمَّسُوا له واستعلوا به، وكانوا في الأصل من الرعاة الذين يتحرَّكون باستمرار سعيًا وراء الماء والكلأ، وكان موطنهم الأصلي حوض السنغال، ولكنهم انتشروا في قلب إفريقيا من السنغال إلى تشاد إلى قلب وغرب إفريقيا في 4 هجرات شهيرة؛ تفرَّعت خلالها هذه القبيلة الضخمة إلى عدَّة فروع، ولكنَّ أهمَّ هذه الفروع وأكثرَها أثرًا في نشر الدعوة الإسلامية وعودة النهضة الإسلامية إلى القلب الإفريقي هي هجرة الفولانيين إلى نيجيريا، وفي هذا الفرع ظهر صاحبنا، الذي أعاد المجد والعزَّة للإسلام بقلب إفريقيا وهو الأمير الفولاني عثمان دان فوديو.
==================
العلامة الشيخ عثمان بن فودي
(1754-1818)هو عثمان بن محمد بن عثمان بن صالح بن هارون بن محمد غُرْطُ،
وينتسب عثمان إلى قبيلة الفولاني العريقة في الإسلام
وكان يلقّب أبوه محمد بلقب (فودي) ، وكلمة فودي تعني الفقيه والسبب هو أنه كان معلم القرآن والحديث في قريته،
في حوالي عام (1169هـ الموافق 1754م، ولد عثمان في ( قرية طقِل ) وهي قرية تابعة ل (مملكة غوبر) التي تقع اليوم شمال نيجيريا
وفي هذه البلدة الصغيرة، وفي هذا الجو الديني الطاهر، نشأ عثمان، فدرس اللغة العربية وقرأ القرآن وحفظ متون الأحاديث، وقد ساعده والده على تنمية ملكة التعمق في العلوم الدينية لما رأى فيه من حبه للدين وخدمته.
كان لهذه التربية والجو الإيماني الذي نشأ فيه عثمان أثر بالغ في تكوين شخصيته وتوجهاته، فشب ورعاً تقياً، أماراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مجتنباً لما اعتاد عليه قومه من أساليب في الحياة، شديد الكره والعداء للقبائل الوثنية في إقليم جوبير الذي ولد فيه،
رافق عثمان أباه في رحلته الطويلة إلى الحج، وهو في سن الشباب.
وكان لذهاب عثمان بن فودي لأداء مناسك الحج مع أبيه، تحول مهم في حياته الدعوية إذ تزامن قدومه إلى مكة المكرمة، والدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في أوج قوتها وانتشارها، حيث كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مازال حياً، يعلم الناس التوحيد الخالص ويحارب البدع ويرد على المبتدعة وأصحاب الأهواء، فلما وصل عثمان بن فودي هناك التقى مع المشايخ والدعاة السلفيين وسمع منهم الدعوة السلفية وأسلوب الحركة، وحضر مجالس العلم للشيخ محمد.
الدعوة السلفية في أفريقيا:
عاد عثمان بن فودي إلى بلاده، وفي نيته نشر الدعوة السلفية في بلاده، ومحاربة البدع المتفشية هنالك، والتمهيد لنقل التجربة السلفية والتي سبق وأن نجحت في جزيرة العرب، إلى بلاده في أفريقيا، فأخذ في دعوة أهله وإخوانه إلى التوحيد الخالص، فاستجاب لدعوته كثير من أبناء قريته طقل، فأسس حركة دعوية على منهج السلف وأطلق عليها اسم الجماعة.
أخذت الدعوة السلفية وحركتها المسماة بالجماعة تنتشر بين القبائل الأفريقية، ودخل فيها أفراد من عدة إمارات، ومن شعوب منها الهوسا، والطوارق، الزنوج، إضافة إلى قبيلته الأصلية "الفولاني" التي كانت أكثر القبائل انضماماً لدعوته وحركته،
ثم حققت دعوة عثمان بن فودي نجاحاً كبيراً في نشر الإسلام بين القبائل الوثنية المنتشرة في شمال وجنوب نيجيريا،
ويوماً بعد يوم ازدادت جماعته قوة ونجاحاً واتساعاً وأصبح الصدام وشيكاً ومع قوى الشر والضلال من الوثنيين بمجرد أن أعلن عثمان بن فودي الجهاد على الوثنيين حتى أتاه المسلمون من كل مكان في شمال نيجيريا يبغون نصرة إخوانهم ضد الكفار، فلقد كان لإعلان الجهاد مفعول السحر في نفوس المسلمين، إذ عادت لهم الحمية والحماسة لدينهم،
----------------
المواجهة
ضاق ملوك إقليم جوبير -وكانوا من الوثنيين- بنشاط جماعة عثمان بن فودي، وقرَّرُوا اتِّبَاع أسلوب المواجهة المسلَّحة، وأرسل هؤلاء الأمراء يتهدَّدُون الجماعة السلفية، ويتوعَّدُون زعيمها عثمان بن فودي بأشدّ أنواع الوعيد والتهديد، فعندها اجتمع المجاهد العظيم مع رفاقه، واستشارهم في كيفية مواجهة هذه التهديدات،
اتفق الجميع علي وجوب إعلان الجهاد؛ وذلك سنة (1218هـ= 1804م)، وبمجرَّد أن أعلن الجهاد على الوثنيين حتى أتاه الكثير من المسلمين من شمال نيجيريا يبغون نصرته
وفي الوقت نفسه جاءت مساعدات كبيرة لأمراء جوبير من باقي إمارات الهاوسا غرب نيجيريا،
وانتصرت الدعوة السلفية على الجماعات الوثنية،
وأصبح عثمان بن فودي أميرًا على المنطقة الواقعة في شمال غرب نيجيريا، وبايعه المسلمون هناك أميرًا عليهم، وتلقَّب من يومها بالشيخ، واتخذ من مدينة سوكوتو في أقصى الطرف الشمالي الغربي لنيجيريا مركزًا لدعوته؛ وذلك سنة (1223هـ الموافقة لسنة 1809م).
---------------------
بناء الدولة الإسلامية بالنيجر ونيجيريا :
قرر بن فودي العمل على إعادة بناء الدولة الإسلامية من جديد، وتوسيع رقعة الإسلام بالجهاد ضد القبائل الوثنية التي اجتمعت على حرب الإسلام ودعوته الجديدة.
اتبع بن فودي إستراتيجية الجهاد على عدة محاور، وضم الشعوب الإسلامية تحت رايته، فضم إليه عدة شعوب وقبائل مسلمة كانت متناثرة ومختلفة فيما بينها، وبدأ بالتوسع في ناحيتي الغرب والجنوب الغربي، حيث ( قبائل اليورومبا ) الكبيرة، والتي هي أصل الشعوب التي تسكن النيجر ونيجيريا، فدانت له هذه القبائل ودخلت في دعوته، وأخذت الدولة الإسلامية في الاتساع شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت أقوى مملكة إسلامية في أفريقيا.
أبناء الشيخ وتلاميذه :
للشيخ عدد من الأبناء ترعرعوا في بيت العلم و الدين ونشاؤا في بيئة الورع و التقوي نذكر منهم: الشيخ محمد سعد: وهو أكبرهم، نشأ فتعلم القرآن، وقرأ النحو والتصريف، وفسر القرآن والحديث، وقد ظهرت فيه البركة والنجابة،
ومن تلاميذه:
أخوه محمد بللو، وكان يفسر القرآن في شهر رمضان.
والشيخ محمد ثَنبُ، وهو صوفي جمع بين الشريعة والحقيقة
الشيخ محمد بللو،
الشيخ عبد القادر،
الشيخ علي الشاذلي.
الشيخ أبوبكر
الشيخ محمد البخاري.
عثمان بن فودي وسياسة بناء الكوادر:
لأجل بقاء الدعوة السلفية والدولة الإسلامية التي بناها في غرب أفريقيا ، اتبع عثمان بن فودي سياسة بناء الكوادر التي تواصل حمل الراية ونشر الدعوة، وكان لعثمان بن فودي عين فاحصة تستطيع انتقاء النجباء والأبطال وحملة الدعوة، خاصة وأن فتوحاته التي قام بها في غرب "نيجيريا" قد حركت الحماسة والحمية للإسلام في قلوب الكثيرين، ومن هؤلاء الكثيرين انتقى ثلاثة نفر كان لهم أعظم الأثر والدور الكبير في خدمة الإسلام والمسلمين،
أولهم ( الشيخ آدم) وهو شيخ من أهل العلم من أهل الكاميرون، قد حركت فتوحات بن فودي حب الجهاد في قلبه، وبدأ يدعو الناس إليه وإلى نشر الإسلام في القبائل الوثنية،
فلما وصلت أخباره للأمير عثمان بن فودي أرسل يستدعيه من الكاميرون سنة 1811 ميلادية ـ1226 هجرية، فلما حضر جلس معه وكلمه عن مبادىء الحركة وعقيدة السلف، وأقنعه بوجوب الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام فئ قلب القارة الأفريقية، فلما انشرح صدر الشيخ آدم للفكرة، أعطاه عثمان رايته البيضاء وهي رايته في الجهاد، وكلفه بمواصلة الجهاد حتى ينشر الإسلام فيما يلي نهر البنوى جنوباً وهو فرع كبير من فروع نهر النيجر العظيم، فقام الشيخ آدم بالمهمة على أكمل وجه، حتى أدخل بلاد الكاميرون كلها في الإسلام، وكافأه الأمير عثمان بن فودي بأن جعله أميراً على الكاميرون، وظلت الإمارة فيهم حتى احتلال الإنجليز للكاميرون سنة 1901م الموافقة لسنة 1319 هجرية.
أما الرجل الثاني فكان أحد جنود عثمان بن فودي واسمه ( حمادو باري ) وقد اشترك في معركة الجهاد الأول ضد أمراء جوبير الوثنيين، وبتواصل الجهاد، بانت نجابته وظهرت شجاعته وإخلاصه لنشر الدين، فكلفه عثمان بفتح بلاد الماسنيا ) التي تقع في (مالي) الآن ، ونجح حمادو في مهمته خير نجاح، فكافأه عثمان بأن أعطاه لقب الشيخ وجعله أميراً على (منطقة الماسنيا )، وأمره بمواصلة الجهاد لنشر الإسلام، ولقد أثبت الأمير حمادو الشيخ أنه من أنجب وأفضل تلاميذ الإمام عثمان بن فودي، فلقد نظم دولته على نسق دولة الخلافة الراشدة، حيث قسمها إلى عدة ولايات، وأقام على كل ولاية والياً وقاضياً ومجلساً للحكم.
أمَّا الرجل الثالث فكان الحاج عمر، وأصله من قبائل الفولاني عشيرة عثمان بن فودي، وُلِدَ سنة (1212هـ= 1797م)؛ أي إنه كان في أوائل شبابه، والإمام عثمان بن فودي في أواخر حياته، ولكن هذا الشابَّ قُدِّرَ له أن يجتمع مع الإمام؛ وذلك أن الحاج عمر كان محبًّا للدعوة والجهاد، فلمَّا اشتدَّ عودُه قرَّر الرحيل إلى بلد الإمام عثمان ليراه ويسمع منه، وبالفعل ذهب إليه ورآه الإمام عثمان؛ فتفرَّس فيه النجابة والفطنة والشجاعة، فنصحه بأن يذهب إلى (حمادو) ويلتحق بخدمته، لعلَّه أن يكون خليفة حمادو بعد رحيله في قيادة المملكة الإسلامية هناك، وبالفعل التحق الحاج عمر بخدمة حمادو وخلفه بعد رحيله، وقاد القبائل الإسلامية قيادة عظيمة، وكان جيشه يُقَدَّر بأربعين ألف مقاتل، وحارب الوثنيين والفرنسيين على حدٍّ سواء، وتولَّى أولاده من بعده قيادة المسلمين في هذه المنطقة؛ التي ابتُلِيَتْ بأشرس هجمة .
وبالجملة نجح الإمام المجاهد عثمان بن فودي أعظم أمراء إفريقيا في بناء قاعدة عريضة من المجاهدين والقادة والأمراء؛ الذين قادوا الأُمَّة المسلمة في قلب إفريقيا، وأقاموا أعظم الممالك الإسلامية في هذه البقعة الغامضة عن ذهن أبناء المسلمين الآن.
وبالجملة نجح الإمام المجاهد عثمان بن فودي، وأعظم أمراء أفريقيا في بناء قاعدة عريضة من المجاهدين والقادة والأمراء الذين قادوا الأمة المسلمة في قلب أفريقيا، وأقاموا أعظم الممالك الإسلامية بهذه البقعة.
تُوُفِّيَ عثمان بن فودي سنة (1233هـ= 1818م)، بعد أن أدخل الدعوة السلفية المباركة إلى القلب الإفريقي، وأبقى للإسلام دولة قوية ظاهرة صامدة حتى بعد وقوعها فريسة للاحتلال
==================
المصدر :
1- مقال "عثمان بن فودي من قادة غيروا الدنيا ".. بقلم تامر بدر وتاريخ 12-03-2014
انظر الرابط :
http://islamstory.com/ar/%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%86-%D9%81%D9%88%D8%AF%D9%89-%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%87-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D8%B3%D9%892- مقال " العلامة الشيخ عثمان بن فودي" بقلم : فاطمة المكاشفي وتاريخ 17-6-2014
انظر الرابط :
http://www.islam4africa.net/ar/more.php?cat_id=19&art_id=27====================