كانت القرم ومناطق عدة حولها مملكة إسلامية مستقلة ومزدهرة، قبل أن تصبح جزءا من دولة الخلافة العثمانية في أجزائها الشمالية.
ويقول الدكتور أمين القاسم أن القرم كانت مملكة إسلامية لأربعة قرون، وكان فيها نحو 21 ألف معلم إسلامي تتري، بين مسجد ومدرسة وقصر وكتاتيب لتعليم الأطفال.
سيطرت روسيا على مملكة القرم الإسلامية في العام 1783م
وتلا ذلك الحقبة السوفياتية
ومنذ سيطرة روسيا دمرت معظم المعالم الاسلامية ، ليتراجع عدد المساجد التي بقيت إلى نحو ثلاثمائة، معظمها بني من جديد.
خريطة حدود مملكة القرم قبل الاستعمار الروسي للقرم
المصدر:
د.أمين القاسم -الباحث في تاريخ القرم في حديث للجزيرة نت
=======================
د. أمين القاسم
للدكتور أمين القاسم مقالة بعنوان "كيف ضاعت مملكة القرم" منشورة بموقع أوكرانيا برس يوضح فيها كيف استطاع الاستعمار الروسي احتلال القرم و دور اتفاقية "كوجك قينارجه" في سلخ القرم
وهي علي الرابط :
http://ukrpress.net/node/2284ويقول فيها:
بنظرة سريعة إلى أحداث القرن السابع عشر، نجد أن النمسا والدول المتحالفة معها حققت انتصارات عسكرية عديدة على الدولة العثمانية أدت إلى توقيع اتفاقية كارلوفيتز سنة 1699م، تنازل العثمانيين بموجبها عن بلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا، ومدينة أزاق التي كانت تحت سلطة خان القرم لروسيا.
أما الإمبراطورية الروسية فقد كانت في أوائل القرن الثامن عشر تحت حكم بطرس الأول (1672-1725م)، وأصبحت روسيا في عهده أكبر دولة في العالم، بعد أن بدأت في القرن الرابع عشر بداية متواضعة في إمارة موسكو فقط، وغدت حدودها تمتد من بحر البلطيق إلى المحيط الهادي.
وبعد أربعين سنة من وفاة بطرس الأكبر، تربعت على عرش روسيا الإمبراطورة كاترين الثانية الكبرى، التي حكمت من عام 1762-1796م، وحرصت على توسيع حدود الدولة الجنوبية وتوطيد حكمها، وكذلك سن القوانين لكسب تعاطف المسلمين لضمان عدم انضمامهم للدولة العثمانية أثناء حربها معهم.
القضاء على مملكة القرم الإسلامية:
تعتبر شبه جزيرة القرم والأراضي المجاورة لها ذات موقع استراتيجي مهم للدولة الروسية، من خلال إطلالها على البحرين الأسود والأزوف، وبالتالي التحكم فيهما وبتجارتهما، ثم الولوج إلى البحار الأخرى (مرمرة وإيجه والمتوسط).
لذلك حرصت روسيا على السيطرة عليها، وقد ذكر المؤرخون أن العديد من القياصرة الروس دأبوا على الأخذ بالنصيحة أو المشروع الذي قدمه مستشار القيصرة الروسية كاترينا الثانية ميخائيل فارانتسوف عام 1762م تحت عنوان "ملاحظات عن صغار التتار"، الذي تحدث عن وجوب إخضاع خانية تتار القرم للدولة الروسية ثم السيطرة عليها كاملا من خلال خطوات وخطة مفصلة، وإلا ستبقى مصدر خطر على الأراضي الروسية.
وفي القرن الثامن عشر تمكنت روسيا من دحر القوات العثمانية في عدة مواقع، مما ساعد ذلك في تعاظم تكالب الاستعماري على الإمبراطورية العثمانية بين فرنسا وإنجلترا وروسيا، ويجسد هذا الوضع تصريح نيقولاي الأول قيصر روسيا للسفير الإنكليزي في حفل رسمي سنة 1853م: "نحن أمام رجل مريض جدا، لنتفاهم بيننا لتقاسم تركته، وبكل صراحة سوف تحدث مصيبة كبرى إذا تمكن هذا الرجل ذات يوم من الفلات من أيدينا".
الحرب الروسية العثمانية بين عامي 1768-1774م تمركز أسطول الإمبراطورية الروسية في الشمال في بحر البلطيق، فقد كان البحر الأسود بحيرة عثمانية مغلقة تفرض عليه سيطرتها، فأبحر الأسطول الروسي من بحر البلطيق إلى المحيط الأطلسي، واجتاز البحر المتوسط، وحين أخبر السفير الفرنسي "الباب العالي" بتحرك الأسطول الروسي، لم يتحرك أحد من القادة والوزراء، ولم يصدقوا أن يقوم أسطول العدو باجتياز تلك البحار إلى المياه العثمانية، وتقابل الأسطولان في بحر إيجه،
واستمر القتال أربع ساعات انتصر بعدها العثمانيون.
رجع العثمانيون بعد إحراز النصر إلى ميناء جشمة بالقرب من إزمير، وتبعتهم سفينتان صغيرتان من مراكب الروس، وظن العثمانيون أنهما فارتان وترغبان في الانضمام إليهم، فلم يتعرضوا لهما، وما إن دخلا الميناء حتى ألقيا النيران على السفن العثمانية التي كانت ترسو متلاصقة بعضها بعض فاشتعلت النيران بسرعة، وانفجرت المعدات الموجودة بالسفن، وسرعان ما احترق الأسطول العثماني برمته في 5 يوليو 1770م، وأحدث هذا الانتصار دويا هائلا في أوربا، فلأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية تتغلب عليها دولة أوربية بمفردها دون حليف وشريك في حرب شاملة، واستمر المناوشات بين الطرفين إلى عام 1774م
منذ عام 1772م بدأت سلسلة محادثات واجتماعات بين الجانبين الروسي والعثماني لوقف الحرب وتقرير مصير خانية القرم والملاحة في البحر الأسود.
إلى أن توجت بتوقيع إتفاقية مصالحة وسلام في قرية كوجك قينارجه (في بلغاريا اليوم) 21 يوليو/تموز من عام 1774م وقد جاءت في 30 مادة، وكان هذا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول (والذي حكم 1774-1789م) ،وعهد الخان القرمي صاحب كراي الثاني (الذي حكم بين عامي 1771-1775م).
ومن أهم بنودها ونتائجها:
- الإعتراف بالقرم كدولة مستقلة، ولا ترتبط بالدولة العثمانية إلا من خلال قيام شيخ الإسلام في اسطنبول بتنظيم الشؤون الدينية للقرم .
- استيلاء روسيا على العديد من المناطق التي كانت تحت حكم الخان القرمي، ومنها:
مناطق قبارديا والأراضي الممتدة بين نهري (دنيبر)، و(البوغ الجنوبي) شمال شبه جزيرة القرم، إضافة إلى مدن وقلاع كيرج (كيرتش)، وإيني كالي، وكينبورن، وآزوف.
- أعطت المعاهدة لروسيا حق رعاية السكان الأرثوذكس الذين يعيشون في البلاد العثمانية، وكان هذا الاعتراف ذريعة لروسيا في أن تتخل في شؤون الدولة العثمانية.
- لروسيا وتجارها حرية الملاحة والتجارة في بحار أزوف والأسود والمتوسط، وقد كانت الدولة العثمانية تفرض سيطرتها الكاملة على البحر الأسود، حتى أن الرعايا الروس كانوا ينقلون بضاعتهم وتجارتهم على السفن العثمانية .
- ألزمت المعاهدة أن تدفع الدولة العثمانية غرامة 15000 كيس من الذهب للروس.
رغم أن معاهدة "كوجك قينارجه" لم تفقد تركيا سوى أراض قليلة لكن المعاهدة كانت ضربة قاسمة للدولة العثمانية فيما يختص سيادتها على البحر الأسود والمضايق، ورفعت روسيا إلى مصاف الدول القوية بعد انجلترا وفرنسا، وبالمقابل انزلت الدولة العثمانية من القمة إلى السطح.
سرعان ما بدأت روسيا بنقض بنود الاتفاقية والتدخل في شؤون القرم، وذلك من خلال بث رجالها في بلاد القرم لإيجاد المشاغب الداخلية بها، وبالتالي ابتلاعها وضمها إلى أملاكها، حيث لم يكن قصدها من استقلالها السياسي وقطع روابط تبعيتها للدولة
العثمانية إلا الوصول لهذه الغاية.
واستمرت في إلقاء الدسائس ونشر الفتن بين الأهالي حتى عزلوا أميرهم الخان دولت كراي الرابع (حكم في ولايته الثانية من عام 1775-1777م) والذي انتخبه الأهالي بمقتضى معاهدة "كوجك قينارجه"، وأقاموا شاهين كراي (حكم من عام 1777-1783م) فلم يقبل تعيينه فريق عظيم من الأعيان وخيف من وقوع حروب داخلية.
لذا أمرت روسيا الجنرال القائد جريجوري بوتيمكين (1739-1791م) باحتلالها، فدخلها بسبعين ألف جندي كانوا منتظرين على الحدود لهذه الغاية، فتم لها مقصدها الذي كانت تسعى وراءه من مدة، وذلك بعد ثمان سنوات من الاتفاقية والتي تعهدت فيها روسيا بالحفاظ على استقلال إمارة القرم.
وهكذا سقطت الخانية القرمية الإسلامية وضمت أراضيها إلى الإمبراطورية الروسية عام 1783م، لتبدأ معاناة المسلمين القرميين التتار."
========================
ملحوظة :
تهجير التتار القسري سنة 1944 أدى إلى شتاتهم في المهجر بشمالي روسيا وشرقي آسيا
وتقدر بعض المؤسسات التترية اجمالي عدد التتار في كل دول العالم بنحو مليوني شخص.
------------------