التنقيب عن الآثار في السودان
==============================
البدايات: المرحلة الأولى:
إن البحث الآثاري في السودان كان في مرحلته الأولى مربوطا بحركة الرحالة الأجانب للسودان بدء بنهاية القرن السابع عشر ، ولكن الرحالة الأوائل لم يهتموا كثيرا بالآثار السودانية القديمة، ولعل أول الرحالة الذين اهتموا بوصف آثار النوبة في السودان كان بوركهاردت ووادنجتون وهانبري في أوائل القرن 19.
من أهم الأعمال التنقيبية والتوثيقية للآثار في النوبة كانت في وصف الرحالتين الفرنسيين (فريدريك كايو ) و (لينان دي بلفوند) الذين إخترقا البلاد جنوبا إلى أبعد ما وصل إليه سابقيهما.
كان كايو الأول من بين الرحالة الأوربيين الذي زار أطلال مروي (البجراوية) والنقعة والمصورات الصفراء ووصفها، وحدد مواقع العديد من المعابد وتوصل من خلال دراسة النقوش إلى أن كوش حكمت فيها ملكات ، وهو ما لم يكن عادة متبعة في مصر. [1]
وقد نشر كايو 4 مجلدات تحوي لوحات عن آثار النوبة المختلفة (الأول صدر عام 23، وفي الفترة 1826-1827 أصدر المجلدات الثلاثة الأخرى وهي تحوي كمية هائلة من لوحات الآثار).
[3]
--------------------------
لينان دي بلفوند :
زار السودان في الفترة (1821 - 1822 ) وكتب ملاحظات التي وضعها في شكل دفتر يوميات
للأسف إن الملاحظات التي وضعها في شكل دفتر يوميات والرسومات الرائعة ظلت على مدى قرن بأكمله صعبة المنال حتى تم نشرها مؤخراً. وقد كان نسخه لنقوش المعابد في المصورات الصفراء والنقعة جيداً.
في تلك الفترة ارتبط التوثيق للآثار والبحث عنها بالرحالة الرسامين ، ففي عام1833زار المنطقة د. هوسكنس وكتب كتابا ثبت فيه العديد من الخرائط والرسومات لجزيرة مروي وأرقو وتمبس وصلب وسمنة وكرمة، وكان كتابه يحوي معلومات في مجال الإثنوغرافيا أكثر منه في مجال الآثار والتاريخ (كاتسلنسون ص 4).
---------------------------
ختام المرحلة الأولى من الاستكشاف الآثاري للسودان:
توجهت عبر بعثة لبسيوس الشهيرة المكونة من عدد من العلماء والفنانون لرسم الآثار وتوثيق النقوشات عليها ( 1842 - 1845 ) ، وخرجت بأطلس مؤلف من 12 مجلداً نفذت بدقة.
يث سار طريق البعثة عبر كورسكو إلى مروي، ثم عملوا في النقعة والمصورات الصفراء، وزاروا سوبا و سنار وفي طريق العودة جبل البركل وأرقو وتمبس وسيسبي وصلب وصادنقا وجزيرة صاي وسمنة ومعابد النوبة السفلى، وقد حمل لبسيوس النصوص التي جمعها والرسوم والنقوش إلى ألمانياشكلت تلك الأعمال الريادة في استكشاف الآثار السودانية.
--------------------------
المرحلة الثانية: إنقاذ الآثار من تعلية خزان أسوان
بدأت مرحلة التنقيب عن الآثار النوبية عندما أُتخذ القرار بتعلية خزان أسوان إلى سبعة أمتار أخرى، وهو ما كان يعنى إغراق وادي النيل حتى كورسكو، بدأت مصلحة الآثار المصرية ، التي كان يترأسها حينها ج.ماسبيرو ، في إجراء المسح المنتظم للنوبة الشمالية.
بدأت أعمال التشييد في خزان سنار عام 1907 لكن في عامي ( 1904 - 1905 ) أجرى ماسبيرو رحلتين تخصصيتين للتعرف على الآثار في المنطقة المهددة بالغرق ، في الرحلة الأولى وصل حتى أبو سمبل، وفي الثانية حتى المحرقة.رافقه أ.فايجل الذي عين مفتشا أولا لمصلحة الآثار المصرية. وفي عام 1906 كلف فايجل بعمل مسح شامل للمنطقة المهددة وقدم تقريراً ، وفي السنوات اللاحقة واصل د. ريزنر عمله ثم مساعده فيرث. حيث تم الكشف عن الكثير من الآثار في المنطقة المهددة بالغرق. وفي حين كان ريزنر وفيرث يقومان بحفر ودراسة المواقع الأثرية، عملت مجموعة من العلماء برئاسة ج. ماسبيرو في دراسة وترميم ووصف معابد النوبة الشمالية العديدة الواقعة بين أسوان وأبى سمبل.
نتيجة هذا الجهد المشترك على مدى ثلاثين عاما ( 1909 - 1938 ) ظهرت سلسلة من 15 مجلدا"معابد النوبة الغارقة "والتي تحوى مادة هائلة ذات طبيعة متنوعة لا زالت لم تستخدم كليا حتى اليوم.
تحتوى النقوش والرسوم التي غطت جدران النخس والصالات والمقابس على معلومات تاريخية لا حصر لها ، إنه بفضل النقوش في معبد دكة نعرف أن أركامانى كان معاصرا لبطليموس الرابع، لا بطليموس الثاني، كما ساد الإعتقاد في السابق على أساس كلمات ديودور.
تلك العمليات جرت في النوبة الشمالية عمليات نشطة مسابقة لارتفاع المياه وإغراقها للأرض. ولكن ظل الوضع إلى الجنوب من الجندل الثاني كما هو عليه تقريبا.(#3)
--------------------------
بعثة جامعة هارفارد - بوسطن 1905 بقيادة د.جورج رايزنر:
بدأ تنفيذ هذا العمل تحت رعاية بعثة هارفارد-بوسطن، في عام 1905 واستمر حتى وفاة رايزنر في عام 1942 ونشرت نتائج التنقيبات عن طريق متحف بوسطن للفنون الجميلة بإشراف دوز دنهام "Dows Dunham" في الفترة بين 1950 و 1982 .
--------------------------
بعثة جامعة أوكسفورد - ( 1910 - 1913 ): برئاسة جريفث:
في منطقة فرس وعاصمة كوش القديمة "نبتة". أعطت أعمال الحفر في فرس، إلى جانب آثار العصر المسيحي مدافن خاصة بالمجموعة الثالثة، وتحصينات يرجع تاريخها للمملكة الوسطى بالإضافة إلى سلسلة من آثار المملكة الحديثة، التي تميز مرحلة السيادة المصرية على كوش.(#3)
---------------------------
العلماء الألمان في النوبة الشمالية - ( 1910 - 1912 ):
أكاديمية العلوم النمساوية التي ترأسها ج. يونكر.
في السنة نفسها التي أنهى فيها يونكر أبحاثه في النوبة الشمالية بدأ العلماء الألمان بقيادة ج. شتايندورف عملهم في عنيبة (ميام في المصرية القديمة) إلى الجنوب من توشكه. انقطعت أعمال هذه البعثة نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى، لتباشر عملها مجددا فقط في موسم 1930 / 1931 تم نشر التقرير التفصيلي في الأعوام 1935 - 1937 .
--------------------------
البحث الآثارى إلى الجنوب من الشلال الثالث :
في الأعوام 1911 -1914 أجرت البعثة الممولة من قبل السير ولكام حفرياتها في الجزء الجنوبي من الجزيرة، في جبل موية (بين النيلين الأزرق والأبيض على بعد ثلاثين كيلومتر إلى الغرب من سنار القديمة). وبنهاية عمل هذه البعثة جرت دراسة موقع إقامة آخر في أبى قيلى والجبانة التابعة له والذي يرجع تاريخه للعصر المروى المتأخر. ويقع الموقع في الضفة الشرقية للنيل على مبعدة 4-3 كيلومتر إلى الجنوب من سنار.
عند بدء أعمال التشييد مجدداً في خزان سنار في عام 1921 التي كانت قد إنقطعت نتيجة إندلاع الحرب العالمية الأولى ، تم الكشف في الضفة الشرقية للنيل الأزرق عن جبانة من العصر المروى "للأسف فإن مصلحة الآثار السودانية لم تعلم بذلك إلا بعد انقضاء عامين أو ثلاثة" ، عندما بدأت بعض المواد من المقابر المنبوشة في الظهور في متحف الخرطوم. بعض المكتشفات تفرقت في الأيدي، وبعضها فقد في سفينة غارقة في الطريق إلى إنجلترا. يقع الموقع على مبعدة من قرية الني. عندما زاره أديسون كانت أغلبية المقابر قد نبشت، ولم يتم النجاح لا في تحديد مركب المقابر ولا الأحجام الفعلية لحفرة الدفن والتي غالبا ما كانت بيضاوية واستخدمت لدفن أكثر من جثمان. من بين المواد التي وصلت إلى متحف الخرطوم كانت هناك أواني من البرونز تظهر مؤثرات إغريقية، وفخار ومصنوعات من المرمر وأدوات للزينة. الكثير منها يظهر تماثلا مع مواد تم العثور عليها في النوبة الشمالية. العديد من الأوانى تتماثل مع أواني ترجع إلى جبل موية.(#3)
--------------------------
تلت ذلك أعمال استكشافية في كرمة، البركل، الكرو، نوري، سمنة، اورونارتي، الكوة وفي وسط السودان في الخرطوم حيث كشف عن أعمال مروية وربما نبتية، والشهيناب، والتقاوي، والجريف، وفي القطينة. أعمال أظهرت آثارا متفرقة تعود لعهود تاريخية مختلفة لا زالت تنتظر المزيد من إلقاء الضوء عليها.
--------------------------
حملة إنقاذ آثار النوبة الشمالية:
------------------
1955
استباقا لمشروع (السد العالي) بدأت مرحلة جديدة للبحث الآثاري في النوبة الشمالية والذي سيؤدي إلى اغلااق منطقة تمتد 500 كيلومتر من الشلال الأول حتى كوش مما تطلب أعمال إنقاذ هائلة للآثار ودراستها. فعملت ولأكثر من عشر سنوات العديد من البعثات من أقطار مختلفة تحت إشراف منظمة اليونسكو في المنطقة المهددة بالغرق، ونتائج الحفريات لا زالت تنشر في تقارير موجزة. وبالتالي فإن البينات المتحصل عليها والمواد غير متوفرة فعليا للاستخدام العلمي حتى الآن. فقد عملت في السودان أعمال تنقيبية من حدود البلاد مع مصر في فرس حتى كوشا لحوالي مئتي كيلومتر وقدر أن فيها حوالي 75 موقعا اثريا ستغرق في بحيرة ناصر. بينما قدر فيرتكويه مدير مصلحة الآثار السودانية آنذاك الذي قدر تلك المواقع بـ300 موقعا محتاج للدراسة والإنقاذ.
كشفت البعثة البولندية العاملة في فرس والمنطقة المجاورة عن آثار العصر المسيحي الشهيرة (الكنائس- اللوحات الجدارية- مدافن الأساقفة.الخ) كما عثر على آثار نبتية ومروية في ذات المنطقة.(#3)
-------------------------
في موسم 61 / 1962
وفي عكشة عملت بعثة مشتركة من العلماء الفرنسيين والأرجنتينيين.
ووجدت آثار في سرة القريبة من عكشة، وفي أرقين جنوبا.
--------------------------
وفي موسم الحفريات التالي :
نقبت البعثة الإسبانية بشكل أشمل في أرقين، وفي دبروسا، وجزيرة ميلي، وجزيرة ماتوكا، وبوهين،، وسمنة، وصاي تم كشف العديد من المنازل والمعابد والقلاع والجبانات.
--------------------------
وفي موسم 63/1964
كشفت البعثة الإيطالية عن جبانة مروية ضخمة، كما نقبت في معبد امنحت بالثالث وعثرت على مخربشات مروية.
--------------------------
بعثة معهد الدراسات المصرية- جامعة همبولدت- ألمانيا الشرقية (سابقا):
قامت بعثة ذلك المعهد بقيادة هنتزا بأعمال تنقيب لا زالت مستمرة حيث قامت البعثة باستكشافات ناجحة كما قاموا بالترميم الكامل لمعبد الأسد الذي شيده الملك أركماني في المصورات الصفراء. كما كشفوا عن الكثير من النقوش والمخربشات عن أعمال نحت وآثار معماريةالفاس الكوشي القديم.(#3)
-------------------------
بعثة جامعة غانا :1965
قامت حفريات هامة من حيث نتائجها في جزيرة مروى أجريت في 1958 - 1960 في ودبانقا من قبل مصلحة الآثار السودانية برئاسة فيركوتيه.
في عام 1957 تم العثور على بعد 10كيلومترات شمال شرق الخرطوم على آبى هول يحمل اسم أسبالتا.
أشارت الحفريات التي أجريت في العام التالي إلى أن المبنى الضخم الذي شيد في العصر المسيحي ، ولم يبق منه شئ خلال العمليات التي أجريت خلال هذه السنوات. حينها فقط بدأ يسلط الضوء على ما خفي عنا من تاريخ السودان .
--------------------------
مشروع النيل الأزرق: السودان وإثيوبيا :
عملت في هذا المشروع البعثة الإسبانية وقد مولتها عدة جهات: مؤسسة في الفترة ( 1989 - 2001 ) (مصدرها من جامعة كومبلوتنسه (1990، 2001) ومعهد ديل باتريمونيو الإسبانيين) وقامت بعمليات إستكشفاية آثارية في السودان (منطقة النيل الأزرق) في الفترة ما بين1989 وحتى 2000 م، بينما بدأت العمل في إثيوبيا منذ العام 2000م وحتى الآن. فقامت بالكشف في السودان عن كشف 48 موقعا أثريا جديدا، كما تمت إعادة بحث 5 مواقع اكتشفت في الخمسينيات للقرن العشرين. عبر المادة المودعة عنها في التحف القومي.(#3)
لعل أهم فتح للدراسات الاثارية السودانية هو أن ينشأ كرسي السودانويات Sudanology في الجامعات العالمية، بعد أن كانت تبحث في الماضي من خلال المصريات.
المصادر:
(#1) [أركماني]: كاتسلنسون: ص 3
(#2)http://www.hat.gov.sd/arabic/index.php/2012-07-18-09-20-15/2012-05-30-15-09-50/2013-03-20-20-49-47/340-2012-10-21-10-14-04.html
(#3) ويكيبيديا
المرادفات:
كرسي السودانويات= Sudanology