الدكتور عبد الله المسند أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم يشرح عملية استمطار السحاب كما يلي : نقتبس منه مايلي :
طائرة الاستمطار تربض في أرض المطار بالرياض.
*****
ماهية الاستمطار
:. الاستمطار هو تدخل بشري تقني محدود لتلقيح أو زرع السحاب بمواد التكثف الطبيعية أو الكيميائية، وهو تقنية وهبها الله تعالى للإنسان بالعلم والتعلم (وَعَلَّمَكَ مَالَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَاَنَ فَضْلُ اْللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) من أجل السعي لتعديل الظروف المناخية بشكل محدود وترويضها لخدمته (إن استطاع) قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
ومصطلح زراعة أو بذر السحب Cloud seeding "يقصد به نثر قطع من مادة صلبة في محلول فوق مشبع ببخار الماء ليدفع ذلك إلى هطول المحلول، أو نثرها في محلول فوق مبرد لتتسبب في تجمده، وهذا هو مبدأ الكيمياء الفيزيائية للبذر، هذه المواد الصلبة أو ما يعرف باسم نويات التكاثف أو التجمد، هي ما يطلق عليه أيضا اسم محرضات السحب على الهطول ووظيفتها استقطاب جزيئات بخار الماء لتتجمع وتتراكم عليها، وكلما ازدادت كمية هذه النويات في السحابة إلى حدود معينة أدى ذلك إلى تشجيع نمو مكونات السحابة وحدوث الهطول وتعاظم كميته"[url=http://www.freearabi.com/Cloud Seeding.htm]1[/url]
*****
محرضات السحب
:. إن آلية تشكل ونمو السحب الدافئة تختلف عن آلية تشكل ونمو السحب الباردة، لذلك فإن هناك اختلافاً في مواد البذر المستخدمة لإدرار حمولة السحابة من مكوناتها منها تعمد تقنية الاستمطار إلى التفريق بين السحب الباردة والسحب الدافئة فلكل نوع طريقة ومسار على النحو التالي:
أولاً: في حالة السحب الباردة تستخدم مادتان الأولى حبيبات ثاني أكسيد الكربون الجاف(الثلج الجاف) Dry ice والثاني أيود (آوديد) الفضة Silver iodide وهو أفضل المواد الكيميائية في تلقيح السحب الباردة وهو المستخدم في المشروع السعودي للاستمطار. "ويكفي غرام واحد من يوديد الفضة لصناعة عشرة مليارات جزيء بقطر معدله أقل من ميكرومتر (مايكرون = واحد بالألف من الملم). وحول هذا الجزيء تتجمد المياه بسرعة لتتساقط بلورات الجليد الصغيرة وفي طريقها إلى الأسفل تجرف معها قطرات دقيقة إضافية وتتحول إلى كرة ثلج بقطر 1-2 ملم تصبح قطرات مطر عند اصطدامها بطبقات جوية أكثر سخونة"2.
ثانياً: في حالة السحب الدافئة يستخدم ملح الطعام ليشكل نويات تتكاثف حولها قطرات الماء عن طريق نثر دقائق الملح في الهواء المتصاعد إلى جرم السحابة.
نشر مواد التلقيح يكون فوق أو تحت السحب حسب درجة حرارة السحب.
علماً أنه إذا ما تركت السحابة لطبيعتها فإنها (قد) تلقح بمواد عالقة في الجو كالغبار والرماد البركاني وغبار اللقاح الزهري والملح والدخان ورماد الشهب ونحوها ومن ثم يسقط المطر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) ... ولكن عند استثارتها عبر تقنية الاستمطار تكون بإذن الله تعالى تحت تأثير مزدوج اللقاح الطبيعي والصناعي فتكون نسبة التهطال وقوعاً وكماً أعلى والله وحده أعلم.
ونظراً للتعقيد الشديد الذي يشوب ويلف آلية تخلق المطر ودخول أكثر من عامل مؤثر فإن المستمطرين لا يستطيعون تحديد الزمان والمكان لهطول المطر (فقد) يتم الرش فوق الرياض ويسقط المطر فوقها أو فوق الدهناء مثلاً و يتم الرش فوق منطقة القصيم ويسقط المطر فوق الزلفي مثلاً وهذا يحصل في كل أنحاء العالم فعلى سبيل المثال السحب المستمطرة في الإمارات أحياناً تسقط حمولتها في الخليج، وإسرائيل تستمطر فيسقط المطر أحياناً على الأردن فتنبهت لهذا وبدأت تستمطر السحاب فوق البحر المتوسط ليهطل فوق فلسطين. ومن جانب آخر لا يوجد فرق بين نوعية المطر الملقح بالطائرات أو المطر الملقح بالرياح طبيعياً وبالتالي لا توجد آثار سلبية على الناس ومصالحهم الزراعية والله أعلم.
*****
طرق الاستمطار
:. لتقنية الاستمطار طريقتان رئيسيتان:
الأولى: طريقة جوية بواسطة طائرة خاصة تحلق تحت أو فوق أو داخل السحابة وفقاً لطبيعته وهذه الطريقة أكثر فاعلية وتستخدم في كثير من دول العالم التي تعاني من الجفاف.
الثانية: طرق أرضية عبر المدافع المضادة للطيران وتستخدم كثيراً في الصين.
تستخدم المدفعية المضادة للطائرات لإطلاق مواد التلقيح إلى مستوى السحب.
*****
تاريخ تقنية الاستمطار
:. قد يعتقد بعض الناس أن تقنية الاستمطار حديثة وجديدة بل أنها قديمة نسبياً، ففي فرنسا وسويسرا على سبيل المثال أجريت تجارب أولية للتأثير على الغيوم باستخدام قذائف المدفعية وذلك في أوائل القرن الماضي. وفي عام 1931م ولأول مرة في التاريخ تمكنت نيوزيلندا من إثارة المطر صناعياً عندما قذفت حبيبات ثاني أكسيد الكربون الصلب في الجزء المحتوي على مياه فوق مبردة من الغيوم بواسطة الطائرة، وفي عام 1946م تمت واحدة من أوائل التجارب العلمية في التأثير على السحب العالية البرودة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
*****
الجفاف في السعودية:
:. قدرنا نحن العرب أن نكون في موقع فلكي يصنف مناخياً أنه مداري جاف طول العام، وأمطاره قليلة شحيحة تسقط شتاءً بشكل متقطع وغير منتظم عدا منطقة المرتفعات الجنوبية فهي طول العام، ويصل متوسط التهطال إلى حوالي 100ملم سنوياً فقط يتبخر جله ويتسرب في جوف الأرض بعضه. هذه الظروف الجافة وأنشطة الناس المختلفة وخاصة الزراعية أثرت على مستوى المياه الجوفية العميقة والذي يتعرض إلى استنزاف غير مسبوق وبصورة غير مسؤولة حتى جفت العيون التاريخية وبعض الآبار الارتوازية والبحيرات السطحية فأصبحت أثراً بعد عين.
بحيرة ليلى بالأفلاج عام 1980م (مؤشر مستوى المياه الجوفية فوق السطح).
بحيرة ليلى بالأفلاج عام 1986م بعد دعم زراعة القمح والتوسع بزراعته.
بحيرة ليلى بالأفلاج عام 1996م "لا حياة لمن تنادي"
بحيرة ليلى بالأفلاج عام 2000م أصبحت أثراً بعد عين.
لذا عمدت حكومة المملكة العربية السعودية إلى خيارات عدة لمواجهة الأزمة، ومنها الاتجاه إلى تقنية تحلية المياه من البحر لتعزز نقص المياه والطلب المتزايد على الماء، ومنها تقنية الاستمطار والذي من فوائدة:
1. مضاعفة كمية المطر بشكل نسبي.
2. يساعد نسبياً على الحد من الجفاف.
3. زيادة الجريان السطحي.
4. زيادة المخزون المائي في السدود.
5. تغذية الخزانات المائية الجوفية.
6. يحسّن الميزانية المائية.
7. الحد من التلوث الجوي.
8. مكافحة التصحر والجفاف.
9. وأخيراً تستخدم تقنية الاستمطار في بعض دول العالم من أجل كبح جماح الأعاصير والتقليل من حدة موجات البرد والصقيع وأحياناً من أجل إطفاء حرائق الغابات الكبرى فسبحان من علم الإنسان ما لم يكن يعلم.
الجفاف سمة المناخ في الجزيرة العربية.
*****
الاستمطار في السعودية
:. تقنية الاستمطار طبقت في دول مختلفة منها: روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وليبيا والأردن وسوريا والمغرب العربي والإمارات وأخيراً الصين وهي أكبر دولة عاملة في هذا المجال.
وتعد تجربة الاستمطار في المملكة العربية السعودية واحدة من عدة تجارب قامت في دول عربية مختلفة، حيث أجريت لأول مرة عام 1988م في منطقة عسير بينما التجربة الثانية بدأت عام 2006م ولتغطي ثلاث مناطق وسط المملكة (الرياض والقصيم وحائل).
مواقع تجربة الاستمطار السعودية الأولى في المنطقة الوسطى (الرياض، القصيم، حائل).
*****
تقويم تقنية الاستمطار
:. والسؤال المشروع في هذا السياق هل فعلاً ما يهطل من أمطار هو بفعل الاستمطار؟ وكيف نفرق بين هذا وذاك؟ فإن كان الجواب بالإيجاب، فما الجدوى المائية المترتبة على عملية الاستمطار؟
أولاً عندما تقوم الطائرات بالتحليق فوق السحب وبذر الغيوم ومن ثم تسقط الأمطار؛ أزعم أنه لا يستطيع أحد إبتداءً الجزم أن الأمطار التي تهطل هنا أو هناك هي بفعل الاستمطار! وعلمياً يتطلب الجواب على السؤالين السابقين تكرار عملية الاستمطار في منطقة مختارة بضع سنوات، وقياس المطر (الكمية و الشدة والنمط) في المنطقة المستهدفة في كل موسم وبكل دقة، ومن ثَم إخضاع النتائج إلى عمليات إحصائية علمية متقدمة تتضمن مقارنة النتائج بنتائج سنوات قبلها، وأيضاً مقارنة النتائج نفسها بنتائج مناطق مجاورة ومماثلة لها جغرافياً ومناخياً منها نستطيع الإجابة على السؤالين السابقين والله أعلم.
:. وعالمياً "أكدت التجارب حتى الآن أن نجاح عمليات الاستمطار تتراوح بين 5-20% زيادة في التهطال في مساحات كبيرة ولفترات زمنية طويلة. ومن الغيوم الركامية قد تصل 100% ولكنها تقل بالنسبة للسحب الطبقية وممكن أن تصل إلى 300% من غيوم محددة"3 ومع ذلك تختلف الظروف المكانية وبالتالي النسبة.
*****
مسميات الاستمطار
:. الاستمطار أحد فروع ما يسمى تعديلات الطقس Weather modification وله عدة مسميات منه: استحلاب السحب، زراعة الغيوم، بذر الغيوم Cloud seeding ، اصطياد السحب والمطر، تلقيح السحب، حقن السحب، وكذلك يطلق عليها صناعة المطر rainmaking وهذا مصطلح منكر ومظلل والله أعلم.
رادار دوبلر لمراقبة السحب المستهدفة في مطار القصيم.
*****
*****
المصدر :
http://www.almisnid.com/almisnid/article-37.html.