منتدي لآلـــئ

التاريخ والجغرافيا وتحليل الأحداث
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله  Empty
مُساهمةموضوع: الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله    الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 10:51 pm

الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله

الظافر بأمر الله أبو المنصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد ابن المستنصر بالله

ولد يوم الأحد النصف من ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة وبويع في اليوم الذي مات فيه الحافظ لدين الله وهو كما تقدم يوم الأحد الخامس من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وعمره سبع عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام بوصية من أبيه له بالخلافة‏.‏
وكان أصغر أولاده وفيهم أبو الحجاج يوسف وأبو الأمانة جبريل وهما أسن منه وركب بزي الخلافة‏.‏
واستوزر الأمير نجم الدين أبا الفتح سليم بن محمد بن مصال بوصية الحافظ بذلك أيضاً ونعت بالسيد الأجل الأفضل أمير الجيوش وخلع عليه خلع الوزارة وهو يومئذ من أكابر الأمراء وهو شيخ لين متواضع‏.‏
فسكن دار المأمون البطائحي‏.‏
وصار أبو الكرم التنيسي من ذوي رأيه‏.‏
وأول ما بدأ به الظافر أنه ركب بعد صلاة العشاء الآخرة بالشمع في القصر ووقف بباب الملك بالإيوان المجاور للشباك وأحضر ابني الأنصاري وهما أبو عبد الله وأبو واستدعى متولى الستر وهو صاحب العذاب وأحضرت آلات العقوبة وضرب الأكبر بحضوره بالسياط إلى أن قارب الهلاك وثنى بأخيه كذلك ثم أخرجا وقطعت أيديهما وسلت ألسنتهما من أقفيتهما وصلبا على بابي زويلة الأول والثاني فأقاما زماناً ثم وضعا‏.‏
وكان سبب قلتها أنهما كانا من الكتاب فنبغا وتوصلا بالحافظ فاستخدمهما في ديوان الجيش فوثبا على رؤساء الدولة وأعيان كتابها وخواص الخليفة من الأستاذين المحنكين مثل الأجل الموفق كاتب الدست وكان موضع سر الخليفة ومحل مشورته في الأمور العظام من أحوال الممالك ومن يليه كالقاضي المرتضى المحنك والخطير ابن البواب وتجرآ على المذكورين وغيرهم مع قلة دربة‏.‏
فكثر حسادهما وعمل عليهما فيما يخرج للأمراء والمقطعين من الخروجات في كل سنة ويشتمل الخرج على نعوت ذلك الأمير فيصير ذلك الخرج إلى عالم الإقطاعات وهو تحته‏.‏
فذكرا في أحد الخروجات كلاماً طريفاً ليؤخذ عليه خطهما ليوقف عليه الخليفة حتى يتبين له جهلهما وهو‏:‏ حبطست حبطست وفي النهر قد غطست بغلالة أرجوان صفراء بزعفران‏.‏
فمشى عليهما ذلك وترجما الخرج بخطهما وخرج من أيديهما فأحضر إلى الأجل الموفق ابن الحجاج كاتب الدست فأخذه ودخل به إلى الخليفة الحافظ وقال‏:‏ يا مولانا الأمثال مضروبة بحفظ ديوان هذه الدولة ومن يتولاها فكيف لو ظفر بهذا الخرج مخالف لها يقصد التشنيع عليها‏.‏
فقال له الحافظ‏:‏ يا مولاي الموفق هبهما لي‏.‏
فقال‏:‏ يا مولانا كلنا مماليكك‏.‏
وخرج ولم يبلغ الأعداء منهما ما أرادوا فزاد أمرهما في الدولة على الخليفة والاستعلاء على الناس‏.‏
وأراد الأكبر منهما أن يدخل على الخليفة ويخرج ظاهراً ليراه الناس فجدد له ديواناً سماه ديوان الترتيب وجمع فيه من يخدم في ترتيب الأعمال صفقة صفقة وأن يكون أميرهم بجار يقرر له وهذا الترتيب يقال له في غير هذه الدولة صاحب البريد فكان يكاتب متولى هذا الديوان بالأخبار بمطالعات تصل إليه مترجمةً بمقام الخليفة فيعرضها من يده ويجاوب عنها بخطه‏.‏
فورد كتاب بعض أصحاب الترتيب بقضية فأجابه بكلام وأراد الاستشهاد بآية من كتاب الله تعالى فحرفها وقالها على غير ما أنزلت ووقع الجواب للموفق فأخذ في كمه مصحفاً ودخل إلى الخليفة ومعه جواب ابن الأنصاري وقال‏:‏ يا مولانا هذا كتاب الله تعالى قد حضر إلى مقامك وهو المنزل على جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليك جناية ابن الأنصاري عليه فخذ بحقه لهذه الجنايات والحمد لله إذ وقع هذا الكتاب إلى المملوك دون غيره فإن المملوك لم يزل يتتبع هذه الأمور لئلا يقع عليها أعداء الدولة فيشيعوا ذلك في الدول المخالفة لها‏.‏
فقال له الحافظ‏:‏ أنا أعلم منك هذا وأعلم من المذكورين ما ذكرت وقد كنت سألتك فيهما مرة وهذه الثانية فإن لهما علينا خدمة‏.‏
فقال‏:‏ العفو يا مولانا‏.‏
وانصرف ولم ينل منهما غرضاً‏.‏
فأمر الحافظ ابن الأنصاري الأكبر أن يمضى إلى الأجل الموفق ويخدمه في داره‏.‏
وكان يومئذ ديوان المكاتبات مقسوماً بين أبي المكارم ابن أسامة وبين الموفق إلا أن ابن أسامة لا يلتفت لأمر الديوان لكثرة شغله بدنياه فاستناب ابنه أبا المنصور عنه وكان يحلق بأبيه في الاشتغال بأمر دنياه عن النيابة فصار اعتماد الخليفة في الديوان بأجمعه على الأجل الموفق وكان ينفذه ولا يشق ابن أسامة لما أسلفه من الخدم السابقة‏.‏
ثم لما مات أبو المكارم أسامة وكان في الظن أن ابنه أبا المنصور يستخدم مكانه سبق ابن الأنصاري وسأل الحافظ فاستخدمه في النصف من ديوان المكاتبات فقط شريكا للموفق فيه وانفرد الموفق بالإنشاء‏.‏
ونعت ابن الأنصاري بالقاضي الأجل سناء الملك وأمره الحافظ بخدمة الموفق وأن يقنع معه بمجرد الرتبة‏.‏
فشق ذلك على الموفق وصبر على ضر‏.‏
وقرر أبو المنصور بن أسامة في ديوان الترتيب مكان ابن الأنصاري‏.‏
وتجند ابن الأنصاري الأصغر وتأمر في يوم واحد وخلع عليه بالطوق ورتب في زم الإمرية وهي إمرة طوائف الأجناد‏.‏
فكثر الأعداء وتعددت الحساد واشتغل الناس بهما وأطلقوا الألسنة بذمهما فكان يقال‏:‏ هذا الأمير الطاوي ابن الأنصاري‏.‏
ولج الناس بالكلام فيهم وهم عاجزون عنهم حتى مات الحافظ فكان من أمرهما مع ابنه الظافر ما تقدم ذكره‏.‏
وفي يوم الثلاثاء رابع شعبان اجتمع كثير من السودان وعدة من المفسدين ببعض القرى فخرج إليهم الوزير ابن مصال فنازلهم حتى كسرهم‏.‏
وكان الأمير المظفر سيف الدين معد الملك ليث الدولة علي بن إسحاق بن السلار واليا على البحيرة والإسكندرية وكان ابن زوجه ركن الإسلام عباس والي الغربية‏.‏
فلم يرض ابن السلار بوزارة ابن مصال وخرج من الإسكندرية إلى ربيبه بالغربية واتفقا على القيام وإزالة ابن مصال‏.‏
فبلغه ذلك فأعلم به الخليفة الظافر فجمع الأمراء في مجلس الوزارة وبعث إليهم زمام القصور يقول‏:‏ هذا نجم الدين وزيري ونائبي فمن كان يطيعني فليطعه ويمتثل أمره‏.‏
فقال الأمراء‏:‏ نحن مماليك مولانا سامعون مطيعون فرجع الزمام بهذا الجواب‏.‏
فقال أمير من الأمراء شيخ يقال له درى الحرون وهو أحد أشرار القوم ومن رفقة ابن السلار‏:‏ إن سمع مني ما أقول قلت‏.‏
فقال له الوزير‏:‏ قل‏.‏
قال‏:‏ مولانا صلوات الله عليه يعلم وأنت تعلم أن ما في الجماعة من يضرب في وجه ابن السلار بسيف وأولهم أنا فإن كان مولانا يقتل جميع أمرائه وأجناده فالأمر لله وله‏.‏
فلما سمع الجماعة ذلك قاموا وخرجوا من القصر وشدوا على خيولهم وساروا يريدون ابن السلار‏.‏
فلما غلب الظافر عن دفعه أعطى ابن مصال مالاً كثيرا وأمره أن يعمل لنفسه ما يرى فيه الخيرة وهو يساعده‏.‏
وسار ابن السلار فرأى ابن مصال أنه لا طاقة له به فخرج إلى جهة الصعيد وعدي إلى الجيزة ليلة الثلاثاء رابع عشر شعبان عندما سمع بوصول المظفر‏.‏
وقدم ابن السلار إلى القاهرة في يوم الأربعاء خامس عشر شعبان فوقف على القصر وسير إلى الظافر وإلى من يدبره من النساء يعلم بحاله‏.‏
فجرت بينه وبين أهل القصر مراجعات كثيرة آخرها أنه فتح له أبواب القصر وخلع عليه خلع الوزارة ونعت بالسيد الأجل أمير الجيوش شرف الإسلام كافل وبقي يحقد على الظافر ميله مع ابن مصال وفي نفس الخليفة نفور منه أيضا‏.‏
وسكن دار الوزارة‏.‏
وجمع ابن مصال كثيراً من السودان ومن العربان ولواتة وغيرهم وانضم إليه بدر بن رافع مقدم العربان وسار بهم‏.‏
فندب ابن السلار ربيبه المظفر أبا منصور ركن الدين عباس بن أبي الفتوح بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس في عسكر فنزل بركة الحبش‏.‏
وقدم ابن مصال أمامه الماجد في عسكر فطرق عباساً على حين غفلة وقتل من عسكره كثيراً وانهزم جماعة وثبت عباس حتى أتته النجدة من الغد فكر على أصحاب ابن مصال وقاتلهم فلم يفلت منهم إلا من سبحت به فرسه في النيل وأخذ الأمير الماجد نسيب ابن مصال وضربت عنقه‏.‏
فسار ابن مصال إلى بلاد الصعيد بجميع الأجناد والعربان‏.‏
وشرع ابن السلار يجهز عباساً فجهزه في جيش كثيف وبادر بالخروج خوفاً من الاجتماع على ابن مصال فسار إلى دلاص ومعه طلائع بن رزيك وهو أحد المقدمين فبرز إليه ابن مصال وواقعه عدة وجوه فانجلت الوقائع عن قتل ابن مصال وبدر بن رافع مقدم العربان في يوم الأحد التاسع عشر من شوال‏.‏
ويقال إنه بلغت عدة القتلى سبعة عشر ألفا‏.‏
فعاد عباس وقد قوي ومعه رأس ابن مصال إلى القاهرة فطيف بها على قناة القاهرة ومصر يوم الخميس ثالث عشري وكان ابن مصال من أهل برقة‏.‏
وخدم أولاً في البيدرة والصيد هو وأبوه فتقدم في الخدم حتى نال الوزارة‏.‏
واتفق أنه مر في وزارته مرةً فقالت له امرأة كانت تعرفه في حال فقره‏:‏ سليم ووزرت فقال لها‏:‏ نعم‏.‏
قالت‏:‏ والله ما وزرت وبقي أحد‏.‏
فضحك وأمر لها بصلة‏.‏
وكان العادل ابن السلام منذ استقر في الوزارة أخذ ينظر في أمر الأجناد المعروفين بالنهضة والعزم وزاد في أرزاقهم وتفقد خزائن السلاح وحفظ النواميس وشد من مذهب أهل السنة فقدم عليه الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي فأكرمه وبنى له مدرسة بالإسكندرية‏.‏
وقدم عليه مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ فأكرمه‏.‏
إلا أنه كان يستوحش من الظافر وخائفاً على نفسه فأخبر بأن ينتدب رجالا يمشون في ركابه بالزرد والخوذ نحو الستمائة ويجعلهم نوبتين بزمامين في كل يوم نوبة وأوهم أن الخليفة خبأ له قوماً يغتالونه بالقصر‏.‏
فنقل جلوس الخليفة من القاعة التي يدخل إليها من الدهاليز المظلمة إلى الإيوان في البراح والسعة‏.‏
فكان إذا دخل إلى الخليفة يدخل ومعه أولئك الذين انتدبهم كلهم فيجلس الخليفة في الشباك بالإيوان ويجلس هو من خارجه ومع هذا يبالغ في الخدمة ويظهر الطاعة ولا يخل بها في قول ولا فعل‏.‏
وكان للخليفة غلمان نحو الخمسمائة رجل يقال لهم صبيان الخاص وفيهم من هو أمير فبلغ ابن السلار أنهم قد تحالفوا وتعاقدوا على أن يهجموا عليه وهو في داره ليلاً ويقتلوه‏.‏
فلما كان في سادس عشري رمضان أغلق القاهرة والقصور وأحاط بصبيان الخاص وقتلهم وفر منهم عدة فكتب إلى الولاة بقتل من ظفر به منهم‏.‏
وأخذ يتبعهم حتى أتى على أكثرهم‏.‏
وأصل هذه الطائفة التي كانت تعرف بصبيان الخاص أن من مات من الأمراء والأجناد وعبيد الدولة وله ولد فإنه يحمل إلى حضرة الخليفة ويودع في أماكن مخصوصة ويؤخذ في تعليمه أنواع الفروسية من الرمي وغيره ويقال لهم صبيان الخاص‏.‏
وأخذ ابن السلار في الاحتفال بأمر عسقلان وسد خللها وحمل إليها من الغلال والأسلحة شيئا كثيرا‏.‏
وولي عضد الدولة ناصر الدين نصر بن عباس ربيبه مصر بشفاعة جدته أم عباس وكان فيه جرأة فاستدناه الخليفة الظافر وقربه واختص به‏.‏
وفيها قتل الموفق أبو الكرم محمد بن معصوم التنيسي في يوم الجمعة الرابع من شوال وكان يتولى نظر الديوان‏.‏
وذلك أن ابن السلار لما كان في بداية أمره من جملة الصبيان الحجرية دخل يوماً على الموفق بن معصوم برسالة وأعادها عليه مراراً وأغلظ له في القول فنفرت منه نفس ابن معصوم‏.‏
فكتب له مرة منشور بإقطاع وجاء به إلى ابن معصوم ليثبته‏.‏
فلما رآه تغافل عنه وأهمل أمره إهانةً له وكراهة فيه فقال له ابن السلار وقد تكرر سؤاله وهو يعرض عنه‏:‏ ما تسمع فقال له الموفق‏:‏ كلامك ما يدخل في أذني أصلاً‏.‏
فولى ابن السلار وخرج من غير أن يكتب له‏.‏
وصرف الدهر ضرباته وصار ابن السلار وزيراً وابن معصوم ناظر الدواوين فلما دخل عليه قال له‏:‏ يا قاضي ما أظن كلامي يدخل أذنك فتلجلج وقال‏:‏ عفو السلطان‏.‏
فقال‏:‏ قد استعملت العفو بخروجي من عندك‏.‏
وأشار لبعض خدمه فأحضر مسمارا حديدا عظيم الخلقة وقال‏:‏ والله هذا أعددته لك من ذلك الوقت‏.‏
وأمر به فجر وضرب المسمار في أذنه حتى نفذ من الأخرى وحمل إلى باب زويلة الأوسط ودق المسمار في خشبة وعلق عليها ميتا ثم أنزل بعد أيام‏.‏
وفيها رمي برأس سعيد السعداء الخادم من القصر في سابع عشر شعبان ثم أخرج وصلب بباب زويلة من ناحية الخرق‏.‏
وهو هذا الذي تنسب إليه دويرة سعيد السعداء التي هي اليوم خانقاه برحبة باب العيد‏.‏
وفيها قتل تاج الرئاسة ابن المأمون البطائحي في رابع عشر صفر‏.‏
وفيها مات أبو الحسن علي بن الحسن البيساني والد القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي وكان قاضي بيسان والناظر فيها ومولده في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة

سنة خمس وأربعين وخمسمائة

فيها أغار جمع كثير من الفرنج على الفرما ونهبوها وحرقوها وأخربوها في رجب سنة ست وأربعين وخمسمائة فيها جهز أبو منصور علي بن إسحاق المعروف بالعادل ابن السلار المراكب الحربية بالرجال والعدد وسيرها في ربيع الأول إلى يافا فأسرت عدةً من مراكب الفرنج وأحرقوا ما عجزوا عن أخذه وقتلوا خلقا كثيرا من الفرنج بها‏.‏
ثم توجهوا إلى ثغر عكا فأنكوا فيهم وساروا منه إلى صيدا وبيروت وطرابلس فأبلوا بلاءً حسنا وظفروا بجماعة من حجاج الفرنج فقتلوهم عن آخرهم‏.‏
وبلغ ذلك الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ملك الشام فعزم على قصد الفرنج ومحاربتهم في البر ولو قدر ذلك لقطع الله دابر الفرنج لكنه اشتغل بإصلاح أمور دمشق‏.‏
وعاد الأسطول مظفرا بعد ما أنفق عليه العادل ثلثمائة ألف دينار‏.‏
وسبب مسير الأسطول تخريب الفرنج للفرما‏.‏
وفيها قطع العادل بن السلار جميع الكسوات المقررة للناس في الدولة فعم ذلك الأمراء والدواوين سنة سبع وأربعين وخمسمائة فيها صرف ابن السلار أبا الفضائل يونس عن القضاء وكان من الأعيان النزهين الأنفس الكبيرين الهمم العظيمين القدر لم يشرب قط ماء النيل بل ماء الآبار ولم يأكل خبز السلطان‏.‏
وقرر عبد المحسن بن محمد بن مكرم من بعده ثم صرفه وولى بعده بدر بن ثمال بن نصير وقيل بل الذي تولى بعده أبو المعالي محمد بن جميع ابن نجا الدسوقي الشافعي‏.‏
سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
فيها خرج العسكر من القاهرة لحفظ ثغر عسقلان من الفرنج وكانوا قد نزلوا عليها في السنة الخالية‏.‏
وكانت العادة أن يخرج في كل ستة أشهر عسكر بدلاً من العسكر الذي بالثغر‏.‏
فلما قدم البدل كانت النوبة لركن الدين المظفر أبي منصور عباس بن تميم ربيب العادل‏.‏
فخرج ومعه من الأمراء ابنه نصر بن عباس والأمير ملهم والضرغام وأسامة ابن منقذ وغيره وكان لأسامة بعباس اختصاص كبير‏.‏
فلما نزلوا بعد رحيلهم من القاهرة على بلبيس تذكر عباس وأسامة مصر وطيبها وما هم خارجون إليه من مقاساة السفر ولقاء العدو فتأوه عباس أسفاً على مفارقته لذاته بمصر وأخذ يلوم العادل ويثرب عليه من أجل كونه أخرجه‏.‏
فقال له أسامة‏:‏ لو أردت كنت أنت سلطان مصر‏.‏
فقال‏:‏ وكيف لي بذلك فقال‏:‏ هذا ولدك ناصر الدين بينه وبين الخليفة مودة عظيمة فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع عمك فإنه يحبك ويكره عمك فإذا أجابك فاقتل عمك‏.‏
فوقع هذا الكلام من عباس بموقع وقبله فاستدعى ابنه وأسر إليه بما تقرر بينه وبين أسامة وسيره سراً إلى القاهرة‏.‏
وكان العادل قد كره تخصيص نصر بن عباس بالخليفة الظافر وقال لعباس وأمه والله ما ينبغي اجتماع نصر بالخليفة قولا له يقصر من اجتماعه فربما نتج من شابين ما لا ينبغي‏.‏
وقال لأم عباس‏:‏ لا يدخل ابنك داري إلا بإذني‏.‏
فكأنه يوحي بأنه قاتله‏.‏
فلما سار نصر من عند أبيه ودخل إلى القاهرة كان وقت غفلة من العادل أمكنته فيها الفرصة فاجتمع بالظافر وأعلمه بالحال التي قدم من أجلها فأعجبه ذلك وأذن فيه لما كان في نفسه من قتل ابن السلار لصبيان الخاص وغير ذلك‏.‏
ففارق نصر الخليفة وقد قوى عزمه وأتى إلى دار جدته السيدة بلارة بنت القاسم زوجة العادل وأخبر العادل بأن أباه سمح له بالعود إلى القاهرة شفقةً عليه وخوفاً من وعشاء السفر فقبل ذلك ومشى عليه‏.‏
فلما أصبح العادل يوم الخميس سادس المحرم مضى من أول النهار إلى مصر لتجهيز المراكب الحربية والنفقة في رجالها وعرضها فظل نهاره في تهيئة ذلك ليلحق عباساً وعاد في أثناء النهار إلى داره بالقاهرة وقد لحقته مشقة وتعب تعباً كثيرا‏.‏
فلما استلقى على الفراش لينام وكانت امرأته جدة نصر قد توجهت إلى الحمام وخلا له البيت فجاء إلى باب السر ودخل منه ومعه سيف فإذا العادل قد نام وقت القائلة فاخترط سيفه وضربه وهو خائف فوقعت الضربة على رجله فثار من فراشه وأبصره فقال‏:‏ إلى أين يا كليب‏!‏ وخرج نصر يعدو وكان قد أعسته جماعة من أصحابه فلما صار إليهم وأعلمهم بما وقع قالوا له‏:‏ قد قتلت نفسك وقتلتنا‏!‏ ودخلوا وهو معهم فإذا به قد جاء أستاذ من خدامه وهو يحدثه فقتلوه وأخذوا رأسه فطلع بها نصر إلى الظافر‏.‏
وماج الناس في القاهرة‏.‏
وسرح الطائر للوقت بطلب عباس من بلبيس فقام من فوره وصار إلى القاهرة فدخلها بكرة يوم الجمعة سادس المحرم ثاني يوم قتلة العادل فوجد جماعة من الأتراك كان العادل اصطفاهم واختصهم قد نفروا وتوحشت قلوبهم مما وقع فأخذ يسكن أمرهم فلم يثقوا به ولا اطمأنوا إليه‏.‏
وخرجوا يداً واحدة فساروا إلى دمشق‏.‏
وكانت قتلة العادل في يوم الخميس وقت الظهر السادس من المحرم وله في الوزارة ثلاث سنين وستة أشهر‏.‏
ولما حملت رأسه إلى الظافر أشرف من باب الذهب ونصبت الرأس ليراها الناس ثم حملت إلى خزانة الرءوس من بيت المال وجعلت فيها مع الرءوس وما تحرك لها ساكن ولا تكلم أحد‏.‏
إلا أن نائحة كانت تسمى خسروان كانت قد مهرت في صناعة النياحة على الأموات وصارت تنشىء في نواحها الروائع فقالت فيه ترثيه سطرين أعجب بهما أدباء العصر من جملة قطعة‏:‏ ما تقبل الغفلة يا شهيد الدّار يا شبيه ذي النّورين صاحب المختار وبطل مسير العساكر إلى عسقلان‏.‏
فسر الفرنج ما جرى وكانوا محاصرين لعسقلان فقالوا لأهلها قتله ابنه وأنتم تقاتلون لمن فلما صح الخبر لهم وهنوا لانقطاع المدد عنهم حتى أخذها الفرنج وتقووا بأخذها‏.‏
واستعرضوا كل جارية ومملوك بدمشق من النصارى وأطلقوا قهراً من أراد منهم الخروج من دمشق إلى وطنه شاء صاحبه أو أبى‏.‏
ولما وصل عباس خلع عليه الظافر خلع الوزارة في يوم الجمعة المذكور ونعت بالأفضل ركن الإسلام فباشر وضبط الأمور وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد لينسيهم العادل‏.‏
واستمر ولده نصر على مخافطة الخليفة عن كل أحد وأبوه لا يعجبه ذلك‏.‏
وواصل الخليفة الظافر نصر بن عباس بن تميم بالعطاء الجزيل فأرسل إليه في يوم عشرين صينية فضة فيها عشرون ألف دينار ثم أغفله أياماً وحمل إليه كسوة من كل نوع وأغفله أياماً وبعث إليه خمسين صينية فضة فيها خمسون ألف دينار وأغفله أياما وبعث إليه ثلاثون بغل رحل وأربعين جملا بعددها وغرائرها وحبالها‏.‏
وكان يتردد بينهما مرتفع بن فحل في قتل نصر لابنه عباس كما قتل زوج جدته العادل ابن السلار فبلغ ذلك أباه على لسان أساة بن منقذ فلاطفه واستماله‏.‏
وزاد الأمر حتى كان الخليفة يخرج من قصره إلى دار نصر بن عباس التي هي اليوم المدرسة المعروفة بالسيوفية‏.‏
فخاف عباس من جرأة ابنه وخشى أن يحمل الخليفة على قتله فيقتله كما قتل ابن السلار فعتبه سرا ونهاه عن ملازمة الخليفة وابنه فلم يفد فيه القول‏.‏
وفيها وصلت مراكب من صقلية فملكوا مدينة تنيس‏.‏
وفيها مات رجار بن رجار صاحب جزيرة صقلية وقام من بعده ابنه وليالم بن رجار بن رجار فاسترد المسلمون سواحل إفريقية والمهدية‏.‏
سنة تسع وأربعين وخمسمائة
فيها استدعى الظافر ناصر الدولة نصر بن عباس وأخرج له صينية من ذهب فيها ألف حبة ما بين لؤلؤ وياقوت أحمر وأصفر وزمرد أخضر ذبابي وأمر له من بيت المال بعشرة آلاف دينار مصرية فقتله بعد هذه الهدية بستة أيام‏.‏
وذلك أنه خرج الخليفة الظافر متنكراً من قصره في ليلة الخميس سلخ المحرم ومعه خادمان وسار على عودته إلى دار نصر بن عباس فقتله نصر وحفر له تحت لوح رخام ودفنه وقتل سعد الدولة أحد الخادمين اللذين خرجا معه من القصر وفر الآخر‏.‏
وكان سبب قتله أن الأمراء استوحشوا من أسامة بن منقذ عندما علموا أنه هو الذي حسن لعباس قتل ابن السلار وتحدثوا بقتله وقيل للظافر عنه إنه غريب ومن دولة أخرى وإن في تركه وقوع ما لا يمكن تداركه‏.‏
فلما بلغ أسامة ذلك أخذ يغري عباساً بابنه نصر ويبالغ في القصة حتى قال له يوما‏:‏ كيف تصبر على ما يقول الناس في حق ولدك واتهامهم الخليفة أنه يفعل به ما يفعل بالنساء‏.‏
فشق على عباس ولام ابنه فلم يصغ إلى لومه‏.‏
فلما أنعم الظافر على نصر بناحية قليوب وحضر إلى أبيه ليعلمه بذلك قال أسامة وكان حاضراً ما هي بمهرك غالية‏.‏
فامتعض لذلك عباس وقال لأسامة‏:‏ كيف الحيلة في الخلاص مما بلينا به‏!‏ فقال‏:‏ هين هذا الخليفة في كل وقت يأتي إلى عند ولدك في داره خفية فمره إذا جاء أن يقتله‏.‏
فاستدعى عباس ابنه وقال‏:‏ يا بني قد أكثرت من ملازمة الخليفة وتحدث الناس في حقك بما أوجع باطني وقد يصل من هذا إلى أعدائنا ما لا يزول‏.‏
فاحتد نصر وقال له‏:‏ أيرضيك قتله فقال‏:‏ أزل التهمة عنك كيف شئت‏.‏
فأخذ نصر يعمل الحيلة في قتل الظافر وسأله أن يخرج إلى داره ليلاً في سر من الخدم ليتفسحا في منزله ليلة واحدة وكان منزله دار المأمون البطائحي‏.‏
فخرج إليه في عدة يسيرة من الخدم فلما تحصل عنده اغتاله وقتل الخدم الذين معه بالجماعة الذين قتل بهم العادل ابن السلار ورمى بهم في جب عنده وغطى رأس الجب بقطعة رخام بيضاء فصارت من جملة رخام المجلس فخفى أمره‏.‏
ثم مضى نصر إلى أبيه وعرفه قتل الظافر‏.‏
وكان الظافر من أحسن الناس صورة وقتل وله من العمر إحدى وعشرون سنة وتسعة أشهر وخمسة عشر يوماً منها مدة خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وأربعة عشر يوما‏.‏
وكان محكوما عليه من الوزراء‏.‏
وفي أيامه أخذ الفرنج عسقلان واستولوا عليها وظهر الوهن والخلل في الدولة فإنه كان كثير اللهو واللعب مع جواريه مقبلاً على سماع المغنى‏.‏
وهو الذي أنشأ الجامع المعروف الآن بجامع الفكاهين في خط الشوايين من القاهرة‏.‏
وفيها ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر دمشق من مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن طغتكين فسار أبق إلى بغداد وبها مات‏.‏
وكان عند الإمام الظافر في قصر الروض ببغاء بيضاء تقرأ المعوذتين وتستدعي كثيراً
=================

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله
» جامع " الحاكم بأمر الله"الخليفة الفاطمي
»  الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد -الخليفة العباسي المصري 1262م
» الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله
» الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي لآلـــئ :: الأرشيف :: بعض :: من أرشيف 2012-
انتقل الى: