منتدي لآلـــئ

التاريخ والجغرافيا وتحليل الأحداث
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الخليفة الفاطمي المستعلى بالله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الحاجة
عضو فعال



عدد المساهمات : 657
تاريخ التسجيل : 16/11/2011

الخليفة الفاطمي المستعلى بالله  Empty
مُساهمةموضوع: الخليفة الفاطمي المستعلى بالله    الخليفة الفاطمي المستعلى بالله  Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 9:17 pm



*الخليفة الفاطمي المستعلى بالله *

بقلم المؤرخ المقريزي



المستعلى بالله أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن علي ابن الحاكم بأمر الله أبي علي منصور



ولد في ثامن عشر المحرم وقيل في العشرين من المحرم سنة ثمان وستين وأربعمائة



وبويع له في يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة حين مات أبوه المستنصر‏.‏

وذلك أن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي عندما مات المستنصر بادر إلى القصر وأجلسه ولقبه بالمستعلى وبعث فأحضر إليه نزاراً وعبد الله وإسماعيل أولاد المستنصر فلما حضروا وشاهدوا أخاهم أحمد وكان أصغرهم قد جلس على تخت الخلافة أنفوا من ذلك فأمرهم الأفضل بتقبيل الأرض وقال لهم‏:‏ تقدموا وقبلوا الأرض لله تعالى ولمولانا المستعلى بالله وبايعوه فهو الذي نص عليه الإمام المستنصر قبل وفاته للخلافة من بعده‏.‏

فامتنعوا من ذلك وقال كل منهم إن والده وعده بالخلافة وقال نزار‏:‏ إن قطعت ما بايعت من هو أصغر سناً مني وخط والدي عندي بأني ولي عهده وأنا أحضره وخرج مسرعاً ليحضر الخط فمضى من حيث لا يشعر به أحد وتوجه في خفية إلى الإسكندرية‏.‏

فلما أبطأ أرسل الأفضل من يستعجله بالحضور فلم يوجد وفتش عليه في القصر فلم يوقف له على خبر ولا عرف كيف توجه فاضطرب الأفضل لذلك وانزعج انزعاجاً شديداً‏.‏

وقوم يذكرون أن المستنصر كان قد أجلس ابنه أبا المنصور نزاراً لأنه أكبر أولاده وجعل إليه ولاية العهد من بعده فلما قربت وفاته أراد أن يأخذ له البيعة على رجال الدولة فتقاعد له الأفضل ودافع حتى مات وذلك أنه كانت بينه وبين نزار مباينة وكان في نفس كل منهما مباينة من الآخر لأمور منها أن نزاراً خرج ذات يوم من بعض أماكن القصر فوجد الأفضل قد دخل من أحد أبواب القصر وهو راكب فصاح به‏:‏ انزل يا أرمني يا نجس فحقدها الأفضل عليه وظهرت كراهة أحدهما الآخر‏.‏

ومنها أن الأفضل كان يعارض نزاراً في أموره أيام حياة أبيه ويرد شفاعاته ويضع من قدره ولا يرفع رأساً لأحد من غلمانه وحاشيته بل يحتقرهم ويقصدهم بالأذى والضرر‏.‏

فلما عزم المستنصر على أخذ البيعة لنزار اجتمع الأفضل بالأمراء الجيوشية وخوفهم من نزار وحذرهم من مبايعته وأشار عليهم بولاية أخيه أحمد فإنه صغير لا يخاف منه ويؤمن جانبه فرضوا بذلك وتقرر أمرهم عليه بأجمعهم ما خلا محمود بن مصال اللكي من قرية يقال لها لك برقة فإنه لم يوافق لأنه كان قد وعده نزار بأن يوليه الوزارة والتقدمة على الجيوش مكان الأفضل فلما اطلع على ما قرره الأفضل من ولاية أبي القاسم أحمد مع الأمراء وأنهم قد وافقوه على ترك مبايعة نزار طالعه بجميع ذلك‏.‏

وبادر الأفضل فأجلس أبا القاسم ولقب بالمستعلى بالله‏.‏

وأصبح في بكرة يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة فأخرجه إلى الإيوان وأجلسه على سرير الملك وجلس هو على دكة الوزارة وحضر قاضي القضاة المؤيد بنصر الإمام علي بن نافع بن الكحال والشهود فأخذ البيعة على مقدمي الدولة وأمرائها ورؤسائها وجميع الأعيان ثم مضى إلى عبد الله وإسماعيل ولدي المستنصر وكانا في مسجد من مساجد القصر وقد وكل بهما الأفضل جماعةً يحفظونهما فقال لهما‏:‏ إن البيعة قد تمت لمولانا المستعلى بالله وهو يقرئكما السلام ويقول لكما تبايعاني أم لا فقالا‏:‏ السمع والطاعة إن الله اختاره علينا ووقفا قائمين على أرجلهما وبايعاه وكتب كتاب البيعة وأخرج فقرأه الشريف سناء الملك محمد بن محمد الحسيني الكاتب بديوان الإنشاء على عادة الأمراء وجميع أهل الدولة‏.‏

وكانت الدعاة عندما بلغهم موت المستنصر اختلفوا فيمن يبايعونه من بعده فدعا بركات وهو أمين الدعاة لعبد الله المستنصر ونعته بالموفق فقبض الأفضل عليه وقتله هو وابن الكحال‏.‏

ووصل الخبر بلحاق نزار ومعه محمود بن مصال اللكي بنصر الدولة وأن نصر الدولة أفتكين التركي أحد مماليك أمير الجيوش وكان على ولاية الإسكندرية قد بايعة والقاضي ابو عبد الله محمد بن عمار واهل الاسكندرية قد بايعه والقاضي أبو عبد الله محمد بن عمار وأهل الإسكندرية وأنه تلقب بالمصطفى لدين الله‏.‏

فأهم الأفضل ذلك وأخذ في التأهب لمحاربتهم‏.‏

وفيها توفى أبو عبد الحسين بن سديد الدولة ذي الكفايتين محمد الماسكي وكان ممن وزر للمستنصر في سنة أربع وخمسين فلما صرف عن الوزارة سار إلى مدينة صور من الشام فأقام بها عدة سنين ثم إنه رجع إلى مصر وخدم مشارفا بالإسكندرية بعد الوزارة ثم صرف عن المشارقة‏.‏

وكان من أماثل الكتاب وأحد الأدباء الفضلاء‏.‏

ومن شعره‏:‏

توصّل إلى ردّ كيد العدوّ ** توصّل ذي الحيلة الحازم

وصانع ببعض الذي حزته ** تعش عيشة الآمن الغانم

ودع ما نعمت به في القديم ** واعمل لذا الزمن القادم

لعلّك تسلم ممّا تخاف ** ولست إخالك بالسالم

وله عدة مصنفات ورسائل‏.‏

في آخر المحرم خرج الأفضل بعساكره من القاهرة فسار إلى الإسكندرية لمحاربة نزار وأفتكين فخرجا إليه في عدة كبيرة وحارباه فكانت بينهما عدة وقائع بظاهر الإسكندرية انكسر فيها الأفضل ورجع بمن معه منهزما يريد القاهرة فنهب نزار بمن معه من العرب أكثر بلاد الوجه البحري‏.‏

ووصل الأفضل إلى القاهرة وشرع يتجهز ثانياً لمسيره‏.‏

ودس إلى أكابر من انتمى إلى نزار من العرب يدعوهم إلى التخلي عنه واستمالهم بما حمله إليهم من الأموال وما وعدهم به من الإقطاعات وغيرها‏.‏

وخرج وقد أعد واستعد‏.‏

فسار إلى الإسكندرية وقد برزوا إليه فكانت بينهما حروب آلت إلى هزيمة نزار والتجائه إلى المدينة فنزل الأفضل عليها وحاصرها ونصب عليها المجانيق وألح عليها بالقتال ومنع عنها الميرة‏.‏

فلما كان في ذي القعدة وقد اشتد الأمر على من بالإسكندرية جمع ابن مصال ماله وفر إلى جهة المغرب في ثلاثين قطعة يريد بلده لك برقة من أجل رؤيا رآها وهي أنه رأى في منامه كأنه قد ركب فرساً وسار والأفضل يمشي في ركابه فقص هذه الرؤيا على عابر له فطانة وتمكن في علم التعبير فقال له الماشي على الأرض أملك لها من الراكب وهذا يدل على أن الأفضل يملك البلاد‏.‏

وكانت الأنفس قد ملت طول الحصار‏.‏

فلما فر ابن مصال ضعفت نفس نزار وأفتكين وتخوفا ممن حولهما فبعثا إلى الأفضل يسألان الأمان فأمنهما وتمكن من البلد‏.‏

وقبض على نزار وأفتكين وسير بهما إلى مصر فيقال إنه سلم نزاراً لأهل القصر من أصحاب المستعلى وأنه بنى عليه حائط ومات وقيل إنه قتل بالإسكندرية والأول أصح‏.‏

وكان مولده يوم الخميس العاشر من ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربعمائة‏.‏

والاسماعيلية وملاحدة العجم وملاحدة الشام تعتقد إمامته وتزعم أن المستنصر كان قد عهد إليه وكتب اسمه على الدينار والطرز وأن المستنصر قال للحسن بن صباح إنه الخليفة من بعده‏.‏

وكان للمستنصر أولاد فروا إلى المغرب منهم محمد وإسماعيل وطاهر وعاد منهم في خلافة الحافظ واحد إلى مصر ولا عقب له‏.‏

وأما أفتكين فإنه قتل بعد قدوم الأفضل إلى مصر‏.‏

أما ابن مصال فإنه وصل لك ولقيه أهلها وكان قد خرج منها صبياً فقيراً فأقام عندهم أياماً‏.‏

واتفق أن رأى عجوزاً عرفته فقالت له‏:‏ كبرت يا محمود‏!‏ فقال لها‏:‏ نعم‏.‏

فقالت له‏:‏ لعلك جئت مع صاحب هذه المراكب‏.‏

فقال‏:‏ أنا صاحبها‏.‏

فقالت‏:‏ ماذا يعمل عدم الرجال‏.‏

ولم يزل يبعث إليه الأفضل بالأمان حتى قدم عليه فلزم داره مدة ثم رضي عنه الأفضل وأكرمه‏.‏

وكان الأفضل لما قبض من نزار وتمكن من الإسكندرية تتبع جميع من كان معه ومن مالأه أو أعانه فقبض على كثير من وجوه البلد منهم قاضي الثغر أبو عبد الله محمد بن عمار واعتقله مدة ثم قتله وكان حسنة من حسنات الدهر ونخبة من نخب العقد وحظى عنده بنو حارثة وكانوا من عدول البلد لأنهم لم يبايعوا نزاراً ولم يدخلوا في شيء من ذلك وكانوا يهادون الأفضل سراً‏.‏

ولى قضاء الإسكندرية عوضا عنه القاضي أبا الحسن زيد بن الحسن بن حديد وبالغ في إكرامه وإكرام أهل بيته‏.‏

وكان الأفضل وهو على حصار الإسكندرية يخرج أمه فتطوف في كل يوم وهي متنكرة بالأسواق وتدخل يوم الجمعة إلى الجوامع وتزور المشاهد والمساجد والربط تستعلم خبر ولدها وتعرف من يحبه ومن يبغضه فدخلت يوما إلى مسجد أبي طاهر وجاءت إلى ابن سعد الإطفيحي وقالت له‏:‏ يا سيدي ولدي في العسكر مع الأفضل الله تعالى يأخذ لي منه الحق ما فعل خيراً وأنا ما أنام خوفاً على ابني ادع الله أن يسلم ولدي‏.‏

فقال لها‏:‏ يا أمة الله أما تستحين تدعين على سلطان الله في أرضه المجاهد عن دين الله تعالى الله ينصره ويظفره ويسلمه ويسلم ولدك ما هو إن شاء الله تعالى إلا منه وهو مؤيد مظفر كأنك به وقد فتح الإسكندرية وأسر أعداءه وأتى على أحسن قضية وأجمل طوية فلا يشغل لك سر فما يكون إلا الخير إن شاء الله‏.‏

ثم اجتازت بالفار الصيرفي بالسراجين من القاهرة فوقفت عليه تصرف منه دينارا وكان إسماعيليا متغاليا فقالت له‏:‏ ولدي مع الأفضل وما أدري ما خبره‏.‏

فقال لها‏:‏ لعن الله المذكور الأرمني الكلب العبد السوء بن العبد السوء مضى يقاتل مولانا ومولى الخلق كأنك والله يا عجوز برأسه جائزاً من هنا على رمح قدام مولانا نزار ومولاي ناصر الدولة إن شاء الله تعالى والله يلطف بولدك من قال لك تخلينه يمضي مع هذا الكلب المنافق‏.‏

ثم وقفت يوما آخر على ابن بابان الحلبي وكان بزازاً بسوق القاهرة تشتري منه شيئا وكان نزاريا فقالت له كقولها للفار الصيرفي فقال لها كما قال أيضا وبالغ في لعن الأفضل وسبه‏.‏

فلما أخذ الأفضل نزار وناصر الدولة وفتح الإسكندرية وقدم إلى القاهرة في يوم حدثته أمه الحديث بنصه‏.‏

فلما خلع عليه في القصر بين يدي الخليفة المستعلى في يوم وعاد إلى مصر اجتاز بالبزازين وهو بالخلع ونظر إلى ابن بابان الحلبي وقال‏:‏ أنزلوا هذا‏.‏

فنزلوا به فضربت عنقه تحت دكانه ثم قال لعبد علي أحد مقدمي ركابه قف هنا لا يضيع له شيء من دكانه إلى أن يأتي أهله فيتسلموا قماشه‏.‏

ثم وصل إلى السراجين فلما تجاوز دكان الفار الصيرفي التفت إلى جهته وقال‏:‏ انزلوا بهذا‏.‏

فنزلوا به فقال‏:‏ رأسه‏.‏

فضربت عنقه وقال ليوسف الأصفر أحد مقدمي الركاب‏:‏ احتط على حانوته إلى أن يأتي أهله وتسلموا موجوده وإياك ماله وصندوقه وإن ضاع منه درهم ضربت عنقك مكانه كان لنا خصماً أخذناه وفعلنا به ما نردع به غيره عن فعله ومالنا في ماله ولا في فقر أهله حاجة‏.‏

ثم أتى إلى الشيخ أبي طاهر الإطفيحي وقربه وتخصص به وأطلعه على أغراضه وأكثر من التردد إليه وأجرى الماء إلى مسجده وبنى له فيه حماماً وبستانا وغير ذلك من المباني‏.‏

فعظم قدر الإطفيحي به وكثر غشيان الناس مسجده وطار ذكره وشاع خبره وكثرت حاشيته وصار المشار إليه بالديار المصرية حتى مات‏.‏

وفيها قام ببغداد تاجر يعرف بحامد الأصفهاني فتكلم بأن نسب الخلفاء الفاطميين صحيح فقبض عليه واعتقل حتى مات‏.‏

وخرج الأمر بجمع الناس إلى بيت النوبة ببغداد فجمعوا في تاسع ربيع الآخر وحضر بنو هاشم وغيرهم إلى الديوان وقرئ توقيع أوله خطبة تشتمل على حمد الله تعالى والثناء عليه وتذكر طاعة الأئمة وفضل العباس وما جاء فيه من الأخبار ثم قال‏: "‏ أما بعد فإنه لم يخل وقت ولا زمان من مارق على الدين وشاع تفرق كلمة المسلمين ليبلوا الله المجاهدين فيهم والصابرين ويصلي أكثر العاكفين نار جهنم التي أعدت للكافرين‏.‏ وهذه الطائفة المارقة من الباطنية الملحدين والكفرة المستسلمين انتهكوا المحارم واستحلوا الكبائر وأراقوا الدماء وكذبوا بالذكر وأنكروا الآخرة وجحدوا الحسنات والجزاء وفصلوا أعضاء المسلمين وسملوا أعين الموحدين فكادوا الدين وفقهاءه وأعلنوا بالشرك ونداءه‏.‏ "

ثم رماهم بالفسوق والإهمال والانحلال وقال‏:‏ شاعرهم يقول‏:‏ حلّ برقّادة المسيح حلّ بها آدم ونوح

سنة تسع وثمانين وأربعمائة‏:‏
فيها خرج خلف بن ملاعب من عند الأفضل لولاية فامية فسار إليها وتسلمها‏.‏


وكان سبب ذلك أن أهلها كانوا إسماعيلية فقدموا إلى القاهرة وسألوا أن يجهز إليهم من يلي أمرهم فوقع الإختيار على خلف بن ملاعب وكان قد ولي مدينة حمص وساءت سيرته في أهلها فبعث إليه السلطان ملك شاه من العراق من قبض عليه وحمله إليه بأصفهان فاعتقله بها إلى أن مات فأطلق وسار إلى مصر فأقام بها حتى خرج إلى فامية‏.‏

سنة تسعين وأربعمائة

فيها وقع بمصر غلاء ومجاعة‏.‏

في سادس عشر صفر قدم على الأفضل رسول فخر الدولة رضوان بن تتش صاحب حلب وأنطاكية وهم بن الهلال بن كاتب عز الدولة ابن منقذ صحبة رسول الأفضل الشريف شجاع الدولة ابن صارم الدولة ابن أبي وقدم معهم شرف الدولة الباهلي الشاعر وكان قد قدم مصر ومدح أمير الجيوش بدر الجمالي ثم في نوبة أفتكين وهو يبذل الطاعة في إقامة الخطبة للإمام المستعلى بالله في بلاد الشام فأجيب بالشكر والثناء وخطب بها للمستعلى بالله في يوم الجمعة سابع عشر رمضان‏.‏

وكان سبب هذا الفعل من رضوان أنه قصد أن يستعين بعساكر مصر على أخذ دمشق من أخيه دقاق‏.‏

فاتفق أن الأمير سكمان بن أرتق أنكر على رضوان ذلك فقطع خطبة المستعلى وأعاد الخطبة لبني العباس فكان مدة الخطبة للمستعلى أربعة أشهر‏.‏

وفي ربيع الأول جهز الأفضل عسكرا في عدة وافرة لأخذ صور فسار إليها وحاصرها حصارا شديدا حتى أخذت بالسيف فدخلها العسكر وقتلوا منها بالسيف خلقا كثيرا وقبض على واليها وحمل إلى الأفضل فقتله لأنه كان قد خرج عن الطاعة وعصى على الأفضل‏.‏

وفيها كان ابتداء خروج الإفرنج من بلاد القسطنطينية لأخذ بلاد الساحل من أيدي المسلمين فوصلوا إلى مدينة أنطاكية ونازلوها حتى ملكوها‏.‏

ومنها دبوا إلى بلاد الساحل‏.‏

وفيها تجمع الرعاع والعامة في يوم عاشوراء بمشهد السيدة نفيسة وجهروا بسب الصحابة وهدموا عدة قبور فسير الأفضل إليهم ومنعهم من ذلك وأدب ذخيرة الملك ابن علوان والي القاهرة جماعة وضربهم‏.‏

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

فيها خرج الأفضل في عساكر جمة ورحل من القاهرة في شعبان وسار يريد أخذ بيت المقدس من الأمير سكمان وإيلغازي ابني أرتق وكانا به في كثير من أصحابهما فبعث إليهما يلتمس منهما أن يسلما البلد ولا يحوجاه إلى الحرب فأبيا عليه فنزل على البلد ونصب عليها من المجانيق نيفا وأربعين منجنيقا وأقام عليها يحاصرها نيفا وأربعين يوما حتى هدم جانباً من السور ولم يبق إلا أخذها فسير إليه من بها ومكناه من البلد‏.‏

فخلع على ولدي أرتق وأكرمهما وأخلى عنهما فمضيا بمن معهما‏.‏

وملك البلد في شهر رمضان لخمس بقين منه وولى فيه من قبله ثم رحل عنه إلى عسقلان وكان فيها مكان قد دفن فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجه وعطره وحمله في سفط إلى أجل دار بها وعمر مشهدا مليح البناء‏.‏

فلما تكامل حمل الرأس في صدره وسعى به ماشيا من الموضع الذي كان فيه إلى أن أحله في مقره‏.‏

ويقال إن أمير الجيوش هو الذي أنشأ المشهد على الرأس بثغر عسقلان وأن ابنه الأفضل شاهنشاه كمله‏.‏

ثم حمل هذا الرأس إلى القاهرة فوصل إليها يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة‏.‏

وفيها حدثت بمصر ظلمة عظيمة عشت بأبصار الناس حتى لم يبق أحد يعرف أين يتوجه ثم هبت ريح سوداء شديدة فظن الناس أن الساعة قد قامت‏.‏

واستمرت الريح سبع ساعات وانجلت الظلمة قليلا قليلا وسكنت الريح‏.‏

ولم يصل في ذلك اليوم أحد صلاة الظهر ولا العصر ولا أذن في القاهرة ولا مصر‏.‏

سنة اثنين وتسعين وأربعمائة

فيها سار الفرنج لأخذ سواحل البلاد الشامية من أيدي المسلمين فملكوا مدينة أنطاكية وساروا إلى المعرة فملكوها ثم رحلوا عنها إلى جبل لبنان فقتلوا من به ووصلوا عرقة فحاصروها أربعة أشهر فلم يقدروا عليها‏.‏

ونزلوا على حمص فهادنهم جناح الدولة حسين وخرجوا على طريق النواقير إلى عكا‏.‏

ثم أخذوا الرملة في ربيع الآخر وزحفوا منها إلى بيت المقدس فحاصروا المدينة وبلغ ذلك الأفضل فخرج بعساكر كثيرة لمحاربتهم فجد الفرنج عندما بلغهم مسيره إليها في حصار المدينة وكان نزولهم عليها في شهر ربيع الآخر حتى ملكوها يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان بعد أربعين يوماً‏.‏

وهدموا المشاهد وقبر الخليل عليه السلام وقتلوا عامة من كان في البلد وكان فيه من العباد والصلحاء والعلماء والقراء وغيرهم خلائق لا يقع عليهم حصر فوضعوا السيف فيهم وأفنوهم عن آخرهم ولم يفلت منهم إلا اليسير‏.‏

وانحازت عدة من المسلمين إلى محراب داود عليه السلام فحاصرهم الفرنج نيفاً وأربعين يوماً حتى تسلموه بالأمان في يوم الجمعة ثاني عشريه‏.‏

وأحرقوا ما كان ببيت المقدس من المصاحف والكتب وأخذوا ما كان بالصخرة من قناديل الذهب والفضة والآلات وكان مبلغاً عظيما‏.‏

ويقال إنه قتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً وأنهم لحقوا من فر من المسلمين مسيرة أسبوع يقتلون من أدركوه منهم‏.‏

ووصل الأفضل إلى عسقلان في الرابع عشر من شهر رمضان فبعث إلى الفرنج فوبخهم على ما كان منهم فردوا إليه الجواب وركبوا في إثر الرسل فصدفوه على غرة وأوقعوا بعساكره وقتلوا منهم كثيراً‏.‏

وانهزم منهم بمن خف معه فتحصن بعسقلان وتعلق أكثر أصحابه هنالك في شجر الجميز فأضرموا النار حتى احترقت بمن تعلق فيها فهلك خلق كثير وحاز الفرنج من أموال المسلمين ما جل قدره ولا يمكن لكثرته حصره‏.‏

ونازلوا عسقلان وحصروا الأفضل فيها حتى كادوا يأخذونه إلا أن الله سبحانه أوقع فيهم الخلف فاضطروا إلى الرحيل عن عسقلان فاغتنم الأفضل رحيلهم عنه فركب البحر وقد ساءت حاله وذهبت أمواله وقتلت رجاله وسار إلى القاهرة‏.‏

ولم يعد بعد هذه الحركة إلى وكان ملك الفرنج بالقدس كند فرى‏.‏

وفيها توفى أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن محمد الموصلي الحنفي المحدث في ثامن عشر ذي الحجة‏.‏

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

فيها رحل عالم لا يحصى عددهم من البلاد الشامية فراراً من الفرنج والغلاء‏.‏

وفيها عم الغلاء أكثر البلاد ومات من أهل مصر خلق كثير‏.‏

وفيها مات قاضي القضاة أبو الطاهر محمد بن رجاء وتولى بعده أبو الفرج محمد ابن جوهر بن ذكا النابلسي‏.‏

ومات علي بن محمد بن علي الصليحي قتله سعد بن نجاح الأحول وقتل أخاه عبد الله وجميع بني الصليحي بمكة في ذي القعدة‏.‏

وولى الحسن بن علي بن أحمد الكرخي الحكم شهراً واحداً وثلاثة أيام وصرف وصودر من أجل أنه أخذ عصابة من القصر في أيام الشدة لها قيمة فظهرت عليه‏.‏

سنة أربع وتسعين وأربعمائة

في شعبان جهز الأفضل عسكراً كثيفاً لغزو الفرنج فساروا إلى عسقلان ووصلوا إليها في أول رمضان فأقاموا بها إلى ذي الحجة فنهض إليهم من الفرنج ألف فارس وعشرة آلاف راجل فخرج إليهم المسلمون وحاربوهم‏.‏

فكانت بين الفريقين عدة وقائع آلت إلى كسر الميمنة والميسرة وثبات سعد الدولة الطواشي مقدم العسكر في القلب وقاتل قتالاً شديداً فتراجع المسلمون عند ثبات المذكور وقاتلوا الفرنج حتى هزموهم إلى يافا وقتلوا منهم عدة وأسروا كثيراً‏.‏

وقتل كند فرى ملك الفرنج بالقدس فجاء أخوه بغدوين من القدس وملك بعده وسار بالفرنج إلى أرسوف‏.‏

وفيها مات القمص رجار بن تنقرد صاحب جزيرة صقلية فقام من بعده ابنه رجار بن رجار‏.‏

وفيها نزل الفرنج على حيفا وقتلوا أهلها وتسلموا أرسوف بالأمان وملكوا قيسارية عنوة في آخر شهر رجب وقتلوا من بها وملكوا مع ذلك يافا مع ما بأيديهم من أعمال الأردن وفلسطين‏.‏

سنة خمس وتسعين وأربعمائة

فيها مات الخليفة أبو القاسم أحمد المستعلى بالله بن المستنصر في ليلة السابع عشر من صفر وعمره سبع وعشرون سنة وشهر واحد وتسعة وعشرون يوماً ومدة خلافته سبع سنين وشهر واحد وعشرون يوماً‏.‏

نقش خاتمه الإمام المستعلى بالله‏.‏

وفي أيامه اختلت دولتهم وضعف أمرهم وانقطعت من أكثر مدن الشام دعوتهم وانقسمت البلاد الشامية بين الأتراك الواصلين من العراق وبين الفرنج فإنهم خذلهم الله دخلوا بلاد الشام ونزلوا على أنطاكية في ذي القعدة سنة تسعين وأربعمائة وتسلموها في سادس عشر رجب سنة إحدى وتسعين وأخذ وامعرة النعمان في سنة اثنتين وتسعين وأخذوا الرملة ثم بيت المقدس في شعبان ثم استولوا على كثير من بلاد الساحل فملكوا قيسارية في سنة أربع وتسعين بعد ما ملكوا عدة بلاد‏.‏

وفي أيامه أيضاً افترقت الإسماعيلية فصاروا فرقتين‏:‏ نزارية تعتقد إمامة نزار وتطعن في إمامة المستعلى وترى أن ولد نزار هم الأئمة من بعده يتوارثونها بالنص والفرقة المستعلوية ويرون صحة إمامة المستعلى ومن قام بعده من الخلفاء بمصر‏.‏

وبسبب ذلك حدثت فتن وقتل الأفضل فيما يقال وقتل الآمر كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ولم يكن للمستعلى سيرة فتذكر فإن الأفضل كان يدبر أمر الدولة تدبير سلطنة وملك لا تدبير وزارة‏.‏

وخلف المستعلى من الأولاد ثلاثة هم الأمير أبو علي المنصور والأمير جعفر والأمير عبد الصمد‏.‏

وكانت قضاة مصر في خلافته أبو الحسن ابن الكحال ثم عزل بابن عبد الحاكم المليجي ثم ولى أبو الطاهر محمد بن رجاء ثم أبو الفرج محمد بن جوهر بن ذكا ومات المستعلى وهو قاض‏.‏

وقيل إن المستعلى مات مسموماً وقيل بل قتل سراً‏.‏

وكان المستنصر قد عقد نكاحه على ست الملك ابنة أمير الجيوش بدر فمات قبل أن يبني عليها وكان أمير الجيوش قد جهزها جهازاً عظيما وأكثر من شراء الجواهر العظيمة القدر لها فلما مات انتهب أولاده ذلك وتفرقوه‏.‏

وفيها أخذ صنجيل أحد ملوك الفرنج طرابلس فصار للفرنج القدس وفلسطين إلا عسقلان ولهم من بلاد الشام يافا وأرسوف وقيسارية وحيفا وطبرية والأردن ولاذقية وأنطاكية ولهم من الجزيرة الرها وسروج‏.‏

ثم ملكوا جبيل ومدينة عكا وأفامية وسرمين من أعمال حلب وبيروت وصيدا وبانياس وحصن الأثارب‏.‏

-------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الخليفة الفاطمي المستعلى بالله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله
» الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله
» الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله
» الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله
» الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي لآلـــئ :: الأرشيف :: بعض :: من أرشيف 2012-
انتقل الى: