مرّت إنكلترا بفوضى دينية وسياسية عندما انفصل ملكها هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية في عام 1534 بعد أن رفض بابا روما منحه حق الطلاق من زوجته الأولى كاثرين الأراغونية. هيأت هذه الحوداث لمرحلة امتعاض شعبي ساعد في تغذية هجرة المستوطنين الإنكليز إلى سواحل أمريكا الشمالية.
وخلال فترة حكم أبناء هنري الثامن: إدوارد الخامس (1547-1553)، وإليزابيث الأولى (1558-1603)، كانت الجماعات الدينية في إنكلترا تتجادل حول ما يسمح وما لا يسمح به من الطقوس الكاثوليكية في الكنيسة الأنكليكانية (الإنجيلية) الجديدة.
وبتأثير من شخصيات بروتستانية من القارة الأوروبية، مثل جون كالفن (1509-1564)، تشكلت جماعتان رئيستان ، الأولى : المتطهرون (بيوريتان Puritans) ويؤمنون أنه بإمكان الكنيسة التطهر والتخلص من العناصر الكاثوليكية فيها؛ وأما الجماعة الثانية فهي الانفصاليون (Separatists) ويدعون إلى انفصال تام عن الكنيسة الكاثوليكية.
ومع اشتباك هاتين الجماعتين مع التاج الإنكليزي والسلطات الحكومية، بدأ بعض عناصرهما بتنظيم حملات لتأسيس مستوطنات لهم في العالم الجديد حيث يمكنهم أن يمارسوا عباداتهم ومعتقداتهم بالطريقة التي تناسبهم. وهكذا بدأ التواجد الإنكليزي في العالم الجديد وبالذات في أمريكا الشمالية. وسيأتي مزيد من التفصيل حول هذا الموضوع إن شاء الله.
1541- استقدام الخيل إلى العالم الجديد:
في البداية، على الأقل، أصبح للخيل قيمة أكبر من السلاح الناري بالنسبة لسكان أمريكا الأصليين. فالقبائل الهندية الواقعة شمالي (ميسا سنترال) في ولاية مكيسكو الجديدة (New Mexico) – وخصوصاً قبائل السهول العظمى الواقعة في تكساس والوسط الغربي من أمريكا الشمالية – أصبحت هذه القبائل أكثر الفرسان خفة نتجت عن الخيول الإسبانية.
ومعلوم أن الخيول الإسبانية من أفضل الخيول في أوروبا لارتباطها الشديد بالخيول العربية التي جيء بها من المغرب خلال حكم المسلمين للأندلس. ويعزى انتشار قطعان خيول "المُستانغ Mustang" الوحشية في أمريكا الشمالية إلى الخيول التي انفلتت أو تُرِكْت من قبل الإسبان الذين جابوا المناطق الجنوبية وبعض المناطق الوسطى في القارة من أمثال: هيرناندو دي سوتو في عام 1541.
ومن المحتمل أن هذه الخيول ومهنة الفروسية استقدمت في القرن السابع عشر عن طريق بعض الأسرى الهنود الذين فروا من مزارع الإسبان في نيومكسيكو وسونورا وشيواوا وفيزكايا الجديدة وكوويلا (وهذه الأقاليم الخمسة الأخيرة في المكسيك)، ومهما كان السبب وراء انتشار الخيول في أمريكا الشمالية، فلم يأت عام 1784 إلا وكانت الخيول قد ملأت السهول العظمى.
1558- مستعمرات إنكلترا:
مع خروج أوروبا من العصور الوسطى ودخولها عصر النهضة في القرن السادس عشر، سمح النظام المركزي لبعض البلدان الأوروبية - تحت النظام القوي للعائلات الملكية الجديدة – بتمويل وتسيير الرحلات الاستكشافية في أراضي ما وراء البحار على أمل زيادة أموال خزائنهم الملكية.
في انكلترا، ربح هنري السابع "حرب الورود" (حرب أهلية قامت بين عائلتي يورك ولانكستر، انتصر فيها أخيراً بيت يورك. استمرت هذه الحرب من عام 1455-1487). وبالرغم من تأخر جهود إنكلترا في العالم الجديد بسبب الاضطرابات الدينية، فإن قيام المستعمرات الإنكليزية الأولى في العالم الجديد كان خلال حكم إليزابيث الأولى (1558-1603) التي تتبع بيت تيودور. ومن أوائل الحكام الأوروبيين الذين موّلوا الرحلات الاستكشافية إلى العالم الجديد كان: فيرديناند حاكم أرغون، وإيزابيلا حاكمة قشتالة (كاستيل)، فقد موَّلا رحلة كولومبس الذي نتج عنها "اكتشاف العالم الجديد" في عام 1492.
##################################
"بيوريتان"
كانت المستوطنات الإنكليزية في منطقة الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة ، والتي تعرف بإنكلترا الجديدةNew England، قد تشربت بإحساس خاص بنشر تعاليم "المتطهرين" (Puritans) من قبل رؤسائهم من أمثال جون وينثروب والذي بدوره قاد مجموعة من المستوطنين إلى مستوطنة خليج ماساتشوسِتْس في عام 1630.
وعلى متن السفينة (أرابيلا) التي جاءت بالمستوطنين إلى أمريكا ألقى وينثروب خطبته التي قال فيها: "علينا أن نكون كمدينة على تل مرتفع، ترمقنا عيون كل البشر". إن حس وينثروب بنشر تعاليم المسيحية و"الهداية الربانية" تشرّب في مستوطنات إنكلترا الجديدة، وتحول إلى حس سياسي عند الثورة الأمريكية بعد 150 سنة.
1600 - معتقد "المتطهرين" (بيوريتان):
نظمت جماعة "المتطهرين" الأمريكيين كنائس تجمعية حيث انضم إليها الأعضاء عن طريق "عهد" أو انضمام اختياري للعبادة الجماعية. يعتقد "المتطهرون" – مثل الكالفنيين أتباع كالفن – بجبرية الأحداث أو القدر، لكن الأجيال التي خلفت "المتطهرين" بدأت تلين في معتقداتها نوعاً ما. وبالنسبة "للمتطهر" الأمريكي فإن العمل الجاد والنجاح التجاري يتماشيان ويتساويان مع "عقيدة الخلاص" عندهم
#################################
بداية الاستيطان والمستوطنات 1600 – 1763
1600- الاقتصاد الاستيطاني
رعى مستوطنو إنكلترا الجديدة الأبقار، والخنازير، والأغنام. كانوا يزرعون كفايتهم من القمح والشعير والشوفان خلال فترة المواسم الزراعية القصيرة في التربة الحجرية، وذلك في نهاية القرن السابع عشر، وكان يبقى هناك فائض للتصدير. كانت الغابات الكثيرة في الولايات المتحدة مصدراً هاماً للأخشاب لصنع السفن.
وقد تأسست مرافق لصنع هذه السفن في مدن عدة مثل بوسطن، وسالم ، ودورتشستر، وكلوسستر وبورت سميث. وامتدت مهنة صيد السمك على شواطئ المحيط الأطلسي شمالاً حتى "نيوفاوندلاند" ، وكانت تنتج أنواعاً من الأسماك مثل: سمك القد، والماكرل، والهلبوت وغيرها حيث تم استهلاكها محلياً وصدرت إلى أوروبا. صيد الأسماك كان أيضاً صناعة مهمة، حيث لا تزود فقط اللحم، وإنما زيوت الإضاءة ، والتشحيم، ومنتجات عطورية.
أما المستوطنات الجنوبية فتمتاز عن الشمالية بطقسها المعتدل الذي ساعدها على زراعة محاصيل الأغذية الرئيسية مثل الحبوب والأرز وغيرها والتي يستحيل زرعها في المناطق الشمالية.
كانت ولاية فرجينيا – على سبيل المثال – تنتج أكثر من 20000 رطل من التبغ في عام 1619،
وفي عام 1688 تزايد إنتاج هذا المحصول إلى أكثر من 18 مليون رطل.
وكانت الأخشاب والمخازن البحرية منتجات مهمة لغابات المناطق الجنوبية
وكان هناك أيضاً تربية الماشية.
.