إذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن المغول استطاعوا الانتصار طر بعض الأمراء الروس
وفى 1277م وبقيادة الخان المغولى (منكو) الذي جهز جيشا من الروس والمغول. تم احتلال المناطق الباقية من شمال القفقاس والواقعة شمال نهر تيرك إلى أن الشراكسة جمعوا أنفسهم مرة أخرى وشكلوا اتحادا سياسيا فيما بينهم وجعلوا عاصمتهم مدينة (بيرغوساي) ، وفي عامي 1277- 1278 م قام الخان منغو بحملة كبيرة مع الروس بحصار المدينة الألانية (ديدياكوف) التي سقطت في الثامن من شباط عام م 1278 م وقال عنها أحد المؤرخين الروس (سلبوا ونهبوا الخيرات، وقتلوا الناس وحرقوا المدينة).
أما في موسوعة تاريخ القفقاس والجركس فقد ورد فيها ما يلي:
في عام 1277م سارت قوة كبيرة بقيادة (منغو خان )انضم إليها أمراء الروس بقواتهم وانحدرت إلى بلاد الشركس لإخضاعهم فقابلها الشركس بقوات مؤتلفة من القبائل الشرقية وأوقعوا الهزيمة بادئ الأمر في الجيش المغولي بجوار جبل كرج، ولكن منغو خان استطاع أخيرا الانتصار عليهم وثبت سلطانه في حوض نهر تيرك وبسط نفوذه حتى دربند. ولسنا نعلم بالضبط مقدار امتداد هذا النفوذ إلى قفقاسيا الغربية وحوض نهر القوبان.
على أن قبائل الأديغة التي تعرضت للضغط انسحبت إلى الجبال واتخذت موقع (برغوشي) في الغرب مركزا للادارة والتي هي لصد العدوان إن نتانج هذه الحملة الثانية غير معروفة ولكن بانتهائها لم يصبح الشراكسة تابعين للمغول. إذ يكتب سفير فرنسا لدى المغول اغليوم دور وبروك) (1253- 1255 م) في رسالته المسماة (الرحلة في البلدان الشرقية ) إن (زيكيا)(أي الشراكسة) بلاد(زيخ) غير تابعة للتنر وأن ( الشراكسة) لا بزالون يقاومون ضد التتر
في عام 1277م استطاع المغولى نوغاي الوصول إلى نصر كبير على الشراكسة و كتب (س. بر ونيفسكي)ما يلى: (وهكذا احتل المغول أزف وتامان .كثير من المناطق داخل القفقاس إلا أن خضوع الشراكسة كان مشكوكا في أمره وحافظوا ملى استقلالهم وأراضيهم الواقعة فر أعماق الجبال والغابات أما من بقي من الشراكسة في السهول فاعترفوا بسلطة التتار تحت الإذعان واحتل التتار الشاطئ الشرقي لبحر أزوف وعبروا كيرتش إلى القرم وقاموا بهجمات هناك وفي بلاد أوربية أخرى.
إن أكثر الحملات الإلخانية المغولية تدميرا لشمال القفقاس كان قد جرى في عام 1324-1325م حيث اجتاح تشوبان من جوربيا إلى تخوم القفقاس أوصلوا إلى ضفاف نهر التيرك ونهبوا ودمروا وقتلوا دون رحمة وبلا هوادة المدن والقرى والقبائل كما أخذوا أعدادأ كبيرة من الأسرى هذه الصدمة والهزة العنيفة أدت إلى تأزم الوضع فى القبا ئل الذهبية في عام 1327 م اشتعلت إنتفاضة قوية وحقيقةعلى ضفاف نهر التيرك في القفقاس الشمال وعلى الأغلب حرب حقيقية بين القبائل الذهبية (التون أوردوا) ضد الأديغة
وتذكر المصادر بعض الحملات للأ وزبك ضد الشراكسة. بعد توقف الحرب مع الأديغة» تمكن أوزبك فان من جعل الحالة في شمال القفقاس مستقرة.
وشهد الرحال العربى الكبير ابن بطوطة ( 1334م) بالسيطرة الكاملة لأوزبك على السهول. وعلى مدى عشرين عاما بعد حملة 335 ا م لا تذكر المصادر التاريخية أي أحداث مهمة. مضت عدة عقود ولم تحدث أي تدخلات مسلحة في القفقاس حتى اذنصار توقتاي في الحرب الأهلية وله ن قوته العسكرية أخفقت وأجهضت تحركاتها فبما وراء نهر تيرك ولم يبق لديه أي خيار سوى أن يوجه اهتمامه إلى روسيا. وقد كان أمراء موسكو ذوي حصانة دبلوماسية عظيمة بحيث استطاعوا أن يرضوا أسيا دهم التنار من نو احي إظهار الطاعة والولاء لخانات الفولغا مما جعل هولاء يسلمون جباية الضرائب والجزية لأولئك الأمراء. واستطاعوا أن يقنعوا خانات التنار أن يثبتوهم كأمراء وراثيين لموسكو بعد أن عملوا على اقناع بقية الأمراء الروس بالخضوع التام للتتار. وعادت هيبة الأسرة الحاكمة للقبائل الذهبية بعد تغلب(توقتاي) على الأزمة التي سببتها طموحات (نوقاي)(نوغاي) واستمرت هيبة هذه الأسرة في الصعود في عهد ابن أخي (توقتا ي ) وهو أوزبك الذي خلف 1313م بعد أن تغلب على عدة منافسين. وبعد أن اعتنق الديانة الإسلامية وذلك رغم معارضة كثير من الأوساط الأرستقراطية وقد أصبحهذا الخان أول حاكم في سلسلة كاملة من الخانات المسلمين. وكان عمله هذا خطوة حاسة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التنار منذ نشوئهم.
وبهذا يمكننا أن نعتبر (أوزبك) المؤسس الحقيقي للأمة التتارية وهو الذي أنعم بلقب (الأمير العظيم) على الأمير المسكوفي (إيفان الأول) عام 1328 م لأنه اعتبره من الأشخاص الذين يمكن الوثوق بهم مادام أنه قد تزو ج أمبرة تتارية وأنه كان كأسلافه متحمسا ومخلصا في جباية الجزية من الأمراء الروس ودفعها للخان.
أما في الجنوب فعندما ظهرت الدولة العثمانية الفتية لم تستطع مصالح القبائل الذهبية أن تتماشى بسهولة مع هذه الدولة إلا أن توسع تلك الدولة العثمانية أدى إلى نشوء دبلوماسية ثورية بالنسبة لمركزساراي والقبائل الذهبية.
وفى عام 1354م نجح الأتراك العثمانيون عبور مضيق الدردذيل وأنشئوا موطن قدم لهم على الشاطئ الأوربي وتوقف نفوذ الإمبراطور البيزنطي في السيطرة على التجارة وحركة المرور فى هذا المضيق الهام. وحرم شعب القبائل الذهبية من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط
وقد حاول أوزبك غزو القفقاس فى عام 1335مبعد ذلك ظهر أثر الاضطرابات في وضع القبائل الذهبية دوليا انقسام داخلي كامل وتعرضت الدولة في بنيتها إلى انهيار داخلي (قد كان هذا الانهيار مريعا ومبيدا ليس لأنه تصادف مع نمو (الإمارة العظمى) فى موسكو فحسب، بل لأنه شهد نمو دولتين جديدتين: وهما مولدافيا و ليتوانبا.
وتفاقمت الأحداث في عام 1380محيث هزم القائد التتاري (ماماي) على يد المسكوفيبن في معركة كوليكفوبولاي (ومعناه حقل صيد الأعداء) على نهر الدون ولكن هزيمته هذه لم تؤثر في اضعاف قوى القبائل الذهبية لأن هذه الهزيمة مكنت (توختميش) أحد المطالبين بالعرش والذي كان يدعمه حاكم اسية الوسطى (تيمور) أن يحرز انتصارا نهائيا على منافسيه وأن يعيد تأسس وتنظيم حكومة ثابتة متوازنة في مملكة التتار وفي عام1382 م قاد هذا حملة ضد موسكو وبعد حصار المدينة أجبرها على أن تعو لدفع الجزية. ولكن حيوية وشباب القبائل الذهبية ما لبثت أن عادت إليها من جديد بشكل مثير عندما ظهر فجأة في وسط تلك البلاد فاتح قدر له أن يهيمن ويسيطر على جميع أقاليم آسية الغربية وهو (تيمورلنك ) الذي ولد عام 1336م في كش ما وراء النهر منحدرا من سلالة جنكيزخان .
أقام (تيمورلنك )حكومة في القرن14م مركزها سمرقند في أواسط آسيا وبدأ يبحث عن السيطرة العالمية. في النصف الأول من تسعينات القرن الرابع عشر وبعد أن هزم تيمورلنك زعماء القبائل الذهبية في منتصف منطقة نهر الفولغا وأسفل نهر الدون اتجه لاحتلال شمال القفقاس وزحف على رأس جيش ضخم في خريف عام ( 1395 م) إلى الكوبان.
حسب أخبار المؤلفين الفارسيين(نظام الدين شامي) و(شرف الدين يزدي) في النصف الأول من القرن 15م فان الشراكسة رأوا أن المقاومة لا تجدي فقاموا بإشعال نار هائلة في أعشاب المروج ببن بحر أزوف ونهر الكوبان ونتيجة لذلك قتلت أعداد ضخمة من الخيل ومن قطعان الماشية المنهوبة لانعدام العلف وعانت قوات (تيمورلنك) واستطاعوا بصعوبة كبيرة عبور الأنهار و ا لمستنقعات ولم يستطيعوا الوصول إلى نهر الكوبان إلا بعد ثمانية أيام. تملك الغضب (تيمورلنك) فأرسل أحسن قواده (محمد سلطان) في حملة تأديبية كبيرة ليقوموا بإخضاع سكان المنطقة بأسرع ما يمكن وقاموا بعملية تدمير ونهب كبيرة بعد نلك قام تيمورلنك بنفسه بقيادة جيشه إلى الكوبان الأعلى حيث قام بتدمير منطقة أباظة الكوبان ومن ثم استدار إلى احتلال وسط وشرق التتار حيث عاث فسادأ وتدميرا.
يقول الشامي ويزدي: (قاموا بنهب كل إقليم الشركس ونهبوا واستولوا على غنائم كثيرة) بعد ذلك عمل على الاستيلاء على منطقة القرا شاي- تشركس الحالية وصعد تيمور إلى جبل البروس ( اوشحه مافه) (حاليا في جمهورية القبرطاي بلقار) بسبب صمود وتصدي الشراكسة للتتار فان الحملة التأديبية التي قام بها تيمورلنك في بلا الشركس قد واجهت مقاومة بطولية من قبل كل سكان الجبال ولكن القوى لم تكن متساوية إن الفصائل المتفرقة لسكان الجبال لم تستطع الصمود طويلا في وجه الجيش الضخم والمنظم والمسلح بشكل جيد (وهناك عامل آخر مهم هو أن أمدادا كبيرة من أطفال الشرا كسة كان قد أسر وخطف وسرق كلى فترات متعاقبة وتم بيعهم من قبل التنار والمغول في السابق وكذلك من قبل القبجاق ومن قبل جماعة تيمورلنك وغيره مثل تجار جنوة وغيرهم.... وبذلك نضبت الموارد البشرية الطبيعية وأصبح الخلل واضحا في كل المنطقة مما مهد وساهم في انهيار قوة الشراكسة أمام المد الاستعماري الروسي فيما بعد بعد حروب داعية استمرت لأكثر من قرن ونصف أيضا). وقامت قوات تيمورلنك بقتل الكثير من الشراكسة ودمروا قلاعهم وتحصيناتهم العسكرية وكان النجاح حليف قواتنا الظافرة التي غنمت الكثير من ممتلكات الكفار بهذه الكلمات مدح تيمور أعماله وأكدها مرارا بأقواله. وبعدها توجه تيمورلنك على رأس حملة ضد قلاع كولي وتاوسا, الواقعة كلى أراضي القبرطاي بلقار الحالية وبما أن السكان في هذه المناطق لم يملكوا كل القوة لشن حرب مفتوحة قرروا الانسحاب واتجهوا إلى أعماق الجبال وأقاموا الكمائن من الحجارة والصخور وحفروا الخنادق قام تيمور بتدمير وسلب ونهب عشرات القرى وشرد الباقون وفي هذه الفترة دمرت المدينة المزدهرة( جولات السفلى) وغيرها.
المؤلف الفارسي شرف الدين يزدي يقول: عندما انتصر تيمورلنكفي عام 1395 م على توختامش فإنه دمر بلا د الروس والشركس ثم زحف بجيوشه ضد بورابردي وبوراكين وهما من الأبازة.
ان التنقيبات التي جرت في الأيام الأ خيرة في مناطق (جولات السفلى) تكشف لناالصورة المأساوية للمدينة حيث وجدت آثار لحريق كبير وجدران من الطوب التي هدمت وطمرت وأطلال لمساجد وأضرحة وغيرها.
بعدها توجه تيمور لقتال (بولاد) لأنه رفض تسليم القائد العسكري أوتو ركا من القبائل الذهبية التي في حمايتهوكانت القوات المطاردة لـ أوتوركا بقيادة ابن تيمورلنك (ميران شاه) حيث قام بتدميروسلب وقتل السكان والمناطق التي اجتاحها اجتاحها حتى قبض على غريمه.
وبعد استراحة لقوات تيمورلنك في منطقة (بياتيغورا)الشركسية توجه نحو إتشكيري (جنوب شرق الشيشان)
حيث كان جزء منسكان هذه المنطقة من المسلمين وقد استسلموا للغزاة أما الجزء الآخر فقد توجه نحو المناطق الجبلية صعبة المنال والتي كنت لهم عونا في إظهار مقاومة عتيدة للغزاة وتوجب لقهرهم والتغلب عليهم استنفار وحشد قوات كبيرة وكالعادة مارسوا في أراضي شيشان انغوش الحالية التدمير والقتل وتخريب القلاع والكناس وتوجه بعد ذلك تيمورلنك إلى أفاريا في داغستان والقوموق...الخ. وكان دومأ يدمر كلما صعد إلى الشمال أو نزل إلى الجنوب في الد اغستان وغيرها.
إن المقاومة العنيدة والشجاعة لشعوب القفقاس الشمالية ضد الغزاةهي صفحة بيضاء ناصعة من أجل الحفاظ على حريتهم وكرامتهم واستقلالهم. وبحروبهم ومقاومتهم خففوا الضغط على الشعوب الإسلامية الأخرى وشاغلوا أعداد هائلة من جيوش تيمورلنك لفترات طويلة.
كانت الحروب الماضية لتيمور مع القبائل الذهبية تهدف فقط لمعاقبة توختامش المتمرد عليه إلا أنه فيما بعد توجهت سياسته نحو إعادة الحياة للحلف معه والاتحاد تحت قيادة تيمورلنك نفسه.
بعد تمكن تيمورلنك عام 390 ام من نهب وتدمير جنوب القفقاس اتبع أسلوب جنكيزخان وتقدم واحتل ممر دربند ونهب بلاد الد اغستان ثم تقدم إلى أن وصل إلى ضفاف نهر تيرك وفي عام 395 ا م استطاع أن يكسر
جيش التن أوراو (القبائل الذهبية) الذي كان بقيادة توختامش وظل يلاحقه حتى أواسط روسيا وبعد عودته استطاع أن يحتل بلاد القرم وآزوف ونهبها.
وصل تيمورلنك في طريق عودته إلى منطقة الكوبان واستطاع أن يحرق بعض القرى الشركسية إلا أن الشراكسة قاوموه فترة طويلة ثم اضطروا إلى الانسحاب إلى المناطق الجبلية 0 وتوجه بعدها تيمورلنك شرقأ ونهب كل من سراي واستراخان وعاد إلى ممر دربند ومنها اتجه جنوبأ تاركا بلاد شمال القفقاس ودخل الأناضول عام 1402م وبعد معركة ضارية ضد العثمانيين استطاع أن ينتصر عليهم ويأسر السلطان العثماني بايزيده ولكنه لم يجرؤ على محاربة السلطان الشركي برقوق واكتفى بمراسلته وتهديده وبالمقابل رد عليه برقوق ردآ وأهان فيه تيمورلنك وجيشه وتحداه بشكل مثير. وفي 19 كانون الثاني سنة 1405م توفي تيمورلنك في (اترار) بينما كان يشن حملة على بلاد الصين باحتلال تيمورلنك لقفقاسيا ضعفت دولة التن أورداو (القبائل الذهبي ) فتشجع كل من خاني القرم وقازان وانفصلا عن هذه الدولة وظل حكم هذه الدولة مقصورا على منطقة استراخان وجوارها كما أن الشراكسة استطاعوا استعادة جميع المناطق التي كانت دولة التن أوردو قد احتلتها . وفي عام 1453م فتح العثمانيون القسطنطينية 0 حيث صادف وقت زواج إيفان الثالث من الأميرة (زويه) ابنة أخ (قسطنطين باله ثولوجوس) آخر امبراطور بيزنطي الذي قتل على درجات كنيسة القديسة صوفيا وبه أصبح أمراء روسيا الكبار ورثة الإمبراطورية البيزنطية الحقيقيين فورثت روسيا تقاليدها وموقعها فى العالم وأصبحت موسكو روما ثالثة وكان قبل ذلك قد نقل المركز الديني (متروبوليت) من كييف إلى موسكو التي أصبحت بذلك المركز السياسي الديني للروس الأرثوزكس وذلك في حوالي عام 1320م
وفي عام 1475م استطاعت الدولة العثمانية بقيادة السلطان محمد الفاتح احتلال بلاد القرم وأزالت من الوجود كل المستعمرات التجارية التي أنشأتها جنوا والبندقية على السواحل الشركسية في البحر الأسود وحاولت أن تحل مكانهاوباحتلال بلاد القرم أصبحت الدولة العثمانية مجاورة لشمال القفقاسوهكذا أصبح القفقاس الشمالي بين رحى إمبراطوريتين ناشئتين حديثأ حيث أن الروس في عام 480 ا م قاموا وبشكل نهائي بدحر وإنهاء الحكم التتري والمغولي وإلى بداية القرن السادس عشر نرأهم وقد اختفوا نهائيا وتلاشوا.
إن هجوم التنار والمغول على شمال القفقاس أدى إلى ضربة قاسية اقتصاديأ وثقافيأ ومعيشيأ للشراكسة. فكل غارة أو حملة كان ينتج عنها الرعب والنزوح وترك الأراضي إذ تحولت الأراضى الزراعية والمراعي في منطقة الكوبان إلى أراضي جرداء ولمدة طويلة ونقص
عدد السكان بشكل كبير من جراء القتل والإبادة الجماعية واختطاف الأطفال من كل الأعمار وتوريدهم إلي مصر وبلاد الشام لدرجة أن هؤلاء الأطفال الذين ربوا في القاهرة تربية عسكرية استلموا الحكم في مصر وبلادالشام وغيرها وصاروا سلاطين وأمراء دافعوا عن الأمة الإسلامية أيما هاع ضد بقايا الصليبين والمغول والتتار وغيرهم لمدة ثلاثة قرون تقريبا.
أدت هذه الحقبة إلى نزوحات جماعية كبيرة في شمال القفقاس. تدل المراجع والحفريات الأثرية أنه في هذه الفترة المذكورة نزحت من الكوبان الأدنى باتجاه الجنوب الشرقي قرب نهر (تيرك) مجموعات من الشراكسة عائدين إلى أماكن سكنهم القديم. ومن نتائج الحملة المغولية أيضأ ظهور مجموعات من الأباظة على سفح الشمالي لجبال القفقاس وهم الذين كانوا سابقأ يعيشون على شواطئ البحر الأسود جنوب الجبال. واستقرت بعض بقايا القبائل الطورانية بين الشراكسة أيضا.
لم يؤثر ظهور سكان يتكلمون اللغات التركية (المغول والتتار) وغيرها في سهوب وسفوح القفقاس على التركيبة العرقية في المنطقة بسبب تراجعها إلى الجبال. ربما ا الأمر يوضح الحقيقة التي تقول أنه في أربعينات وخمسينات القرن الثالث عشر لا تذكر المراجع أسماء شعوب شمال القفقاس الأصلية من وجهة نظر اللغات التركية. (وبسببه وقع كثير من المؤرخين العرب في خطأ تسمية شعوب القفقاس بالقبجاق تارة وبالأتراك تارة أخرى، وهذا بدوره أدى إلى تسمية السلاطين الشراكسة أتراكأ في كثير من الأحيان في الدولة البحرية والبرجية.) والذين كانوا يحملون هذه اللغات كانوا أقرب الناس إلى السكان الأصليين لشمال القفقاس من حيث الجوار. وكانوا قد حلوا تقريبا بتسمياتهم ولو شكليأ في المراجع الأجنبية مكان الشعوب الأصلية فنحن نجد في معظم المراجع أن تسمية القبجاق طاغية على البلدان والشعوب الأصلية لسكان شمال القفقاس كما قلنا وهناك مراجع أخرى تسميهم أتراكامع العلم بأن لغات ولهجات شمال القفقاس الشركسية أبعد ما تكون عن اللغات التركية بلهجاتها المختلفة ويزيدون بعدد الأحرف الشركسية أكثر من ضعف الأحرف التركية ويكثر في اللغة الشركسية الأحرف الحلقية التي لا يمكن للتركي حتى من لفظيا...
بالنتيجة نرى: (أن الإجتياح المغول التتري خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر وما بعدها وخلال قرون عديدة قد أدى إلى تحطيم الجذور لخريطه السلالات والأجناس في شمال
القفقاس» الوثائق التاريخية الروسية في عام 1223م تتحدث عن الدمار والخراب الذى أحدثه الاجتياح المغولي. ونحن سمعنا عن شعوب كثيرة - ياس أوبيز, كا سوغ (وهم من الشراكسة) بولرفتس، ثم تحقيرهم بشدة وضربهم وطردهم وقتهم إن هذه الأحداث أدت إلى اختلاط وتمازج بين الأجناس والسلالات في شمال القفقاس.
كتب المؤرخ العربي الكبير ابن الأيثر بأنه أثناء حملات المغول والتتار وبالسيف والنار عبروا أراضي أزر بيجان والداغستان اتجهوا نحو أراضي القبجاق واحده من أكبر قبائل التيورك الكثيرة العدد وقتلوا كل من قاومهم الباقون هربوا إلى المستنقعات وإلى الجبال تركوا أراضيهم ليمتلكها التتر ومن ثم يعيد الكاتب من جديد فيقول: من بن الجبال المسحوقين منهم من اختبأ في المستنقعات وآخرون في الجبال وآخرون رحلوا إلى أراضي الروس .
ويفترض أن الجبال العالية التي هرب إلها القبجاق هي جبال القفقاس العالية إن الآثار التي خلفها الاجتياح المغولي التتري كانت مروعه ومأساويالشعوب أخرى في شمال القفقاس مثل الان ,الأديغه الشراكسه , ويناخ , الداغستانيون, وحسب المصادر الأثريةالمكتوبة قد تم تدمير المئات من المراكز السكانية في هذه الأقاليم.
1- كانت مجاري واحدة من المدن الكبرى 0 في ذلك العصر في شمال القفقاس وقد توضعت على شواطئ نهر كوما عند مصب نهر ماكرا في هذه الأيام جزء كبير منها تحتله مدينة بودنوفسك في إقليم ستافروبول.
2- كانت مدمنه جولاث السفلى القديمة بالقرب من مدينة ماينسك في جمهورية القبرطاى بلقار وفي موقع هذه المدينة وجدث مدينه كبيرة 0 تعود إلى القرون الأولى من الميلاد وفي القرن الرابع عشر اعتبرت مدينه جولات السفلى مركزا دينيا وإداريا حيث وجد المنقبون فيها بقايا أكبر مسجد في شمال القفقاس في تلك الفترة وقد تم بناؤه من قرميد (آجر) مكعب الشكل
بلغت مساحته 426م2 وقد استندت قبته على 48 دعامة ا كانت في أربعه صفوف. وتحت موقع المسجد هذا وجدت مقبرة جدرانها مقنطرة ومقوسة وسقف ذو ثمانية زوايا حيث دفن فيها بعض المشاهير.
3- وتأتي في المرتبة الثالثة مدينة جولات العليا التي تسمى (تتار توب أي معسكر التتار) والتي كانت من أرض القبرطاي الشراكسة وقد وجدت فيها بقايا لثلاثة مساجد إسلامية مبنية من القرميد (الآجر) وثلاث كناس مسيحية وصلت مساحة المدينة إلى 3 كم وقد كتب الرحالة العثماني أوليا شلبي (واسمه الحقيقي أباظة محمد ظلي ابن درويش الذي تعلم وتثقف باستانبول في منتصف القرن السابع عشر عن أطلال تاتار توب:
توجد بقايا من أبنية قديمة خطت على أبوابها ببعض الكتابات والتواريخ ء وعندما ننظر لهذه المدينة من الأعلى نرى 800 بناء قديم من هذه الأطلال يمكن أن نجزم بأن هذه الأبنية كانت مزينة بألوان وأشكال مختلفة والدليل على الأهمية الكبيرة لمدينة جولات العليا (تتار توب) في العصور الوسطى في تاريخ شعوب وسط القفقاس الشمالي هو أنه حتى فترة قريبة اعتبرت أطلاله مكانا موقرا ذو خصوصية مقدسة (مركز عبادة) للقبرطاي والأستيين والبلقاروالنغواي.
وهناك دلائل على أن منطقة جولات التي ورد ذكرها في المخطوطات الأثرية في القرون الوسطى والتي تقع في الحوض الأوسط لنهر التيرك أنهم تمونوا وخزنوا المواد الغذائية والأطعمة والمؤن من الحبوب والمواد الغذائية المحلية وذلك عشية اجتياح جيوش تيمورلنك التي بلغت مئتي ألف مقالا على توختميش على نهر التيرك في عام 1395م يمكن اعتبار هذه المدن في القرون الوسطى مراكز تجارية هامة بالنظر إلى المكتشفات الأثرية من النقود وغيرها من البضائع المستوردة.
ولم تكن التجارة مع الشعوب المجاورة لشمال القفقاس أو مع القبائل الذهبية فقط بل كانت التجارة مزدهرة مع آسيا الوسطى وبلدان ماوراء القفقاس (خاصة لقرب ممر داريال التاريخي من هذه المنطقة)وروسيا و ايطاليا و إسبانيا ايران و الصين و الهند...الخ وقد جلبوا من هذه البلدان بشكل أساسي المواد الفاخرة والتوابل والأواني الزجاجية وغيرها من الفخار المشوي والمرايا الصينية ومواد خزفية ومواد من الكهرمان وغيرها.
===================
منقول