براكين سيبيريا الرهيبة :
كافة الانقراضات انطلقت من انفجارات بركانية متكررة في سيبيريا، حيث تمكنوا من العثور على الحمم المنصهرة خارجة من شقوق جوفية متراكمة بتكرار زمني متجانس يمتد كل منها لمدة 500 سنة، تماما كما يجري اليوم تحت جزيرة ايسلند.
الانفجار البركاني يؤدي الى إطلاق كمية كبيرة من غاز الكبريت الذي يقوم بعكس الاشعة الشمسية وبالتالي تبريد الارض، إضافة الى ان البركان يقوم بإطلاق غاز ثاني اوكسيد الكربون الذي له تأثير مدفء " تأثير البيت الزجاجي".
غاز الكربون يبقى تأثيره في الجو فترة اطول بكثير من غاز الكبريت، الذي يختفي مع الامطار. لذلك فأن البراكين الضخمة تسبب إرتفاع حرارة الارض تصل الى ستة درجات مئوية.
ظاهرة عامل البيت الزجاجي تؤدي الى رفع درجة حرارة الماء في البحار، وماء البحر الدافئ ينحل فيه كمية اقل من الاوكسجين بالمقارنة مع الماء البارد.
قبل ارتفاع درجة حرارة الماء في العصور القديمة، كانت الحدود بين طبقات الماء التي تحوي اوكسجين وطبقات الماء السفلى الخالية من الاوكسجين في مستويات عميقة. الطبقة السفلية للبحار ممتلئة بحامض الكبريت السام، والذي تقوم البكتريا بتحضيره. بالترابط مع انخفاض انحلال الاوكسجين بالماء بسبب ارتفاع الحرارة التدريجي، يرتفع تدريجيا مستوى طبقة الحامض الكبريتي مرتفعا الى الاعلى.
في النهاية يصل مستوى طبقة الحامض الكبريتي الى سطح البحر، حيث تعيش اغلبية الكائنات البحرية، لتسبب تسمم كل الكائنات الحية التي تعيشش في هذه الطبقة، تقريبا. مع الوقت يصبح البحر مشبعا بحامض الكبريت الى درجة انه يبدأ بإطلاق الغاز الى الجو، ليبدأ بالقضاء على الحياة في البر والجو بدون رحمة. في النهاية يصل الغاز الى طبقات الجو العليا، ليقضي على طبقة الازون التي تحمي الارض من الاشعاعات الكونية. هذا الامر يجعل ان الاشعة الكونية تخترق حاجز الدفاع لتقضي على قسم كبير من الكائنات الباقية التي تمكنت من الانتصار على غاز الكبريت الخانق.
هذه النظرية اصبحت سائدة في الاوساط العلمية، في نفس الوقت الذي تواجه نظرية النيازك الكونية مشاكل كبيرة.
الترسبات تحدثنا عن الكارثة
تكرر انفجارات البراكين السيبيرية الهائلة في نهاية العصر الجيلوجي بيرم اطلق الكارثة بكل ابعادها.
آثار هذه الانفجارات موجودة في سيبيريا على شكل مصهورات متجمدة تغطي مساحة هائلة تصل الى اربعة ملايين كيلومتر مربع.
الجيلوجيون تمكنوا من ايجاد آثار الموت الجماعي للكائنات الحية الذي يشير الى حجمه الكبير وتزايد تتدرجه الى ان وصل الى قمته المخيفة. احدى المؤشرات كانت اتساع انتشار الكائنات التي تمارس التمثيل الضوئي مثل البلانكتوس planktis,الطحالب في البحر والنباتات على اليابسة. إنتشار هذه النباتات يمكن تحديده من خلال تحديد العلاقة بين ايستوب الكربون 12 والكربون 13 في ترسبات الطحالب المتحجرة. كلا الاثنين موجودين غاز ثاني اوكسيد الكربون الموجود في الجو، والذي تقوم النباتات بتحويله الى ترابط عضوي من خلال التمثيل الضوئي. النباتات تستخدم ذرات الفحم من اجل بناء الخلايا والاستحصال على الطاقة، ولكن النبات له متتطلبات: انه يفضل غاز ثاني الكربون الذي له ايسوتوب خفيف.
في ترسبات النباتات من العصر الكارثي نجد ان النباتات تحتوي على الكثير من غاز ثاني اوكسيد الكربون ايسوتوب 13، بسبب كون الجو يملك فائض منه.
من خلال حساب العلاقة بين نوعي الغاز من فترة ماقبل واثناء ومابعد الموت الجماعي يمكن وضع خريطة تأثير الكارثة على عملية التمثيل الضوئي. قبل 65 مليون سنة انخفض كمية غاز ثاني اوكسيد الكربون ايسوتوب 13 بسرعة تماما بالترافق مع اصطدام نيزك بالارض، ولكن فقط لفترة قصيرة، إذ يدل على ذلك الموت السريع للحياة النباتية المنتجة للتمثيل الضوئي، ليعقبه بعد فترة وجيزة انبعاث الحياة النباتية الغنية.
الوضع كان مختلف تماما في الكارثة التي جرت قبل 251 مليون سنة. في هذه الحالة يشير ايسوتوب ان الحياة النباتية قد تحطمت عدة مرات لتستعيد صحتها في كل مرة وفي النهاية تجتاحها ضربة قوية شاملة.
منذ بضعة سنوات حصلت النظرية القائلة بطول الفترة الى الكارثة على دعم إضافي، حيث قام العالم Peter Ward, من جامعة واشنطن بنشر مقالته عن إكتشاف 126 مستحاثة لحيوانات حرشفية قادمة من جنوب افريقيا. المستحاثات تشير الى الحياة الحيوانية كانت تتقلص بالتدريج في عصر بيرم الجيلوجي وعبر عدة الاف من السنوات، في حين اغلب الحيوانات انقرضت خلال 10000 سنة.
هذه الدورة لاتتطابق مع سيناريو الاصطدام مع نيزك، حيث الموت في حالة الاصطدام ياتي على الفور. ولذا استنتج أن انفجارات بركانية متكررة وضعت الاساس لتحولات كيميائية في جو الارض، أدت في النهاية الى الكارثة الكاملة.
البكتريا تخبرنا
اليوم نجد ان الاوكسجين محلول في البحار من سطحها وحتى اعماقها، ولكن المحيطات القديمة كانت تتشابه اكثر مع البحر الاسود، حيث اعماقه خالية من الاوكسجين تماما، وتطغى فيه البكتريا التي تنتج ماءات الكبريت من خلال التمثيل الكيميائي.
عندما ارتفعت درجة الحرارة بفعل ماتنفثه البراكين من غازات الكربون، ارتفعت درجة حرارة مياه البحر ايضا وبالتالي انخفضت قدرة البحار على إذابة الاوكسجين مما رفع نسبة ماءات الكبريت ورفع مستواه الى السطح حيث قضت على اغلب الحياة المائية. قسم من الكائنات الدقيقة تمكنت من الحياة، وعلى الاخص التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي وتستهلك السولفات، والتي تقوم بتحويل ماءات الكبريت الى كبريت. وبالرغم من الكائنات الدقيقة لاتترك مستحاثات تدل عليها، يمكن إكتشاف وجودها من خلال بقايا دهنية في الغشاء الخلوي، من الصعب ان يتحلل، وبالتالي يبقى لبضعة ملايين من السنين.
في الطبقات البحرية من العصر الجيلوجي العائد لفترة الموت الجماعي تم العثور على مكونات بيلوجية لبكتريا تستهلك السولفات تثبت ان المحيطات كانت مسمومة بماءات الكبريت حتى قمته.
المحيطات اطلقت فقاعات من الغاز السام
حسابات العلماء Lee Kump and Michael Arthur, من جامعة بنسلفانيا، اظهرت ان تركيز ماءات الكبريت وصلت الى درجات ادت الى اطلاقها فقاعات غازية سامة في هواء الارض، بحيث ادت الى موت النباتات والحيوان. Alexander Pavlov, من جامعة اريزونا توصل الى ان ماءات الكبريت كان يملئ جو الارض وادى الى اختفاء طبقة الاوزون، مما ادى الى دخول الاشعة مافوق البنفسجية الى الارض وادت الى موت الكثير من الاحياء التي نجحت في تفادي موجات الموت الاولى.
منذ فترة قصيرة وجدت مجموعة من الباحثين مؤشرات على ان ارتفاع الحرارة بسبب البراكين، يعقبها تلوث بالمكونات الكبريتية ايضا يمكن ان يكون مسؤول عن كارثتي موت جماعي مرت بهم الاحياء الارضية، واحدة قبل 374 مليون سنة والاخرى قبل 200 مليون سنة. هذا الامر يجعل العلماء يتسألون: هل يمكن ان يحدث هذا الامر مرة ثانية؟
عند الكارثة التي جرت قبل 251 مليون سنة كان تركيز الكبريت في جو الارض يصل الى حوالي 3000 مليون قسم من حجم الهواء ppmv,
و كان تركيز الكبريت في الكارثة الاصغر التي حدثت قبل 54 مليون سنة يصل الى 1000 مليون قسم.
اليوم تصل كثافة المركبات الكبريتية الى 385 قسم، ونحن لازلنا في الجانب الامن، ولكن إذا استمر الانسان في إطلاق غازات الكربون بنفس المعدلات فستصل مركبات الكبريت في الجو الى حوالي 900 قسم عام 2200. وهذا الامر يكفي لبدء عملية تشكل الكبريت في اعماق البحار، ومن ثم كارثة موت جماعي جدي