معاهدة سان ستيفانو - وتأثيرها علي الدولة العثمانية وعلي بلغاريا
قام سكان منطقة البلقان بثورات ضد الدولة العثمانية، حيث قام سكان الصرب والجبل الأسود بثورة ضد العثمانيين في عام (1293هـ الموافق 1876م)، إلا أن الدولة العثمانية استطاعت إخمادها، وأدرك السلطان "عبد الحميد" رغبة الدول الأوربية في التدخل في الشئون الداخلية للدولة، فأراد قطع الطريق عليهم، وأدخل عددا من الإصلاحات الداخلية؛ فأصدر قرارا بفصل القضاء عن السلطة التنفيذية، وتعيين القضاة بالانتخاب عن طريق الأهالي، والمساواة في الضرائب بين المسلمين والنصارى.
غير أن هذه الإصلاحات لم ترق للصرب وغيرهم؛ فعادوا إلى الثورة من جديد، ولكن في ظل مساعدات خارجية من بعض الدول الأوربية، مثل النمسا التي كانت ترغب في ضم منطقة "البوسنة والهرسك" إليها، كما قامت ست دول أوربية كبرى بسحب سفرائها من إستانبول ووقعت "بروتوكول لندن" في 31-3-1877 الموافق (17 ربيع الأول 1294 هـ) الذي يعرض تأمين حدود الدولة العثمانية مقابل قيامها بإجراء بعض الإصلاحات في الممتلكات العثمانية في البلقان لصالح الرعايا المسيحيين.
لكن الدولة العثمانية رفضت مطالب هذا البرتوكول، وقامت بعقد صلح منفرد مع الصرب، سحبت على إثره جيوشها من بلاد الصرب، واشترطت أن يرفع العلم العثماني بجوار العلم الصربي؛ كدليل على استمرار السيادة العثمانية.
وكان القيصر الروسي "ألكسندر الثاني" قد أبلغ العثمانيين أنه لا يريد الحرب؛ وأن ما يطلبه هو إعطاء منطقة معينة إلى البلغار، وبهذا فقط يمكن إرضاء الوطنيين السلاف الموجودين في روسيا والذين يريدون الحرب.
ورفضت الدولة العثمانية طلب القيصر
يقول المؤرخ التركي "يلماز أوزتونا": "صار رفض الباب العالي لهذا الاقتراح الأخير فاجعة في التاريخ العثماني"،لأن الرفض أدي للحرب
فنشبت الحرب الروسية- العثمانية، المعروفة بـ"حرب 93" التي بدأت في 24-4-1877) الموافق 11 ربيع الآخر 1294 هأ وكانت أكبر حرب عالمية جرت في ذلك الوقت .
وقد حاربت الدولة العثمانية في هذه الحرب كلا من روسيا، ورومانيا التي أمدت الروس بمائة ألف مقاتل؛ رغم العداء المعروف بين الجانبين، وحقق الروس انتصارات في البلقان رغم الدفاع البطولي الذي أبداه العثمانيون، وفتحت هذه الانتصارات شهية الروس لمحاولة القضاءعلى الدولة العثمانية؛ فتحركت القوات الروسية صوب العاصمة "إستانبول"، ووقفت على بعد خمسين كيلومترا منها، ووقعت معارك بين الروس والعثمانيين في آسيا، واستطاع الروس الوصول إلى الأناضول.
استمرت "حرب 93" حوالي تسعة أشهر خسرت الدولة العثمانية غالبية أراضيها في أوروبا، ولم يتبق لها إلا القليل من الممتلكات،
وأمام هذه المأساة اضطر السلطان "عبد الحميد" أن يطلب من ملكة بريطانيا "فيكتوريا" التوسط لعقد هدنة، إلا أن الروس رفضوا في البداية وصمموا على استمرار القتال، فقرر العثمانيون الدفاع المستميت عن إستانبول، ومن ناحية ثانية تكتلت الدول الأوربية ضد روسيا التي بدت أطماعها في الوصول إلى المياه الدافئة تتحقق في هذه الحرب. وألقى الأسطول الإنجليزي بمراسيه في مياه إستانبول، وكانت هذه الرسالة التحذيرية من بريطانيا عاملا مهما في دفع الروس للتفكير في الهدنة ووقف الحرب.
بسبب الهزائم الكبيرة والمتلاحقة اضطر العثمانيون لتوقيع معاهدة "سان استيفانو"
تم إبرام معاهدة بين روسيا والإمبراطورية العثمانية في ختام الحرب الروسية التركية (1877-1878).
سان استيفانو هي ضاحية من ضواحي غرب إستانبول على الضفة الأوربية من بحر مرمرة
في 3 مارس 1878 تم توقيع المعاهدة في سان ستيفانو، وقعها عن الجانب العثماني "صفوت باشا" وهو يبكي، واحتوت شروطا مجحفة بالدولة العلية العثمانية
، و معاهدة سان ستيفانو من 29 مادة، وهي معاهدة مجحفة تم تعديلها بعد 4 أشهر و11 يوما وتم تعديلها بمعاهدة أخرى هي معاهدة برلين التي محت كثيرا مما جاء في "سان استيفانو".
ومما نصت عليه "سان استيفانو":
تعيين حدود للجبل الأسود لإنهاء الصراع، مع حصولها على الاستقلال.
حصول إمارة الصرب على استقلالها، مع إضافة بعض الأراضي الجديدة إليها.
حصول بلغاريا على استقلال ذاتي إداري، مع دفع بلغاريا مبلغا من المال سنويا للدولة العثمانية، ويكون موظفو الدولة في بلغاريا والجند من النصارى فقط، ويخلي العثمانيون جنودهم منها نهائيا.
حصول رومانيا على استقلالها التام.
يتعهد الباب العالي بحماية الأرمن والنصارى من الأكراد والشركس.
يقوم الباب العالي بإصلاح أوضاع النصارى في جزيرة كريت.
تدفع الدولة العثمانية غرامة حربية قدرها 250 مليون ليرة ذهبية لروسيا، ويمكن لروسيا أن تتسلم أراضي بدلا من هذه الغرامة.
تبقى مضايق البوسفور والدردنيل مفتوحة لروسيا وقت السلم والحرب.
يمكن لمسلمي بلغاريا أن يهاجروا حيث يريدون في الدولة العثمانية.
وقد حال السلطان "عبد الحميد" دون إعطاء روسيا 6 بوارج بحرية من أحدث سفن الأسطول العثماني كجزء من الغرامات لروسيا.
أدت هذه المعاهدة إلى محو الوجود التركي في أوروبا باستثناء بعض المناطق القليلة غير المتصلة، والضعيفة من الناحية الإستراتيجية، كما أن نمو بلغاريا وتوسيع مساحتها يعني التأثير على مدينة "الآستانة" من الناحية الإستراتيجية حيث تحيط بلغاريا بكثير من جوانبها،
اشتراط المعاهدة بقاء قوات روسية في بلغاريا لمدة سنتين يعني أن عوامل الخطر تحيط بالدولة العثمانية، كما أن عملية البتر التي تمت لبعض المناطق من جسد الدولة العثمانية في أوروبا كان يعني أن تنسلخ هذه المناطق بما فيها من مسلمين لتنضم إلى كيانات معادية لهؤلاء المسلمين.
المعاهدة جاءت لتتزامن مع مناسبة تذكارية، حين أصبح الإسكندر الثاني إمبراطور روسيا في 2 -3-1855.
وادت هذه المعاهدة إلى ظهور دولة بلغارية أكبر من اللازم وكانت هذه الدولة مخلب قط لروسيا فتعاونا معا على الاجهاز على الدولة العثمانية لتصبح تحت التوجيه الروسى فيصبح التوازن الدولي في المنطقة لصالح روسيا بشكل حاد رفضته دول أوروبا فأصبحت أوروبا على وشك حرب اوربية كبرى
تعد معاهدة "سان استيفانو" من المعاهدات المهمة في تاريخ الدولة العثمانية، حيث فرضت هذه المعاهدة على العثمانيين المهزومين أمام روسيا إدخال إصلاحات جوهرية على أوضاع المسيحيين في الدولة العثمانية، خاصة في أوروبا؛ وهو ما عني حقوقا وامتيازات للأقلية لا تتمتع بها الأغلبية المسلمة، وكان ذلك يشير إلى رغبة الدول الأوربية في تفجير الدولة العثمانية من الداخل بعد إضعافها للغاية في المحيط الدولي، بحيث تمثل "رجل أوروبا المريض" الذي ينتظر الجميع موته لتقسيم تركته الكبيرة.
المصدر:
معاهدة سان ستيفانو - ويكيبيديا، تحت شروط رخصة جنو للوثائق الحرة