المغول في الصين
في نهاية القرن الثالث عشر كان المغول قد اكتسحوا الصين كلها،
ربما قتل حوالي ثلاثين مليون إنسان خلال فتحهم لها، أي أكثر من ربع عدد سكانها في عام 1200م.
وفي عهد (قبلاي) وهو آخر الخانات الكبار، نقلت الإمبراطورية المغولية مركزها من السهوب إلى بكين، ويمكننا اعتبارها منذ ذلك الحين إمبراطورية صينية لا مغولية، كما اتخذ قبلاي لقباً سلالياً في عام 1271، وانقطع عن نمط حياة السهوب التي طالما تشبث بها قومه، وخفف من ريبته بالحضارة وإنجازاتها. ومضي حياته كلها في الصين تقريباً، ولو أن معرفته باللغة الصينية ظلت ضعيفة. وقد استسلم أتباعه لثقافة الصين رويداً رويداً، بالرغم من ارتيابهم بطبقة الإداريين العلماء في البداية،
والحقيقة أن الصين قد غيرت المغول بأكثر مما غيروها هم، وهكذا نشأت الإمبراطورية الرائعة التي تحدث عنها ماركو بولو بإعجاب كبير،
إلا أن المغول قد سعوا للبقاء منفصلين عن أهل البلاد الأصليين، فمنعوا الصينيين من تعلم المغولية ومن التزاوج ببنات المغول ولم يسمحوا لهم بحمل السلاح، وكانوا يفضلون استخدام الأجانب بدلاً من الصينيين في الإدارة كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، وهو أسلوب تجد نظيراً له في الخانيات الغربية للإمبراطورية المغولية، فقد عمل ماركو بولو ثلاث سنوات في إدارة الخان الكبير، وكان رئيس المكتب الإمبراطوري لعلم الفلك نسطورياً، وكان المسلمون من مقاطعة ما وراء النهر جيحون يديرون مقاطعة يونان. كما أن المغول علقوا نظام الامتحان الرسمي لبضع سنوات، وربما كان مسلكهم هذا بسبب استمرار عداوة الصينيين للمغول خاصة في الجنوب. إلا أن إنجازات المغول كانت باهرة حقاً، وإن توحيد الصين قد أبرز من جديد قوتها العسكرية والدبلوماسية الكبرى، ولم يكن فتح الجنوب التابع لسلالة السونغ بالأمر اليسير، ولكنه عندما اكتمل في عام 1279 ضاعف موارد قبلاي بأكثر من مثلين، فجمع هذا أسطولاً ضخماً وراح يعيد بناء دائرة نفوذ الصين في آسيا، فغزا فيتنام في الجنوب واستولى على هانوي ثلاث مرات، كما احتلت بورما لفترة من الزمن بعد موته. ولكن الحقيقة أن هذه الفتوحات لم تدم زمناً طويلاً، إذ لم تبق هذه البلاد تحت الاحتلال بل صارت تدفع الجزية بدلاً من ذلك.
وكان النجاح في جزيرة جاوه بإندونيسيا محدوداً أيضاً، فرغم أن سفن الصين قد رست فيها وأخذت العاصمة في عام 1292، فإنها عجزت عن الاحتفاظ بها، وكانت اليابان هي البلد الوحيدة التي فشلت محاولات المغول لغزوها فشلاً تاماً. أما التجارة البحرية مع الهند وشبه الجزيرة العربية والخليج الفارسي التي ابتدأت على عهد السونغ فقد ازدادت تطوراً وازدهاراً.
ولما كان نظام المغول قد عجز عن الاستمرار فلا يمكننا في المحصلة أن نعده نظاماً ناجحاً، ولكن لابد لنا من ذكر بعض مناقبه، والحقيقة أنه قد أتى بتطورات إيجابية كثيرة خلال قرن واحد أو أكثر بقليل. فقد ازدهرت التجارة الخارجية ازدهاراً لا سابق له، ويقول ماركو بولو أن الخان الكبير كان يطعم بهباته السخية فقراء بكين، ونحن نعلم أنها كانت مدينة كبيرة.
وبالنسبة لمعالجة المغول لأمور الدين: لم يعرقلوا سبيل أحد في التبشير بدينه ماعدا المسلمين، فشجعوا الطاوية والبوذية، وأعفوا الأديرة البوذية مثلاً من الضرائب، واقتضى هذا بالطبع فرض ضرائب أشد على غيرهم كما هي الحال دوماً حين تؤيد الدولة ديناً ما، فكان الفلاحون يدفعون ثمن التبشير الديني.