مذبحة الجوازى في ليبيا سنة 1817
بقلم : د. فرج عبدالعزيز نجم===============
هُجرت قبيلة الجوازى على بكرة أبيها قسراً إلى مصر باستثناء عدد من العوائل التي ذهبت إلى الجزائر والمغرب
ولكن أخر عملية تهجير رأتها البلد ومازالت ماثلة للعيان هي تلك النكبة التي أصابت قبيلة الجوازي عام 1817م على يد قوات يوسف باشا متحالفاً مع اخوة الجوازي من العلايا (العواقير والمغاربة) وحلفائهم.
فكانت المحصلة كانت طرد الجوازى نتيجة حروب كارثية قادتها ضد اخوتها العلايا عامي 1811 و1812م وضيقت فيها الخناق عليهم لدرجة انهم أكلوا طحالب البحر في حصارهم لهم في ملاذ الولي الصالح سيدي خريبيش
ويعرف ذلك الحصار الذي دام خمسة اشهر في الروايات الشفوية باسم "عقل خريبيش"[1].
ولنختصر أحداث القصة التي روى تفاصيلها المروعة الدكتور الإيطالي باولو ديلا تشلا الذي رافق الحملة كطبيب خاص لأحمد باي القرمانلي.[2]
فلقد رأى الحكام القرمانليون ان قبيلة الجوازى أصبحت عبئاً على الدولة وحان وقت التخلص من بأسهم الشديد حتى تذعن لسلطان الدولة في برقة.
فدعا ( أحمد باي، ابن يوسف باشا القرمانلي) شيوخ قبيلة الجوازى الذين بلغ عددهم اكثر من 45 شيخاً في قصر الحكومة بمنطقة الِبركة لتوزيع البرانيس الحمر عليهم هدية من الباشا نفسه وتقديراً لولائهم له.
ومن بعد دخول هؤلاء المساكين صحن القصر أعطى الباي الإشارة لمماليكه وخصيانه وحراسه للإجهاز على الجوازى.
وبالفعل قتل جميع من دخل القصر
ثم انطلق جنود الحكومة مدعومين من القبائل التي كانت تخاصم الجوازي، وأعملوا سلاحهم في خيام الجوازي الذين كانوا في غفلة من أمرهم، فقتل من قتل من الرجال والنساء والأطفال، وهرب من هرب إلى مصر،
وكان ذلك في شهر رمضان من عام 1817م.
بهجرة الجوازى انقلبت معايير القوة في برقة البيضاء وأصبحت (قبائل العلايا ) أسياداً للمنطقة بعدما كانوا أتباعاً لإخوتهم الجوازي الذين استبدوا بهم، حتى أن امرأة من قبيلة الجوازى عايرت العواقير فقالت "ما نا عواقير علي خريبيش نعقلوا".
ومن ثم والت (قبيلة العواقير) وحلفاؤهم المصراتية (سكان المدينة) الحكومة العثمانية عكس ( قبيلة الجوازي) وبذلك ضمنوا لأنفسهم الريادة والسيادة في المنطقة.
هذا وقد هجا الصباغ، أحد رجازي وفرسان الجوازى، الأتراك (القرمانليين) وحلفائهم من العواقير وما اقترفته أياديهم، وحذرهم بأنهم سوف يرجعون يوماً ما إلى مواطنهم في برقة - فقال:
نوادعوك يا برقة اليوم جـلينا لكن انجوك انجـوك باذن الله [3]
ولا تنتسي من البال يا الحنونه ولا ينتسى هلي اغرق في دماه
ولا سلوق ننسوها ولاجردينة شهيرة بالشيخ بو مرعي اسماه
……
ولا ينتسى هلي أسباب جلانا الحاكم التركي والعقوري معاه
ولا ينتسى حتى نـهار الذيبه فيه ألف فارس فارقـوا الحياة
الجوازي انهدو على العدو ما يردوا يوم حوسة الذيبة نهار فناه
والعواقير جسر ما هناك تبصر ابراهيم وسديدي أصحاب عناه
ركابة على القصـيرات قيونه صيتهم يشرف سمـح يا محلاه
العواقير هدن على العدو ما يردن دياره على إلى طاح في الميدان
عواقير جرح راكبات القرح كما صقور سرح طالبات عشاء
جبارنة تنادوا في بعضهم راغوا في نقر برقة ما هنـاك وقـاه
وكاثر الطايح والسبيب ذوايح نهاراً شين دخانه ارقي السماء
……
ونحن هلك يا برقة عطينا حقك كمين فارس ينهاب قشعرناه
وتوه جلينا والفروض قضينا وحقك عطينا بالوفاء درناه
ووين ما انردوا ما لحد نجدوا لنا ملك في برقة شـهير نباه
=================
الهوامش:
[1] بازامه – بنغازي عبر التاريخ صـ 269، 325. (عقل من عقال، اسم للموضع الذي تعقل فيه الناقة، كناية عن حصارهم بتلك المنطقة التي بها ضريخ الولي الصالح سيدي خريبيش).
[2] توجد تفاصيل هذه القصة في المرجع الأول التي ترجمت فيه هذه الرسالة إلى الإنجليزية وهو:
Cella, Narrative of an expedition from Tripoli in Barbary to the western frontier of Egyptian 1817, by the Bey of Tripoli, in letters to Dr. Viviani of Genoa, tr. by A. Aufrere, pp 219-228.
[3] وفي هذا البيت وأخر أبيات يظهر التأكيد على الرجعة يوماً ما إلى برقة بتكرير الشاعر كلمة "انجوك". وهذا الموقف والمرارة عبر عنها الأستاذ محمد عبد الرازق مناع الجازوي بأسلوب توثيقي في كتاباته لاسيما كتاب "الأنساب العربية" الذي آثار زوبعة ودوياً بين القبائل في برقة لما يحمله من نبش للماضي ومخاطر للمستقبل كما اخبرني بعض زملائه من المعلقين.
===========