منتدي لآلـــئ

التاريخ والجغرافيا وتحليل الأحداث
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 ذو نواس الحميري

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الأستاذ
Admin
الأستاذ


عدد المساهمات : 3574
تاريخ التسجيل : 25/09/2008

ذو نواس الحميري  Empty
مُساهمةموضوع: ذو نواس الحميري    ذو نواس الحميري  Icon_minitimeالثلاثاء يناير 28, 2014 1:44 pm

ذو نواس الحميري
============
 
 
ورد بالآثار اسم يوسف بدون لقب ملكي طويل مكتفيا بلقب "ملك يوسف أسأر" فقد كان أقيال القبائل ينافسونه السلطان
 
بالنسبة إلي تسميته بإسم "ذو نواس" فإنه الي حد علمي لليوم لم تكتشف كتابة بخط المسند بهذا الاسم. فقد ورد اسمه بصيغة "يوسف أسأر" أو "يوسف آزار"
المصدر :
Le Museon, 3-4, 1953, P.284.
====================================
ذو النواس الحِميَّري في الأصل كان أحد الأذواء وليس ابن ملك  ولكن قدراته علي ابرام التحالفات العسكرية مع القبائل الموالية له هي التي جعلته ملكاً فعلياً

الملك "يوسف أسأر" كان ملكا محاربا وقاسيا وتحامل على المسيحيين و لم يبدي شفقة أو تساهل مع أعداء حِميّر حتي لقي حتفه في ميدان القتال وزالت بزواله دولة حمير
أورد السريان قصة أنه أرسل وفدا إلى الحيرة يطلب من ملكها أن يقتدي به بأن يقتل  المسيحيين في العراق
ففي زمنه  كان المناذرة حلفاء للدولة الفارسية ،، ووقتها كانت الدولة الفارسية ذات علاقة جيدة بالحميريين ،وأما العلاقات الفارسية الرومانية فقد كانت علاقات متدهورة تصل أحياناً لدرجة الاقتتال العسكري بين الدولة الفارسية والدولة الرومانية
 
المصدر:
Die Arabische Frage I, S. Ii
--------------
ولكن هناك اعتقاد يهودي أن الرسالة الآنف ذكرها ملفقة وتعكس أحقاداً مسيحية على اليهود الذين عانوا كثيراً من المسيحيين

المصدر :
Isidore Singer, Cyrus Adler.The Jewish encyclopedia : a descriptive record of the history, religion, literature, and customs of the Jewish people from the earliest times to the present day (1901) volume 4 p.563
----------------------
وإستغل ملك أكسوم هذا الوضع وأعلن  دعمه للمسيحيين في نجران
 
وشن يوسف أسأر حملات على مراكز المسيحيين وإستطاع أن يجمع جموعا من القبائل كانت فروعاً من كل من :
خولان
وكندة
ومذحج
وهمدان
وبضعة بيوت وأقيال من حمير وتحديدا من بيت "ذو يزأن" ومنهم الملك  سيف بن ذي يزن
 
المصدر:
Le Museon, 3-4, 1953, P.296, Bulletin Of The School Of Oriental And African Studies, University Of London, Vol., Xvi, Part: 3, 1954, P.434, Ryckmans 508
=============
حاول يوسف الحفاظ على استقلالية بلاده ووحدة قبائله
شنت جيش القَبائل الموالية ل"ملك يوسف أسأر" حملات على القبائل والأقيال المسيحيين المناوئين له والمعاونين للأحباش
وأسفرت تلك الحملات عن  خسائر فادحة ومجازر للمسيحيين والأحباش في (ظفار يريم) حيث قتل بها قرابة  13 ألفاً منهم وتم هدم  القليس (أي الكنيسة ) وسحق قبائل الأشاعرة المعاونة للأحباش
 
ثم توجه جيش القَبائل الموالية ل"ملك يوسف أسأر" إلى نجران وقتل هناك ما يقارب 11ألفاً  وهدم الكنيسة  هناك
 
 
المصادر :
Le Museon, 3-4, 1953, P.296
 
Vincent J O'Malley, C.M. (2001). Saints of Africa. Huntington, IN: Our Sunday Visitor Publishing. pp. p.142.
 
ولم يعثر الآثاريون علي نقش  بخط المسند يشير إلى إحراق السكان
ولكن وجدت الإشارة لذلك في كتابات السريان والبيزنطيين
ومنها ما ذكره ( شمعون الأرشمي) قائلاً أنه كتب الوقائع إستنادا على روايات شهود عيان  الذين رأوا الحميريين يجمعون النساء والأطفال والرهبان في كنيسة نجران وأحرقوا الكنيسة بمن فيها
المصدر:
Arabian]http://www.christianity.com/churchhistory/11629705/print/]Arabian Christians Massacred #
ورد نصان عن  مجازر في ظفار يريم والمخا ونجران ، وهما  يشيران ليوسف أسأر
النصان المكتشفان لم يشيرا إلى مجازر في مأرب وحضرموت.
و المصادر التي تتكلم عن مجازر في مأرب وحضرموت هي مصادر سريانية وبيزنطية
المصدر:
Vincent J O'Malley, C.M. (2001). Saints of Africa. Huntington, IN: Our Sunday Visitor Publishing. pp. p.142
 
===============
 
أورد   الأخباريون أن  "دوس ثعلبن" كانت في عداد القبائل المعادية لذي نواس
و أن رجلا منها ذهب إلى ملك بيزنطة طلبا للنجدة [المصدر: شمس العلوم ج1ق1 ص251]
 
أمد الملك البيزنطي جستنيان الأول كما ورد في كتاب المؤرخ بروكوبيوس المسيحيين بأسطول دخل اليمن عن طريق ساحلها الغربي وقتل ذو نواس في المعارك عام 525 - 527 وهذه كانت النهاية لمملكة حمير
المصادر:
S. C. Munro-Hay, Aksum: An African Civilization of Late Antiquity (Edinburgh: University Press, 1991), p.87
 
The Chronicle of Zuqnin. Translated from Syriac with notes and introduction by Amir Harrak (= Mediaeval sources in translation. 36). Pontifical Institute of Mediaeval Studies, Toronto, 1999، pp. 78-84. Volume III, page 78-84
=========================
 
 
 
أصبحت المناطق الغربية لجنوب شبه الجزيرة العربية مملكة تابعة لروما وعليها حميري يدعى شميفع أشوع سمى نفسه ملك سبأ.
بعد مقتل يوسف، استقرت الأمور في السواحل الجنوبية الغربية للجزيرة وإستقل زعماء القبائل بإقطاعياتهم ومخالفيهم ولا بوادر أنهم خضعوا لشميفع أشوع أو أعترفوا به ملكاً عليهم وكان أشوع وأنصاره متحصنين في حصن مارية القديم بذمار.
 
قام أحد زعماء القبائل المقربين من البيزنطة والمدعو "قيس" وكان كندياً من أقارب الحارث بن عمرو الكندي أو "آريثاس" كما ذكره البيزنطة بقتل أحد أقرباء شميفع أشوع ومع ذلك لم يثأر شميفع لقريبه وإنصاع لشفاعة الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول بتعيين "قيس" أو "كايسوس" على قبيلة معد لحجم الدين الذي قدمه البيزنطة بتخليص مسيحيي جنوب الجزيرة العربية من يوسف أسأر الحِميّري
المصدر:
Gunnar Olinder,The Kings of Kinda of the Family of Ākil Al-murār H. Ohlsson, 1927 p.117
===============
 
إن  البيزنطيين أرادوا استغلال نفوذ حِميَّر على كندة والتي كانت هي بدورها مسيطرة على أجزاء واسعة من شبه الجزيرة لقتال الفرس
المصدر:
History of the Wars, Books I and II (Persian Wars) By Procopius XII 9-13
 
================
من الواقع أن سقوط حِميّر أدى إلى استقلالية القبائل لأن حمير كانت شديدة السطوة
ولكن  سقوط حمير  لم يأتي بالفوائد علي القبائل  فقد ضعفت مملكة كندة كثيراً وتأثرت بهذا السقوط
المصدر:
Irfan Kawar Journal of the American Oriental Society Vol. 77, No. 2 (Apr. - Jun., 1957), p.371
=================
ذكر المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس أن عدداً من الجيش البيزنطي ـ الأكسومي :"آثر البقاء في أرض الحميريين لإنها جيدة جدا " على حد تعبيره ولم يريدوا مغادرة اليمن
المصدر:
 History of the Wars, Books I and II (Persian Wars) By Procopius p.62
 
 
أحد هولاء كان أبرهة الأشرم أو "أبراهموس" (إبراهيم) الذي قام بقتل شميفع أشوع وأعلن نفسه ملكاً "بسم كرشتس وروحن قدس" (بسم المسيح والروح القدس).
مقتل شميفع قاد لتمرد معد ،، فتوجه أبرهة الأشرم بنفسه لأراضيهم وأخذ أبناءهم ونسائهم رهائن مقابل الولاء
المصدر:
A. G. Lundin, Yujnaya Arabia W VI Weke palestynski Sbornik, 1961, P. 73
 
----------
وإنتهزت قبائل أخرى مقتل شميفع لتعلن تمردها فقاد رجلان  من كندة اسمهما "بشر بن حصن" و"أبو الجبر بن عمرو" حملة على بلدة "تربة" قرب الطائف بجزيرة العرب
المصدر:
Le Museon, 1965, 3-4, P434 and  P435
 
ودونت كتابة بخط المسند تذكر عدد القتلى والغنائم والأسرى والأطفال الذين أخذهم من سكان الطائف مقابل الولاء
وذلك حسب  المصدر التالي:
A. G. Lundin, Yujnaya Arabia W VI Weke Palestyniski Sbornik 1961, PP. 73-84
 ==================
لقد كانت القبائل منقسمة وإستغل الأشرم الانقسام لصالحه
وبالفعل فقد خرج زعيم من كندة يدعى (يزيد بن كبشت)  ومعه ابن شميفع أشوع وأقيال من "مرثد بن بكل" (بكيل) و"ذو يزأن" (بيت ذو يزن) و"ذي معاهر" و"ذو خليل" لقتل أبرهة إلا أن أقيال حضرموت وهمدان و"ذو رعين" (يافع) و"أشعرن" (الأشاعرة) وعدد من القبائل قاتلوا سيد كندة  المصدر:
M. Hartmann, Die Arabische Frage, S. 335
 
ولاحظ الباحثون غياب أي ظواهر ولاء للوطن واستعداد القبائل للوقوف بصف الغريب طالما إقتضت المصالح
كأن القبائل اليمنية لا تعرف وطناً ولا قومية إلا قومية القبيلة وبقيت تلك المشكلة عالقة إلى اليوم وهناك شك في ومدى قدرتهم على الإيمان بالقومية اليمنية الوطنية الجامعة 
المصدر:
جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٤ ص ٤٠٩
 
 
إستمر الإقتتال لفترة بين القبائل اليمنية حتى وصل لأسماع المتقاتلين "أصوات البكاء" عن تصدع هو الثالث وقبل الأخير أصاب سد مأرب كما يقرأ من نص بخط المسند يعود إلي العام 542
E. Glaser, Geschichte and Geographie Arabiens (Berlin, 1890), and in Petermann's Mitt. (1886) S. 101
وعندئذ تركوا الحرب وتوصلوا لهدنة لإعادة ترميم السد وكان هذا الترميم  آخر ترميم يجرى عليه
# F. Praetorius, Bemerkungen zur den beiden grossenInschriften vom Dammbruch zu Marib, in ZDMG, 1899, 5, 15
 
توجد كتابات تاريخية قليلة عن الحقبة الفارسية في اليمن  ومنها كتابات بيزنطية  عن  سيطرة الفرس على عدن
Richard Frye,The History of Ancient Iran p.325
وبضعة أساطير  دونت بعد نحو القرن من حدوثها  في العصر العباسي لا ترقى بأن تُسمى تاريخاً مدققاً ولكنها تعطي لمحات من الفولكلور عن هذا التاريخ.
 
وقبيل الإسلام دخلت اليمن الفارسية عصرا من الانحطاط بينما صعدت  مكة وأضحت مركزا تجاريا مهما بل ربما الأهم في الجزيرة العربية لبعدها عن مراكز الصراع
ويقول صاحب المفصل :" أستطيع أن أقول إن حكم الفرس كان حكمًا شكليًّا، مقتصرًا على بعض المواضع، أما الحكم الواقعي فكان للأقيال
فقد حكم شيوخ الحميريين كاذواء سلطتهم علي أبناء عشائرهم ولا سلطة حقيقية تذكر لهم خلال الحقبة الفارسية في اليمن
إلا على قبائلهم

المصدر:
المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - الدكتور جواد علي   


 
المرادفات :
قلسن =القليس = كلمة بلسان الحميريين تعني كنيسة
(يزيد بن كبشت) في نصوص المسند (يزيد بن كبشة)
"أشعرن" = الأشاعرة
"ذو رعين" = يافع
"ذو يزأن" =ذو يزن

 
======
 
ذو نواس الحميري  220px-Meister_von_San_Vitale_in_Ravenna


الملك جستنيان الأول
====================
 
 
 
ذو نواس الحميري  220px-Saint_Arethas_of_Najran


رسم أرثوذكسي لأسقف نجران الذي قتله ذو نواس عام 524 


عدل سابقا من قبل الأستاذ في الإثنين أبريل 14, 2014 10:43 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://pearls.yoo7.com
الأستاذ
Admin
الأستاذ


عدد المساهمات : 3574
تاريخ التسجيل : 25/09/2008

ذو نواس الحميري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذو نواس الحميري    ذو نواس الحميري  Icon_minitimeالثلاثاء يناير 28, 2014 1:57 pm

حول معني إسم ولقب ذو نواس (يوسف) :
اسمه يدل على ديانته اليهودية ولقبه يدل على أنه كان قبل تملكه قيلاً مقره أو قبيلته (نَواس) ونَواس بفتح النون:حصن في يافع
و(نَوّاش)بفتح فتضعيف آخره شين:حصن في أرحب، و(نأسم= نأس ويمكن أن تقرأ نؤاس) قبيلة تذكرها النقوش تابعة لمقولة بني ذي غيمان .
 أما اسمه ولقبه وصفته في نقوش المسند فهي ( يوسف أسأر يثأر ملك كل الشعوب ) أما الوثائق السريانية فتسميه( يوسف) و(ذا نواس) وتقول: إن اسمه كان (مسروقاً) قبل تهوده.
المصدر :
الموسوعة اليمنية، مطهر الإرياني
======================
الفترة ( 516-525) :
 أعلن يوسف ثورته  علي التدخل الحبشي الروماني في اليمن تحت إسم  المسيحية،الذي تفاقم بوصول بعض الأحباش إلى(ظفار) وتنصيب ملك مسيحي، ووصول بعض المبشرين الأجانب إلى نجران.
 
واستمرت ثورة يوسف نحو تسع سنوات أي حتى عام 525م،
 
بدأ ثورته  بتوجيه رسائله إلى أفيال اليمن لملاقاته في (ظفار) لقتل الأحباش وطردهم من اليمن وتوجه هو نفسه على رأس جيش كبير، فاقتحم (ظفار) وقتل من فيها من الأحباش وحرق وهدم كنيستها وقضى على من فيها من رجال الكهنوت،
 
ثم توجه لمحاربة المسيحيين والأحباش وأنصارهم في الأشاعر والركب وفرسان وشمير- مقبنة- سهلها ومصانعها والمخاء والمندب فقتل من قتل وفر من فر من الأحباش وغيرهم،
 
واستقر برهة في المندب لتحصين سواحل البحر الأحمر الجنوبية خشية عودة مرتقبة للأحباش.
 
ومن جانب آخر جهز جيشاً كبيراً بقيادة أحد أفياله وبعثه إلى نجران لمحاربة المتنصرين والمبشرين الأجانب هناك، وبعد أن اطمأن إلى الاستعدادات في الجنوب توجه بنفسه إلى نجران حيث اقتحم مدينتها وقتل فوراً كل أجنبي فيها، كما قتل كل من يرفض القول: "إن المسيح إنسان مائت" أي كل لاهوتي مؤله للمسيح.
 
ثم كَرَّ عائداً إلى الجنوب فتواجه بعد أن تخلى عنه عدد من أقياله يائسين من النصر علي  الحملة الحبشية المجهزة جيداً، ولكنه قاتل بمن معه حتى قتل . 
المصدر:
الموسوعة اليمنية، مطهر الإرياني
=========================
قادة جيوش ذي نواس :
كان  رؤساء البيوت (العشائر) الحميرية هم قادة جيوش ذو نواس  ومنهم :
"شرح إيل ذو يزأن" (شراحيل ذو يزأن) ممايعني أنه كان قيلا على بيت ذو يزن الحميري.
"شرحب إيل يكمل" - "شميفع أشوع" -  شرح إيل (شراحيل) يقبل -  شرحب إيل (شرحبيل) يكمل    - شرحبيل أسعد -  - معاوية بن والعة - نعمة بن مالك - تميم يزيد رئيس بيت "لحيعة ذي جدن"
==========================
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://pearls.yoo7.com
البدراني
عضو فعال
البدراني


عدد المساهمات : 3882
تاريخ التسجيل : 01/08/2009

ذو نواس الحميري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذو نواس الحميري    ذو نواس الحميري  Icon_minitimeالأربعاء فبراير 12, 2014 8:01 am


الملك ( ذي نواس )
بقلم :محمد زكريا

------------------------
الملك الحميري (معد يكرب يعفر) أو (يوسف أسأر يثأر ) والمشهور في المصادر العربية الإسلامية باسم الملك ( ذي نواس ) لعب دوراً خطيراً على أحداث مسرح اليمن القديم .

في عهده شهدت اليمن غزوتين:
الغزوة الأولى :كانت بين سنتي 516م و 518م حيث قامت القوات الحبشية باحتلال اليمن ولكنها هزمت بسبب المقاومة العنيفة والشديدة الذي أبداها الملك ( ذي نواس ) والقبائل اليمنية الصعبة المراس التي ألتفت حوله ،

الغزوة الثانية : كانت سنة 525م , والتي تشكلت من التحالف الحبشي البيزنطي وفيها وقعت أرض حمير(اليمن) تحت نفوذ القوى الأجنبية مدة 50 عاماً تقريباً ,

وفي عهده زلزل الرأي العام المسيحي زلزالاً عنيفا من جراء المحرقة التي أقامها للمسيحيين في نجران والتي تعرف بأصحاب الأخدود في القرآن الكريم .



الأوضاع الداخلية والخارجية :

في الحملة الثانية على اليمن ، كانت الأوضاع الداخلية والخارجية قد تغيرت ضد الملك ( ذو نواس ) في الداخل بسبب بروز الصراع الحاد والعنيف الذي نشب بين الأقيال وهم زعماء القبائل اليمنية من جهة والملك ( ذي نواس ) من جهة أخرى بسبب تزايد الأولين لنفوذهم على الساحة السياسية اليمنية لكونهم كانوا القوة الضاربة في الجيش الحميري أو بتعبير آخر كانوا قوام الجيش الحميري ، وكان من جراء ذلك أن تمزق كيان الوحدة على أرض حمير مما سهل الأمور على البيزنطيين والأحباش اختراق جدار المقاومة و القضاء على الملك ( ذي نواس ) واحتلال أرض اليمن .

وفيما يخص الأوضاع الخارجية ، فقد رأت كل من بيزنطة والحبشة أنّ الأوان قد حان للانقضاض على أرض حمير.
وفي تلك الغزوة أعدت كل من بيزنطة والحبشة حملة عسكرية كبيرة بهدف القضاء علي الهوية اليمنية قضاءاً مبرماً أو بتعبير آخر القضاء على أية شكل من أشكال المقاومة ضدها .
وبالفعل تحققت خطة البيزنطيين والأحباش في أرض حمير ( اليمن ) فاحتلوا اليمن حتى نهاية 575م أي أنهم سيطروا عليها نحو 50 عاماً عانت خلالها اليمن واليمنيين الأمرين.



هل معد يكرب هو يوسف أسأر ؟

اضطربت الآراء حول اسم الملك الحميري هل معد يكرب يعفر هو يوسف أسأر يثأر ؟ .
فبعض الباحثين ، يقول بما معناه : أنّ معد يكرب هو يوسف أسأر
وسبب ذلك الاختلاف هو أن ( يوسف ) كان اسمه معد يكرب قبل أنّ يتهوّد أي يدخل في الديانة اليهودية .
ولقد كان ( يوسف ) هذا عندما اعتلى كرسي الحكم في اليمن كان نصرانياً واسمه معد يكرب . وهذا ما أكده الأستاذ الباحث حمود جعفر السقاف ، قائلاً : " من المؤكد أنّ معد يكرب يعفر ... هو نفسه يوسف أسأر / ذو نواس " .

ويورد الأستاذ حمود السقاف أنّ الأسباب التي أكدت له أن معد يكرب هو ( يوسف ) أن المصادر النقشية تؤكد أنه في إبان الحملة الأولى ظهر اسمان لملكان قويين قاوما تلك الحملة الحبشية الأولى على أرض حمير ، ويعقب على ما قالته تلك المصادر النقشية ، قائلاً : " ... لا يمكن وجود ملكين قويين في اليمن في نفس الوقت وهو أمر غير ممكن ، ولذلك فإن معد يكرب لا يمكن إلاّ أنّ يكون يوسف أسأر / ذو نَواس نفسه وذلك قبل تحوله إلى الديانة اليهودية والتسمِ باسم يوسف ، وهو اسم يهودي يقول الأخباريُون العرب أنه أطلقه على نفسه عند تهوُده " .

والحقيقة أنّ حمود السقاف أورد خمسة أسباب تؤكد أنّ معد يكرب يعفر هو نفسه يوسف أسأر يثأر/ ذو نواس الذي كان ملكاً في " يونيه 516م - حسب قوله - .
وفي موضع آخر يؤكد جعفر حمود علي سبب تسمية الملك باسم ( ذي نواس ) وهو " ... للدلالة على عودته إلى ديانة جدِه أبي كرب أسعد ( الكامل ) ، وهي الديانة اليهودية" .

رأي مناقض
ولكن هناك رأي مغاير يخالف رأي الأستاذ حمود السقاف حول أن اسم معد يكرب يعفر هو نفسه اسم يوسف أسأر ( ذو نواس ) .
وذلك الرأي هو رأي الدكتورة أسمهان سعيد الجرو فهي تقول أنّ يوسف أسأر ( ذا نواس ) جاء بعد الملك معد يكرب يعفر والذي كان نصرانيا , وبعد أعتلى يوسف أسأر يثأر حكم اليمن بفترة من الوقت تحول من النصرانية إلى الديانة اليهودية .

ولقد ذكرت اسمهان الجرو أن الأسباب الحقيقية وراء دخول ( ذو نواس ) إلى اليهودية هو التخلص من النفوذ البيزنطي المسيحي الحبشي الذي فرض هيمنته على الكثير من مناطق اليمن والتحكم بمصيرها .

وهنا ربما كان مناسباً ، أنّ نقتبس كلام الدكتورة أسمهان الجرو حول تلك المسائل التي طرحناها قبل قليل كالآتي : " جاء بعد الملك ( معدي كرب ) ( 517م ) ، الملك " يوسف أسأر يثأر " ... الملك الذي لقب نفسه " يملك كل الشعوب " ، وأطلق عليه الإخباريون ( ذا نواس ) " .
وتقول عن الانقلاب الذي قام به ( يوسف ) ضد ( معدي كرب ) بأنه بسبب اتجاهاته صوب بيزنطة كالأتي :
" أنه وصل ( تقصد يوسف أسأر ) إلى الحكم نتيجة انقلاب قام به في حوالي عام ( 517م ) ، قضى خلاله على سلفه ( معدي كرب ) الذي انتهج سياسة موالية لبيزنطة ".

من أسرة الملك معدي كرب :

وتشير أسمهان الجرو أنّ هناك رأي يقول أنّ الملك ( ذا نواس ) كان ينحدر من أسرة الملك معدي كرب ، وأنه وصل إلى قمة الحكم دون سفك الدماء , وكان في بداية حكمه نصرانياً .
وفي هذا الصدد ، تقول :
" ويرى فريق آخر ، أنه ينحدر من أسرة الملك النصراني " معدي كرب " بل و خلفه ( يوسف أسأر / ذا نواس ) في الحكم بعد موته ، ولم يثر عليه أو سلب منه السلطة ، فقد كان نصرانياً أيضاً في بداية عهده "
وتواصل حديثها :
" ما جاء به هذا الفريق يؤكد قول " محمد بن حبيب البغدادي " عن ( يوسف ) أو ( ذي نواس ) ، حيث يقول : " وملك بعد ( يقصد معدي كرب ) ثم تهوّد ، ودان باليهودية ودعا الناس إليها " .
وتفسر الدكتورة أسمها الجرو سبب تسمية ( ذو نواس ) باسم ( يوسف ) ، حيث تقول : " أنه أعتلى العرش وهو يدين بالنصرانية ، ولعله بعد أن اعتنق الديانة اليوديّة أطلق على نفسه اسم ( يوسف ) .

ونستخلص من كلام أسمهان الجرو الآتي :
أنها تؤكد أنّ الملك ( يوسف ) أو ( ذا نواس ) ليس هو الملك ( معدي كرب) مثلما قال حمود السقاف , وهذا ما أكدته بما معناه : " أن الملك يوسف أسأر قام بانقلاب على الملك ( معدي كرب ) بسبب سياسته التي تميل نحو الدولة البيزنطية " وفي موضع آخر تذكر أنّ الملك ( يوسف ) أو ( ذا نواس ) ينحدر من أسرة الملك ( معدي كرب ) ، وأنه بعد موته تولى الحكم دون انقلاب أو سفك دماء أي أنه وصل إلى سدة الحكم بشكل سلمي .

عداء صريح لبيزنطة :

ولقد قلنا سابقاً : أنّ ( ذا نواس ) أو ( يوسف ) اعتنق اليهودية بهدف التحرر من النفوذ البيزنطي المسيحي ، فعمد على محاربة كل من يوالي ويحالف بيزنطة وبالتالي وقف موقفاً عدائياً صريحاً من النصرانية أو المسيحية .

وهذا ما أكدته الدكتورة أسمهان الجرو ، حيث تقول :
" فبعد أن تهوّد الملك الحميري ( يوسف ) انتهج سياسة مغايرة لسياسة سلفه ( تقصد معدي كرب ) وأخذ يؤلب القبائل ويجمع شملها ، استعداداً لتحرير المناطق اليمنية من النفوذ الحبشي والمصالح البيزنطية ، فاستخدم القوة والشدة في معاملته مع التجار المسيحيين , وحلفاء الأحباش ، والقبائل اليمنية الموالية لهم ، كقبائل ( عك ) و ( الأشاعر ) بتهامة .
وبسبب تلك السياسة قل تعامل التجار البيزنطيين مع المواني اليمنية وتضرر كثير من اليمنيين تضرراً اقتصادياً كبيراً وخاصة من ارتبطت مصالحهم بتلك التجارة " .

خصوم الملك ( ذو نواس ) :

وتشير أسمهان الجرو إلى أهم المناطق أو المدن التي ناصبت الملك ( ذي نواس ) العداء " و هي:
أولاً " نجران : المركز التجاري والديني ، وملتقى الطرق التجارية التي تنطلق من ( نجران ) إلى الخليج العربي عبر وادي ( الدواسر) و ( اليمامة ) و ( البحرين )
وعبر ( نجران ) تأتي الطريق القادمة من ( صنعاء ) ، و ( مأرب ) ، و ( الجوف) والمتجهة إلى ( الشام ) .
وفي ( نجران ) توجد جاليات مسيحية متمركزة حول بيت العبادة الذي سمي بكعبة ( نجران ) " .
وتمضي في حديثها ، قائلة :
ثانياً :" ظفار : العاصمة الحميرية والتي سبق وأنّ احتلها الأحباش وطردهم الملك الحميري ( ملكي كرب يهأمن ) ، إلاّ أنهم عادوا في وقت متأخر في عهد ( معدي كرب ) بحجة التبشير بالنصرانية وحماية كنائسها .

ثالثاً : المناطق الساحلية الغربية ( المناطق التهامية ) وتقطنها أهم القبائل الموالية للأحباش وهم : ( الأشاعر) و ( الركب ) و ( عك ) و ( فرسان ) و الواقعة أراضيهم على امتداد الساحل المقابل للحبشة
وقد تمكن الأحباش منذ القرن الأول الميلادي من إيجاد موطأ قدم لهم في الإقليم الساحلي ، و ظلت تلك القبائل وفيه لهم بحكم مصالحها الاقتصادية ، وبحكم الجوار الجغرافي خاصة وأن الأحباش امتزجوا بسكان ذلك الإقليم لقرون لا يستهان بها ، كما أسسوا لهم مستوطنات وبنوا فيها الكنائس ومن هذا كانوا ينطلقون إلى المناطق الداخلية كلما سنحت لهم الفرصة بذلك " .

حلم طال انتظاره :

ونستخلص من ذلك أنّ الملك يوسف أسأر ( ذا نواس ) كان في موقف داخلي خطير وصعب ومعقد فأعداؤه في الداخل يحيطون به ويتربصون به الدوائر ولهم نفوذ قوي في داخل مملكته وهي نجران ، وظفار والتي كانت عاصمة حمير ( اليمن ) علاوة على المناطق الساحلية التي ضمت عدد غير قليل من القبائل التهامية الموالية لأعدائه الأحباش
وفضلاً عن ذلك فإنّ المسيحية كانت قد انتشرت انتشاراً واسعاً في تلك المناطق المعادية للملك يوسف ذي نواس .

وقد كانت تلك المناطق التهامية نقطة انطلاق للأحباش للتوغل في داخل اليمن كلما سنحت لهم الفرصة وبتعبير آخر عندما تضعف القبضة المركزية على تلك المناطق التهامية يتحرك الأحباش إلى داخل اليمن .

وكان من جراء أساليب العنف والقوة للمناصرين للدولة البيزنطية والحبشية ، أن لجأ حلفاؤهما إليهما لمساعدتهما ضد سياسة ( ذو نواس ) العدائية لهم . وهذا ما أكدته الدكتورة اسمهان جرو ، قائلة :
" لقد كان لسياسة العداء التي انتهجها ( يوسف ) ضدهم رد فعل قوي ، حيثد لجأ المتضررون من تلك السياسة إلي بيزنطة لمساعدتهم في وضع حد لتلك المعاملة.
فوجَهت ( بيزنطة ) نظرها صوب ( الحبشة ) التي وجدت في تلك الدعوة سبيلاً لتحقيق حلم طال انتظاره ، فرحبت بالفكرة دون تردد " .

عواقب سياسية وخيمة :

والحقيقة أنّ الملك الحميري ( يوسف ) أو ( ذا نواس ) وضع نصب عينيه تحرير أرض حمير من النفوذ البيزنطي ولكنه لم يقدر العواقب السياسية الوخيمة إزاء ذلك العداء الواضح والصريح للدولة البيزنطية القوية ومن جهة أخرى أنّ جبهته الداخلية لم تكن لصالحه نظراً إلي أنّ العديد من الأقاليم والمدن ، كانت مناوئة ضد سياسته

. وفي الحقيقة لقد استخدم ( ذي نواس ) العنف والشدة ضد التجار المسيحيين الذين كانوا يمثلون عصب الحياة التجارية في الموانئ اليمنية ،
فترتب على ذلك أن فر هؤلاء التجار المسيحيين من تلك الموانئ ،
فأثر تأثيراً سلبياً على الحياة الاقتصادية في عهد حكمه ,
وكان من الطبيعي أن تفقد مملكته موارد اقتصادية هائلة من جراء سياسته العدائية والعنيفة ضد هؤلاء التجار
فأثر بالتالي على قوته السياسية والعسكرية تأثيراً خطيراً .
وهذا ما أكده سير الأحداث سواء في الحملة الحبشية الأولى على أرض حمير سنة 517 أو سنة 518م وفي الحملة الثانية سنة 525م .

الرومان وثأرهم القديم :

الحقيقة أنّ الإمبراطورية البيزنطية الرومانية ، كان لديها ثأر قديم مع اليمن يعود إلى عهد أغسطس قيصر روما وتحديداً سنة ( 24ق . م ) الذي أرسل حملة عسكرية ضخمة إلى اليمن للسيطرة على منافذ ومحطات الطرق التجارية البرية والبحرية في جنوب غرب الجزيرة العربية ولكن تلك الحملة الرومانية الكبيرة باءت بالفشل الذريع على أرض اليمن.

ونورد ما ذكره الدكتور سيد مصطفى سالم حول تلك الحملة الرومانية على اليمن ، وأسباب فشلها ، حيث يقول :

" وقد عاصر دخول الرومان مصر ازدهار دولة الحميريين في اليمن ، وسيطرتها على الطرق بالتجارية البرية والبحرية في جنوب غرب الجزيرة العربية ،
لذلك قرر أغسطس - قيصر روما - إرسال آليوس جاليوس - ثاني ولاته في مصر - على رأس حملة إلى اليمن ، وقد حشد هذا الوالي عشرة آلاف جندي وبعض القوات المساعدة من مصر ،
وحشد الملك النبطي - حليف الرومان حينذاك - قوة أخرى على رأسهم بعض الأدلاء ووزيره الخبيث - على حد قول سترابون مؤرخ الحملة - لأن الحملة تعرضت للغدر والخيانة عدة مرات " .

وكيفما كان الأمر ، فإن الرومان كان يرادوهم حلم منذ زمن بعيد السيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية في أرض حمير ولكن تلك الحملة الرومانية الضخمة غرقت في رمال المقاومة اليمنية الشديدة سنة ( 24ق . م ) .

حقيقة أنّ تلك الحملة الرومانية فشلت في اليمن فشلاً ذريعاً ولكن أظهرت قوة الإمبراطورية الرومانية أمام اليمنيين والذي وقعوا في حبها أي في حب الرومان - كما ذكر الدكتور سيد الناصري - ومن المحتمل أن سيد الناصري يقصد أنّ اليمنيين وقعوا في حب الرومان هو أنّهم أعجبوا بتلك الإمبراطورية الرومانية القوية .
وربما حاول بعض التجار اليمنيين الاستفادة من الرومان وأنّ يقيموا علاقات اقتصادية معهم .

اليمنيون والأنباط :
ويمضي الدكتور سيد مصطفى سالم في حديثه :
" فقد اشتركت القوات النبطية في هذه الحملة على مضض ، إذ من المعروف أنّ الأنباط كانوا يتعاونون مع اليمنيين منذ زمن بعيد لاحتكار تجارة البحر الأحمر ، كما أنّ هذا الوزير وجنوده كانوا يعلمون أنّ هدف هذه الحملة هو سيطرة الرومان الكاملة على تجارة البحر الأحمر وحرمانهم واليمنيين من مصدر ثرائهم " .

وكيفما كان الأمر ، فإنََّ ( ذا نواس ) اعتنق الديانة اليهوّدية أو تهوّد بسبب رغبته من الخروج من معطف الدولة البيزنطية التي ، كان لها اليد الطولى في أرض حمير والتي كانت تثير المشاكل في الكثير من الأقاليم والمدن اليمنية الهامة وهي نجران ، ظفار ، والمناطق الساحلية الذي سيطر عليها الأحباش المسيحيين حلفاء البيزنطيين من خلال إقامة المستعمرات ، وامتزاجهم بسكانها , وصار لهم موطأ قدم ثابتة في تلك المناطق الساحلية والتي استغلوها سواء في الحملة الأولى أو الحملة الثانية .

ذو نواس والفرس :
وأما فيما يخص بإيمان ( ذي نواس ) بالديانة اليهودية ، فهو في اعتقادنا لم يكن يؤمن بها من قريب أو بعيد , وإنما دخوله في الديانة اليهوّدية هو في - رأينا - رمز من التخلص من النفوذ السياسي البيزنطي
ودليل ذلك تحالفه مع الفرس المجوس ( عبدة النار ) لكونها الخصم اللدود للدولة البيزنطية المسيحية فوجه وجهه صوب الإمبراطورية الفارسية مستغلاً العداء التاريخي المستحكم بينها وبين الإمبراطورية البيزنطية .

وهذا ما أكدته د.أسمهان الجرو ، قائلة :
" ويبدو أنّ ( يوسف ) بدأ في البحث عن حليف يمكن الاعتماد عليه عند الضرورة ، فوجه نظره صوب ( فارس ) العدو التاريخي ( البيزنطية ) مستغلاً الأحوال المضطربة بينهما " .

وفي واقع الأمر ، أنّ الفرس وجدوا أن التحالف مع اليهود والمعارضين الآخرين للدولة البيزنطية سيجعل لهم نفوذ في شبه الجزيرة العربية . وهذا ما أكدته أسمهان الجرو ، حيث تقول :
" أمّا الفرس فكانوا يفضلون التعامل مع اليهود ، والمذاهب الدينية المناهضة للروم مثل ( النسطورية ) للتحريض ضد بيزنطة وتأجيج المعارضة عليها ، ويتحينون الفرصة الملائمة لمدّ نفوذهم إلى ذلك الجزء البعيد من شبه الجزيرة العربية " .
ومن المرجح أنّ دخول ( ذا نواس ) في الديانة اليهودية شجع الفرس على التعاون معه ضد خصومه السياسيين في الداخل وأعدائه في الخارج وهم البيزنطيين .

الفرس يتخلون عنه :
وفي الحقيقة أنّ الملك الحميري ( ذا نواس ) لم يكن له خيار سوى التحالف مع الإمبراطورية الفارسية بهدف مساعدته في تحقيق أهدافه السياسية وهي التخلص من النفوذ الحبشي البيزنطي الذي جثم على اليمن منذ فترة طويلة .

وظن ذلك الملك الشاب ( ذو نواس ) والذي نعته ابن هشام بأنه كان شاباً يتقد ذكاءً بأن تحالفه مع الفرس سيكون درعاً لحمايته من الأخطار الحبشية البيزنطية ولكنه أكتشف الحقيقة المُرة بعد فوات الأوان أو بتعبير آخر أنه لم يحسب حساب مصالح الإمبراطوريتين العظيمين الرومان والفرس اللتين فرضت عليهما الأوضاع السياسية الدولية إقامة السلام بينهما

وكان من جراء ذلك أن تخلى الفرس عن الملك الشاب ( ذي نواس ) وتركوه وحيداً في وسط الأمواج السياسية العاتية يلقى مصيره مثلما حدث مع الحملة الحبشية الأولى على اليمن سنة 518م ، والحملة الثانية سنة 525م.

وحيداً في وسط المعركة :
وهذا ما أكدته الدكتور اسمهان الجرو الذي أشارت إلى حادثة الأخدود التي وقعت سنة 516م - حسب قول حمود السقاف - حيث تعرض فيها المسيحيين إلى التعذيب الغليظ بالحرق بأوامر من الملك ( ذي نواس )

فاستغلت بيزنطة تلك الحادثة فهيجت عليه الرأي العام المسيحي من ناحية ووقعت معاهدة السلام مع الفرس سنة ( 524م ) من ناحية أخرى وبذلك حققت الدبلوماسية البيزنطية نصراً رائعا على ملك حمير أو بتعبير آخر أنها مهدت السبل الاستيلاء على أرض حمير ( اليمن ) والتحكم بطرقه التجارية البرية والبحرية دبلوماسياً أولاً وعندما تهيئة الأجواء السياسية الداخلية في اليمن والدولية تتخذ الوسائل والسبل العسكرية لاحتلال اليمن .

ولقد حاول الملك ( ذو نواس ) أن يوضح للفرس بأنه في أشد الحاجة إليهم ولكنهم خذلوه وأعرضوا عنه فصار وحيداً في وسط المعركة بين أنياب التحالف الحبشي البيزنطي .
فقد تخلى عنه المنذر حليف الفرس ،
وتخلى عنه أيضاً الفرس عن مد يد العون له ضد الهجمة الحبشية البيزنطية الشرسة على أرض حمير .

وفي هذا الصدد ، تقول الدكتورة أسمهان الجرو :
" في الوقت الذي كان ( يوسف ) بأمس الحاجة لمثل ذلك الدعم ، بل كان يرى في ( فارس ) العدو التاريخي لبيزنطة ، والسّند الدولي لسياسته ، لكن بيزنطة تمكّنت من عزل الملك اليمني عن القوى الوحيدة المؤثرة والتي كانت بالإمكان أنّ تسانده .
وفي الوقت ذاته نجح المبعوث ( البيزنطي ) أيضاً في أنّ يعقد معاهدة سلام مع ( فارس ) ، كان ذلك في شهر فبراير من عام ( 524م ) "
أي قبل إرسال الحملة الثانية على اليمن.

هل هي حركة وطنية ؟

والحقيقة أنّ الملك الحميري الشاب ( ذا نواس ) كان يهدف - كما أشرنا في السابق - بالتخلص من النفوذ الحبشي البيزنطي الذي تغلغل في كل مكان من مناطق وأقاليم اليمن مثلما حدث في نجران ، ظفار ، والمناطق الساحلية التهامية

وبالرغم من خطورة الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية التي كانت تحيط به ،. فقد تجرأ أن يعادي الدولة البيزنطية . ولذلك رأى الكثير من الكتاب والمؤرخين أنّ حركة ( ذا نواس ) حركة وطنية تهدف في المقام الأول تحرير اليمن من قيود الحبشة وبيزنطة ومنهم الأستاذ أحمد أمين ، حيث قال :
" ويظن بعض المؤرخين أنّ حركة ذي نواس هذه كانت حركة وطنية ، ذلك أنّ نصارى نجران كانوا على ولاء مع الحبشة , وكانت الحبشة تعد حامية النصرانية في نجران ، وقد اتخذت النصرانية وسيلة للتدخل في شئون اليمن ، فأراد ذو نواس وقومه محو هذا النفوذ الحبشي ؛ ولذلك لما قَتل ذو نواس نصارى نجران استنجد بقيتهم بالحبشة فانجدوهم " .

" النية المبيتة "

والحقيقة أنّ حادثة الأخدود التي وقعت في نجران على يد الملك ذي نواس بإحراق نصارى نجران لم تكن السبب الرئيس في إقدام التحالف الحبشي البيزنطي في الاستيلاء على أرض حمير ( اليمن ) وتحطيم وتدمير قوة الملك الحميري ( ذي نواس ) . فقد كانت هناك نية مبيته من ِقبل التحالف أو المحور الحبشي البيزنطي في ضرب الملك الشاب الحميري واحتلال أراضيه قبل حادثة الأخدود .
وهذا ما أكده الأستاذ حمود السقاف ، قائلاً عن الحملة الحبشية الثانية:
" يبدو أنّ الإعداد لها بدأت في مطلع الربيع من عام 524م ، وأنّ الإعداد لها بدأ عام 522م ، كما يبدو أنّ الإعداد لهذه الحملة بدأ قبل تعذيب نصارى نجران الذي حدث في عام 523م ، مما يوحي بأن الهدف من هذه الحملة لم يكن خالصاً لوجه العقيدة ، بل كانت له أهداف سياسية واقتصادية ، أولها السيطرة على طرق التجارية البرية والبحرية لصالح البيزنطيين وأتباعهم الأحباش " .

رمز للمقاومة :

لقد أوضحت الحملة الحبشية الأولى على اليمن سنة 518م مدى التضامن القوي بين القبائل اليمنية والملك ( ذو نواس ) في مواجهة الغزو الحبشي ، حقيقة كانت هناك قوى سياسية محلية ارتبطت مصالحها بمصالح المحور الحبشي البيزنطي ولكنها لم تكن من القوة الكافية التي يمكن أنّ تؤثر في سير المعركة أو ترجح كفة الميزان لصالح الغزو الأجنبي على أرض حمير ( اليمن ) .
أما القوى السياسية اليمنية الأصيلة التي التفت حول الملك يوسف / ذو نواس ، فكانت من القوة التي غلبت كفة الميزان العسكري لصالح الملك الحميري .
ويبدو أن سبب ذلك الحماس المنقطع النظير لتلك القوى المحلية هو إيمانها العميق بأن الملك ذا نواس يمثل رمز المقاومة ، والمنقذ من التدخل والغزو الأجنبي الذي يهدد أرضهم اليمن وحياتهم ، وهويتهم الوطنية ولذلك السبب انتصر اليمنيين بقيادة الملك الشاب المتقد ذكاء على القوات الحبشية التي كانت أقوى عدداً وعدة من الجيش اليمني المكوّن من الأقيال أي من زعماء القبائل اليمنية .
وهذا ما أكدته الدكتورة أسمهان الجرو ، قائلة :
" بأن قوات ( شرحئيل ) - قائد قوات الملك ( ذا نواس ) - لم تواجه أية مقاومة على امتداد الطريق من ( المخا ) إلى ( كوكبان ) وحتى ( نجران ) " .
وتضيف ، قائلة :
" وتؤكد أسماء القبائل التي حاربت إلى جانب الملك الحميري ، أنّ سطوته كانت قويّة ، وأنّ مؤيديه كانوا كثيرين ، وربما وجدوا فيه المنقذ والخلاص من التبعية الحبشية ، أمّا معارضوه فكانوا محدودين يتمركزون في مناطق - سبق أنّ أشرنا إليها - لها ارتباط قوي بالمصالح الاقتصادية الحبشية والبيزنطية " .
وعلى أية حال ، فشلت الحملة الحبشية الأولى على اليمن . وحقق الملك الحميري على أرض حمير ( اليمن ) انتصاراً باهراً ورائعاً وصار يمثل رمز المقاومة والمنقذ والمخلص من النفوذ الأجنبي - كما أسلفنا - .

أخطاء ذو نواس الفادحة :

في سنة 525 م ، تبدأ صفحة جديدة من صفحات تاريخ اليمن القديم ، ولكنها كانت صفحة مليئة بالدماء ، والحزن ، والدموع رضخت فيها أرض حمير أرض الحضارة العظيمة ردحاً من الزمن تحت الاحتلال الحبشي البيزنطي .
فقد تمكن المحور الحبشي البيزنطي في الحملة الثانية على اليمن في إضعاف المقاومة اليمنية المتمثلة بهزيمة الملك الحميري ( ذي نواس ) بمساعدة الطابور الخامس أي بمساعدة خصومه السياسيين المتضررين من سياسته القمعية .

والحقيقة أنّ الملك يوسف / ذا نواس وقع في أخطاء جسيمة وفادحة و هي أنه ترك هوة الخلاف بينه وبين الأقيال زعماء القبائل والعشائر تتسع , وكان في إمكانه أنّ يحلها من خلال إبداء الاحترام والتقدير الكبيرين لهم ، وأنّ لديهم الحظوة والمكانة الكبيرة في دولته نظراً لدورهم الخطير في استقرار أركان مملكته .
وهذا ما أكدته أسمهان الجرو ، قائلة :
" ويرجع بعض المؤرخين بأن هناك خلافاً خطيراً برز بين الملك الحميري ( يوسف ) ، وقادته العسكريين ( اليزنيين ) ففي - اعتقادهم - أنّ هذه الفئة قد غدت بعد غزوات الملك الحميري ، قوة لا يستهان بها حيث كان لها تأثير كبير على اتخاذ القرار السياسي ، وبالقدر الذي كان لهم الفضل في تقوية المركزية واستتاب أمنها ، واستقرارها ، قد يكونوا وراء إضعاف وتطويق نفوذها السياسي " .

هل انتحر أم نحر ؟
وكيفما كان الأمر ، فقد تمكنت الحملة الحبشية البيزنطية من القضاء على الملك ( ذي نواس ) رمز المقاومة على أرض اليمن ضد الغزاة .

ولقد أجمعت الروايات التاريخية أنّ الملك ( ذا نواس ) قد انتحر بعد أنّ أغرق نفسه في البحر .

وفي هذا الصدد ، يقول ابن هشام :

" فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسَه في البحر ، ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح ( الماء اليسير الذي لا غرق فيه ) البحر حتى أفضى به إلى غمره ( الماء الكثير يغرق فيه ) فأدخله فيه ، وكان آخر العهد به " .

وتؤكد الدكتورة أسمهان الجرو نقلاً عن المصادر العربية الإسلامية أنّ الملك ( ذا نواس ) فضل الموت على الأسر " ورمى بنفسه من حصانه في البحر ، وملكت الحبشة اليمن " .

معلومات مثيرة :

ويكشف حمود السقاف معلومات مثيرة وجديدة حول قضية مصرع الملك ( يوسف ) ( ذو نواس ) وهو أنه قتل ولم ينتحر كما تزعم المصادر العربية الإسلامية ، فهو يؤكد أنه قتل غدراً على أيدي بعض الحميريين وربما يكونوا من معارضيه وخصومه السياسيين والموالين للحبشة وبيزنطة .
وفي هذا الصدد ، يقول :
" وعلى العكس مما رواه الطبري ، ووهب ابن منبه وغيرهما من الأخباريين العرب ، فإن بيتاً من الشعر نُسب إلى عُلمقة ذي جدن أشار فيه إلى مصرع ذي نواس يوحي بأن ذا نوَاس لم ينتحر ، بل قتل غدراً على أيدي بعض الحميريين حيث يقول عُلقمة ذو جدن فيه :
أوَما سمِعت بقتل حمير يوسف -- أكل الثعالب لحمه لم ينتحر

الوجه الآخر للمك ( ذو نواس ) :

الحقيقة أنّ الكثير من المؤرخين المحدثين والباحثين الحاليين يرون الملك ( ذي نواس ) بأنه كان وطنيا ، فقد كان يرفض تدخل النفوذ البيزنطي وحليفتهم الحبشة في شئون اليمن حتى أطلق عليه بعض المؤرخين بأن حركته تمثل حركة وطنية نابعة من التربة اليمنية الأصيلة ، وأنه بذل قصاري جهده من أجل الحفاظ على الهوية اليمنية الأصيلة والأصلية ومن أجل هذا دفع حياته ثمناً لتلك القضية السامية والنبيلة .

كان ملكاً غشوماً جباراً :

ولكن بعض المؤرخين ، والأخباريين العرب يرون أنّ الملك ( يوسف ) ( ذا نواس) كان ملكاً غشوماً ، جبارا ، طاغيةً بسبب سياسته العنيفة والشديدة إزاء النصرانية في اليمن ، وأن حادثة الأخدود لدليل واضح على اضطهاده الكبير على المسيحيين في نجران حصن المسيحية والذي ذكرها القرآن الكريم في سورة البروج .

وربما هنا كان مناسباً أن نقتبس من كلام الأستاذ حمود السقاف حول حادثة الأخدود ، فيقول :

" إنّ ما يؤكد فكرة رفض أهل نجران تقديم الرهائن إلى شرحئيل ذي يزن قائد قوات ذي نواس المحاصرة لهذه المدينة ، هو ما جاء في كتاب الحميريين السُرياني من أنّ الرّهائن الذين أرسلوا من نجران ، عادوا إليها .

ويفيد النقش أنّ النتيجة التي ترتبت على رفضهم تقديم الرهائن هو شق مجمرة أي أخدود ، حسب ترجمتي له .

إنّ ترجمتي تستند إلى الدراسة اللغوية لبعض مفردات هذه الفقرة من السطر السابع ، التي وردت في النقش RY 507 يدعمها ما ذكره الأخباريون العرب عن قيام الملك ذي نواس ، اليهودي العقيدة ، بشق أخدود ملأه بالنار لنصارى نجران ، كما أنّ ترجمتي يعززها أحد الافتراضات التي نسبها المفسرون إلى أنّ علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، من أنّ أصحاب الأخدود المذكورين في سورة البروج ، كانوا قوماً باليمن " .



المصادر :

1-الدكتورة أسمهان سعيد الجرو ؛ موجز التاريخ السياسي القديم لجنوب شبه الجزيرة العربية ( اليمن القديم ) ، مؤسسة حمادة للخدمات والدراسات الجامعية ، أربد - الأردن .

2-حمود محمد جعفر السقاف ؛ أضواء جديدة على التاريخ تبابعة وملوك اليمن ، الطبعة الأولى 1425هـ / 2004م ، مركز عُبادي للدراسات والنشر ، صنعاء .

3-الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية - صنعاء - دار الميثاق للنشر والتوزيع 2006م .

4-عبد السلام هارون ؛ تهذيب سيرة ابن هشام ، الطبعة الثالثة والعشرون ، 1416هـ - 1995م.

5-أحمد أمين ؛ فجر الإسلام ، الطبعة الحادية عشرة ، 1975م ، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان .

6- الدكتور سيد أحمد علي الناصر ؛ الرومان والبحر الأحمر ، ندوة جامعة عين شمس - القاهرة - مصر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذو نواس الحميري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ملوك اليمن بعد سيل العرم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي لآلـــئ :: الأرشيف :: بعض :: من أرشيف 2014-
انتقل الى: